الاماكن والمدن والدول

نبذة تعريفية عن دولة الأغالبة

2000 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الثالث

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

دولة الأغالبة الاماكن والمدن والدول المخطوطات والكتب النادرة

أقام الخليفة العباسي هارون الرشيد في المغرب الأدنى (جمهورية تونس الحالية تقريبا) دولة مستقلة في نطاق التبعية للخلافة العباسية. 

وهي «دولة الأغالبة»، التي كانت بمثابة «دولة حاجزة» لحماية الحدود الغربية للدولة العباسية من أخطار أعدائها من الخوارج، و الأدارسة في المغرب، والأمويين في الأندلس، فضلا عن الروم أو البيزنطيين.

ومؤسس دولة الأغالبة، هو القائد العربي إبراهيم بن الأغلب بن سالم بن عقال، وهو من تميم، وهي القبيلة العربية الكبيرة.

ويصفه المؤرخون بأنه كان «فقيها عالما شاعرا خطيبا، ذا رأي و بأس و حزم و علم بمكايد الحروب. قمع الشر بأفريقية، و ضم الكلمة، و ضبط الأمور، و أحسن التدبير، و أوسع العطاء».

 

وعلى الرغم من أن مدينة «القيروان» كانت العاصمة الرسمية لدولة الأغالبة، إلا أن أمراء الأغالبة بنوا «قصورا» – أي مدنا حصينة – لتكون مقرا لإماراتهم وسكناهم.

نذكر منها مدينة «العباسية» التي عرفت أيضا «بالقصر القديم»، والتي بناها مؤسس الدولة إبراهيم بن الأغلب على بعد ثلاثة أميال جنوبي القيروان سنة 184هـ (800م).

وهناك مدينة «رقادة» التي بناها، في جنوب القيروان أيضا، إبراهيم بن محمد بن الأغلب، تاسع أمراء البيت الأغلبي سنة 263هـ (877م).

 

ومن قصور الأغالبية، قصر يسمى «بغداد»، وآخر يسمى «المختار»، و ثالث يسمى «العروس» و هو الذي بناه زيادة الله الأخير الأغلبي، وقد مدحه بعد ذلك الخليفة الفاطمي عبدالله المهدي بقوله: «رأيت ثلاثة أشياء بأفريقية لم أر مثلها في المشرق منها هذا القصر!».

وإلى جانب هذه القصور الملكية، بنى الأغالبة صهاريج ضخمة بلع قطر بعضها 150 مترا، و جلبوا إليها مياه الأودية بطريقة هندسية عجيبة. و منها يشرب أهل القيروان في سنين الجفاف.

وما زالت آثارها باقية إلى اليوم خارج القيروان، و تعرف باسم «مواجل الأغالبة». و المواجل مفردها الماجل وهو حوض أو فسقية من الحجر.

 

وكانت مدينة القيروان على عهد الأغالبة مركز إشعاع علمي و ديني في بلاد الغرب الإسلامي، و من أشهر علمائها، الفقيه القاضي أبو سعيد عبد السلام سحنون التنوخي الملقب «بسراج القيروان».

وقد ألف سحنون كتابا عظيما سماه «المدونة الكبرى» جمع فيه مسائل الفقه، على مذهب إمام دار الهجرة مالك بن أنس (ت 179هـ).

وبهذا يعتبر سحنون أول من جعل للمذهب المالكي في أفريقيا مركزا ثابتا. و كانت وفاة سحنون سنة 240هـ في دولة محمد بن الأغلب، و ضريحه مشهور بمدينة القيروان.

 

أما من الناحية الحربية، فقد كانت دولة الأغالبة دولة بحرية مجاهدة ضد الروم في البرح المتوسط. و لقد أقامت للدفاع عن سواحلها الممتدة من «طرابلس» شرقا إلى مدينة «بجاية» مع ساحل الجزائر غربا، سلسلة من المراقب العالية المزودة بالمناور أو أبراج النار لكشف سفن العدو من مسافة بعيدة.

فإذا رأوا عدوا في البحر مقبلا من بعيد، أشعلوا النار، على قمم هذه المناور إن كان الوقت ليلا، أو أثاروا منها الدخان إن كان الوقت نهارا لتحذير الأهالي من غارة العدو.

فكان الخبر ينتشر في جميع البلاد من خلال هذه المناور على التوالي في ساعات قليلة. على أن الإنجاز الحربي الكبير الذي تم في عهد الأغالبة كان بناء قوة بحرية هائلة، مكنتهم من فتح جزيرة «صقلية»، و جزيرة «مالطة»، والسواحل الإيطالية الجنوبية.

 

ففي سنة 212هـ (827م) قام الأمير الأغلبي زيادة الله الأول بن إبراهيم بن الأغلب، بفتح صقلية وأسند قيادة الحملة إلى قاضي القيروان أسد بن الفرات بن سنان.

وكان جيش هذه الحملة يتكون من سبعمئة فارس و عشرة آلاف راجل (أي جندي غير راكب). و كان إبحارهم في ربيع الأول سنة 212هـ . من ميناء «سوسة» التونسي، في أسطول من مئة مركب.

واتجهوا إلى الساحل الجنوبي الغربي لجزيرة صقلية حيث استولوا على مدينة مازره و غيرها من النواحي المواجهة للساحل التونسي جنوبا.

 

ويفهم من كلام المؤرخين أن مجاعة شديدة أصابت جنود المسلمين في هذه المناطق القاحلة حتى إنهم أكلوا لحم الخيل و الدواب.

ومضى مندوب عنهم يدعى ابن قادم إلى أسد بن الفرات و قال له: «ارجع بنا إلى أفريقية، فإن حياة كل رجل مسلم أحب إلينا من أهل الشرك كلهم». فقال له أسد: «ما كنت لأكسر غزوة على المسلمين، و في المسلمين خير كثير».

فأبى عليه الناس ذلك، و ثاروا عليه، فأراد أسد بن الفرات حرق المراكب لمنع أي تفكير في الانسحاب. و قد أثار ذلك غضب ابن قادم و من معه من جنود فثاروا ضده.

 

فما كان من أسد إلا أن تناول سوطه و ضرب ابن قادم ثلاثة أو أربعة أسواط فكأنه ضرب فيه دعوة التردد و الهزيمة. فتم له ما أراد و عادت العزيمة إلى النفوس، فقاتل البيزنطيين قتالا شديدا حتى هزمهم.

وقد استشهد هذا المجاهد الكبير عند أسوار مدينة «سرقوسة» شرقي الجزيرة سنة 213هـ (828م)، بعد أن وطد الحكم الإسلامي في بعض نواحيها. وكتب زيادة الله الأغلبي إلى الخليفة العباسي عبدالله المأمون يبشره بهذا الفتح الكبير.

أما جزيرة «مالطة» التي تقع بين أفريقيا و صقلية، فقد استولى عليها الأغالبة سنة 256هـ (870م) في عهد الأمير محمد بن أحمد بن الأغلب الملقب بأبي الغرانيق لأنه كان يهوى صيد طيور الغرانيق، و هي طيور مائية طويلة القوائم و الأعناق.

 

ولقد ترك المسلمون أثرا واضحا في جزيرة مالطة نلمسه في لغة أهلها التي تعتبر إلى الآن مزيجا من العربية و الإيطالية و الإنجليزية.

واستمرت دولة الأغالبة تحكم في أفريقيا و صقلية و مالطة إلى أن قضت عليها الدولة الفاطمية سنة 296هـ (909م)، وورثت أسطولها و ممتلكاتها في حوض البحر المتوسط.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى