الكيمياء

نبذة تعريفية عن مكونات وحجم “الذَرَّة”

1999 موسوعة الكويت العلمية الجزء العاشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

مكونات الذَرة حجم الذَرة الذرة الكيمياء

بحثَ الإنسانُ منذُ القِدَمِ في أمرِ المادّة وطبيعةِ تركيبها، وعَرفَ أنها ليستْ شَيئاً متصلاً، وإنما تَتكوَّنُ مِنْ وَحْداتٍ صغيرةٍ جِدّاً لا تقبلُ الانْقِسام.

وكان الفيلسوفُ الإغريقيُّ «ديموقْريطوس» أوَّلَ مَنْ أطلقَ على هذه الجُسَيْماتِ اسمَ «أتوم» (اي الذي لا يَنْقَسِمُ) وتَرْجَمَها علماءُ الحضارةِ العربيَّةِ الإسلاميّةِ إلى «الجوْهَرِ الفرْدِ» أو «الجزْءِ الَّذي لا يتجزَّأ»، ولكنَّها اصبحت تُعْرَفُ في لغتِنا المعاصِرَة باسْمِ «الذرَّة».

والذَّرَّة، كما نَعرفُها اليومَ، تُشْبِهُ في تركيبها مجْموعةً شَمْسيةً صغيرةً جداً، حيث تتكوَّنُ كلُّ ذَرَّةٍ من نواةٍ مركزيَّةٍ يطوفُ حَوْلَها «إلكترونٌ» أوْ أكثر، مثلما تَطوفُ الكواكبُ حوْلَ الشمسِ.

 

والنواةُ بِدَوْرِها تحتوي على نوعيْن أساسيّين مِنَ الجُسَيْماتِ الدَّقيقةِ، يُعْرَفُ أحدُهما باسمِ «البروتون» ويحمل شِحْنَةً كهربائيةً موجَبَةً، ويسمَّى الآخرُ «النيوترون»، وهو مُتعادِلُ الشِّحْنَةِ الكهرَبائية.

أمّا الإلْكترونُ فإنه يحملُ شِحْنَةً كهرَبائيةً سالبة، وتَكونُ الذرَّةُ في مجْموعِها متعادلةً كهرَبائياً، وهذه سُنَّةُ الكونِ في التوازُنِ.

ويمكننا أنْ نتوقَّع َأن يكونَ عددُ الإلكترونات التي تدورُ حولَ النواةِ مساوياً لعددِ البروتوناتِ الموجودةِ داخِلَها طالماً أنَّ للإلكترونِ شحنةً سالبةً ومساويةً لِشِحْنَةِ البروتونِ الموجَبَةِ. ويُطْلَقُ على عددِ البروتونات، وبالتالي عدد الإلكترونات، في ذرة عُنْصُرٍ ما اسْمُ «العددِ الذرّيّ».

 

وكتلةُ البروتون تساوي كُتلةَ النيوترون، ويبلغُ كُلٌّ منهما نحو 1850 مِثْلاً لِكتلةِ الإلكترون، ولذلكَ يُصبِحُ مَنْطِقيّاً أَنْ نقولَ إن كتلةَ الذَّرّةِ مُرَكَّزَةٌ في نواتِها، أو أنّ وزنَ الذرةِ هو مجموعُ وزْنِ البروتوناتِ والنيوترونات، مع إهمالِ وَزْنِ الإلكترونات المتناهي في الصِّغَر.

ومِنْ حيثُ الحجمُ: نواةُ الذّرةِ لا يتجاوزُ قُطْرُها أكثرَ مِنْ جزءِ من عشْرَةِ بلايين جُزْءٍ من السّنتيمتر، بينما يقعُ قُطْرُ أكبرِ ذَرَّةِ في حُدودِ جُزْءٍ من مئة مليونِ جُزْءٍ من السنتيمتر.

وهذا يعني أنَّ قُطْرَ الذَرَّةِ الكبيرةِ أكبرُ مليونَ مرةٍ تقريباً من قُطر نواتِها وأنَّ مُعظمَ حجم الذرةِ فراغٌ تتحرَّكُ فيهِ الإلكترونات. وإذا ما قُمْنا – فَرْضاً- بِرَصِّ مئةِ مليون ذرَّةٍ بجوارِ بعضِها البعض في صفٍّ واحدٍ لبلغَ طولُها سَنتيمتراً واحدا.

 

وهكذا يتَّضِحُ أنَّ الذرَّةَ ليستْ جُسَيْماً مُصْمَتاً كما كان يَعْتَقِدُ القدماء، ولكنَّها تتكوَّنُ من وَحْداتٍ مختلفة.

ويُساعِدُنا هذا التَّصَوُّرُ على قَبُولِ حقيقةِ أن الذّرَّةَ قابلةٌ للانْقِسام أو الاِنْشِطارِ، وهوَ عكسُ ما قالَهُ القُدماءُ.

فكلمَةُ «أتوم» لم تَعُدْ تُعَبِّرُ عَنْ حقيقةِ الذَّرَّة التي أَمْكَنَ بالفعلِ تَحْطيمُها وإطلاقُ طاقَتِها الهائِلَةِ في القنابلِ والمتفجِّراتِ والمفاعلاتِ النوويّة.

 

وأَبْسَطُ الذّرَّاتِ وأَخَفُّها على الإطْلاقِ هي ذرَّةُ عُنْصُرِ الهيدروجين، فنواتُها تَتَكَوَّنُ من بروتونٍ واحد موجبِ الشِّحْنَة، يدورُ حولَهُ إلكترونٌ واحِدٌ سالبُ الشِّحْنَة. ويقومُ الإلكترونُ الدَّوّارُ بِقَطْعِ بلايين الدَّوراتِ حولَ البروتونِ في جزءٍ من مليونِ جُزْءٍ من الثانية.

وتَتَنَوَّعُ العناصِرُ الموجودَةُ في الكونِ باخْتِلافِ مُكَوِّناتِ ذَرَّاتِها من بروتوناتٍ ونيوتروناتٍ وإلكترونات، فنواةُ ذَرَّةِ الهيليوم بها بروتونانِ ونيوترونان، ويدورُ حولها إلكترونان، وذَرَّةُ الكربونِ تحتوي في نواتِها على ستة بروتوناتٍ وستة نيوترونات ويَدورُ حولَها ستةُ إلكترونات.

وفي الذرّاتِ الكبيرةِ للعناصرِ الثَّقيلَةِ يكونُ تركيبُ الذرَّةِ أكثرَ تعقيدا، فنواةُ ذَرَّةِ عنصرِ اليورانيومِ تحتوي على 92 بروتوناً و 146 نيوترونا.

 

وَقد اتَّضَحَ حديثاً أنَّ ذرةَ اليورانيوم يمكن أن تَنْشَطِرَ إلى نِصْفَيْنِ تقريباً إذا قُذِفَتْ بنيوتروناتٍ عاليةَ الطّاقَة. وكان هذا بِدايَةَ الطَّريقِ إلى اسْتِغْلالِ الطّاقَةِ النوويّة.

ونظراً لاستحالةِ التَّعامُلِ معَ الوزْنِ الفعلي للذرَّةِ الذي يبلُغُ من الصِّغَرِ مقداراً خيالياً، لجأ العُلماءُ إلى مقياسِ آخرَ وهو جَمْعُ عددِ البروتوناتِ والنيوترونات واعتبارِ ناتجِ الجمعِ مقياساً لِوَزْنِ الذرَّة.

وبناءً على هذا يكونُ «الوزْنُ الذرِّي» لِلْهيدروجين مساوياً الوَحْدَةَ والوزنُ الذري للهيليوم 2+2=4، والوزنُ الذري للكربون 6+6=12، والوزنُ الذرِّي لليورانيوم 92+146=238.

 

ولذلكَ يُصْبِحُ من السَّهْلِ أن نقولَ إنَّ وَزْنَ ذَرَّةِ الكربونِ التي يَبْلُغُ وزْنُها الذّرِّي 12 هو ثلاثةُ أضغافِ وزنِ ذَرَّةِ الهيليوم التي يبلغُ وزْنُها الذرِّي 4.

وهذا أمرٌ بالِغٌ الأهميةِ عندَ إجراءِ التفاعلاتِ الكيميائيةِ حيثُ يُؤْخَذُ وَزْنُ الذَّرَّةِ في الاعتبار. وعندما تَتَّحِدُ ذَرَّاتُ عنصرٍ مع ذرات عنصرٍ آخرَ فإنَّها تترابَطُ في جزيء. وقد يتكوَّنُ الجزيء من ذَرَّتَيْن فقط، وقد يتكون من عدة مئاتٍ من الذرَّات.

ولقد ساعد نموذجُ التركيبِ الذرِّي على فَهْم وتفسيرِ الكثيرِ من الظواهرِ الفيزيائية مثل انبعاثِ الأشعةِ الضوئية ، وإنتاجِ أشعَّةِ الليزر، وسريانِ التيارِ الكهرَبائيِّ في المُوَصِّلاتِ المختلفةِ وغيرِ ذلك.

 

وإذا كُنَّا لا نستطيعُ رُؤْيَةَ الذّرَّةِ أو مكوِّناتِها، إلا أنَنا نستدلُّ على هذه المكوِّنات من آثارِها التي نلمسُها في التفاعلاتِ الكيميائيةِ والنووية.

وفي ظهورِ الصورة على شاشةِ التليفزيون حيث يظهرُ وميضُ الشاشةِ نتيجةً لاصطدامِ الإلكتروناتِ السريعة بها، وفي الميكروسكوب الإلكتروني الذي يكبِّر الصورة باستخدام شعاعٍ من الإلكترونيات.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى