الفيزياء

عمليتا “الليثوغرافيا الضوئية” و”الزرع الأيوني”

2013 الرمل والسيليكون

دنيس ماكوان

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الفيزياء

كيف يمكن ولادة دوائر متكاملة تحتوي على ملايين الترنزستورات والمكثفات والمقاومات على شرائح من السيليكون بحجم قطعة البنس النقدية؟

في منظور غاية في التبسيط، تنطوي العملية التصنيعية على عنصرين أساسيين: الحاجة أولاً إلى تحديد المساحات على سطح بلورة السيليكون التي ستُشاب أو تُغطى بطبقة حماية من الأوكسيد أو ببوابة معدنية أو تماس، والحاجة ثانياً إلى إضافة أجهزة الإشابة وفق التركيز والعمق الصحيحين في السيليكون. تُنجز الأولى بواسطة الليثوغرافيا الضوئية (Photolithography) والثانية بواسطة الزرع الإيوني* (Ion Implantation).

تمتعت الليثوغرافيا على مدار 200 عام بمكانة مرموقة في عالم الطباعة، ويمتلك الكثير منا صوراً معلقة على الجدران. تتضمن العملية الأصلية رسم صورة على لوح حجري باستعمال الشمع وتبليل الحجر بعد ذلك بالماء الذي ينفر عن الشمع. وعند تطبيق الحبر، فإنه يذهب فقط إلى الأماكن المغطاة بالشمع، مما يسمح بنقل الصورة من الحجر إلى الورق عند ضغطهما إلى بعضهما.

مع تطور التصوير، استُبدلت الصفيحة الحجرية بصفيحة معدنية مغطاة بمستحلب بدلاً عن الشمع. تُعرّض الصفيحة للضوء عبر فيلم يحتوي الصورة المزمع نسخها، وعند معالجة المستحلب كيميائياً، لا يكون ما تحت الصورة منه قد تعرض للضوء مما يجعله يبقى على الصفيحة. وعند تطبيق الحبر، فإنه يغطي الأماكن المغطاة بالمستحلب كما في العملية الأصلية.

قام جولز أندروس (Jules Andrus) في مختبرات بل بتكييف الليثوغرافيا الضوئية من أجل تصنيع الدوائر الإلكترونية (Andrus 1957). تُغطى شريحة السيليكون بغشاء محساس للضوء يسمى "المقاوم الضوئي" (Photoresist) ويوضع فوق الشريحة قناع شفاف للضوء في المناطق المزمع زرعها بالإيونات أو عمل التماسات عندها. يُعرَّض بعدها القناع للضوء ويعالج المقاوم الضوئي كيميائياً معرِّضاً المساحات المناسبة.

 

تحتاج العملية لاستعمال ضوء طول موجته أصغر من طول موجة الضوء المرئي لأن دقة الليثوغرافيا الضوئية تحددها خواص الضوء. وتتحدد دقة الأجهزة الضوئية بمسافات توافق تقريباً طول موجة الضوء المستعمل لمشاهدة الجسم.

وللحصول على أشكال حادة لأجسام أبعادها من مستوى عشر الميكرون، مثل أقطاب البوابة في ترانزستورات تأثير الحقل، من الضروري استعمال ضوء فوق بنفسجي، وتستعمل الصناعة حالياً الضوء فوق البنفسجي عند طول موجة قدره 0.193 ميكرون.

تتعلق الدقة أيضاً بالمسافة بين القناع والغشاء، ومن أجل نسخ شكل أبعاده من مستوى عشر الميكرون، يجب أن تكون المسافة قريبة جداً من سطح الغشاء وذلك لتقليل الإبهار [الضوئي]. أثبتت التكنولوجيا الحالية التي تستعمل الضوء فوق البنفسجي عند طول موجة قدره 0.193 ميكرون نجاحها، لكن عندما تتناقص أبعاد الشكل إلى ما هو أصغر من عشر ميكرون، سيكون من الضروري استعمال أطوال أمواج أقصر في حيز الأشعة السينية الطرية.

وسيتطلب ذلك الانتقال من الطباعة القريبة حيث يترسب القناع قريباً جداً من شريحة السيليكون إلى البصريات التي تُسقط صورة مصغرة للقناع على الشريحة.

دعنا نتتبع المراحل الأولى القليلة التي يلزم القيام بها لتصنيع ترانزستور N-MOSFET المبين في الشكل 5.4. بدءاً من قاعدة مُشابة نوع p، تتألف المرحلة الأولى من تشكيل المناطق المُشابة نوع n. وللقيام بذلك، تُنمّى طبقة من أوكسيد السيليكون على سطح بلورة السيليكون.

 

وفيما بعد، تُطبق طبقة من مستحلب تصوير محساس للأشعة فوق البنفسجية أو غشاء مقاوم [ضوئي] (Resist) على الشريحة التي يوضع فوقها قناع شفاف للأشعة فوق البنفسجية في محاذاة ضوئية للمناطق التي تحتاج لإشابة نوع n. تُعرَّض الشريحة للضوء فوق البنفسجي وتُعالج كيميائياً، فتكون الآن المناطق المزمع زرعها بالإيونات معرضة باستثناء طبقة الأوكسيد التي تُنزع بواسطة الحفر الكيميائي. ويُعرِّض ذلك مناطق السيليكون المُشابة نوع p التي ستشاب بنوع n.

يُنزع ما تبقى من الغشاء المقاوم تاركاً الشريحة مع طبقة حماية من أوكسيد السيليكون في كل مكان باستثناء المناطق المزمع زرعها.

كما سيوصف فيما يلي، يُستعمل الزرع الإيوني لإشابة المناطق المعرضة في حين يوقف أوكسيد السيليكون أو الأقنعة أجهزة الإشابة من الوصول إلى بقية السيليكون.

 ويُزرَع كفاية من الفوسفور لمعادلة عنصر إشابة البور الذي استُعمل للحصول على شريحة مُشابة نوع p، وبعد ذلك، يُزرع أكثر من الفوسفور للحصول على شريحة مُشابة نوع n.

بعد انتهاء الإشابة الضرورية، يُستعمل تتابع مشابه لتحديد طبقة الأوكسيد الرقيقة أولاً في عنصر نصف الناقل معدن- أوكسيد وقطب البوابة. تُكرر أخيراً العملية لتوضيع التماسات الكهربائية المستعملة لتشكيل N-MOSFET. وفي جذاذة حاسوب تحتوي على N-MOSFET وP-MOSFET، يمكن تكرار كامل تتابع المراحل أكثر من اثني عشر مرة حسب الدارة قيد التصنيع.

 

تُستعمل عملية الزرع الإيوني لإشابة مناطق من شريحة السيليكون انتقائياً، وقد أُجريت أولى تجارب الزرع الإيوني في مختبرات بل في سنوات اﻠ 1950. واقترح آر س أوهل أن توجيه حزمة من الإيونات من مُسرِّع إلى سطح بلورة نصف ناقلة يمكن أن يغير السطح من أجل تعزيز انتشار أجهزة الإشابة في البلورة (Ohl 1950).

كما وصف شوكلي لاحقاً كيف يمكن استعمال الزرع الإيوني مباشرة لإشابة أنصاف النواقل (Shochley 1954). وتعتبر هذه العملية جذابة لأنه يمكن التحكم بالكمية الجسيمة والموقع وعمق عنصر الإشابة. وكما سيناقش في الصندوق 2.4، يعتمد الزرع الإيوني على البحوث الأساسية الهادفة إلى فهم كيف تتبادل الجسيمات المشحونة الأفعال مع ذرات المادة.

من أجل زرع السيليكون لجعله نصف ناقل نوع p، توجه حزمة من إيونات البور إلى الشريحة (Rubin and Poate 2003). وبالمثل، تُستعمل حزمة من إيونات الفوسفور من أجل منطقة نصف ناقل نوع n. كما يُستعمل مسرِّع لإنتاج حزمة موجبة الشحنة من إيونات البور أو الفوسفور.

وتمر الحزمة عبر مغناطيس من أجل انعطافها بزاوية 90 درجة. تسمح قوة الحقل المغناطيسي بانتقاء الإيونات ذات الطاقة المناسبة للزرع في العمق المرغوب كما يبين الشكل 7.4. ويتم التحكم بتركيز أجهزة الإشابة بواسطة عدد الإيونات التي تضرب سطح السيليكون في وحدة المساحة.

ومن اللافت كيف تشكل التجارب، التي أُجريت منذ مائة سنة لفهم الأفعال المتبادلة بين جسيمات ألفا والمادة وللبرهان على أن الذرات تمتلك نوى صغيرة موجبة الشحنة في مراكزها، أساس تكنولوجيا الزرع الإيوني الذي يُستعمل في الصناعة الالكترونية لإشابة أنصاف النواقل.

بالتزاوج مع الليثوغرافيا الضوئية، يُمكِّن الزرع الإيوني من إشابة ملايين المناطق الأصغر من الميكرون في جذاذة حاسوب. ويستطيع مهندسو الكهرباء تصميم دارات غاية في التعقيد من أجل الحواسيب والهواتف المحمولة وغيرها، وفي النهاية، تعتبر القدرة على التحكم الانتقائي في وضع أجهزة الإشابة العامل الحرج في إنتاج الإلكترونيات والحواسيب المعاصرة.

 

كما ذُكر في الفصل2، بيّن وليام هنري براغ أن امتصاص جسيمات ألفا يختلف عن الامتصاص التقليدي للضوء والأشعة السينية، وفي الحالة الأخيرة، تتناقص كمية الضوء أسياً مع العمق. من جهة ثانية، تمتلك جسيمات ألفا مدى محدداً أو ما يسمى استطاعة منحدرة، وهي تفقد طاقتها ببطء مع عبورها المادة وتصل إلى السكون عند عمق يتعلق بالطاقة الابتدائية للجسيمة وبالجذر التربيعي للوزن الذري للمادة.

ويمكن بواسطة الحواسيب الحديثة حساب مسارات الجسيمات المنفردة وهي تتبادل الأفعال مع النواة والالكترونات على السواء. وبجمع المسارات المحسوبة لآلاف الجسيمات، يُحسب العمق الوسطي.

وتتشابه الحسابات جيداً مع مشاهدات وليام هنري براغ الأصلية. وبمزيد من الأهمية، تُستعمل الحسابات للتنبؤ بتوزع أجهزة الإشابة في السيليكون بدلالة طاقة إيوناتها وزاوية اصطدامها مع بلورة السيليكون، وهذا ما يُرشد تصنيع أجهزة أنصاف النواقل.

وفرت الأبحاث المنجزة في مطلع القرن العشرين حول بنية الذرة الأساس لتطوير الزرع الإيوني. وعند الزمن الذي اقترح فيه شوكلي استعمال المسرِّعات لزرع ذرات البور والفوسفور في السيليكون لتشكيل الترانزستورات، كان التبادل بين الجسيمات المشحونة والمادة قد فُهم تماماً وأصبح الزرع الإيوني واحداً من حجارة الزاوية في صناعة الالكترونيات.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى