الفنون والآداب

طرق اكتشاف وظهور “الأبجدية والألفبائية” عبر الزمن

1987 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الأول

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الأبجدية والألفبائية طرق اكتشاف الأبجدية والألفبائية الفنون والآداب المخطوطات والكتب النادرة

عندما تخطر في بالنا فكرةٌ معينة نُمسك القلم ونُحَوِّل هذه الأفكارَ إلى كلماتٍ مكتوبة فيقرؤها الآخرون ويفهمون ما نريد أن نقولَه. ونحن أيضاً نُمسك الكتاب أو الجريدة فنقرأ الأخبار والمعانيَ المنقولَة إلينا ونفهمها.

وكلُّ هذا كان بفضل تَعَلُّمنا للقراءة والكتابة، فالكتابة هي تحويل الأفكار إلى كلمات مركبة من حروف. والقراءة هي تحويل الكلمات المكتوبة إلى مَعَانٍ نفهمها عندما نقرأ.

إن الدورَ الذي تقوم به القراءةُ والكتابةُ كبيرٌ في حياتنا. والفضلُ يعود إلى تعلُّمِنا للحروف التي تتكون منها هذه الكلمات والتي تبدأ بالألِفْ فالباء فالتاء حتى حرف الياء، وعددُها في اللغة العربية ثمانيةٌ وعشرون حرفاً.

وهذه الحروف ينبغي تعلمها، فهي أساسُ التعليم كله وتعد أَهَمَّ ابتكارٍ إنساني.

 

إن ما نفعله الآن ببساطة بفضل هذه الحروف كان مشكِلةً كبرى بالنسبة إلى الإنسان القديم قَبْلَ أن يعرفها، فهو مثلُنا يريد أن ينقلَ أفكارَه إلى الآخرين، ويسجل أعمالَه والحوادثَ التي تجري له أو تدورُ من حوله. 

ويود أن يُدَوِّن الأشياءَ التي يريد أن يتذكرها، إلى آخر هذه الحاجات المهمة. ولأن الله قد وهب الإنسانَ عقلا مفكرا استطاع الوصولَ إلى طريقةٍ يستطيع من خلالها تحقيقَ هذه الأمور كلَّها.

 

والآن تَعَالَ نتابْع القصةَ من أولها….

في البداية كان الرسمُ، فنحن نلاحظ أننا نبدأ التَعَلُّمَ ونحن في مرحلة الطفولة المبكرة برسم الأشياء التي حولنا، فنرسم الشجرةَ التي نراها في الحديقة، والحيواناتِ التي تتحركُ حولَنا.

والشمسَ التي تشرق في الصباح. وهكذا كانت البدايةُ عند الإنسان القديم، فمحاولتُه الكتابية الأولى كانت رسوماً، ولهذا تُسمَّى هذه المرحلة بالمرحلة التصويرية أو الصورية، فكان إذا أراد الإنسانُ أن يشيرَ إلى حصان رسم صورةَ حصان، أو إلى عصفور رسم صورةَ طائر، وهكذا.

وهذه الصور تدل فقط على الشيء المرسوم، فصورةُ الرجل تَدُلَّ على الرجل فقط، وكذلك صورةُ القط أو الأسد، وهكذا.

 

وبهذا استطاع الإنسانُ أن يخطوَ أولى خُطُواته نحو الكتابة، ولكن ظهرتْ أمامه مشكلةً تحتاج إلى حل، وهي أن هناك أشياءٌ لا يمكن تصويرُها مثل الليل والنهار والشهر، وكذلك العواطفُ الإنسانية مثل الشفقة والرحمة، وكذلك المعاني الأخرى مثل القوة.

وقد استطاع أن يتغلب الإنسانُ على جانب من هذه المشكلة بأن اهتدى إلى فكرة الرموز. فالدائرةُ مثلاً تعني النهارَ، والنجمةُ المعلقة تدل على الليل، أما الدائرةُ وفي منتصفها نقطة فتعني الشمسَ، والهلال يعني الشهر.

وقد لاحظ الإنسان أن بعض هذه الصور قد يختلف الناس في فهمه لأنها ربما دَلَّتْ على أكثر من معنى، فَرَسْمُ العين يشير إلى العين التي نبصـر بها وكذلك يحمل معنى البصـر. ورَسْمُ الأذن يدل عليها كما يشير إلى السمع. فهذه صورٌ واحدة ولكن دلالاتِها مختلفةٌ ونطقُها مختلف.

 

ولكي يتخلص الإنسانُ من هذه المشكلة أخذ يضيفُ علاماتٍ تسبق الصورةَ أو تلحقها أو تكون حولها، وهذه العلاماتُ هي التي تُحَدِّدُ المعنى المقصودَ من الصورة المرسومة.

وقد انتشرت هذه الطريقةُ في منطقتنا العربية في وادي الرافدَيْن حيث نشأت الكتابة المِسْمَارية، وفي وادي النيل حيث عرفها المصريون القدماء وسجلوا بها لغتَهم القديمةَ (الهيروغليفية).

وقد حاولو إدخالَ تطويرات كثيرة لاختصار العلامات والصور وللدلالة على الأصوات، فاختصـروا صورةَ الثور مثلا واكتفوا للدلالة عليه برسم رأسه فقط، وكذلك كانوا يرسمون رأسَ الجمل للدلالة عليه بدلاً من رسمه كاملاً.

 

ولكن أَهَمَّ هذه المراحل كان اكتشافَ الأبجدية التي نعرفها على يد أجدادنا العرب الذين عاشوا في بلاد الشام، فقد التقط الكنعانيون ما وصل إليهم من المصريين وبلاد الرافدَيْن، وبدأوا بإلغاء الصور والاكتفاءِ فقط بالرموز. وقد جاء بعدهم الفينيقيون، وهم فرع منهم وكان لهم الفضلُ الكبير في تحسين ما وصل إليهم وتطويره.

فمثلاً صورة رأس الثور والتي كانت تدل عليه جعلوها تدل على أول الحروف "الألف" (           )، وجعلوا الرسمَ الذي يشبه البيتَ يدل على حرف "الباء"، ورسم رأس الجمل (         ) يدل على حرف "الجيم"، ورسمَ العين لحرف "العين"، والكفَّ تدل على "الكاف".

وهكذا استطاعوا أن يرسموا بهذه الطريقة اثنين وعشـرين حرفاً تمثل أهم الأصوات المستخدمة، وهي:

  

 

وهذه الحروف كتبها بعضهم في كلمات هي:

أبْجَدْ – هَوَّزْ – حُطِّي – كَلَمُنْ – سَعَفَصْ – قَرَشَتْ.

ولأن الكلمة الأولى هي (أبجد) سميت هذه الحروف "الأبجدية".

وكان الفينيقيون تجارا مَهَرة يتعاملون مع شعوب كثيرة فاستطاعوا أن ينقلوا هذه الأبجديةَ التي اخترعوها إلى الشعوب التي تعاملوا معها.

فأخذها عنهم اليونانُ الذين جعلوها توافق لغتَهم ثم انتقلتْ إلى الرومان ومنها انحدرت الأبجدياتُ الأوروبية كلها، ولذلك نرى أنها تحفظ إلى الآن بالاسم نفسه "ألفا ALPHA" وبالحروف A B C D، وانتشرت كذلك شرقاً حيث أخذها الآراميون وانتقلت إلى الهند وإلى غيرها من الشعوب الشرقية.

 

واستمرت هذه الكتابة في منطقتنا العربية، فوصلت إلى التَدْمُريِّين والأنباط، ومن كتابة هذين وصلت إلينا الكتابةُ العربية التي نعرفها الآن.

ولكن عندما نعود وننظر إلى الحروف الفينيقية سنجد أنها اثنان وعشرون حرفاً فقط، ونحن نعلم أن عددَ الحروف العربية التي تشمل أهمَّ أصواتها هي ثمانيةٌ وعشرون حرفاً، إذن فقد بقية ستةُ أصوات عربية لم تَرِدْ في الأبجدية الفينيقية، فقام العرب بإضافتها وهذه الحروف هي:

ث – خ – ذ – ض – ظ – غ

 

وقد نَظَم أحد الشعراءِ الأبجديةَ في بيت من الشعر فقال:

أَبْجَدْ هَوَّزْ حُطِّي كَلَمُن

                             سَعَفَصْ قَرَشَتْ ثَخذ ضَظَغٌ

ولا بد أن ننتبه إلى أن الحروفَ لم تكن منقوطة، وأن هنالك تشابهاً في رسم بعضها مثل مجموعة ب، ت، ث، ومجموعة، ج، ح، خ، ومجموعة ر، ز، ومجموعة س، ش، إلى آخر ذلك. وكان القدماء يستطيعون قراءتها على هذه الصورة دون خطأ لأنهم كانوا يفهمون المعنى من سياق الجملة.

واستمر الأمرُ هكذا حتى جاء الإسلامُ وانتشرت اللغةُ العربية بفضل القرآن الكريم والفتوحات الإسلامية، ودخل في الإسلام أقوام كثيرة من غير العرب، وأخذوا يُخْطِئون ويَخْلِطون بين الحروف المتشابهة في الرسم.

 

وكان أولَّ من انتبه إلى هذا الأمر الحجاجُ بن يوسف الثقفي وكان واليا على العراق أيام الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، فطلب من أهل العلم باللغة أن يعالجوا هذا الأمرَ. وقد كان أشهرَ من تولى هذه المهمةَ العالمُ نصـر بن عاصم، الذي قام بعمليْن هما:

1- أنه وضع للحروف المتشابهة في الشكل نُقَطاً حتى يسهلَ التفريقُ بينها في اللفظ، فوضع تحت الباء نقطةً (ب) وفوق التاء نقطتيْن (ت)، وهكذا فعل لبقية الحروف وهي:

ب – ت – ث – ج – خ – ذ – ز – ش – ض – ظ – ف – ق – ن – ي.

 

2- أما الشيءُ الثاني الذي فعله فإنه نظر فوجد أن بعض هذه الحروف متشابه في شكله، فالباء تشبه التاء، والدال تشبه الذال، فأعاد ترتيب هذه الحروف من جديد فاصبحت كالتالي:

وأصبح هذا الترتيب يسمى "ألفبائية"، واحتفظ الترتيبُ القديم باسم "الأبجدية". ونحن الآن نستعمل هذا النظام بكثرة في إعداد المعجمات والموسوعات والفهارس. أما النظامُ الأبجدي فإنه يُستعملُ في بعض الحالات، كتنظيم الفقرات ضمن الموضوعات، وغير ذلك.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى