شخصيّات

نبذة عن حياة الشيخ مبارك الصباح

2003 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الرابع عشر

عبد الرحمن أحمد الأحمد

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الشيخ مبارك الصباح شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

هُوَ الشَّيخُ مُبارَكُ بنُ صَباحٍ لُقِّبَ بـ (مُبارَكٍ الكبير)، سابِعُ حُكَّامِ الكوَيْتِ، ويُعْتَبَرُ مُؤَسِّسَ الكويتِ الحديثةِ، وُلِدَ في الكويْتِ عامَ 1844 ميلاديَّة، وتَعَلَّمَ وتَأَدَّبَ ببعضِ عُلُومِ الدِّينِ، اشْتَهَرَ بالذَّكاءِ وسِعَةِ الحيلَةِ، وكانَ طَموحاً صُلْبَ الإرادَةِ، تَعَلَّمَ الفروسيَّةَ، واكْتَسَبَ خِبْرَةً في الأُمورِ السِّياسيَّةِ في حياةِ جَدِّهِ ووالِدِهِ وأخيهِ.

كانَ غَيُوراً عَلى مَصْلَحَةِ الكويْتِ مُحِبّاً لأَهْلِهِ وأَبْناءِ وَطَنِهِ بَعْدَ وَفاةِ صَباحٍ تَوَلَّى ابنُهُ مُحَمَّدُ الحُكْمَ وتَوَلَّى مُبارَكُ شُئونَ حِفْظِ الأَمْنِ في الباديةِ.

تولَّى الحُكْمَ في يُونْيو 1896م الموافِقِ 25 ذي الحجةِ 1313هـ، وقد بايَعَهُ أَهْلُ الكويتِ، وعاهَدَهُم على إقامَةِ العَدْلِ والسَّعْيِ للإِصْلاحِ وألاَّ يقطعَ أمْراً إلاَّ بمشورتِهِمْ.

 

اسْتَطاعَ الشيخُ مباركُ الصّباحِ خلالَ فترةِ حُكْمِهِ الَّتي امْتَدَّتْ قُرابَةَ عِشْرينَ عاماً أنْ يَنْهَضَ بالكويتِ، بحيثُ أصبحتْ مَحَطَّ أَنْظارِ الكثيرِ من الدُّوَلِ، فَزادَ عُمْرانَها واتَّسَعَتْ مِساحَتُها وزادَ عَدَدُ سُكَّانِها وتَقَدَّمَتْ تِجارَتُها.

وازدادَتْ ثَرْوَتُها بفضلِ اهْتِمامِهِ بِحِرْفَةِ الغَوْصِ الَّتي بَلَغَتْ أَوْجَ قُوَّتِها عامَ 1912م (عامَ الطَّفْحَةِ)، حيثُ كانتِ الكويتُ آنذاكَ تمتلِكُ ثمانمائةَ سفينةٍ تَجوبُ البحارَ والمحيطاتِ.

وقد اسْتَتَبَّ في عهدِهِ الأَمْنُ والاستقرارُ الدَّاخِليِّ، وكانَ يفتحُ خَزائِنَهُ لتُجَّارِ الكويتِ، ويُساعدُهُم وَقْتَ الشِّدَّةِ ويَبيعُ تُمورَهُ لَهُمْ ولا يَستعجِلُ في تحصيلِ ثَمَنِها.

 

وقد ذَهَبَ في إحْدى السَّنواتِ مجموعَةٌ من تُجَّارِ اللُّؤْلُؤِ إلى (بُومْبي) لِبَيْعِ اللُّؤْلُؤِ هناكَ، وقد صادَفَهُم هُناكَ كسادُ الأَسواقِ ونزولٌ في الأَسْعار. 

فأَصْدَرَ أَمْرَهُ إليهِم بِإِبْقاءِ اللُّؤْلُؤِ عِنْدَ إحدى الشَّخْصِيّاتِ في الهِنْدِ والرُّجوعِ إلى الكويْتِ حتَّى لا يَتَحَمَّلوا خَسائِرَ كبيرةً في طولِ إقامَتِهِم وأعطاهُمْ عندَما جاؤُوا إلى الكويتِ من مالِهِ الخاصِّ ما يُقابِلُ قيمَةَ اللُّؤْلُؤِ ليُتاجِروا بِهِ.

وفي إحْدَى المَرَّاتِ هَجَمَتْ سَفينَةٌ مُسَلَّحَةٌ علَى سفينةٍ كويتيةٍ خارجةٍ من البَصْرَةِ إلى إيرانَ، فيها أَموالٌ لأَحَدِ التُّجَّارِ الكويتيينَ قُرْبَ بُوبيانَ، فَأَخذوا الأموالَ وقَتَلُوا رَجُلاً مِنْ أَهْلِ السفينةِ.

 

وعِنْدَما بَلَغَ مُباركَ الخبرُ سافَرَ إلى (القصبةِ) للتَّحَقُّقِ مِنْ أَمْرِ المجرمينَ وأرسَلَ تِلِّغرافاً إلى وكيلِهِ في البَصْرَةِ ليُخْبِرَ الحكومةَ العثمانيةَ، كما طَلَبَ وِساطَةَ الشَّيْخِ خَزْعَلَ حاكمِ عَرَبْستانَ، يَطلُبُ منهُ المساعَدَةَ حتَّى تَمَكَّنَ من إِحْضارِ المُجْرِمينَ، وأَنْزَلَ بِهِمْ العِقابَ.

وهكذا نُلاحِظُ أَنَّ الشَّيخَ مُباركَ يَهْتَمُّ بِمَصالِحِ رَعاياهُ ويَسْهَرُ عَلى راحَتِهِمْ ويُدافِعُ عن مصالِحِهِمْ، وفي عَهْدِهِ افْتُتِحَتْ أَوَّلُ مَدْرَسَةٍ نِظامِيَّةٍ في الكويتِ حَمَلَتْ اسْمَهُ المدرسةَ المباركيَّةَ عامَ 1912م وأشرفَ عليها المديرُ السيِّدُ عُمَرُ عاصِم، يُعاوِنُهُ مجلسٌ منَ التُّجَّارِ أسْهَموا في التَّبَرُّعِ لَها.

وحاوَلَ الشيخُ مباركُ الصباحُ بِحُسْنِ سياستِهِ وقوَّةِ شخصيتهِ أن يقفَ في وجهِ التيَّاراتِ المُتَصارِعَةِ الَّتي حاوَلَتِ السَّيْطَرَةَ على الكويتِ ممّا أكْسَبَهُ ثِقَةَ شَعْبِهِ واحترامَ جيرانِه.

 

وقد عاشَتِ الكويتُ مُسْتَقِلَّةً عَنْ الدولة العُثْمانيَّة فَلَمْ يَحْتَلَّ جنودُها أرضَها، أو تَخْضَعْ لِسيادَتِها، غَيْرَ أنَّ الدولةَ العُثمانيةَ أخذتْ تَنْتَهِزُ الفُرَصَ المواتيةَ لإِثْباتِ وُجودِها في الكويتِ مِثْل مُحاوَلَةِ تَعْيينِ مشرفٍ عثمانيٍّ لِمِيناءِ الكويتِ، وإِيفادِ مُوَظَّفٍ للحَجْرِ الصحيِّ، والقِيامِ بعدَّةِ مُحاولاتٍ لإِقامَةِ دارِ عَوائِدَ عثمانيةٍ، غَيْرَ أنَّ الشيخَ مباركَ أَحْبَطَها جميعاً.

وسُنِحَتْ للدَّوْلَةِ العثمانيةِ الفُرْصَةُ عَقِبَ الظُّروفِ السَّيِّئَةِ الَّتي أحاطتْ بِمُبارَكِ على يَدِ ابنِ الرَّشيدِ في مَعْرَكَةِ الصريفِ عامَ 1901م، حيثُ أمَرَتْ بتجهيزِ قُوَّةٍ عَسْكريةٍ تتكوَّنُ من عَشْرِ فرقٍ بقيادَةِ (محمودِ باشا الدَّاغِسْتانيِّ) اتَّجَهَتْ نَحْوَ البَصْرَةِ إلاَّ أنَّ واليها العثمانيَّ مُحسِنَ باشا أشارَ عليهم بإرْسالِ وَفْدٍ إلى الكويتِ لمفاوَضَةِ الشيخ مباركِ.

 

واتَّجَهَ بالفعلِ إلى هناكَ، وَمَعَهُ بعضُ أعيانِ البصرةِ وخمسةَ عشرَ جنديّاً، اجْتَمَعَ بالشَّيخِ مُباركَ غَيْرَ أنَّ المفاوضاتَ فَشِلَتْ بينَ الطَّرفينِ، مِمَّا دَفَعَ الدولةَ العثمانيةَ إلى توجيهِ إنذارٍ شديدِ اللَّهْجَةِ إلى الشيخِ مُبارك يَطلبُ منهُ الإِبْقاءَ على عددٍ من الجنودِ العثمانيينَ في الكويتِ على أن تَخْضَعَ لأَوامِرِهِ.

وأنْ يُسافِرَ مُبارَكُ إلى استانبولَ للعملِ عُضْواً بمجلسِ الشُّورَى العُثمانيِّ بمُرَتَّبٍ كبيرٍ، وفي ذلكَ الوقتِ منحتِ الحكومَةُ العثمانيةُ رُوسيا (مشروعَ كابنيست) وهو امتيازُ إنشاءِ خطٍّ للسكَكِ الحديديةِ يَرْبِطُ طرابلسَ على البحرِ المتوسطِ مَعَ الكويتِ عَبْرَ حِمْصَ وبَغْدادَ.

ومشروعاً آخرَ لأَلْمانيا وهو سكَّةُ حديدِ بَرْلين – بَغْدادَ الَّتي ينتهي عِنْدَ أرضِ كاظمةَ في الكويتِ، كَما طلبتْ منهُ أنْ يتخلَّى عنِ الحكومَةِ البريطانيَّةِ الَّتي بَدَأَتْ بَوادِرُ التَّقارُبِ مَعَها.

 

الأَمْرُ الذي دَفَعَ الدولةَ العثمانيةَ إلى إقامَةِ مَراكزَ تابِعَةٍ لها في الحدودِ الكويتيةِ الشماليَّةِ، حيثُ اعْتَبَرَهُ الشيخُ مباركُ تَدَخُّلاً عَلَنِيًّا في شُئونِ الكويتِ وتعدياً على سيادَتِها مِمَّا اضطرَّهُ إلى توقيعِ الاتفاقيةِ المشهورَةِ مع بريطانيا بتاريخِ 23 يناير 1899م.

كما كانَ الشيخُ مُباركُ الصباحُ على عَلاقَةٍ وثيقةٍ بالسّعوديينَ، وتجلَّى ذلكَ عندَما تمكَنَ آلُ الرَّشيدِ من الاستيلاءِ على الرياضِ ممَّا اضطرَّهُمْ إلى اللُّجوءِ إلى الكويتِ حينَ احتضنَ مباركُ آلَ سعودٍ الَّذينَ اتَّخذوا من الكويتِ مُنْطَلَقاً لاستِعادَةِ دولتِهِمْ وتدميرِ عدوِّهِمْ..

وأُتِيحَتْ الفُرْصَةُ للأميرِ عبدِ العزيزِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ الفيصلِ الذي تتلمذَ على يدِ مبارك بعدَ موقعةِ الصّريفِ، حينَ زَوَّدَهُ بما احْتاجَ إليهِ من مالٍ وزادِ وسلاحٍ، وخرَجَ من الكويتِ بقُوَّةٍ عسكريَّةٍ، عَدَدُها أربعونَ رجلاً بهدف استعادَةِ الرِّياضِ.

 

وأعَدَّ ابنُ سعودٍ خِطَّةً مُحْكَمَةً، حيثُ نَجَحَ في مُهِمَّتِهِ ونادى بنفسِهِ أميراً على الرِّياضِ، مُكَوِّناً بذلكَ الدَّولَةَ السعوديةَ الثالثةَ.

وقدَّمَ له الشيخُ مباركُ تأييداً دُبلوماسياً حيثُ أرسلَ إلى والي البصرةِ العُثمانيِّ آنذاكَ نوري باشا يُطالبُهُ بتأييدِ ابنِ سعودٍ في ملكِهِ في الرِّياضِ، كَما سانَدَهُ عَسْكَرِيّاً عِنْدَما قامَ بإرْسالِ جَيْشٍ كويتيِّ لمؤازرته، وعادتِ الحملةُ الكويتيةُ بعدَ نجاحِ مُهِمَّتِها.

 

ونتيجةً لتَصَدّي الشَّيخِ مُبارك لهذِهِ القُوى السِّياسيَّةِ حَصَلَتِ الكويتُ في عهدِهِ على الاسْتِقْرارِ السِّياسيِّ والاجتماعيِّ والاقتصاديِّ. وأَثْبَتَ بالدَّليلِ القاطعِ أَنَّهُ رَجُلٌ سياسيٌّ مُحَنَّكٌ.

قادَ البِلادَ إلى بَرِّ الأَمانِ، وقَدْ تُوفِّيَ عامَ 1915م ولَهُ سَبْعَةٌ مِنَ الأَوْلادِ هُمْ: جابِرٌ وسالمٌ وصباحٌ وفهدٌ وناصرٌ وحَمَدٌ وعَبْدُ اللهِ. وتَوَلَّى جابرُ الحُكْمَ في الكويتِ بَعْدَ وفاةِ والِدِهِ.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى