العلوم الإنسانية والإجتماعية

جدوى التحاق الطفل بالروضة من عدمه

1995 مستويات النمو العقلي

الدكتور محمد مصيلحي الأنصاري

KFAS

جدوى التحاق الطفل بالروضة من عدمه العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

ثالثاً : حول جدوى التحاق الطفل بالروضة من عدمه

عندما ظهرت برامج التربية المبكرة، كان ظهورها مقترناً في بادئ الأمر بما أشارت إليه البحوث والدراسات العلمية من أن أطفال الأسر المحرومة اجتماعياً وثقافياً ، يكشفون عن التحاقهم بالمرحلة الابتدائية عن مستويات منخفضة عقلياً ولغوياً وسلوكياً بصفة عامة.

لذا فقد تبنت هذه البرامج هدفاً أساسياً تمثل في محاولة رفع هذه المستويات المنخفضة وتعويض هؤلاء الأطفال عما يعانونه من حرمان  (Mayers, 1971; Passow, 1974; Verzaro, 1976) غير أن هذه البرامج سرعان ما تعددت وتنوعت وتمايزت ليخدم كل منها أهداف وفلسفات اجتماعية متغايرة ومتسخدمة في ذلك أساليب وممارسات واستراتيجيات تربوية مختلفة.

 

فكان منها البرامج النمائية ، والبرامج اللغوية العقلية ، والبرامج الحسية – العقلية وبرامج التهيئة للمراحل التعليمية التالية ، حيث لم تعد أهداف برامج التربية المبكرة قاصرة على العمليات التعويضية.

وكان ذلك كله أيضاً استجابة لما كشفت عنه الدراسات والبحوث العلمية من أن الاهتمام بتنمية الإمكانات العقلية والمواهب والاستعدادات الابتكارية وغيرها يجب أن يبدأ قبل المدرسة الابتدائية من خلال برامج رياض الأطفال الموجهة نحو تحقيق أهداف محددة .

 

وعندما عرض كل من (Spitz, 1945) ثم (Bowlby, 1951) العديد من النتائج السلبية التي كشفت عنها دراساتهم كنتيجة لالتحاق الاطفال بالحضانات أو بالروضات وسواء فيما قبل الثلاثة أو فيما بين الثالثة والسادسة.

تصدى لهم مجموعة من الباحثين الذين أوضحت نتائج دراساتهم أن هذه النتائج السلبية لا ترجع إلى بعد الأطفال عن أمهاتهم في هذه السن المبكرة إنما ترجع إلى عوامل أخرى ، منها قصور أو انخفاض مستوى الرعاية الفردية التي ينبغي أن يلقاها كل طفل في هذا السن المبكرة .

 

ومنها النقص الواضح في أعداد المعلمات وفي إعدادهن وكفاءتهن وكذلك بسبب المستوى المنخفض للبرامج والخبرات والأساليب والإمكانات التي تجعل من الروضات مكاناً أفضل على وجه اليقين من البيوت التي لا تتوافر فيها مثل هذه الظروف.

إن ذهاب الطفل للروضة التي تتوافر فيها الضمانات المشار إليها أفضل من تركهم في بيوت أو مع أمهات أو خادمات وسط ظروف قد لا تحقق رعاية لا تحمى من خطر، فضلاً عن أنها قد تحرمهم من أنشطة وخبرات ذات تأثير إيجابي عميق في شخصياتهم ومستقبلهم (Casler, 1968;  keyserliag, 1972).

 

إن المناقشة السابقة حول أهمية مؤسسات التربية المبكرة كبيئات نموذجية مزودة بكثير من الخبرات المتنوعة وتتوافر فيها أساليب ارعاية الجيدة التي قد لا تتوافر في ظل الظروف الأسرية الراهنة ، وحول حاجة صغار الأطفال إلى الأمومة وإلى العلاقات الدافئة والتفاعل المستمر مع الأمر في هذه المرحلة المبكرة.

من ناحية أخرى قد أدى إلى ظهور فكرة البرامج التربوية التي يشارك الآباء في تقديمها بأساليب متنوعة ، ولقد أجريت بعض الدراسات التتبعية التقويمية على مثل هذا اللون من البرامج المشتركة ، اوضحت نتائجها الأثر الإيجابي الي يمكن أن تتركه هذه البرامج سواء في مجال زيادة مستوى الذكاء أم التوافق الاجتماعي أم التحصيل الدراسي.

 

كما أوضحت ارتفاع درجات الأطفال الذين تعرضوا لهذه البرامج في مقابل أطفال لم يتعرضوا لها على اختبار للتهيؤ الدراسي ، (Bissell, 1973; Branfen Brenner, 1976; Goodson and Hess, 1977)، ومن بين أكثر الدراسات شيوعاً في مجال التأكيد على استمرار تأثير برامج ما قبل المدرسة على الأطفال خلال المراحل التعليمية التالية ، تلك التي نشرها (Osterlind, 1981) والتي أجريت على مجموعتين من الأطفال إحداهما ضابطة (208 طفلاً) والأخرى تجريبية (356 طفلاً).

 

حيث لم يتعرض أطفال المجموعة الضابطة لأية برامج تربوية داخل أي من الروضات ، في حين تعرض أطفال المجموعة التجريبية إما لبرامج تربوية في أحد الروضات الحكومية (174 طفلاً) أو لبرامج تربوية في أحد مراكز الرعاية غير الحكومية (182 طفلاً).

وتمثلت أدوات الدراسة في مجموعة من الاختبارات ، منها اختبار شامل لقياس المهارات الأساسية ، اختبار تحليل مهارات التهيؤ ، دليل الاستعداد الأكاديمي ، دليل النضج الاجتماعي ، والانفعالي ، قائمة سلوك التلميذ ، مقياس ابسلانتي للتقدير ، مقياس البيئة المنزلية ، فضلاً عن مقابلات اجريت مع بعض الآباء والمعلمين .

 

وقد كشفت نتائج هذه الدراسات عن وجود علاقة بين برامج ما قبل المدرسة وبين التحصيل في القراءة ، في حين أنه لم يوجد مثل هذا الارتباط مع التحصيل في الحساب.

كما كشفت ايضاً عن أن أطفال المجموعة التجريبية قد حققوا نضجاً اجتماعياً وثباتا انفعالياً أفضل من أطفال المجموعة الضابطة .

 

فإذا أضفنا إلى دراسة أوسترلند ، دراسة تتبعية تقويمة اخرى أجريت عام 1978 عن طريق مؤسسة البحث التربوي الشامل  في الولايات المتحدة الأمريكية لتقويم آثار برنامج Ypsilanti Perry لوجدنا أن هذه الدراسة قد كشفت نتائجها عن أن الأطفال الذين حضروا برنامج ابسلانتي بري ، قد حصلوا على درجات أعلى من أقرانهم الذين لم يحضروا البرناج وذلك في الاختبارات المقننة غير التحصيلية طوال سنوات المرحلة الابتدائية.

 

في حين أن هذه الفروق اقتصرت على السنوات الثلاث الأولى من المرحلة الابتدائية فقط بالنسبة للاختبارات التحصيلية المقننة ، وكانت أيضاً لصالح الاطفال الذين حضروا البرنامج (الفقي، 1986: 11)

وأخيراً فقد عرض (1981 Asterlind) تلخيصاً لاربع عشرة دراسة تقويمية أجريت جميعها بهدف التعرف على تأثير برامج رياض الاطفال أو برامج ما قبل المدرسة عموماً ، واسفرت نتائج هذا العرض عن أنه لم يعد هناك مجال للشاشة في فاعلية البرامج التربوية المبكرة التي تقدم للاطفال فيما قبل المدرسة وخاصة تلك البرامج التي تهمت بالخبرات العقلية.

 

ولقد أدت الدراسات والنتائج المشار إليها إلى ما يشبه الثورة في الفكر التربوي والنفسي المتعلق بالطفولة المبكرة ، وإلى إنشاء الروضات ومراكز الرعاية وإعداد المعلمات والاخصائيات وإقامة المراكز العلمية للطفولة في كثير من الجامعات في عدد كبير من المجتمعات.

غير أن هذه الدراسات والنتائج على أهميتها ، لم تمنع ظهور نتائج مناقضة لها تماما ، منها على سبيل المثال لا الحصر دراسة (Tyler, 1986) التي إنتهت في مقارنتها بين أطفال التحقوا بالروضة مع أطفال لم يلتحقوا بها وفي مجال مهارات التفكير المنطقي.

 

كما تقاس باختبار أعده الباحث اعتماداً على ست من مهام بياجيه ، انتهت نتائج الدراسة إلى القول بأن الأطفال الذين لم يلتحقوا بالروضة كان أداؤهم أفضل في خمس من مهام بياجيه الستة هي الطول والوزن والعدد والتسلسل وتكوين المجموعات . 

وكان أداء الأطفال الذين سبق لهم الالتحاق بالروضة أفضل فقط في مهام التصنيف ، الأمر الذي يبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كان التحاق الأطفال بالروضة من عدمه يحمل آثاراً على اكتسابهم لاي من العمليات العقلية المعرفية ، وخاصة في إطار نظرية بياجيه في النمو العقلي المعرفي .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى