الحيوانات والطيور والحشرات

نبذة تعريفية عن الحيوان الأولي” البَارَامِيسْيُوم”

1993 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الرابع

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

البَارَامِيسْيُوم الحيوانات والطيور والحشرات البيولوجيا وعلوم الحياة

البَارَامِيسْيُوم من الحيوانات الأَوّلِيَّة، كالأميبا، ولكنه أَعْقدُ كثيرا منها في تركيبه

ويُوجدَ من الباراميسيوم عدةُ أنواعٍ، أكبرُها طولهُ نحوَ ثلثِ ملِّيمتر. وإنك تستطيع أنْ تمضـيَ ساعاتٍ طويلةِ وأنت تَسْتمتِع بملاحظتِه من خلال المِجْهرِ.

لو أّخَذْت قَطْرة من مستنقع من الماء العذبِ وفَحَصْتَها بالمِجْهَرِ، فالأغلب أنك سوف تجد فيها بضعَ عشـراتٍ من الباراميسيوم. وأولُ ما يَلْفِت نظرك إليها حركتُها الغريبةُ السـريعة.

 

فالباراميسيوم لا يزحف كالأميبا، وإنما يندفع سابحا في الماء في مسار حلزوني، وجِسمه يدور حول مِحوَرِه الطوليِّ في الوقت نَفسِه!

والباراميسيوم يَمضـي مُعظَمَ وقتِه متحركاً، وقَلَّمَا نراه ساكناً. فإذا سَكَنَ وفَحَصْتَه بعدسة أكبَرَ من العدسات المُركَّبة في المجهر، لاحظت أن جِسمَه مُغَطّى ببضعة آلافِ من الزوائدِ، التي تُشبهُ الشَّعْرَ، ولكنها –طبعا-صغيرةٌ جداً، وتُسَمَّى "الأهدابَ".

وتَنْبُت الأهدابُ من سطحِ الجسمِ المُقَسَّم أحواضا دقيقةً، وكأنها أعوادُ النبات في حقل كبيرٍ. ويَسْتَعْمِل الباراميسيوم هذه الأهدابَ كما يَسْتعمِل السَّابِحُ يَدَيْه، أو البَحَّارُ المجادِيف في دَفْع قاربِه. والعجيب أنّ الباراميسيوم يُنَسِّق حركةَ  هذه الآلافِ من الأهداب حتى تُحْدِثَ حركة قويةً منتظمة.

 

وقد يصادف الباراميسيوم وهو يندفع في الماء شيئا هائلا، طوله بضعةُ مليمترات، يَعْترِضُ طريقه. وهو لا يبتعدُ عن هذا العائقِ قبل أنْ يقتربَ منه، كما تفعلُ أنتَ، وأنتَ تجري.

وإنَّما يصطدم به، ثم يَتَوقَّفُ لحظة. وبعد ذلك يعكس حركةَ أهدابِه، فيَرجعُ إلى الخلف دون أنْ يَستديرَ، أي أنَّه يسير إلى الوراء بِطَرْفِهِ الخلفيِّ المُدبَّب. ثم يُغَيِّر اتجاه حركتهِ قليلاً ويتقدم إلى الأمام.

فإذا اصطدَم بالعائق مرةً ثانية، رجع إلى الخلف وكرّرَ المحاولةَ مرة أخرى أو مرات، حتى يتقدم مرة فلا يعترضُه العائق، فيَمْضـي في طريقه.

 

وقد تبدو هذه الطريقةُ "غَبِيّة" ولكن الباراميسيوم يستعملها بنجاح في الابتعاد عن كلِّ ما يَضُـره في بيئتِه، فيجدُ نفسَه أخيرا في أنسب الأماكن لحياته!

وطعامُ الباراميسيوم هو البكتيريا، وهي كائنات ضئيلةُ الحجم جدا، حتى أنّ الباراميسيوم لابُدّ له من أن يَجمعَ منها الآلاف بل الملايين.

وقد خلق الله، سبحانه وتعالى، الباراميسيوم على الصورة التي تُمَكِّنه من ذلك فهو، كما يقول علماء الأحياء "مُكَيّفٌ" لهذا النوعِ من الاغتذاءِ.

 

ففمه صغيرٌ ولكنه مفتوحٌ على الدوام، وهو ليس في مُقدمةِ جسمه، كما في غيرهِ من الحيوانات، وإنَّما يتأخَّر إلى نصفه الخَلْفيِّ.

ويَسبقُ الفمَ أخدودٌ، أَيْ جزءٌ منخفضٌ من سطح الجسمِ. والأهدابُ التي في هذا الأخدودِ تتحركُ بقوة فَتَسْحبُ كِميةً كبيرة من الماء نحو الفمِ وتُصَفِّي منها البكتيريا العالقةَ فيها، وتدفعها نحو الفم.

ويُؤَدِّي الفَم إلى أنبوب داخلي فيه أهدابٌ تعمل أيضا على تركيز البكتريا. وكُلّمَا اجتمع منها مقدارٌ ابتلعه جسم الباراميسيوم في كرة من الماء.

 

ويَجْتَمِعُ في جسم الباراميسيوم عادةً عددٌ كبير من هذه الكراتِ التي يهضم فيها الغذاءَ. والباراميسيوم يّجْمعُ طعامه ليلا ونهارا دون توقفٍ، ورُبَّما كان يتحرك على الدوام لهذا السببِ.

وله العذر في ذلك، فلو أنَّ إنسانا تُرِكَ جائعاً سابحا في ماء كثير به حبات عالقة من السمسم، ومعه مِصْفاةٌ صغيرةٌ، لَكَان عليه أن يُصَفِّيَ السِّمسم من الماء باستمرارٍ حتى يشبعَ!

ويتنفس الباراميسيوم بطريقةٍ بسيطة، إذْ يَنْتشـرُ الأكسيجين الذائبُ في الماء إلى داخل الحيوانِ خِلالَ سطحِ جسمه. وكذلك ينتشرُ كلُّ ما في جسمِ الحيوانِ من موادَّ ضارةٍ خِلالَ سطح الجسم خارجة إلى الماء. فسَطْحُ جسمِ الحيوان يَعْمل عملَ الرئتين والكُلْيتين.

 

ولكنَّ المشكلة أنّ الماءَ الزائدَ عن حاجة الحيوانِ يَتَجمَّع في جسم الحيوان، ولو تُركَ لانْتَفخَ الحيوان ومات. ولكنّ هذا الماءَ تَجْمَعُه قنواتٌ دقيقة في فجوتين، واحدةٌ في مُقّدِّم الحيوان والأخرى في جزئه الخلفي.

وعندما تَمْتلئ إحْدى الفجوتين بالماء تَنْفجرُ طاردةً ما بها من ماءٍ إلى خارج الجسم، ثم تَليها الفَجوة الأخرى. وإذا راقبْت الحيوان فترةً رأيت هاتين الفَجْوتين وكأنهما عينان، تَفْتَح إحداهما وتَغْمضُ الأخرى، بالتبادل.

 

وإذا أُثِير الحيوان أَطْلق من سطح جسمهِ كُلِّه عددا كبيرا من الخيوط الطويلةِ، التي تُحيطُ به كالأشواك، ولكنّ هذه الأشواكَ لا تَحْميه، للأسف، من عَدُوّه اللَّدُود، المُسَمّى "ديدينيوم"، الذي هو أيضاً من الحيوانات الأَوَّلية ذاتِ الأهداب.

فَمَعَ أنّ هذا الحيوانَ أصغرُ حجما من الباراميسيوم، إلا أنَّه يستطيع أنْ يُهاجِمَه بطَرَفِه الأماميّ الذي فيه فمه. ثم يَتَّسعُ فم الديدينيوم كثيرا حتى يَبْتلعَ الباراميسيوم بأكملِه ثم يُطبق عليه، ويَصير الديدينيوم نفسُه كأنه كيسٌ حول فريستِه.

تَصَوّرْ صبيا يبْتلِع عِجْلا كاملا دون ذبْحِ أو سَلْخ أو تَقْطيعٍ ! والديدينيوم النَّهم يبتلع فريسته في نحو دقيقةٍ واحدة، ويهضمُها في وقت قصير.

 

ومع ذلك، نحن نجد أعداداً كبيرة من الباراميسيوم في البيئات المناسبة. ولا عَجَب في ذلك، فهو يتّكاثرُ بالانْشِطار البسيط عند منتصَفه إلى حيوانين، مرتين أو أكثر في اليومِ الواحد، أي أنَّ الفرد الواحدَ يصير أربعةَ أفرادٍ على الأقل في نهاية اليوم، وهكذا.

ولولا الديدينيوم وما يموت من الباراميسيوم لأسباب أخرى، لزاحمت أفراده كوكب الأرض. (وهكذا الحال في معظم الكائنات الأخرى.

وبعد الانشطار يفوز الأخُ الخلفيّ بالفم الأصلي، أما الأخ الأماميّ فَيَتَكَوَّن له فم جديد.

وفي بعض الظروف يتكاثر الحيوان تكاثرا تزاوجيا أيضا. فيلتصق فردان، ويأخذ كل منهما نواةً من الآخر. وهذا التكاثر التزاوجي لا نجده في الأميبا ولا في اليوجلينا، وهما أيضا من الحيوانات الأولية.

 

وعند الانشطار أو التزاوج تقوم النواة، كالمعتاد، بدور هام ومع أن الباراميسيوم يُشْبهُ في تركيبِه الَعَامِّ خَلِيَّةً حيوانية، لا نَجدُ فيه نواةً واحدةَ، كما هو معتادٌ في الخلايا. وإنَّما نجد فيه نواةً كبيرة، ونواةً صغيرة. وفي بعض الأنواع نجد عددا من النَّوى الصغيرة.

ويُمَثِّل الباراميسيوم مجموعةً من الحيواناتِ الأولية، تُسَمَّى "الهدبيَّات"، بها بضعةُ آلاف من الأنواع المختلفةِ في التركيب والحجم. فَمِنْها، مثلاً، ديدينيوم، عدو الباراميسيوم، وبه طوقان فقط من الأهداب.

وكثيرٌ من أنواعِها مُتَطَفِّلٌ في غيرها من أنواع الحيوان. ونوع منها يتطفل في أمعاء الإنسان، وينتقل إليه من الخنزير، ويُسَبِّبُ له نوعا شديدا من الزُّحار (الديسنتاريا)، واسمه العلمي: بالّنْتِيديُوم كُولَايْ.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى