إشاعاتطب وصحةوباء الكورونا

هل يؤدي تناول الأيبوبروفين إلى زيادة أعراض مرض كوفيد – 19؟

د. إسلام حسين

في الرابع عشر من مارس الماضي خرج علينا وزير الصحة الفرنسي أوليڤيه ڤيران بتغريدة على تويتر يحذر فيها من تناول الأيبوبروفين (Ibuprofen أو Advil)، والذي ينتمي إلى عائلة الأدوية غير الستيرويدية المضادة للالتهابات (NSAID). ويدعي وزير الصحة الفرنسي أن هذا الدواء المسكن والخافض للحرارة وشائع الاستخدام ربما يؤدي دورًا في تدهور حالة المصابين بڤيروس سارس-كوف-2 (كورونا المستجد)، ويشجع على استخدام الباراسيتامول كبديل. وقد انتشرت هذه التغريدة بشكل كبير وسلطت عليها وسائل الإعلام الضوء، مما أدى إلى حدوث ارتباك شديد بين الأطباء والجمهور عامة على حد سواء، لأن الباراسيتامول ينتمي إلى عائلة العقاقير NSAID نفسها. ولكن، هل لهذه الادعاءات أي أساس علمي؟

وبعد نحو أسبوعين من نشر هذه التغريدة، تحديدًا بتاريخ 1 إبريل الماضي، نُشرت مراسَلة علمية في المجلة الطبية الشهيرة لانسيت ( لطب الأمراض التنفسية )، اقترح مؤلفوها أن الأيبوبروفين يزيد من أعراض مرض كوفيد- 19. وقبل أن نتناول طرح المؤلفين دعونا أولاً نفرق ما بين “المراسلة” و “الورقة البحثية”. فالمراسَلة هي خطاب موجه من مجموعة من الباحثين إلى رئيس تحرير المجلة، يعرضون فيها وجهة نظر علمية أو ردًا على دراسة سابقة أو ملخصًا سريعًا لنتائج توصلوا إليها، ولكن هذا الخطاب لا يخضع للتحكيم بواسطة الأقران. وبعد اطلاع رئيس التحرير على محتوى الخطاب، يقرر مباشرة ما إذا كان يستحق النشر أم لا.

وعلى النقيض من ذلك، نجد أن الورقة البحثية سردية في قالب علمي متفق عليه لنتائج علمية، وتخضع للمراجعة والتحكيم الدقيق بواسطة الأقران والذي قد يحتاج إلى شهور. وبعد اطلاع رئيس التحرير على مسودة البحث يقرر ما إذا كانت مناسِبة للنشر في المجلة العلمية التي يرأس تحريرها، فإذا كانت الإجابة: نعم، يقوم بإرسالها إلى مجموعة من المحكمين المتخصصين للإدلاء بآرائهم في البحث، وقد يوصون بقبول البحث كما هو أو مع بعض التعديلات أو يرفضونه تمامًا. ولا يُنشر البحث إلّا بعد أن يجيب المؤلفون عن جميع الأسئلة والتعليقات من المحكمين، وفي بعض الأحيان يضطرون إلى إعادة بعض التجارب أو إجراء تجارب جديدة. فهذا هو الإطار المعهود لآلية  النشر العلمي.

ولكن من أهم الظواهر التي شهدناها أثناء جائحة كورونا هي الانفجار المعلوماتي، أو كما أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية “وباء معلوماتي” (Infodemic)، والذي طال للأسف منصات النشر العلمي، هذا إضافة إلى المئات من المسودات البحثية التي تنشر يوميًا دون أي مراجعة. وصارت التفرقة بين الصالح والطالح تمثل تحديًا كبيرًا للعلماء المتخصصين، فما بالك بغير المتخصصين الذين يتلقون مثل هذه المعلومات، في هذا التوقيت الحرج الذي نعيشه، من وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي؟

باختصار، اعتمد هذا الاقتراح الذي قدمه المؤلفون (والذي لم يخضع لمراجعة الأقران) على فرضية أن الأيبوبروفين يزيد من معدلات بروتين Angiotensin-converting enzyme 2 أو ACE2 على سطح الخلايا، وهو البروتين نفسه الذي يستخدمه فيروس كورونا المستجد كمستقبِل للارتباط بخلايا العائل. ويمثل هذا الارتباط خطوة أولى وأساسية من خطوات تضاعف فيروس كورونا في الخلايا، فإذا ازدادت وفرته، فمن المحتمل أن يسهم هذا في تسهيل العدوى. ولكن الاقتراح الذي قدمه المؤلفون في خطابهم لرئيس تحرير مجلة لانسيت يظل في نطاق النظرية أو الفرضية التي تفتقر إلى أدلة تجريبية تدعمها. ولم يتوفر لنا أيضًا أي دليل إكلينيكي أو بيانات مسح لعدد كبير من المرضى لتدعيم هذه الفرضية.

ودفعت هذه الادعاءات التي لا يدعمها أي دليل علمي قوي بمنظمة الصحة العالمية إلى الإدلاء بتصريح رسمي في الثامن عشر من شهر مارس الماضي قالت فيه إنها لا توصي بعدم تناول الأيبوبروفين، أو بعبارة أخرى، منظمة الصحة العالمية تنفي الخبر الأول الذي ينصح بعدم تناول هذا الدواء.

بالطبع، فإن هناك احتمالًا لأن يُخفي الأيبوبروفين أعراض الالتهابات بشكل عام، مما قد يُصعّب من مهمة تشخيص عدوى كوفيد-19، وخصوصًا في الحالات الخفيفة التي تمثل أغلبية الإصابات. ولكن هذا التأثير ستشترك فيه أغلبية الأدوية المضادة للالتهابات والخافضة لدرجة الحرارة. ولكن، حتى الآن، لا تتوفر لنا أية أدلة تدعم فرضية تدهور (أو حتى تحسن) حالات كوفيد-19 بسبب تناول الأيبوبروفين. وفي جميع الأحوال، فإنه لا ينصح بتناول أي دواء دون استشارة طبيب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. دكتور إسلام الله يعطيك الف عافية على مجهودك الرائع بس حبيت اوضح بان الباراسيتامول لا ينتمي الى NSAID لكن ينتمي الى مجموعة المسكنات وخافضات الحرارة. ومشكور دكتورنا العزيز على كل ما تقدمه

زر الذهاب إلى الأعلى