البيولوجيا وعلوم الحياة

آلية تكوّن الخلايا السرطانية داخل جسم الإنسان

2013 آلات الحياة

د.ديفيد س. جودسل

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الخلايا السرطانية آلية تكوّن الخلايا السرطانية داخل جسم الإنسان البيولوجيا وعلوم الحياة

إن نمو الخلايا الجديدة هو حدث منظم بدرجة عالية ويتطلب تصريحاً وتعاوناً من أنسجة كاملة للقيام به.

حيث تتواصل الخلايا في الأنسجة باستمرار لتقرر لحظة بلحظة إذا ما كانت هناك حاجة لخلايا جديدة، فأنسجة مثل الجلد، والدم، والجهاز الهضمي، تحتاج إلى خلايا جديدة بصفة مستمرة، وذلك كي تحل محل الخلايا المفقودة أو المتهالكة.

وأنسجة أخرى، مثل الخاصة بالدماغ، لا تحتاج إلى مثل هذا الإحلال الكبير، ونادراً ما تنقسم خلايا هذه الأنسجة.

 

وفي الأحوال الطبيعية، ومن خلال التواصل والتحكم المتقنين ، فإن خلايانا تقوم بالانقسام بمعدل يكفي فقط للمحافظة على الأنسجة لتكون في حالة صحية ونشيطة. ولكن، عند فشل هذا التواصل، فإن خلايا غير طبيعية يمكنها النمو بدون تحكم مسببةً السرطان.

ولأن أجسامنا لديها العديد من وسائل الحماية ضد السرطان، فإن الخلايا السرطانية تقوم بإحداث العديد من التغيرات لكي تصبح خطيرة.

فهي تحتاج لأن يكون لديها القدرة على تجاهل جميع الإشارات التي تصل لها من جيرانها من الخلايا، وكذلك الإشارات الداخلية بها، والتي تخبرها جميعاً بأن تتوقف عن النمو.

 

كذلك فهي تحتاج لأن تقنع جيرانها من الخلايا الأخرى بأن تقوم ببناء أوعية دموية جديدة لإمداد الورم السـرطاني الآخذ في النمو بطريقة غير طبيعية بكميات إضافية من الغذاء والأكسجين وفي حالة الأنواع الإجتياحية من السرطان. 

فإن على الخلايا السـرطانية أن تعمل على إفساد بعض الآلات الجزيئية الطبيعية بالجسم لكي تشق طريقها إلى الأنسجة المحيطة، وكذلك الأماكن البعيدة عنها في الجسم من خلال تيار الدم.

تحدث جميع هذه التغيرات كنتيجة لحدوث طفرات في بروتينات معينة في الخلايا السرطانية، أو لبناء الكثير جداً أو القليل جداً من أحد البروتينات المحورية.

 

ويُطلق على الجينات التي تحمل شفرات لبناء هذه البروتينات اسم «الجينات المسـرطنة» (Oncogenes) وذلك بسبب ارتباطها بحدوث السـرطان.

على سبيل المثال، فإن أحد "الجينات المسرطنة" الرئيسية والتي توجد في العديد من الخلايا السـرطانية هو صورة طافرة من الجين المسؤول عن إنتاج البروتين 53 المثبط لتكوين الأورام (p53 Tumor Suppressor).

حيث يعمل هذا البروتين عادةً على مراقبة الخلية وما يحدث بها من تلف في الـ "دنا" أو غير ذلك من التغيرات التي يمكن لها أن تؤدي إلى النمو غير الطبيعي للخلايا.

 

وفي حالة وجود تلف، فإن البروتين يعمل على إيقاف انقسام الخلايا، بل ويمكنه أن يتسبب في حدوث «الموت المبرمج للخلية».

ولكن العديد من الخلايا السـرطانية يحتوي على صورة طافرة غير فعالة من الجين المسؤول عن إنتاج البروتين 53 المثبط لتكوين الأورام، ولذلك فإن السرطان يجد من الحرية ما يجعله ينمو بدون تحكم.

 

وتتضمن «الجينات المسرطنة» الأخرى والتي تحدث بها طفرات في الخلايا السرطانية الجينات الحاملة لشفرات "بروتينات الإشارات" (Signaling Proteins) والتي تُستخدم في التواصل مع الخلايا المجاورة (شكل 6.7)

و"بروتينات الالتصاق" على سطح الخلية، والإنزيمات المحللة للبروتين (Proteases) والتي تقوم بتقطيع النسيج الضام بين الخلايا.

 

شكل 6.7 الجين المسـرطن src: يعمل بروتين src على نقل رسائل يتلقاها من المستقبلات الموجودة على سطح الخلية محفزاً بالبروتينات التي تتحكم في تركيب ونمو الخلية، والتواصل بين الخلايا وبعضها.

ويتجمع هذا البرويتن طبيعياً، كما هو موضح على يسار الشكل، في صورة غير نشطة. ولكن عند تلقيه رسالة من سطح الخلية، فإنه يعمل على إزالة مجموعة فوسفات من الحمض الأميني تيروسين (Tyrosine) (باللون الأزرق بالشكل).

وهذا يسمح للبروتين بأن يقوم بفتح تركيبه ليصبح نشطاً ويعمل كإنزيم. ويتنقل بعد ذلك من بروتين لآخر، ويعمل على نشـر إشارة عن طريق إضافة الفوسفات إلى هذه البروتينات، مستخدماً مركب أدينوسين ثلاثي الفوسفات (ATP) (باللون الأحمر) كمصدر للفوسفات.

 

وعند الانتهاء من نقل الإشارة، فإن بروتين Src يعود إلى شكله منتظراً الرسالة التالية.

ولكن في الخلايا السـرطانية، غالبا ما تكون هناك طفرة في الجين الحامل لشفرة بروتين Src.

 

هذه الطفرة إما أن تكون في الجزء الخاص بحمض التيروسين، أو يتم إزالة ذيل البروتين المحتوي على حمض التيروسين مما يؤدي إلى عدم قدرة بروتين Src على الانغلاق. و

يظل بروتين Src الطافر نشطاً طول الوقت محفزاً حدوث نمو غير متحكم به بالخلايا (قوة التكبير: 5 ملايين مرة).

 

نبدأ حياتنا بمجموعة "نظيفة" من الجينات، تعمل جميعها على تدعيم النمو الطبيعي والمحافظة على الأنسجة، ولكن، ومع تقدمنا في العمر، فإن جيناتنا يتم مهاجمتها باستمرار بواسطة ضوء الشمس والمواد الكيماوية، مما يسبب طفرات في مواضع عشوائية بالـ "دنا" ال حامل لهذه الجينات.

وكما تم وصفه بأعلى، فإنه من الممكن أن يتم تصحيح العديد من الطفرات بواسطة آليات الإصلاح بالخلية، إلا أن بعضاً من هذه الطفرات يمكنه تجنب تلك الآليات.

والكثير من هذه الطفرات غير مؤذٍ، ولكن عندما نصبح أكبر فأكبر في العمر، فإن عدداً أكبر وأكبر من الطفرات يتكون بالخلايا. ولو حدث تجمع مناسب للطفرات في خلية واحدة، فإنها تصبح خلية سرطانية تواصل نموها لتكون سرطاناً.

 

من الصعب – بصفة خاصة – علاج السرطان، وذلك لأن الخلايا السرطانية هي في الأساس خلايا إنسانية سلكت مسلكاً سيئاً. المعالجة بالجراحة أو الإشعاع هي أكثر الطرق مباشرةً: حيث أنها تقوم ببساطة بإزالة أو إحراق الخلايا التالفة.

ولكن العلاج الكيماوي (Chemotherapy) يأخذ طريقاً مختلفاً. فالعقاقير الكيماوية المضادة للسرطان تحاول أن تستفيد من الاختلافات بين الخلايا السرطانية والخلايا الطبيعية.

ولكن لسوء الحظ، فإن هذه الإختلافات تكون خفية، ولذلك فإن أغلب العقاقير المضادة للسـرطان _ و المستخدمة حالياً _ تعمل على الاستفادة من الخاصية الرئيسية للخلايا السـرطانية وهي: أن لها القدرة على النمو بسرعة.

 

فتقوم هذه العقاقير بمهاجمة مختلف الجوانب في عملية انقسام الخلية، وتعمل على إيقاف تضاعف الـ "دنا" أو الآلية التي تقوم ببفصل الخليتين الوليدتين الناتجتين عن التضاعف.

وهذا يُفسد الخلايا السـرطانية بفعالية، ولكنه أيضاً يقتل أي خلايا طبيعية تقوم بالنمو السـريع مثلا خلايا بصيلات الشعر وكذلك الخلايا التي تقوم بتبطين وحماية القناة الهضمية من الداخل. وهذا يؤدي بالطبع إلى أعراض جانبية خطيرة كنتيجة للعلاج الكيماوي.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى