الحيوانات والطيور والحشرات

الأنواع المختلفة لـ”الإسفنجيات”

1997 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الثاني

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الإسفنجيات أنواع الإسفنجيات الحيوانات والطيور والحشرات البيولوجيا وعلوم الحياة

قِطَعُ الأسفَنْجِ الطبيعيِّ التي يستعملُها الناسُ هي في الواقِعِ هياكلُ داخليّةٌ لحيواناتٍ بحرِيَّةٍ، فكأَنَّها العظامُ بالنِّسبةِ للدَّجَاجَةِ، مثلاً. وحيواناتُ الاسفَنْجِ كائناتٌ غريبةٌ، ثابتةٌ في مواضِعها لا تتحرَّكُ، وليس لها أجهزةٌ أو أعضاءٌ.

حتَّى إنَّ القدماءَ اعتبروها من النَبَاتَاتِ. وهي أنواعٌ كثيرةٌ، يبلغُ عددُها نحوَ عَشَـرِة آلافِ نَوْعٍ، يعيشُ معظمُها في البحارِ والمحيطاتِ عندَ أعماقٍ مختلفةٍ، ولا يعيشُ منها في المياهِ العذبةِ إلاَّ نحوُ 150 نوعاً.

وأبسطُ أنواعِ الاسفَنْجِ، ويُعْرَفُ باسمِ "الأعوادِ البيضاءِ"، جسمُه أنبوبٌ صغيرُ مسدودٌ عند الطَرَفِ الذي يلتصقُ بأيِّ جسمٍ صلبٍ مغمورِ في الماءِ،

 

أما الطَرَفُ الآخر فَهُوَ "فُوَّهةٌ" مفتوحةٌ، ولكنَّ العجيبَ فيها أنها ليستْ فَمَ الحيوانِ، وإِنَّما هي فتحةٌ يندفُع منها الماءُ باستمرارٍ حامِلاً كُلَّ الفَضَلَاتِ.

أما دخولُ الماءِ فيكونُ من عَدَدٍ كبيرٍ جداً من الثقوبِ الدقيقةِ المنتـشرَةِ في جدارِ الأنبوبِ، وتُسَمَّى "المسامَّ" (ولذلك تُعْرَفُ مجموعةُ الاسفنجياتِ أيضاً باسمِ "المسامِّيَّاتِ").

وهكذا يَمُرُّ في جسمِ الحيوانِ كَمِيَّاتٌ كبيرةٌ من الماءِ تَجْلِبُ لَه، وهو ساكنٌ في مكانِه، الأكسجينَ للتنفسِ ودقائقَ الطعامِ للغذاءِ.

 

وتجويفُ الأنبوبِ ليس "بَطْناً" يمكثُ فيه الطعامُ حتَّى يُهْضَمَ، كما هو مُعْتَادٌ في الحيواناتِ.

ولكنَّ في حقيقةَ الأمرِ أنَّ السطحَ الداخليَّ لجدارِ الأنبوبِ، المطلِّ على التجويفِ، مَكْسُوٌّ بطبقةٍ من خلاَيا غَريبةٍ ليس لها مثيلٌ في الحيوانَات الرَّاقِيَةِ.

فكُلُّ خليةٍ منها لها طَوْقٌ كالقُمْع في وَسَطِه سَوْطٌ دقيقٌ طويلٌ.

 

وحركةُ هذه الأهدابِ الدائبةِ ليلَ نهارَ هي التي تُحْدِثُ تيَّاَر الماءِ المستمِرَّ الذي يمرُّ من المَسَامِّ إلى التجويفِ ويخرجُ من الفُوَّهَةِ.

وهي أثناءِ مُرورِ المَاءِ تَتَصَيَّدُ الخلايا ذاتُ الأطواقِ والأسواطِ دقائقَ الطعامِ العالقةَ بالماءِ، ثم تشـرعُ في هضمِها في داخِلها، ثم تُسْلِمُ الغِذاءَ المَهْضُومَ لخلايا نشيطةٍ متجوِّلةٍ توزعُّها في أنحاءِ الجدار، فليس للاسْفَنج دَمٌ ولا أوعيةٌ دمويةٌ لنقلِ الغذاءِ.

وجدارُ الجسمِ الرَّخوِ تقوِّيه أشواكٌ من كربوناتِ الكَالْسيوم (الجِير) المتَبلْوِرَة، وتبرزُ أطرافُها على سطحِ الأنبوبِ، فَتُكْسِبُهَ مَلَمْساً خَشِناً، وحَوْلَ الفُوَّهةِ، فتصبحُ وسائلَ للحِمايةِ.

 

ولكنَّ معظمَ الاسفنجياتِ أكبرُ حجماً وأعقدُ تركيباً من هذا المثالِ البسيطِ. والأنواعُ المُعَقَّدَةُ تبدو وكأنَّها عددٌ كبيرٌ من الأفرادِ البسيطةِ قد التحمَ بعضُها ببعضٍ، وهكذا يكونُ لكتلةِ الإسفَنْجِ أفواهٌ عديدةٌ لخروجِ الماءِ ومسامُّ كثيرةٌ جدا لدخولِه.

ويبدو الماءُ فوقَ هذه الكُتَلِ وكأنَّه يَفُورُ، من أَثَرِ التَيَّاراتِ المنبعِثَةِ منها، وبدلا من التجويفِ الواحد يصبحُ لهذه الكتلِ شبكةٌ معقدةٌ من القنواتِ تنتهي بالفُوِّهَاتِ. وتُوجَدُ في أجزاءٍ منها الخلايا ذاتُ الأطواقِ والأسواطِ.

 

وبعضُ الأنواعِ الكبيرةِ يَتَّخِذُ شكلَ السطحِ الصُّلْبِ الذي ينمُو عليه، ولكنَّ بعضَها الآخرَ له أشكالٌ منتظمةٌ يُسَمَّى بها مثل "إسفَنْجِ الأصَابِعِ"، و"أُذَنِ الفِيلِ"، و"الكأُسْ"، و"البُوقِ"، و"المِرْوحَةِ". وبعضُها يتَّخِذُ شكلَ نصفِ كُرَةٍ، قد يبلغُ قطرُها مِتراً أو مِتْرَيْن.

كذلك تختلفُ أنواعُ الاسفَنْجِ اختلافاً واسِعاً في ألوانِها. فبعضُها أبيضُ أو رمادِيُّ اللَّون، ولكنَّ بعضَها الآخَر يَلْفِتُ الأنظارَ بألوانِه الزاهيةِ، من الأصفرِ الفاقِعِ أو الأَحْمَرِ القانِي أو البُرْتُقَالِيِّ أو الأخضـرِ أو الأزرقِ، أو تشبهُ قِطَع الكَبِد أو المَخْمَلِ الأسَود.

 

والاسفنجياتُ سعيدةُ الحظِّ، لأنَّ حيواناتِ البحرِ لا تستسيغُ طعمَها وتَنْفِرُ من روائِحِها وأشواكِها، بَلْ إنَّ كثيراً منها يَحْتَمِى في حيواناتِ الاسفنجِ أو يَلْصِقُها على جسمِه لتُبْعِدَ الأعداءَ عنه.

كذلك تتنوعُ الهياكلُ التي تقوِّي أجسامَ الاسفنجياتِ. فبعضُها، كما ذكرْنا فيه أشواكٌ جِيرِيَّةٌ (وتُعرَفُ باسم "الاسفَنْجِيات الجيريةِ". وبعضُها أشواكُه زجاجيّةٌ معظمُها سُدَاسِيُّ الشُعَبِ، أي من مَادَّةِ السِلِيكَا (وتُعرف باسمِ "الاسفَنْجيات الزجاجيَّة").

ومنها نوع تلتحمُ فيه الأشواك مُكَوِّنِّةُ أنبوباً دقيقَ الصُّنْعِ كأنَّه آنيةٌ رائعةُ الجمالِ من البِلُّورِ الصَافِي (الكريستال).

تبَقى بعد ان يتحلَّلَ جسمُ الحيوانِ، وسُمِّيَتْ "سَلَةَ زهور فِينُوس" (و"فينوس" اسمُ رَبَّةِ الجمالِ، عندَ قُدَمَاءِ اليونان).

 

ومادةُ السِلِيكا ضئيلةٌ للغايةِ في مياهِ البحارِ، ومعنَى هذا أن الإسفَنجَ يستخْلِصُها من كَمِّياتٍ هائلةٍ جدّاً من الماءِ الذي يَمُرُّ في جسمِه.

لكنَّ معظَم الاسفنجياتِ المنتشـرَة في الوقتِ الحاضِر (وتُعرفُ باسم "الاسفَنْجِيات الشَائِعةِ")، يتكَوَّنُ هيكلُها من نَسِيجٍ رَخْوٍ من أليافٍ مادَّتُها بروتينيةٌ تشبه الحريرَ وتعرفُ باسم "الاسفَنْجِين".

وقد يختلطُ بالإسفَنجين أشواكٌ جيريةٌ أو زجاجيةٌ، ولكنَّ بعضاً منها يخلُو من الأشواكِ تَمَاماً، وهذه هِيَ الأنواعُ التي تُسْتَغَلُّ اقتصادِياً لقابِلِيَّةِ الاسفَنج الشديدةِ لامتصاصِ السوائلِ ولقوامِه المَرن، وأفضلُ أنواعِها ما ينمو في حوضِ البحر المتوسِّط

 

وكان اليونانيون القدماءُ يستعملونَه في الحَمَّام وأعمالِ التنظيفِ وشَتَّى الأغراضِ الأخرى، حتى إنهم كانُوا يُشْبعُونَها عَسَلاً ويقدِّمُونَها لأطفالِهم ليمتَـــصُّوها ويَكُفُّوا عن البُكَاء.

وهي تستعملُ اليومَ في أعمالِ الجراحةِ والمستحضـراتِ الطبيةِ وتبطينِ المصنوعاتِ الجدليةِ الثمينةِ.

وهناك أنواعٌ أخرى أقلُّ جودةً في حوض المكسيكِ والبحر الكاريبي وحول جُزُر الهِنْدِ الغربيةِ، ولكنَّ الصيادين قد أَسْرَفُوا في استخراجِ الاسفَنْجِ حتى شَحَّتْ مصادرُهُ، وحلَّتْ محلَّه الأنسجةُ الرَّغَوِيَّةُ المُصْطَنَعةُ، وأصبحتْ تستعملُ على نطاقٍ واسعٍ لرِخَص أثمانِها.

وتتكاثَرُ الاسفَنْجيات لا جِنْسِيًّا بتكوين بَرَاعِمَ قد تَظَلُّ لاصقةً بأجسامِ أمهَّاتها وتنمو لتصبحَ مستعمراتٍ فيها أفرادٌ كثيرةٌ، أو قد تنفصلُ وتنمو بعيداً عن أمَّهاتها. وتتكاثرُ الاسفَنجياتُ جنسيًّا أيضا، وتخرجُ اليَرَقَــــانَات (الصِّغَار) الناتجةُ عن الإِخصابِ من الفُوَّهاتِ.

 

وتظهرُ الحركةُ الحيوانية واضحةً في هذه اليرقاناتِ لأنَّ لَهَا أهداباً تَسْبَحُ بها حتى تَصِلَ إلى مكانٍ مناسبٍ فتستقرُّ عليه وتُثَبِّتُ نفسَها بهِ وتنمُو إلى حيوانِ اسفَنْجِ بالغٍ.

ولعلَّ أعجبَ ما في الاسفَنجيات هو قُدْرَتُها الفائقةُ على إِصلاح أجسامِها وتعويضِ ما يُقْتَطَعُ منها، فلو أنك قطعْتَ ةإسفَنجاً حَيًّا عشـرين قطعةً بِسكِّينٍ حَادٍّ، لنما كلُّ منها إلى حيوانٍ كامل!

وتُسْتَغَلُّ هذه الظاهرةُ في استزراعِ أنواعِ الاسفَنجِ ذاتِ القيمةِ الاقتصادِيَّة، وعلَى الأخصِّ في إيطاليا وفلوريدا في الولايات المتحدة، فتوضعُ قِطَعُ الاسفَنج الصغيرةُ في ظروفٍ ملائمةٍ في مياهِ البَحْر الضَّحْلَةِ ويتركونها زمنا طويلاً حتى ينمُوَ كُلٌّ منها إلى حيوانِ اسفَنْجٍ كاملٍ.

 

بل إنك لو سَحَقْتَ اسفنجاً بسيطاً حتى تَفَكَّكَتْ خلاياه تماماً ثم تركتَها في ظروفٍ مناسبةٍ لأخذتْ الخلايا تتجمَّعُ وتتلاصقُ وتُرَتِّبُ أنفسَها في بُطءٍ حتى تكوِّن حيواناً سَوِيًّا.

تَصَوَّرْ أنك أخذْت أرنباً حَيًّا وادخلتَه كامِلاً في مِفْرَمَةِ لَحْم، ثم جَمَعْتَ القِطَعَ الصغيرةَ الكثيرةَ التي تَخْرُجُ من المِفرَمَةِ، ووضعتَها في وِعَاءٍ به ماءٌ، ثُمَّ عُدْتَ بعدَ أسبوع فوجْدتَها أرنباً حياً كامِلاً بِجِلْدِه وشعرِه، وأرجلهِ وذيلِه، وعينيْه وأذنيْه، وكلِّ ما فيه!

وليس في عالَمِ الحيوانِ ما يماثلُ الاسفَنجَ في هذه المقدرةِ العجيبةِ، ولكنْ لَعَلَّ السبَّبَ في ذلك هو بساطةُ تركيبِها أصلاً.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى