كشف أسرار بومبي
كيف اكتشف العلماء مدينة رومانية قديمة، دفنها ثوران بركاني امتد عبر الزمن
شهد جبل فيزوف Mount Vesuvius 8 ثورانات كبرى.
بقلم: سكوت داتفيلد
منذ أكثر من ألفي سنة، ضرب أحد أكثر الانفجارات البركانية تدميراً جنوب إيطاليا وأودى بحياة نحو 16,000 شخص. تقع مدينة بومبي Pompeii على الساحل الجنوبي الغربي لإيطاليا في منطقة كامبانيا Campania الخلابة، وكانت ذات يوم مدينة صاخبة تعج بالتجار والرعاة والمزارعين. أُسست مدينة بومبي منذ نحو 2,700 سنة في جنوب إيطاليا على يد سكان ما قبل التاريخ المعروفين بـ”أوسكي“ Osci، وأصبحت مستعمرة رومانية في عام 80 قبل الميلاد تقريباً. تشير التقديرات إلى أن نحو 20,000 شخص كانوا يعتبرون بومبي موطنهم، إضافة إلى 5,000 شخص آخرين يقيمون في مدينة عطلات رومانية شهيرة تسمى هيركولانيوم Herculaneum على بعد 15 ميلاً فقط بطول الساحل.
عُثر على أول إعلان
تجاري Advertisement
على الإطلاق في بومبي
كيف دمر بركان فيزوف مدينة بكاملها في 20 دقيقة فقط
1 سُحب من الرماد Clouds Of Ash
تصاعدت سحب الرماد في الهواء إلى ارتفاعات ناهزت 10 أميال.
2 الانفجار Explosion
تشير التقديرات إلى أن الانفجار الذي قضى على مدينة بومبي كان أقوى بنحو 100,000 ضعف من القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما في عام 1945.
3 غرفة الصهارة Magma Chamber
قدّر العلماء أن جبل فيزوف كان يحتوي على أكثر من ميل مكعب من الصهارة في خزان الصهارة قبل ثوران البركان.
4 وابل من حجر الخفاف Pumice Hail
اندفعت كميات من حجر الخفاف (البيومس) Pumice stone من فوهة البركان وتراكمت فوق سطح المدينة بمعدل بلغ 15 سم/ساعة.
5 تدفق الحمم البركانية Pyroclastic Flow
تحركت سحابة كثيفة من الرماد والحمم البركانية والغازات الساخنة بسرعة مئات الأميال في الساعة باتجاه بومبي.
6 رماد متوهج بالحرارة Red-Hot Ash
بلغت درجة الحرارة داخل تدفق الحمم البركانية أكثر من 700°س.
7 سماء سوداء Black Skies
ظلت السماء فوق جنوب إيطاليا مغطاة بدخان بركان فيزوف لمدة 24 ساعة تقريباً.
سان سيباستيانو ألفيزوفيو San Sebastiano al Vesuvio.
داخل المدينة المفقودة
تجوّل عبر بعض أهم المواقع في بومبي
1 المنتدى المدني Civic Forum
كان هذا مركز التجارة والتبادل التجاري في المدينة، إلى جانب كونه موقعاً لمباني العدالة ومعبد جوبيتر Temple of Jupiter.
2 المدرّج Amphitheatre
بُني المدرج الضخم في عام 70 قبل الميلاد، وبلغت سعته 20,000 شخص لمشاهدة المعارك وعروض السيرك وصيد الحيوانات.
3 منازل رومانية Roman Homes
كان أفراد الطبقات العليا يقيمون في منازل رومانية مسوّرة جيداً بها أفنية كبيرة وغرف طعام وغرف نوم وغرف للمرافق.
4 مطاعم الوجبات الساخنة Thermopolia
كان هناك نحو 80 مطعماً للوجبات الساخنة Thermopolia حول بومبي: فكانت تقدم المشروبات الساخنة والأطعمة المحفوظة في جرار كبيرة تسمى دوليا Dolia.
5 الحمامات Baths
كان هناك 5 حمامات عامة في جميع أنحاء المدينة، ليس فقط للنظافة لكن للاسترخاء.
6 المغاسل العمومية Fullonicae
كانت هناك 12 مغسلة في بومبي، بما في ذلك مغلسة ستيفانوس Fullonica of Stephanus التي كانت تحتوي على خزان مياه كبير.
7 منطقة المسارح Theatre District
إلى جانب المدرج، كانت العروض الترفيهية تقام إما في المسرح الكبير الذي يتسع لنحو 5,000 متفرج أو في مسرح أوديون Odeon الذي يتسع لنحو 1,500 متفرج.
من بين شهود العيان المسجلين على ثوران فيزوف العنيف، نجد المحامي والسيناتور غايوس بلينيوس كايسيليوس الثاني Gaius Plinius Caecilius Secundus، المعروف بـ”بليني الأصغر“. وصف بليني الحدث من خليج نابولي قائلاً: ”كانت تشبه شجرة الصنوبر أكثر من أي شجرة أخرى. مثل شجرة شاهقة الارتفاع، ارتفعت السحابة عالياً وتوسعت إلى فروع مختلفة… أحياناً بيضاء، وأحياناً داكنة وملطخة بالرمال والرماد المستمر“. تقديراً لرواية بليني للحدث، يصنف علماء البراكين الآن الثورانات البركانية العنيفة باعتبارها ”بلينية“ Plinian.
”غلّف بركان فيزوف بومبي بمقبرة بركانية“
قبل أن يغلف جبل فيزوف بومبي بمقبرة بركانية، كانت المدينة قد واجهت بالفعل كارثة طبيعية حديثة أنهكتها. في عام 62 م، هزَّ زلزال أجزاء كبيرة من إيطاليا، فتسبب في دمار واسع النطاق في مدن شملت وهيركولانيوم وغيرهما حول خليج نابولي. حالياً، من شأن حدث زلزالي بهذا الحجم أن يُنذر بأن بركاناً قريباً قد يثور. ولكن في روما القديمة لم يكن علم البراكين موجوداً، لذلك لم يفهم أحد علامة التحذير الرئيسية هذه. بعد أن أعيد بناؤها بالكاد بعد الأضرار التي سببها الزلزال، استقبل شعب بومبي بضراوة أحشاء فيزوف المنصهرة.
يوم الثوران، الساعة 10:00
رجّت المدينة الهزات الأرضية التي بدأت قبل نحو 4 أيام. لكن الناس واصلوا حياتهم كالمعتاد، غير مدركين لما هو آت.
13:00
بعد تصاعد الضغط داخل فيزوف، ثار البركان مكوناً عموداً من الرماد والصخور. حجبت سحب الدخان شمس الظهيرة المبكرة، وأغرقت مدينة بومبي في الظلام.
16:00
تحركت السحب الداكنة نحو المدينة، وأمطرت المدنيين بأطنان من حجر الخفاف. فرّ الناس إلى منازلهم بحثاً عن مأوى، لكن العديد من المنازل دمرت تحت وطأة الأمطار الصخرية.
اليوم التالي للثوران، الساعة 01:00
نزلت سحب شديدة الحرارة من الصخور والرماد، والمعروفة بـ”تدفقات الحمم البركانية“، على سفوح فيزوف واجتاحت مدينة هيركولانيوم المجاورة.
04:00
بدأ عمود الصخور وسحب الرماد الساخنة المنبعثة من البركان ينهار، مما أدى إلى موجة الحمم البركانية الثانية.
05:00
وصلت موجة الحمم البركانية الثالثة إلى بومبي، لكنها لم تدمر المدينة وسكانها بالكامل.
07:00
اجتاحت الموجة الرابعة والأخيرة بومبي بالكامل، وفُقدت المدينة لأكثر من 1,500 سنة تحت أطنان من حجر الخفاف والرماد.
يُصنّف بركان فيزوف، الذي تشكل لأول مرة قبل نحو 25,000 سنة، كبركان طبقي مركب Composite stratovolcano. تتميز هذه الأنواع من البراكين بثوراتها العنيفة وطبقات الرماد والحمم البركانية والمنحدرات الشديدة التي تندفع إليها الحمم البركانية. وتقع فوق منطقة للاندساس، حيث تتلاقى الصفيحة الإفريقية African Plate مع الصفيحة الأوراسية Eurasian Plate. عندما تصطدم صفيحتان قاريتان، تغوص إحداهما في بعض الأحيان تحت الأخرى، وهو ما يعرف بمنطقة الاندساس Subduction zone. وفي هذه الحالة، تنزلق الصفيحة الإفريقية أسفل الصفيحة الأوراسية، وتسخن الصخور التي تشكل الصفيحة بشدة وتتحول إلى صهارة. تشق الصهارة طريقها إلى فيزوف، إلى جانب البراكين الأخرى في شبه الجزيرة الإيطالية، المعروفة بـ”القوس البركاني الكامباني“ Campanian volcanic arc، عبر فجوة في الصفيحة الإفريقية المنغمسة تسمى ”نافذة البلاطة“ Slab window. يمكن للصهارة المتسربة أن تنتقل عبر القشرة الأرضية وتخرج عبر البراكين.
ظلت مدينة بومبي المدفونة دون أن تُكتشف حتى القرن السادس عشر، عندما اكتشفها المهندس المعماري الإيطالي دومينيكو فونتانا Domenico Fontana بالصدفة. ولكن لم يعثر على هيركولانيوم حتى عام 1709، ولم تبدأ الحفريات في بومبي حتى عام 1748. وإلى جانب الطرق والمباني والأعمال الفنية المنسية، اكتشف علماء الآثار تجاويف ذات شكل غريب في الصخور البركانية في معظم أنحاء بومبي. أدرك الباحثون أن هذه كانت انطباعات عن الجثث المتحللة الآن والتي كانت مغطاة بالرماد البركاني.
بحلول الوقت الذي تحللت فيه الجثث، تكونت حولها قشور من صخر الخفاف Pumice. ولحفظ شكل الجثث وأي رفات بداخل التجاويف، استخدم عالم الآثار الإيطالي غوزيبي فيوريلي Giuseppe Fiorelli في عام 1863 الجص لملء التجاويف، وصنع نماذج غريبة للحجم والشكل والوضع الذي كان عليه الشخص عند وفاته.
عُثر على برديات هيركولانيوم
في فيلا والد زوجة يوليوس
قيصر Julius Caesar.
كيف يصنع علماء الآثار قوالب للأشخاص المدفونين في الرماد
1 الدفن Burial
دُفن سكان بومبي تحت طبقة سميكة من الرماد والصخور.
2 التحلل Decomposition
على مدى نحو 2,000 سنة، تحللت الأنسجة الرخوة في الجسم.
3 الانطباع Impression
تصلب الرماد حول الجسم، وبمجرد تحلله ترك وراءه عظاماً وانطباعاً.
4 سكب الجص Plaster Casting
يُسكب الجص في الفتحة التي صنعها عالم الآثار لملء التجويف ويُترك ليتصلب.
5 القالب Cast
عندما يتصلب الجص، فإنه يترك وراءه قالباً صلباً للمتوفى.
6 كسر القالب Chipping Way
يُكسر القالب لفصله عن قشرة حجر الخفاف التي تكونت في الأصل حول الجسم.
لا تزال الاكتشافات جارية لكشف المزيد عن الحياة في المدينة القديمة. وفي أبريل 2024، اكتشف الباحثون في متنزه بومبي الأثري موقع بناء قديماً. كشف الموقع كيف شيّد سكان بومبي جدران إسمنتية باستخدام الجير الحي والرماد البوزولاني Pozzolanic ash والماء. كما ساعد الذكاء الاصطناعي Artificial intelligence (AI) أيضاً في كشف بعض أسرار روما القديمة، لا سيما في فك رموز برديات هيركولانيوم. في عام 1752، اكتُشف أكثر من 1,800 مخطوطة متفحمة، تُعرف مجتمعة باسم برديات هيركولانيوم Herculaneum papyri، في إحدى فيلات هيركولانيوم. وعلى الرغم من أن هذه الوثائق نجت من الثوران، إلا أن النصوص كانت غير مقروءة على الإطلاق، فقد طمست معالمها أوراق البردي المتفحمة، حتى الآن. استخدم الباحثون في جامعة كنتاكي الذكاء الاصطناعي لفك رموز أكثر من 2,000 حرف.
عُثر على أكثر من 1,000
من ضحايا الثوران
حمض نووي قديم
في عام 2022، سلسل العلماء كامل جينوم أحد سكان بومبي. حُفظت عظام رجل يبلغ من العمر 30 سنة وامرأة تبلغ من العمر نحو 45 سنة في حجر الخفاف بعد الثوران. داخل الأسنان والعظام الصخرية، وجد العلماء حمضاً نووي DNA محفوظاً. في حين أن الحمض النووي DNA للأنثى لم يكن كافياً لسلسة الجينوم الكامل، كشف الحمض النووي DNA للذكر أنه من البحر الأبيض المتوسط وأن والديه يرجّح أن يكونا من سردينيا. إذ يماثل حمضه النووي DNA ذلك الذي لسكان البحر الأبيض المتوسط المعاصرين في جنوب إيطاليا. وخلص الباحثون إلى أن الرجل لم يكن على الأرجح جزءاً من العبيد.
كيف قرأ العلماء النص الموجود على هذه اللفافة المتفحمة القديمة والشديدة الهشاشة
1 المسح
تلتقط صور للفافة بالأشعة السينية. عبر عملية تسمى الاستبناء المقطعي Tomographic reconstruction، يُنشأ نموذج رقمي ثلاثي الأبعاد.
2 التقسيم
يُنشأ نموذج للصور الثلاثية الأبعاد باستخدام مكعبات البكسلات المعروفة بالفوكسيلات Voxels. تُعزل الفوكسيلات التي تشكل إحدى طبقات اللفافة الملفوفة وتسمى ”قطعة“ Segment.
3 بثق البيانات
تزاد البيانات التي جُمعت من المقطع لتشمل أعلى وأسفل المقطع، المعروف بـ”الجوار“ Neighbourhood، لاكتشاف أكبر قدر ممكن من الحبر.
4 التسطيح
بعد ذلك يسوى الجزء رقمياً، وهو ما يُعرف بـ”حجم السطح“ Surface volume.
5 تكديس البيانات
يتكون حجم السطح من طبقات من شرائح الصور التي يقرأها برنامج الذكاء الاصطناعي.
6 قراءة الكتابة
باستخدام تعلم الآلة، يمكن لبرنامج الذكاء الاصطناعي تحديد سماكة وكثافة الحبر في شرائح المعلومات وتوليد كلمات من أوراق البردي المسودة.