الكيمياء

الفلز السائل “الزئبق”

2002 في رحاب الكيمياء

الدكتور نزار رباح الريس , الدكتورة فايزة محمد الخرافي

KFAS

الفلز السائل الزئبق الكيمياء

الزئبق هو أحد اثنين من العناصر السائلة من بين جميع العناصر التي نعرفها والتي يتعدها عددها المائة ، وهو السائل الوحيد بين الفلزات جميعاً ، والزئبق فلز ثقيل سام ، ولسميته أثر تراكمي ويؤثر في الجهاز العصبي ، لكن مدى سميته رهن بحالته الفيزيائية والكيميائية . 

ذلك ان فلز الزئبق النقي ليس عالي السمية ، بل إن ابتلاع كمية قليلة منه ، كما يحدث في أثناء عمليات حشو الأسنان ، لا يسبب أعراضاً مرضية ملحوظة .  ويبدو أن هذا الفلز يمر عبر اجهزة الجسم دون أن يتحول إلى مركبات أخرى . 

لكن بخار الزئبق عالي السمية وشديد الخطورة ، لأنه يسبب تهيج أنسجة الرئة وتدميرها .  وعلى الرغم من أن الزئبق يتمتع بقابلية منخفضة للتطاير على شكل أبخرة ، إلا أن تعريضه للجو لفترات زمنية طويلة قد يؤدي إلى تكوين ابخرة الزئبق الضارة . 

ولقد دلت الحسابات على أن ثلاثة مليلترات من الزئبق يمكنها أن تشبع جو غرفة كبيرة ببخار الزئبق خلال أسبوع واحد ، وبخاصة إذا كانت الغرفة مغلقة أو سيئة التهوية ، وحينما ينسكب الزئبق على الأرض يصعب جمعه بالكامل ، لأن جزءاً منه يتسرب إلى داخل الشقوق في أرضية الغرفة . 

 

ويمكن علاج ذلك بشرش المكان بمسحوق الكبريت الاصفر الذي يؤخر عملية تبخر الزئبق عن طريق تقليل مساحته المعرضة للجو ثم يتفاعل معه مكوناً مركباً اقل سمية وهو كبريتيد الزئبق .

وتعتمد سمية مركبات الزئبق غير العضوية على ذوبانيتها .  ومثال ذلك أن كلوريد الزئبقي (الزئبق الاحادي) الذي لا يذوب في الماء لا يعتبر عالي السمية ، بل إنه استخدم كمسهل وعقار قاتل لديدان الاثنى عشر .  ومثل هذه المعالجة تسمى تسميم انتقائي . 

إذ أن المادة في حد ذاتها تعبر ضارة بجسم الإنسان ، لكن الاختيار الدقيق والمحسوب للكمية التي يتعاطاها المرء تؤدي إلى قتل الديدان قبل أن تسبب أي أذى للإنسان . 

أما أملاح الزئبق الثنائي فهي اكثر سمية من أملاح الزئبق الأحادي ، إذ يتجمع أيون الزئبق الثنائي (Hg2+) في الكبد والكلى على وجه الخصوص ، وتظهر أعراض الأمراض الناجمة عن ذلك بعد وقت طويل . 

 

ومن مظاهرها انتفاخ اللثة وتقرحها وخلخلة الأسنان .  ويمكن للتسمم بالزئبق أن يؤدي إلى تلف الدماغ في الجنين أثناء فترة الحمل ويمكن أن يؤدي إلى حالة من "التهيج" التي تتمثل في الارتعاش والعصبية والاضطرابات الذهنية والعاطفية .

وفي الماضي كان كلوريدات الزئبق (الثنائي) ونتراته تستخدم في صناعة القبعات ، وكان التسمم بالزئبق أحد المخاطر التي تهدد العاملين في هذا المجال . 

ويبدو أن أيونات الزئبق الثنائية تتفاعل مع مجموعات الثيول في البروتينات مما يمنع نشاط الإنزيمات تماماً كما يحدث في حالة التسمم الرصاصي . 

 

ويعتقد أن اكثر مركبات الزئبق سمية هو ثنائية ميثل الزئبق وأيون ميثل الزئبق .  ويرجع ذلك إلى أن وجود مجموعة الميثل يجعل هذه المواد أكثر ذوبانية في الأغشية التي تفصل مجرى الدم عن الدماغ وكذلك أغشية المشيمة التي تعبر من خلالها الأغذية إلى الجنين .

ونظراً لخطورة مركبات الزئبق على صحة الإنسان ، تبذل جهود كبيرة لتتبع مصادر التلوث بهذه المركبات بهدف التخلص منها . 

ولقد وجد أن كلور الزئبق (الثنائي) يستخدم من سنوات لتعقيم الحبوب والتحكم في أمراض النباتات الورقية والبصلية بما فيها البطاطا .  أما مركبات ميثل الزئبق فتستخدم كمضادات فطرية وحشرية وللقضاء على الزواحف . 

 

وهناك مركب زئبقي عضوي آخر هو خلات فنيل الزئبق الذي يستخدم في صناعة الورق للتحكم في المواد الرغوية الناجمة في أثناء المعالجة .

وكان يظن فيما مضى أن فلز الزئبق نفسه خامل ويتحول ببطء إلى كبريت الزئبق حينما يوجد في اعماق البحريات والأنهار .  لكن الابحاث الحديثة دلت على أن بعض أنواع البكتريا والأحياء الدقيقة يمكنها أيضاً (تمثيل) فلز الزئبق إلى أيون الزئبق الثنائي ثم تحوله إلى أحادي ميثل الزئبق وبعدها ثنائي ميثل الزئبق وهو المركب الذي أشرنا إلى خطورته . 

ولو نظرنا إلى دورة الزئبق في البحيرات أو الأنهار ، نجد أن مركبات الزئبق تتركز مع الزمن في أنسجة السمك . 

 

وتاكل الأسماك الكبيرة الأسماك الصغيرة فيزداد تركيز مركبات الزئبق في الأسماك الكبيرة . وتستمر الدورة الغذائية فيأكل الإنسان السمك وبذلك تنتقل هذه المركبات السامة إلى أجسامنا . 

ويلاحظ أن تركيز مركبات الزئبق في الأسماك الكبيرة يبلغ خمسين الف ضعف تركيزه في مياه البحيرات التي تعيش فيها .  ويطلق على هذه الظاهرة ، وهي ظاهرة تركيز السم في الحلقة الغذائية ، اسم "التعاظم الإحيائي". 

وكما هو الحال في التسمم الرصاصي ، فإن أفضل طريقة لعلاج التسمم الزئبقي هو ناول قدر من مركب مخلبي له القدرة على الإمساك بالزئبق مثل املاح الكالسيوم لمركب إيثيلين ثنائي الأمين رباعي حمض الخل او ما يعرف بملح إيديتا EDTA .

 

لقد تعاظم أثر التلوث الزئبقي لدرجة كبيرة مما دفع بالعديد من الدول تحريم استخدام الكثير من مركبات الزئبق في الصناعة أو الزراعة .  لكن مشكلة التلوث بالزئبق سوف ترافقنا لسنوات قادمة . 

ذلك أن تسرب الزئبق إلى بيئتنا لم يتوقف كلياً ، إضافة إلى أننا بحاجة إلى سنوات طويلة من أجل تنظيف بحيراتنا وأنهارنا ومجارينا المائية الاخرى التي تحتوي على كميات كبيرة من المركبات الزئبقية؟

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى