البيئة

أمثلة متعددة توّضح كيفية تبادل النفع بين الكائنات الحية

1994 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الخامس

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

عملية تبادل النفع بين الكائنات الحية البيئة الزراعة

تنتشر أشجار السنط، في المناطق الحارة، ومعظمها يحمل أشواكا تحميه من الحيوانات آكلة النبات.

لكن العلماء اكتشفوا أن بعض أنواع السنط، كالنوع المعروف باسم «سنط قرن الثور» في وسط أمريكا، له أشواك كبيرة جوفاء تشبه القرون، وهناك أنواع معينة من النمل تعيش في هذه الأشواك.

وفي اطراف أوراق هذه الشجرة عقد صغيرة من مادة غذائية يقطعها النمل لتغذية صغاره، كما توجد غدد على سوق الشجرة تفرز رحيقا حلوا يحبه النمل.

وهكذا تصبح الشجرة «عائلا» أو «مضيفا» يقدم لضيوفه من النمل السكن المريح الآمن والغذاء الوفير.

 

والنمل، من ناحيته، يقابل الإحسان بالإحسان، فهو يدافع عن شجرته ويحافظ عليها، فيهاجم أي حشرة أو حيوان يقترب منها لأكل أوراقها، أو الفطريات والعناكب التي تتلفها، ويعمل دائما على تنظيفها.

بل إن النمل يقضي على بادرات النباتات التي تنمو قريبا من شجرته ، وهذا يحميها من منافسة الجيران على الماء وأملاح التربة، كما أنه إذا شبت النار في أشجار الغابة في فصل الجفاف، تنجو شجرة النمل لأن النار لا تصل إليها فليس حولها أشجار!

وهكذا نرى أن الشجرة والنمل نوعان مختلفان من الأحياء يعيشان معا، وأنهما يتبادلان النفع، إذ ان كلا من الشريكين يفيد شريكه الآخر.

ولذلك نسمي هذه الصورة من المعايشة «تبادلية». (وبعض الناس يسمونها «تكافلا» أو «مقايضة»، ولكن لفظ «تبادلية» أصح).

 

و«التبادلية» بين نوعين مختلفين تختلف عن التعاون الذي يحدث بين أفراد النوع الواحد من الأحياء، كما في مملكة النحل،مثلا.

وهناك أمثلة أخرى عجيبة من علاقات تبادل النفع بين أنواع الأحياء، فمنها النحل أو الفراش الذي يغتذي برحيق الأزهار، ويعمل في الوقت نفسه على نقل حبوب اللقاح إلى أعضاء التأنيث فيها فيخصبها ويجعلها تثمر.

وهناك حيوان مائي صغيرة يسمى هيدرا، يمكنه أن يتناول طعامه بلوامس، أو أذرع، تحيط بفمه ولكن بعض أنواع الهيدرا يتملئ جسمه بطحالب خضراء صغيرة، تجعل لون الهيدرا أخضر.

والطحالب فيها صبغ الكلوروفيل الذي يجعلها تستطيع القيام بعملية البناء الضوئي، فهي تحول الماء وثاني أكسيد الكربون إلى سكر ونشا، وتطلق غاز الأكسجين.

 

والهيدرا الأخضر يسعد كثيرا بغاز الأكسجين المنطلق من ضيوفه الطحالب لأنه يتنفسه، وكذلك بالحلوى التي يصنعونها له.

ولكن الهيدرا يكرم ضيوفه، فهو يقدم لهم السكن وغاز ثاني أكسيد الكربون الذي ينتج من تنفسه، كما أنه يحرص على الانتقال إلى الأماكن المضيئة، حتى يصل إلى الطحالب ضوء الشمس اللازم لقيامها بعملية البناء الضوئي.

وتقوم هذه العلاقة التبادلية أيضا بين الطحالب وأنواع الحيوانات البحرية التي تصنع المرجان والحواجز المرجانية الهائلة، وهي من أقرباء الهيدرا.

 

وكثير من الحيوانات كبيرة الحجم من آكلات النبات يعتمد في حياته اعتمادا كبيرا على كائنات دقيقة لا ترى إلا بالمجهر (الميكروسكوب).

وهذه الكائنات الدقيقة هي أنواع من البكيتريا والحيوانات الأولية ذوات الأهداب، تعيش في معدة الأبقار والأغنام والماعز والجمال أو في أمعاء الخيل والحمير والبغال.

وطعام هذه الحيوانات معظمه من الألياف الخشنة في أوراق النباتات وسيقانها، بل إنه يتكون أحيانا من أعواد وأعشاب جافة يبدو لنا أنها مادة غذائية فقيرة.

 

ومعظم هذا الطعام يتكون من مادة السليولوز، ولكن أجسام هذه الحيوانات لا تصنع الإنزيمات التي تهضم السليولوز، فهي عاجزة إذن عن هضم طعامها وامتصاصه… فكيف تستفيد منه؟

الجواب أن الكائنات الدقيقة التي تعيش في القناة الهضمية لتلك الحيوانات هي التي تصنع تلك الإنزيمات وتهضم لها السليولوز وتحوله إلى سكر ومواد أخرى سهلة الامتصاص. وهكذا يتضح لنا أنه لولا هذه الكائنات الدقيقة ما استطاعت الأبقار، مثلا، ان تنمو وتلد وتصنع لحما ودهنا ولبنا سائغا للشاربين.

والكائنات الدقيقة هي أيضا مستفيدة من هذه العلاقة التبادلية، فعوائلها من الحيوانات الكبيرة تقدم لها السكن وتحميها من الجفاف وتتناول لها النباتات التي تعيش عليها العائل وضيوفه الصغار.

 

ولا يعيش في جسم الإنسان – للأسف!- كائنات دقيقة من هذه الأنواع، ولذلك فكل ما نتناوله من الألياف نباتية يمر في أمعائنا دون هضم، ولا يفيد إلا في تنشيطها ودفعها إلى طرد ما فيها من فضلات. 

ولو أننا كنا نحملها في أمعائنا لكان من السهل عليك أن تفطر بورقتين من جريدة الصباح بعد أن تقرأها، أو تتغذى برجل كرسي قديم، او تتعشى ببعض القش. فهذه كلها مصنوعة من السليولوز!

 

والأرضة،التي يسميها الناس «النمل الأبيض»، تغتذي بالأخشاب. والذي يهضم لها هذه الأخشاب ما في أمعائها من كائنات دقيقة من البكتيريا والحيوانات الأولية ذوات الأسواط.

ولولا الأرضة ما وجدت تلك الكائنات مسكنا يقدم لها فيه قطع دقيقية من الخشب تغتذي بها.

كذلك الأرضة، حين طهرها العلماء من كل ما فيها من كائنات دقيقة ماتت على الرغم من كل ما أكلته من أفخر وأطيب أنواع الأخشاب.

 

أما الأشن فلعلها أعجب الأمثلة على التبادلية، فالكائن الواحد من الأشن هو في حقيقته طحلب وفطر يكونان بنيانا واحدا، فالفطر يحمي الطحلب ويقيه الجفاف ويمتص له الماء والأملاح.

وأما الطحلب فهو الطاهي الذي يصنع الغذاء من الماء وثاني أكسيد الكربون، بعملية البناء الضوئي، ولا حياة لأي من الشريكين دون الآخر.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى