شخصيّات

نبذة عن حياة الأديب “الجاحِظ” ومؤلفاته

1995 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء السادس

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الأديب الجاحظ مؤلفات الجاحظ شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

عَمْرو بنُ بَحْر الجاحظ من كبار أدباء العصر العباسيّ وأشهرهم على الإطلاق. وقد وُلد في البصرة سنة 159 هـ (775م) وكان من أسرة فقيرة.

مات أبوه وهو صغير، فاضطُّر إلى العمل لمساعدة أمه. فكان يبيع السمك والخبز، ولكنَّ ذلك لم يمنعْه من طلب العلم.

وقد رفعه طموحُه وذكاؤه إلى مواصلة التعليم وحضور مجالس العلماء في المساجد وحلقات العلم.

 

ولما كان محباً للعلم، شغوفاً بالمعرفة، فقد قرأ كلَّ ما كانت تقع عليه يده من كتب، حتى إنه كان يستأجر دكاكين الورَّاقين (باعة الكتب) ويبيتُ فيها ليقرأ ويحفظَ كلَّ ما بها من كتب، في علوم الأدب واللغة والبلاغة والعقيدة والفلسفة والمنطق وعلم الحيوان، وغير ذلك من العلوم التي كانت سائدة في عصره.

ولهذا كان طبيعياً أن يبْرع في الكتابة والتأليف وهو دون العشرين من عمره. كما دفعه طموحُه العلمي وذكاؤه العقلي إلى قراءة جميع الكتب الفارسية والهندية واليونانية المترجمة إلى اللغة العربية، حتى أحاطَ بمعارِف عصره وعلومه، وثقافته وفنونه.

 

تنقَّل الجاحظ بين المدن الإسلامية آنذاك طلباً لمزيد من المعارف والخبرات، كما اتصل بكبار الخلفاء والوزراء والأدباء والكتاب في عصره، وهو العصرُ العباسي، عصرُ ازدهار الحضارة العربية الإسلامية.

كما اتصل بكبار علماء عصره، وخاصة المُعتزلِة، الذين اشتهروا بالفصاحة والبلاغة، وكانوا يؤمنون بالعقل والمنطق في تفكيرهم وسلوكهم.

وقد اتقن الجاحظ منهاجهم، وكَتَب عنهم، حتى عُرف بأنه أديب المُعْتَزِلَة الأول.

ومن الجدير بالذكر أن الجاحظ كان محباً للفكاهة والدُّعابة والتَّندُّر، فأحبه الناس وتهافتوا على سماع نوادره، مما يدل على ظَرفِه وحبه للحياة والناس.

 

وقد نال الجاحظ شهَرة مدوِّية في عصره وبعد عصره، حتى وصفه كثير من الباحثين بأنه أديب العربية الأشهر.

انتشرت كتبه انتشاراً واسعاً بين الناس، لأنها «كتب تعلِّم العقل أولاً والأدب ثانياً»، على حد تعبير القدماء، الذين ذكروا أن الجاحظ كتب حوالي 360 كتاباً ورسالة، صوَّر فيها المجتمعَ الإسلاميَّ آنذاك أفضلَ تصوير، لأنه لم يتركْ موضوعاً لم يكتبْ فيه، مثلما لم يترك موضوعاً إلا وقرأ فيه.

عاش الجاحظ حوالي ستٍّ وتسعين سنة هجرية (ثلاث وتسعين سنةَ ميلادية)، وقد أصابته بعض الأمراض في أُخْرَيات حياته، منها مرض الفالج (الشللُ النِّصفي) فاضطُر إلى ملازمة بيته، والتفرغ لتأليف الكتب الكبيرة، حتى إنه كتب في هذه الفترة أشهرَ كتبه، وأكبَرها حجماً، وأكثرَها ذيوعاً، مثل كتاب «الحيوان» وكتاب «البيان والتبيين».

 

وحدث ذات يوم أنه كان يأخذ كتاباً من مكتبته فانهارت عليه الكتب وسقطت فوقه، فلفظ أنفاسه، ومات سنة (255 هـ – 868م )، بعد حياة حافلة بالنشاط العلمي، قضاها في القراءة والكتابة حتى آخر يوم من أيام حياته المديدة، بعد أن أثرى المكتبة العربية بالكثير من المؤلفات التي تمثل ثقافته الموسوعية.

شملت كتب الجاحظ الأدبَ واللغة والسياسة والأخلاق والدين والصناعة والزراعة والكيمياء والفلسفة وعلم الحيوان، وغيرها.

 

ولما كانت كتب الجاحظ ومؤلفاته كثيرة، فقد اخترنا هنا بعض النماذج منها:

1- كتاب «البيان والتبيين»

هو آخر كتاب كتبه الجاحظ، ويدور موضوعه حول الفصاحة والبلاغة وأساليب البيان (التعبير والإفهام) في اللغة العربية وآدابها، وخاصة فن الخطابة الذي كان في عصر الجاحظ فناً له أصوله وقواعده، وقد ذكرَها الجاحظ جميعاً.

كما تحدث عن أشهر الخطب والخطباء، وعن عادات العرب في الخطابة والفصاحة، وقد دافع عن هذه العادات أو التقاليد العربية الأصيلة في هذا المجال ضد الشعوب التي كانت تنتقد هذه العادات والتقاليد. ويُعَدُّ هذا الكتاب واحداً من أشهر الكتب العربية على الإطلاق.

 

2- كتاب «البخلاء»

من أبدع ما خطَّته يد الجاحظ، فيه جمع نوادرَ البخلاء في عصره، وكتب عنهم بروحه الساخرة، وانتقدهم، ليُعلِّمَنا فضيلة الكرم.

 

3- «رسالة التربيع والتدوير»

آية من آيات الإبداع القَصَصي الساخر وقد كتبه. للسّخرية من أحد أدعياء العلم في عصره، ويدعى أحمد بن عبد الوهاب.

 

4- كتاب «المحاسن والأضداد»

جمع فيه قصصاً فارسية وهندية وعربية على لسان الحيوان، إلى جانب قصص ونوادر عن الحب والزواج والنساء.

 

5- كتاب «الحيوان»

من كتب الجاحظ الحافلة بصنوف المعارف وضروب الآداب، حشد فيه طائفة كبيرة من التجارب العلمية والخبرات العملية، والخواطر الأدبية والفلسفية، والمعتقدات الدينية والمعارف الشعبية، عن علْمِ الحيوان. ويقع الكتاب في سبعة أجزاء، ويعد أول دائرة معارف عربية في الحيوان.

والحق أن الجاحظ عبقرية فذّة، غنية وواسعة، لم تقف عند حد إتقان المعارف العامة والثقافية الموسوعية السائدة في عصره، بل تجاوزتها وانتقلت إلى كثير من الموضوعات التي لم يفكر فيها أحد قبله.

فقد كان أولَ من كتب باللغة العربية عن طباع الحيوان وخصائص النبات وأصناف المعادن، وأقام منهجه العلمي على المشاهدة، والتجربة والاختبار والاستقراء. وقد رَحَل في سبيل ذلك إلى كثير من الأماكن والبلدان في دراسة ميدانية، حتى تكون كتاباته وآراؤه عن مشاهدة وتجربة.

 

وهو أولُ من أبدع في مجال النثر القصصي الساخر في التراث العربي. وهو أولُ من عُنِي بجَمْع وتسجيل وتدوين المعارف والمعتقدات والثقافات الشعبية السائدة في عصره.

كما أنه أول من عُنِيَ بجمع وتسجيل وتدوين نوادر البخلاء والمعلمين وأصحاب الحِرَف، والشُّطار واللصوص وغيرهم، ففتح بذلك أبواباً من العلم والمعرفة أمام المؤلفين العرب والمسلمين من بعده، واستحق بذلك أن يكون رائدَ النثر العربي القديم.

ومن ناحية أخرى – وأخيرة- فسوف تبقى كتبه ومؤلفاته، الأدبية وغير الأدبية، صورة صادقة وحية ومرآة عاكسة وواقعية، لواقع الحياة والمجتمع في عصره، الذي قُدِّر له أن يكون من أزهى عصور الحضارة العربية الإسلامية. ولعل ذلك من حُسن حظ الجاحظ، ومن حُسن حظ الثقافة العربية عامة، والأدب العربي خاصة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى