شخصيّات

نبذة عن حياة عالم الفقه “ابنُ فضلان”

1987 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الأول

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

ابن فضلان شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

اسمه أحمدُ بنُ فضلان بنُ العباس بنُ راشد بنُ حماد، لم يكتبْ المؤرخون ما يكشفُ عن نشأته، ولولا رسالتُه المشهورة ما عَلِمْنا من أمر هذه الشخصية العظيمة شيئاً.

ولكن من المعروف أن مَلِك البُلغار الصقالبة قد بعث برسول إلى بغداد، يرجو الخليفة العباسي المقتدرَ بالله أن يعينه على الخَزَر اليهود.

وأن يبني له حِصْناً، ويرسلَ من يفقهه في الدين، ويعرفه شرائع الإسلام، ويبني له مسجداً، وينصب له مِنْبَراً، يقيم عليه الدعوةَ للخليفة في جميع مملكته.

 

وكان مُلكُ الخزر اليهودي يعتدى على البُلغار، ويفرضُ عليهم الضـرائب، ويزوج أبناءه اليهود من بنات ملك البلغاء المسلمات غَصْباً وقهرا.

وقد لبّى الخليفةُ الطلب، وبعث وفدا كانت مهمتُه دينيةً وسياسيةً برئاسةِ ابن فضلان، وقد اختاره الخليفةُ لعلمِه وفضلِه. 

فهو عالمٌ فقيهٌ متمكنٌ في أصول الدين، ومعرفةِ أسرار الشـريعة، ذو دراية بعلوم القرآن الكريم والسنُّة المُشَـرفــة، وله ثقافة واسعة بشئون الحياة. وشهرة بالإيمان والتقوى وحفظِ الأمانة، والخوفِ من الله، والاعتمادِ عليه.

 

غادر ابنُ فضلان ورفاقُه بغدادَ عام 309هـ الموافق 921م، واتجه شرقا وشمالا ماراً في طريقه بهمذان، ثم الرَّي، ونيسابور، ومَرْو، ثم عبر نهر جيحون، ووصل إلى بُخارى.

ثم عاد الوفد إلى النهر، واستأجروا سفينةً إلى خوارزم، فأكرمهم أميرُها، ثم اتجهوا إلى الجرجانية، وأقاموا بها ثلاثةَ أشهر، تجمّد خلالها نهرُ جيجون، وأصبح طريقاً تعبرُ فوقَه الدوابّ. وعندما تغيّر الجوُ وسالَ النهر، استعدوا للسفر، وأكثروا من لِبْسِ الثياب من شدة البرد.

ثم أوغلَ الوفدُ في بلاد الترك، وأشرفوا على الهلاك. وظلَّ الوفد يسيرُ في البراري حتى وصلَ إلى الفولجا عند ملك الصقالبة عام 310هـ، الموافق 922.

 

فالرحلة إذن قد استغرقَتْ أَحَدَ عشـر شهرا في الذهاب، لاقى الوفدُ خلالها من الأهوال والصعاب مالا يُحتمل كالبرد القاتل، وقُطَّاع الطرق، وعُبور عشـراتِ الأنهار التي تهددهم بالغرق في كل لحظة، وهم يصيحون بالدواب فتعبر سباحة.

ولما وصل ابنُ فضلان ورفاقه إلى ملك الصقالبة الذي قصدوه، استقبلهم استقبالاً حافلا وجمع القُوَّاد وأهلَ البلدة، ليسمعوا قراءَة الكتاب الذي حَمَلَه إليه الوفدُ من الخليفة العباسي المُقْتَدِرِ بالله، وفي جو مهيب كَمُلَتْ مراسمُ الاحتفال، فلما تمت قراءة الكتاب، وكبَّروا تكبيرة عالية مُعَبِّرين عن فرحتهم وإيمانهم بالله سبحانه وتعالى.

وقد غيّر الملكُ اسمَه، وأصبح جعفر بن عبد الله، وأخذ الخطباء يدعون له بقولهم: "اللهم وأصلح عبدك جعفر بن عبد الله أمير بُلغار مَوْلَى أمير المؤمنين".

 

وتُعتبرُ "رسالةُ ابن فضلان" أوّل أثر جغرافي عربي عن الروس وبلادِهم، وقد أثار هذا الأمرُ اهتمامَ العلماء، لأنه يصور الظروفَ السياسيَّة التي كانت تحيط بالعالم الإسلامي آنذاك، والعلاقات التي تربطُه بجيرانِه في آسيا الوُسطى، وما يُسمَى بحوض الفولجا.

وهذه الرسالة ذات قيمة علمية جغرافية، لوصفها الدقيق للبلادِ التي تَعَرَّضَتْ لها، والكشفِ عن حياة شعوبها، وبخاصةٍ بعض القبائل التركية، والشعوب  التي كانت تقطنُ أوروبا الشرقية كالروس والبُلغار والخَزَر.

 

ولها أيضاً قيمةٌ أدبية لجمال أسلوبها، وصياغتها في صورة قصصية مثيرة. ولقد كان مُعْجَم ياقوت الحموي الجغرافي هو الوحيدُ الذي اعتنى بهذه الرسالة إلى أن اتجهت أنظار الباحين إليها،

ونالَتْ اهتمامَ الروس على وجه الخصوص، وأصبحتْ لديهم كنزا علميا ثمينا، وَمَرْجِعاً مُهما في كثير من الدراسات.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى