الأحافير وحياة ما قبل التاريخ

نبذة تعريفية عن “الأحافير” وكيفية تشكلها

1997 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الثاني

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الأحافير كيفية تشكل الأحافير الأحافير وحياة ما قبل التاريخ

سطحُ الأرض في تغيُّرٍ مستمر، ولكنه تغير بطيء جدا لا تظهر آثارُه إلا بعد الآلاف الكثيرة بل الملايين من السنين.

ويدرس "علماءُ الأرض (الـجيولوجيون) هذه التغيّرات، وهم يدرسون هذه التغيّرات من آثارها المحفوظة في الصخور. 

كذلك كان مُناخُ الأرض في تغير بطيء مستمر، لـذلك كان من الطـبيعي أن تتغيرَ النباتاتُ والحيواناتُ هي أيضا تغيّراً مستمرا. ومن علماء الأرض من يختصّ بدراسة تاريخ الكائنات الحية، وهؤلاء هم "علماءُ الحياة القديمة".

 

ويستطيعُ علماءُ الحياة القديمة أن يعرفوا الكثيرَ عن كائناتٍ حية كانت تعيش منذ ملايين السنين، ولكنها بادتْ أو انـدثرت أي فَنِيَتْ، بعد ذلك.

وهم يعرفون ذلك من بقاياها التي يستخرجونها عادة بالحفْر في الصخور، وهم لـذلك يُسمُّون تلك البقايا المحفوظة "أَحَافير" (المفرد: أُحفورة).

تصوَّرْ أن عالم الحياة القديمة ذهب ليدرس طبقات الأرض الظاهرةَ في جبل، وفجأة شعر بسعادة كبيرة إذْ أنه عثر على أحفورة لسمكةٍ كانت تعيشُ منذ خمسين مليون سنة! وتعالَوْا نطلبْ إليه أن يشـرحَ لنا كيف وصل إلينا هذا الشيءُ الثمين. وقد أجابنا عن طِيب خاطر:

 

منذ خمسين مليون سنة كان هذا المكانُ بحراً فيه سمكٌ كثيرٌ. ومعظم السمك الذي كان يموتُ ظل طافيا.

فتأكُلُ منه الكائناتُ الأخرى، وتَتَمَزَّقُ أجزاؤُه، أمـــا هذه السمكةُ، وقليلٌ مثلُها، فقد هبطت إلى قاع البحر، واندفنت في رواسبه سريعا، فظلَّ جسمُها كاملا ولكن لحمـــــــــــها وجلدها وكلَّ شيء طري فيها تحلَّل تماما بعد زمن فلم يَبْقَ منها إلا هَيْكَلُها العظميّ.

وعلى مرِّ الأزمان تراكمتْ الرواسب فوقَ الطينِ الذي يضم هيكلَ السمكة فتصلَّبَ وأصبح صَخْرا.

 

وفي وقتٍ لاحق ارتفع قاعُ البحر فانزاح عنه الماء وجَفَّ، ثم ارتفع وانثنى على نفسِه وأصبح جَبَلاً.

وتعرَّض الجبل لفعل الرياح والأمطار حتى انكشف لنا الصَخْرُ الذي فيه الهيكل.

وفي أحيانٍ أخرى لا تظلُّ الأجزاءُ الصُّلبة من الكائنات القديمة، كالعظام وأصدافِ المحار وقواقعِ الحلازين وأجذاع الأشجار على حالِها فالماءُ المُتَغَلْغِلُ في الرواسب فيه أملاحٌ معدنية ذائبة، كأملاح الحديد.

تترسب مع الزمانِ الطويل في داخلِ أنسجة الأحفورة فتصبُح أثقلَ وأصلبَ، أي أنها "تتحجَّر"، ولكنها تحتفظ بتفاصيل تركيبها الدقيق، حتى أننا نستطيع أن نرى حَلْقاتِ النمو  في أجذاع الشجرة المتحجِّرة، مثلا.

 

وفي أحيان أخرى تذيب المياهُ مادة الأحفورةِ الأصلية، وتُرسِّبُ محلَّ كل جزء دقيق منها رواسبَ معدنيةً تـأخذ شكلَه تماماً.

أيْ أن شكلَ الأحفورة وبنيانَها يظلاّن باقيَيْن ولكن الأحفورة تصبح مصنوعةً من مادة أخرى، وقد تتعرض الأحفورة إلى مقدار من الحرارة يُفحِّمُها، أي يحولُّها فحْماً، كما يحدث لقطعة السكر حين نسخنها تسخينا شديدا.

 

وأعاجيبُ الأحافير لا تنتهي عند هذا الحد. فبعضُ الأحافير ليس إلا طَابَعاً نُقِشَ منذ ملايين السنين لآثار أقدامِ حيوانٍ مشـى فوقَ طينٍ مبتلِ متماسك، أو زَحْفِ ثعبان أو دودة، أو أنبوبٍ مُلْتوٍ حفرته بعض الكائنات البحرية، أو أثرٍ لسطحِ ورقةِ شجر.

ثم حفظته الرواسب قبل أن تمْحُوَه المياهُ أو الرياح والكائنات التي تخلو أجسامُها من أجزاء صلبة لا تترك عادةً أي أحافير، إلا في حالات قليلة حَفَظَتْ الصخُور آثارَ انطباعاتٍ رقيقةٍ لها في طبقاتٍ ناعمة لم تَتَعَرَّرضْ لضغوط عنيفة.

وفي أحيان أخرى تتراكمُ الرواسبُ على السطحِ الخارجيّ أو الداخليّ لجسمٍ صلب من كائن حي مات، ثم تذيب المياهُ الجسمَ الصلبَ تماماً، فلا تبقى إلا الرواسب وكأنها قالب خارجي أو داخلي يحمل شكلَ الجــــسم الذائب تماما.

 

وهذه القـوالب الخارجية والـداخلية هي أيضا أحافير. والذي يُقَرِّب إليك هذه الصورة القالَبُ والكعكةُ.

ألا ترى أنك تستطيع أن تتصورَ شكلَ القالب المعدنيّ إذا رأيتَ الكعكةَ المصبوبة فيه، كما أنك تتصورُ مقدما شكلَ الكعكة إذا نظرت إلى القالَب!

ولكن لعلَّ أعجب الأحافير كلِّها، هو حفظ الحيوان كاملاً بشحمه ولحمه!

 

وأفضلُ مثال لذلك حيوانُ المامُوث، وهو حيوانٌ يشبه الفيلَ ولكنه ذو شعر طويل كان يعيش في سيبيريا في عصـر انخفضت فيه حرارةُ الأرض وغطّى الجليدُ أجزاءً كثيرة منها.

واندثر الماموث منذ عشرة آلاف سنة، ولكن عُثِرَ على نماذجَ كاملةٍ منه مدفونةً في الجليد، حتى أن بعض الناس حاولوا أكلَ لحمها، لكنهم لم يجدوه مقبولا، ومثلُ هذا أيضا نملٌ وحشراتٌ أخرى كانت تمشي على شجرة فَلُصِقتْ بالضمغ الذي تفرزه تلك الشجرة ولم تَسْتَطِعْ الحشـرةُ منه فِكاكاً، ثم تجمَّد عليها الصمغ فحفظها مـــــــن التحلّل.

 

ولما تصلَّب  الصمغ في الرواسب المتراكمة (وهو ما يعرف بالكَهرُمَان الذي تُصنع منه المسابِحُ والـعقود) أصبح محتفظا بهذه الحشرات التي دخلت التاريخ بينما فِنَى معظمُ الحشرات غيرها.

ويتضحُ لنا مما سبق أن الظروفَ الملائمةَ لتكوين الحفريات نادراً ما تتوافر، ولـذلك فإن معظَم الكائنات يموتُ وتحلل أجسامُه فلا يُخلِّفُ أحافير.

 

كذلك قد يَتْلَفُ بعض الأحافير بعد تكوِّنه بفعل الحرارة الشديدة من نشاط البراكين، أو التكسُّـر والسحق نتيجة حراكات الصخور العنيفة. ورواسبُ البحار أغنى بالأحافير من رواسب الرمال، لأن ظروف الترسيب في البحر أنسب لحفظها.

وبعض الرواسب البحرية يكاد يتكوَّن كلُّه من الأحافير، كالصخور الجيرية التي تتكون من أصداف الحيوانات الأولية الصغيرة التي لا يُرَى معظمها إلا بالمِجْهَر، أو أصداف أنواع المحار والحلازين وأمثالها.

 

وعَاِلمُ الأحياء القديمة يستخدم ذكاءَه وعلمَه بالحيوانات الحية والمندثرة كي يفهَم حقيقيةَ الحافير التي يعثر عليها.

ويستطيع بالدراسة الدقيقة أن يَرْسِمَ صورةً كاملةً لحيوانٍ لم يَجِدْ إلاَّ جزءاً من هيكلِه العظمي.

وهو يحاول دائما أن يَحْظَى بكلِ الأجزاء التي تكوّن هيكلا كاملا، ثم يعيد بناءَها في صبر ودقة، كهياكل ديناصورات الهائلة الأحجام التي نراها في المتاحف العلمية. 

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى