الطب

التغيرات والمضاعفات المصاحبة لـ”حرق الجسم” والإجراءات العلاجية المقدمة للمصاب

1997 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الثامن

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

حرق الجسم الطب

الحرقُ هو تدميرٌ للأنسجةِ؛ نتيجةَ تَعَرَّضها للحرارةِ أو الكَهرُباءِ أو الأشعَّةِ أو الأحماضِ أو القَلويَّات. وتُعدُّ الحروقُ الناتجةُ عن الحَرارةِ أكثرها شُيوعاً .

وقد تَنجُمُ الحُروقُ عن حَوداثَ مَنزليةٍ (حوالي 80% من الحالاتِ)؛ نتيجةَ انسكابِ الماءِ المَغليَّ، وانتشارِ النَّارِ من المَوْقِد. أو قد تنجم عن حوادثَ في المصانعِ، (وهيَ عادةً حُروقٌ كهربائيةٌ أو كيميائيّةٌ) أو عنْ حوادثِ الحروبِ.

 

ويُصاحبُ الحُروقَ مَجموعةٌ من التغيُّراتِ المرضيَّةِ مِنْها :

– فَقْدُ السَّوائِلِ: يَحدُثُ ارتِشاحٌ لِسوائل غنيّةٍ بالبروتيناتِ نتيجةً لِزيادةِ نفاذيَّةِ الشُّعَيْراتِ الدَّمَويَّةِ، وفَقْدِها لِحَيويَّتِها في المِنْطقةِ المُصابة.

كذلك يَحْدثُ تبخّرٌ للماء منَ النّسيج الواقع تحتَ الجلدِ والمُعرَّضِ لِلهواء. ويُؤدّي ذلك إلى نقْصِ كَمِيَّةِ الدَّم في الجسمِ، وبخاصّةٍ في أوَّلِ 24 ساعةٍ من الحادثِ.

 

– فَقْدُ الحَرارةِ: يُصاحبُ تبخُّرَ الماءِ فَقْدُ الجِسْمِ لِحرارتِه، وقد يكونُ فقدُ الحرارةِ شديداً إلى دَرَجَةٍ قاتِلةٍ.

 

– غزْوٌ بِكتيريٌّ: بالرَّغمِ من أنَّ الجلدَ يُعتبرُ مأوىً لكميّةٍ كبيرةٍ من البَكتيريا؛ إلاَّ أنَّها لا تستطيعُ أن تَقْتَحِمَهُ في الأحوالِ العاديَّةِ، أمَا في حالةِ الحَرْقِ فإنَّ مُقاومةَ الجِلُدِ تَنْخَفض، مِمَّا يَسمَحُ للبَكتريا بِغزوِ الأنسجةِ الأعمقِ.

– صدمةٌ عصبيةٌ: تَحْدُثُ عادةً لحظةَ الحرْق نتيجة الألم ، وقد تَحْدُثُ الصَّدمةُ نتيجةَ نَقصَ حَجْم الدَّمِ خِلالَ بِضعَ ساعاتٍ من حُدوثِ الحَرْقِ.

 

ويُمكنُ تقسيمُ الحُروقِ بِحسبِ عٌمْقِها، وبِحسبِ مِساحتِها:

فمنْ حيثُ العُمق كانتْ الحُروقُ تُقسَمُ إلى سِتَّ دَرَجاتٍ. أما الدرجةُ الأولى: فمجرّد احمرارَ للجِلدِ، والدَّرَجةُ الثانيةُ: ظُهورُ حُويْصِلاتٍ مِنَ السَّوائلِ، والثَّالِثةُ: تدمير طبقة البشرة مع الاحتفاظ بالغدد العرقيّة و الدّهنيّة، (وهي مصدر لنمو الجلد فيما بعد).

والرابعة: تَدميرُ كُلَّ الجِلدِ، وتعريةَ الطّبقةِ تَحتَ الجِلديّةِ، والخامسةُ: تدميرُ العَضَلاتِ، والسَّادسةُ: حرْقَ العِظام.

 

والحُروقُ منَ الدَرَجاتِ الأولى والثانيةِ والثالثةِ حُروقٌ سَطحِيَّةٌ؛ وفيها يُحْدُثُ تَدميرٌ جُزئيَّ للجلدِ، وعادةً ما يَلتَئِمُ تِلقائياً خِلالَ مُدَّةٍ تتراوحُ بينَ أسبوعيْنِ وأربَعةِ أسابيعَ.

أمَّا الحُروقُ منَ الدَّرَجاتِ الرابعةِ والخامسةِ والسَّادسةِ، فَحُروقٌ عميقةٌ، وفيها يحدُثُ تَدميرُ كُلَّ الجِلدِ، ويَسْتوْجبُ التَدَخُّلَ الجراحيّ، وترقيعَ الجِلْدِ فيها بَعْدُ .

 

أمَا من حيثُ مِساحةُ الحَرْق، فقد اصطلحَ على استخدام قاعدةِ ال "تِسْعةِ" لِتَقْسيمِ الجسمِ؛ حيثُ يُشكَّلُ الرَّأْسُ والعُنُقُ 9% من مساحةِ الجِسْمِ كُلِّهِ، كذلك يُشكَّلُ كلُّ طَرفٍ عُلويّ 9% من المساحة، أما البطنُ والظَّهرُ.

وكُلُّ مِنَ الطَّرَفيْن السُّفليَّيْن، فيشكّلُ كلُّ جُزءٍ منْها على حِدةٍ 18% من المساحة؛ وبذلك يكون المجموع حوالي 100% وعادةً ما يُعتبَرُ الحَرْقُ مُتَقّدَّما ويحتاجُ إلى عِلاجِ في المُستشفى إذا ما تعدَّى 15%، (و10% في حالةِ الإطفالِ).

وفي الماضي كانت فُرَصُ الحَياةِ قليلةً إذا ما تعدَّتْ نِسبَةُ الحَرْقِ 30%، أما الآن فقد يَعيشُ المريضُ رَغْمَ امتدادِ الحَرقِ لأكثرَ من 60% من جِسْمِهِ.

 

ولِلْحُروقِ مَضاعَفاتٌ أهمُّها:

1- تلوُّثُ مكانِ الحَرقِ: ويُعدُّ ذلك مِنْ أهمٍّ أسبابِ الوفاةِ في حالة الحُروقِ الحَراريّةِ، وبخاصّةٍ إذا ما أدَّتْ إلى تَسمُّمٍ بكتيريِّ عامٍّ، وكثيراً ما تَفْشَلُ المُضاداتُ الحيويةُ في تَخفيضِ مُعدّلِ الوَفيَّاتِ في حالةِ الحُروقِ الشَّديدةِ .

2- مضاعفاتُ الجِهاز التَنَفُّسيّ: مثلُ انْسِدادِ الحُنجَرةِ نتيجةَ تَورُّمِ أنسجتها،  وانْسِدادِ الشُّعَب الهوائيةِ نتيجةَ استِنشاقِ مَوادَّ مُثيرةٍ لأغشيتها المبطنةِ والالتهاب الرَّئويّ.

3- مضاعفات تصيب الجهاز الهضمي: مثل قرحة المعدة والاثنى عشر التي تؤدي إلى نزيف شديد، كذلك كثيراً ما يحدث تمدد حاد للمعدة في الأسبوع الأول للإصابة.

4- تقلص الندبات التي تعقب التئام الحروق العميقة: وبخاصة في الأطراف والعنق والصدر، مما يؤدي إلى تقييد حركة الأطراف أو الرأس، بل والتنفس.

 

وعندَ حُدوثِ الحَرقِ يَجبُ المبادَرةُ بِعملِ الإجراءاتِ الآتيةِ:

– حُسنُ التصرُّفِ وقتَ مُواجهة النار: فلا يَصِحُّ أن يجري الشّخص إذا ما اشتعلتْ ملابِسُهُ، حيث إنَّ ذلك يؤدّي إلى تأجّج النّار، بل يجبُ عليه أن يسلتقيَ أرضا، وأنْ يُلّفَ ببطانيّة أو سجّادةٍ لإخمادِ النّارِ، ( وذلك لِقَطْعِ الأوكسجين عنها).

– تسكينِ الألم: وذلك بِتغطية الجُزء المُصابِ بأغطيةٍ مُبلَّلةٍ بالماءِ  المُثَلَّجِ، أو وضعٍ العُضو المُصابِ تحتَ ماءٍ جارٍ باردٍ لعدَّةِ دَقائقَ، إضافة إلى إعطاء المُصابِ أيَّ دواءٍ مُسكَّنٍ.

– تغطيةِ الحَرْقِ: وذلك بواسطةِ غيارٍ طبيِّ أو ملاءةٍ نَظيفةٍ، أما إذا كانت منطِقةُ الحَرْقِ مُغطاةً بِملابِسَ مُحتَرِقةٍ فلا يجبُ نَزعُها، وبخاصة إذا ما كانت ملتصقة، حيثُ إن هذا التَصرّف ينتج عنه آلامُ مُبَرَّجةٌ، قد تؤدّي الى زيادة عُمقِ الحرق، فَضلاً عن أنّ هذهِ الملابسَ تكونُ قد تَعمَّقتْ بِفِعْلِ الحَريقِ ولا خوْفَ منْها.

– إجراءِ عملية تنفُسَّ اصطناعيَّ عندَ حُدوثِ اختناقٍ.

– استدعاءُ رِجالِ الإسعاف ونقلُ المُصاب إلى المُستشقى.

 

وبعدَ عملِ الإسعافات الأوليّة، يُشرعُ في عِلاجِ المُصابِ، ويَهدِفُ علاجُ الحُروقِ إلى:

1- إنقاذِ الحياةِ، وذلك عن طريق تأمين تنفّسِ طبيعيَّ للمُصاب، وتَسكين آلامِهِ بواسطةِ الأدويةِ المناسبةِ، وإعطائِهِ سوائلَ وأمْلاحَ تعويضيَّة عن طريقِ الوريد. وقد يحتاج الأمرُ إلى نَقلِ البلازما أو الدَّم في بعضِ الحالاتِ وتطعميِهِ ضدَّ الكُزازِ (التيتانوس). ونادراً ما يُعطى المُصابُ مَضاداتٍ حَيويةٍ في البِدايةِ على سَبيلِ الوِقايَةِ.

2- تأمينِ التئامِ الحَرْق في اقصر فَترةٍ مع العَمَل على عدم تَلَوُّثهِ؛ وذلك عن طريقِ تغطيتِهِ بالغَياراتِ المُعقَّمةِ في الجُروح السَّطحيةِ، أو تنظيفِ الحَرْقِ وتَرقيعِهِ بالجِلْدِ في الحُروقِ العَميقَةِ .

3- مَنع حُدوثِ التشوُّهات أو إصلاح ما يحدُثُ منها؛ وذلكَ عن طريقِ عَدَم التعرُّض للاحتكاك وأشعة الشمس، ودِهانِ المنطقةِ المَحروقةِ بمراهمَ خاصةٍ، والعِلاجِ الإشعاعيَّ للنَّدباتِ، أو اللجوء إلى الجِراحةِ التّجميليّة فيما بعدُ.

 

وللوقاية منَ الحُروقِ يلزَمُ مُراعاةُ احتياطاتِ الأمنِ والسَّلامةِ عندَ استخْدام مواقِدِ الغاز والأجهزةِ الكهرُبائيةِ، كما يَنْبَغي التأكُّدُ من تَوافُرِ شُروطِ الصَّلاحيَّةِ في هذهِ المواقدِ والأجهزةِ قَبْلَ شِرائِها.

وعندما نُوجدُ في أماكن يُحظَرُ فيها استخدامُ المواقِدِ الغازيَّةِ، أو إشعالُ نارٍ، مثلُ الفنادِقِ والخِيامِ المُعدَّةُ لإقامة الحُجَّاج، يجِبُ علينا اتَّباع التَّعليماتِ حِفاظاً على سلامتنا وسَلامةِ الآخرين.

وإذا كُنَّا نعلمُ أنَّ الأطفالَ الصِّغارَ في مُحاولاتِهم الدائمةِ لاستكشاف البيئةِ التي يعيشون فيها يَعبَثونَ بالأشياءِ من حَوْلِهِم، يَجبُ عَلينا أنْ نُبْعدَ عن مُتناوَلِ أيديهم الكبريتَ والموادَّ القابلةَ للاشتعالِ حتى لا يُؤذوا أنفُسَهُم، ويتسبّبوا في مشاكلَ قد تُودي بحياتِهم .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى