علوم الأرض والجيولوجيا

مفاهيم المنافع العامة

2014 الاقتصاد وتحدي ظاهرة الاحتباس الحراري

تشارلزس . بيرسون

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

مفاهيم المنافع العامة علوم الأرض والجيولوجيا

تُعطي القوانين الفيزيائية بحكم الأمر الواقع حقوق الملكية الخاصة بغازات الدفيئة لمصادر بواعثها. فعقيدة سيادة الدولة تترك السيطرة على [انبعاثات غازات الدفيئة] لتتحكم بها كل دولة على انفراد.

ورغم ما أوحت إليه " نظرية كوز" (Coase Theorem) الرائعة  بوجوب إيقاف العوائق أمام التفاوض حول المستويات الكفوءة التخفيف، إلا أنه يبدو أن السوق الدولية للتعاون مختلة وظيفياً. ويقدم في هذا الفصل بعض الإجابات الجزئية لماذا الأمر هكذا. ويقييم الفصل اللاحق مفاوضات المناخ الراهنة.

تغير المناخ هو عالمياً "الضرر العام" (Public Bad)، ومنع تغير المناخ هو عالمياً لـ "المنفعة العامة" (Public Good).

 

سنبدأ بمناقشة وجيزة لمفهومي هذين المصطلحين. وهو ما سيؤدي بالنتيجة إلى استنتاج مفاده، أن تنسيق العمل الدولي المفترض من خلال "اتفاقية البيئة الدولية" (International Environmental Agreement: IEA) لما بعد بروتوكول كيوتو أمرٌ لا بد منه.

كما سنسلط الضوء أيضاً على الصعوبات المعنية الخطرة. وفي القسم القادم سنهتم بالأهداف، والتوقيت، خاصة المشاركة في مثل هذه الاتفاقية.

 

وقد يُظن من هذا النحو أن هناك استعداداً للتعاون. فالمزيج من العقاب والترغيب يشجع هذه الرغبة. حيث تنبع ضرورة التعاون من الحاجة إلى تقليل كلفة خفض غازات الدفيئة، وغلق نافذة السياسة المناخية التعسفية بسرعة.

فبالنسبة لقضية إدراج البلدان المتوسطة والكبيرة التقدم (والولايات المتحدة الأميركية) في جهود تخفيف [الانبعاثات] نجد أنها قضية ملزمة وقوية. ورغم  العقاب والعقاب والترغيب، على أية حال، يبدو أن هناك عدم توافق بين الحاجة إلى التعاون، والرغبة فيه(3).

 

مفاهيم: منافع عامة وأضرار عامة

الخاصيتان الأساسيتان المتعلقتان بالمنافع العامة الخالصة معروفة للغاية.

الخاصية الأولى أنها تواجه عدم الاستبعاد، فبمجرد أن يتم إنتاجها فإنه من الصعب تكنيكياً أو مادياً استبعاد أي امرئٍ يروم استخدامها، أو استخدام الخدمات التي تقدمها.

 

والثانية تظهر عدم التنافس، إذ بمجرد استخدامها من قبل شخص ما، فإن هذه السلعة لا تقل قيمتها المتاحة للآخرين. فالمعرفة – لنقل ابتكار الحساب (الرياضيات)- هو مثال جيد على ذلك(4)

وبمجرد المعرفة، من الصعب منع استخدام الشيء. وإن استخدامي للحساب لا يستبق استخدامك الخاص للحساب. وضرر الصالح العام، الذي يقلل من الفائدة أو الرفاهية يمتلك نفس الخاصيتين.

منافع الصالح العام العالمية هي ببساطة تلك المنافعة العامة التي تتمتع بها بلدان عديدة.

 

ولعل المناخ مثال واعد، سواء اختار المرء الاهتمام بالمنفعة العامة (منع تغير المناخ) أم اختار الاهتمام بالضرر العامة (تغير المناخ)، وكلاهما أمرٌ غير مادي.

فبمجرد حدوث التغير المناخي، لا يمكن استبعاده. فمواطنو الهند أو مواطنو أي بلد آخر لا يمكنهم اختيار العيش في طقس من الماضي (عدم الاستبعاد). وإن تكاليف التأقلم مع تغير المناخ يتحملها بلد ما في أي تكاليف تكيف للحد من طريقة انتقال التغير المناخي لبلدان أخرى هو (عدم تنافس).

 

المشكلة الاقتصادية التي تُمثلها المنفعة العامة واضحة ومباشرة. تاركين لأنفسهم، الأسواق الخاصة التي سيقل فيها العرض.

إذ لن تجد الشركات ربحها في إنتاج السلعة العامة، أو الخدمة العامة، لأنه من دون عدم الاستبعاد، لا يمكن لأي امرءٍ أن تكون له الرغبة في الشراء لشيء يمكن الحصول عليه مجاناً.

إضافة إلى أن عدم التنافس يدعم السعر الصفري. فبمجرد إنتاج السلعة ستكون عملية تقييد الوصول إليها غير فعالة بواسطة فرض السعر عليها.

 

ويستتبع ذلك، أنه بالإمكان زيادة الرعاية الاجتماعية إذا تعهدت الدولة بإنتاج السلع العامة أو تدعم إنتاج القطاع الخاص. وبنفس المنطق، سيقوم القطاع الخاص غير المنظم بتحفيز إنتاج السلع المضرة، لكونه يملك تكلفة صفرية لتلك السلع التي تم إنتاجها.

ولعل ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي تناسب هذا الوضع بدقة. فحتى وقت قريب جداً كانت غازات الدفيئة غير مسعرة وقد تمّ انبعاث الكثير منها [في الغلاف الجوي] – مؤثر خارجي من الإنتاج والاستهلاك. كم يمكن للحكومة أن تشجع على إنتاج سلع المنافع العامة، ويمكنها الحد من الأضرار العامة من خلال تحسين الرعاية الاجتماعية.

فالعمل الواضح هو أن نلحق التكلفة الضمنية أو الصريحة (السعر) بالنشاط الذي يتم الإنتاج فيه. فكما سيوضح لاحقاً في هذا الفصل، فإن توفير سلع المنفعة العامة عالمياً يمثل مشكلة صعبة للغاية، حيث إنه لا توجد حكومة دولية تمتع بسلطة قسرية أو ضريبية، وإن توفير سلع المنفعة العامة (تقييد سلعية الأضرار العامة) هو نتيجة للمفاوضات الدولية(5).

 

إن تحديد العرض الأمثل لسلع المنفعة العامة هو شيءٌ معقد لسببين.

الأول، "عدم الاستبعاد" (Non-Excludability)، لعدم وجود سوق، وسعر سوق تقليدي يعكس الطلب والقيمة. فقد يطالب الأفراد بعرقلة القيمة التي يجب وضعها على السلعة، ولكن عندهم حافز ضئيل لتقديم إجابة صحيحة.

والرد الاستراتيجي لذلك، هو الاتجاه إلى تقدير "الكرة المنخفضة" (Low-Ball)، فإذا كانوا يفكرون أنهم سيضطرون لدفع سعر مبالغ فيه، إذا كان من المتوقع أن يدفع. ففي سياق ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، التي تكون فيه الدول الوكيل وليس الأفراد، فيمكن أن تنشأ مشكلة مماثلة.

فقد تكون الدول غير راغبة في الكشف عن حقيقة "مطالبها" في أبطاء سياسة تغير المناخ، إما بالمبالغة في ما قدموه من منافعٍ، حين تتوقع تلك الحكومات أن اللآخرين سيدفعون مبالغ مالية، أو من خلال تقليل منافعها إذا كانت تتوقع [أن تدفع مبالغ مالية عن ما كشفت عنه، معولة على أن يدفع الآخرين الفاتورة.

 

يهتم عدم اليقين الحقيقي بالتكاليف على المستوى الوطني وخصوصاً المنافع، فضلاً عن اهتمامه بالاختلافات الحقيقية لمعدلات الحسم المعقدة التي تفصل الاستراتيجيات عن المطالبات النافذة.

ومازالت من حيث المبدأ وظائف المنفعة (تجنب الأضرار) هي تقديرات موضوعية لظواهر الفيضانات الساحلية، وغلة المحاصيل، والمرض، وهلم جراً، بحيث يكون فيها مجال الخطأ محدوداً. وقد عبرنا عن مثل هذا السلوك الاستراتيجي لاحقاً في هذا الفصل(6).

 

السبب الثاني لهذا التعقيد هو أن توفير سلع المنفعة العامة بكميات ثابتة على عكس السلع الخاصة، لا يُمكّن الأفراد (البلدان) من ضبط الكميات المتلقية منها (Heal 1998).

وهذه نقطة مهمة، لكونها ترتبط بالكفاءة ومسألة حقوق المساهمين. فالتوازن الذي يتم التوصل إليه في اقتصاد السلع التنافسية في القطاع الخاص هو اقتصادٌ كفءٌ، لكونه يُمكّن الأفراد من ضبط كميات البضائع التي يشترونها لتعادل نسبة الفائدة الحدية التي يتلقونها مقابل الأسعار النسبية للسلع.

والفروق في الدخل والأفضليات بين الأفراد يتم استيعابها بواسطة الاختلافات في كمية المشتريات. أما الكفاءة فيمكن تحقيقها من خلال السوق، إذ هي مستقلة عن التوزيع الأولي للسلع.

 

وهو ما لا يستوي عمله مع سلع المنفعة العامة. لكون سلع المنفعة العامة لا يمكن تداولها تجارياً لاستيعاب الاختلافات في الدخل والأفضليات – نحو الأحسن أو الأسوء، حجم واحد لا بد من أن يكون ملائماً للجميع.

كيف يمكن عرض سلعة منفعة عامة – على سبيل المثال، الوقاية من ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي-  لتناسب احتياجات الصين وأستراليا وتشاد والمملكة العربية السعودية وجنوب كوريا وروسيا؟

هناك حل واحدٌ يتضمن مناداة بفصل توزيع جهد التخفيف عن توزيع تمويل التخفيف. الخطوة الأولى لهذا الحل هي استخدام ضريبة الكربون الموحدة أو نظام الحد الأقصى للتجارة، لتأكيد أن التكاليف الحدية متساوية بين البلدان.

 

ويمكن تحديد الضريبة والحد الأقصى للتجارة إما من خلال الوفاء [بتخفيض] درجات الحرارة أو من خلال تركيز الهدف، أو تحديد التكاليف الحدية العالمية بحيث تكون مساوية للمنافع الحدية العالمية (وكلهم مخفض).

والمساواة بين التكاليف الحدية يضمن كفاءة تخصيص جهد التخفيف. وتمويل الكلفة المتراكمة للتخفيف يتم من ثم توزيعه ما بين البلدان، حيث إن لكل بلد حصة مدفوعة تعكس رغبتهم الحدية للدفع المالي لما هو  معروض عالمياً من سلع المنفعة العامة – في هذه الحالة، خفض انبعاثات غازات الدفيئة.

 

وبعبارة أخرى، بدلاً من ضبط الكمية المشتراة نسبة للسعر، فإن السعر المدفوع من بلد ما يتم ضبطه لضبط الكميات المستلمة.

وهي الأسعار المعروفة بأسعار "لنداهل" (Lindahl). والنتيجة هي "أمثلية باريتو" (Pareto Optimal)– تمويل سلعة المنفعة العامة بالكامل، وكل بلد على حدة يكون راضياً عن المبالغ المقدمة. ويتم تحقيق الكفاءة، ولكن مع التوزيع المناسب لتكاليف التخفيف فحسب.

يتبع الرغبة في الدفع مبدأ المنفعة المالية العامة. فتخصيص أسهم تمويل مرتكزة على الرغبة في الدفع يعني أن البلدان التي تواجه تكاليف عالية لأضرار ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي ستواجه أيضاً تكاليف تخفيف مرتفعة.

 

ولكن المساواة أيضاً حاضرة، لأن الاستعداد للدفع هو بحد ذاته يحدد في جزء منه بواسطة الدخل والأفضليات. فمع ثبات العوامل الأخرى، ستدفع البلدان الفقيرة حصصاً أقل من الدول الغنية. وبعبارة أخرى، يتم استيعاب القدرة على الدفع من المالية العامة (Buchholtz abd Peters 2007).

وإن الخطوة الأخيرة هي نظام التحويلات من البلدان التي حصتها الإجمالية من تكاليف التخفيف، التي شرحناها في وقت مبكر قد تتجاوز حصتها من نفقات التخفيف الفعلية حصة البلدان التي هي بالفعل تجاوزت النفقات الفعلية لحصتها.

ففي نظام الحد الأقصى للتجارة، فإن هذا التحويل موجودٌ ضمناً في تخصيصات الانبعاثات ما بين البلدان. وستحتاج تحويلات المالية العامة إلى أن تكون ضمن نظام ضريبة الكربون.

 

على أية حال، أسعار لنداهل ليست حلاً سحرياً. فتلك الأسعار لا تحل بصورة مشروعية مشكلة عدم اليقين بخصوص كلفة التخفيف، ودالة المنفعة، وهو ما لا يمنع من حدوث التحريفات الاستراتيجية.

كما أنها لا تلغي الحاجة إلى التحويلات، إذا كانت الكلفة والمنفعة على الصعيد الوطني مختلفة ما بين البلدان. وقد تُعلق المفاوضات [بين الدول] بناءاً على معايير أخرى، على سبيل المثال مطالب مساواة الانبعاثات للفرد الواحد، وفي هذه الحالة، لا يمكن تحقيق التخفيف الأقل كلفة.

وقد لا تُجوّز "المسؤولية التاريخية" التذرع بتحويل عبء تكلفة التخفيف نحو الشمال. ومع ذلك، فإن بعض التحول شمالاً في عبء كلفة التخفيف هو بالفعل متجسدٌ ضمنياً في معيار الاستعداد للدفع.

 

وتشير الفائدة الحدية المنخفضة في دخل البلدان الغنية إلى أن التصاريح في نظام الحد الأقصى للتجارة ينبغي أن تُعطى بشكل غير متناسب للبلدان الفقيرة (انظر أيضاً الفصل الثالث (Chichilnisky and Heal 1994; Sheeran 2006)).

التحويلات هي من الاعتبارات المهمة. فكما أشرنا مسبقاً، فإن تعليلاً واحداً منحازاً لتوزيع التصاريح، أو التحويلات الضريبية غير كفءٍ في مواجهة المنافع المساعدة الحدية المختلفة في الدخل.

فهي لا تتعارض مع التوزيع المنحاز المبني على مفاهيم العدالة، وعلى المسؤولية الشمالية التاريخية في خلق مشكلة ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي(7).

 

حتى الآن كل شيء جميل. الطبيعة الغريبة لسلع المنفعة العامة، والتفاوت الكبير في متوسط دخل الفرد في العالم، ودعم نقل عبء كلفة التخفيف باتجاه البلدان الغنية على أساس الكفاءة. 

والمسؤولية التاريخية التي تدعم نفس التحول، ودعم المعيار الأخلاقي للقدرة على الدفع للتحول، ودعم مبدأ الملوث يدفع لهذا التحول، على الأقل لتتم المساواة المتكافئة في نصيب الفرد من الانبعاثات بين الأغنياء والفقراء، كُلها تروج لها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ(8).

ولكن هناك صيدٌ ثمين. تطبيق أسعار لنداهل على حالات تكون فيها الحكومة في موقع توفير الكمية المثلى من سلع المنفعة العامة، ومن ثم تقرر كيفية توزيع التكاليف.هذه الحالات لا تكون في موقع مواجهة مع القيود السيادية [للبلدان]، أو ذات مصلحة ذاتية في المفاوضات.

فأسعار لنداهل لا تتحدث عن مشكلة مركزية في مفاوضات ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية الحرة الركوب. ولا تعالج ما إذا كان بالإمكان استخدام مسار توزيع الكلفة لزيادة التعاون والمشاركة.

 

فالمقطع الآتي يفيد أن هناك عدداً من الدراسات ذات الكفاءة في التخصيص كما هي موضحة في الصراعات التي شرحناها في وقت سابق مع حوافز للمشاركة على نطاق واسع – موضوعة كفاءة أخرى.

وكما اتضح، نجد أن هناك تعارضاً بين كفاءة توزيع تكاليف التخفيف وبين التوزيعات التي تشجع على المشاركة الواسعة. نعود لهذه القضية بعد مناقشة حوافز المشاركة.

بشكل أوسع، إن العلاقة بين الكفاءة والتوزيع (المساواة) في تحليل سلع المنفعة العامة مثل سياسة ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي البالغة الأهمية. ليست قضايا توزيع مركزي في نظام سياسي دولي يعتمد على المفاوضات بدلاً من الإكراه فحسب، بل هي توفيرٌ لكميات ثابتة من سلع المنفعة العامة وإن العرض الأمثل يعتمد هو ذاته على الذي يتحمل التكاليف.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى