إسلاميات

الأسباب الكامنة وراء حدوث “الزلزال” والمخاطر التي يسببها على كافة الأصعدة

1999 موسوعة الكويت العلمية الجزء العاشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

أسباب حدوث الزلزال مخاطر الزلزال إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة

تَخيَّلْ نَفْسَكَ راقداً غيرَ نائم، وفجأةً أحسَسْتَ بسريركَ يهتزُّ من تحتِكَ، ورأيتَ المصباحَ المُتَدلِّي منَ السّقفِ يَتَأرجحُ بشدَّةٍ، وسمعتَ الأطباقَ والأكواب في المطبخِ يصدِمُ بعضها بعضاً.

قفزتَ من سريركَ، فإذا الأغرضُ لا تثبُتُ تحتَ قدميكَ. ثمَّ هدأَ كُلُّ شيءٍ بعد لحَظاتٍ.

لا تنزَعِجْ، إنَّ هذا كانَ زَلزالاً غيرَ عنيف! ولا بُدَّ أنَّ الرّغبةَ سوفَ تشتدُّ بكَ إلى أن تعرِفَ أشياءَ كثيرةً عن هذهِ الزلازلِ وأسبابِ حدوثها.

 

الزّلزالُ هزّةٌ تحدثُ في جُزءٍ من القشرةِ الأرضيّة، ويُحِسُّ الناسُ آثارها في مِنطقةٍ مُعيّنةٍ من سطْحِ الأرض.

وتحدُثُ الهزةُ عندَ عُمقٍ في قشرةِ الأرض لا يزيدُ على ثلاثين كيلو متراً، ثمَّ تنتقِلُ موجاتُ الاهتزازِ مُنتَشِرةً في قشرةِ الأرضِ حتى تبلغَ السّطحَ. وتنتقلُ موجاتُ الزّلزلة في الأجسام الصُّلبةِ والسّائلةِ بسرعةٍ كبيرةٍ، تكادُ تبلغُ سُرعةَ انتقالِ الصوت.

وقد يحدُثُ في العالَم كلَّ عامٍ بضعةُ آلافٍ من الزّلازل، ولكنَّ مُعظمها يكونُ ضعيفاً جداً لا يُحِسُ به أحد.

 

وقليلٌ من الزلازلِ يُحِسَّ الناسُ بآثارهِ، وقد يُحدثُ أضراراً مختلفةً بحسب شِدّتهِ والمكانِ الذي يَحدثُ فيه.

ولكن قليلاً جداً من الزلازل قد يكونُ شديدَ العُنفِ، كثيرَ الضررِ، فتتشققُ الأرضُ، وتهبطُ أجزاءٌ من الطُّرُقِ، وتسقُطُ البيوتُ على مَنْ فيها، وتنكسرُ أنابيبُ المياهِ، وتنقَطَعُ الكهرباءُ، وتَشِبُّ الحرائِقُ.

وكانت الشُّعوبُ القديمةُ تظُنُّ أنَّ الأرضَ ثابتةٌ ويحملُها حيوانٌ ضَخْمٌ جداً: حوتٌ أو ثَورٌ أو سُلحفاةٌ أو عنكبوت.

 

فإذا تحرَّك هذا الحيوانُ أو نقَلَ الأرضَ التي يحملها من ذِراعٍ إلى ذراعٍ أو من قَرنٍ إلى قرنٍ، حدث زلزالٌ!

وكان المفكِّرونَ القُدماءُ، أمثالُ الفيلسوف أرِسْطو، يعتقدون أن الزلازِلَ تحدثُ نتيجةَ انطلاقِ الأهوية والأبخِرةِ المحتَبِسَة في باطِنِ الأرضِ.

ولكنَّ عُلماء الجيولوجيا يعرفون اليوم أشياءَ كثيرةً عن قِشرةِ الأرضِ وما تحتها، وما يحدُثُ فيها. فهم قد توصَّلوا إلى أنَّ الزلازل تنشأُ من انزلاقِ كُتلِ الصُّخورِ على أسطحِ انكساراتٍ تحدثُ فيما نُسَميها «صُدوعاً».

 

وتحدثُ هذه الصُدوعَ في الصخورِ نتيجةً لتعرّضها لضغطٍ أو شدٍّ مُتزايدٍ يُولّدُ فيها إجهاداً يُوصّلُها إلى حدِّ التمزُقِ أو التّصدعِ المفاجئ.  

وتصدر عن هذا التصدّع موجاتٌ تهزّ المنطقةَ حولها وتَنتشرُ فيها ويُمكنكَ أن تتصوَّر هذا لو أخذتَ تُثني مِسطرةٌ خشبيةً حتى تنكسرَ ويهتزَّ الجزءان المنكسران.

ويعتقد العلماءُ أنّ الزلازل تحدثُ أيضاً إذا انزَلَقَتْ كُتَلُ الصخورِ الضخمةِ في اتجاهينٍ مُتعاكسين على جانبي صَدعٍ كان قد تكوّنَ من قبلُ.

 

ففي أولِ الأمر يكونُ الجانبان ملتصقين فلا يتحركان. ثمَّ يزداد الضغطُ حتى ينفصل الجانبان فجأةً ويتحركان. وهنا يحدث الزلزال. وبعضُ الزلازل الخفيفة يمكن أن يحدث من صُنعِ الإنسانِ مثلاً بسبب دفعِ المياه في داخل آبار النِّفط.

وقد وجدَ العلماءُ أنَّ الزلازل الشديدةَ تحدثُ في مناطق غير مستقرّةٍ من الأرضِ عادةً بالقُربِ من حافّات الألواحِ الكبرى.. المكوّنة لقشرة الأرض والمرتفعات القائمة في وسط المحيطات.

وتمتدُ هذه المناطقُ على هيئة أحزمة، أهمّها حزامان: الحِزامُ الأولُ، الذي يُسمّى «الحزامَ الناريَّ»، يحدثُ فيه نحوَ أربعة أخماسِ الزلازل. وهو يدور حولَ المحيط الهادي ويشملُ: اليابان، وجزرَ الفلبين، ونيوزيلندة، والسواحلَ الغربيةِ للأمريكتين.

 

أمّا الحزامُ الثاني فإنهُ يمتدُّ من جنوبيِّ آسيا والصّين وإيران وشمال الهند إلى مِنطقة البحر المتوسط. ويمتدُ من هذا الحزام فَرعٌ إلى البحر الأحمر والحبشة وشرقيّ أفريقيا.

وبعضُ بلادنا العربية يقعُ في الحزام الثاني. وقد حدثتْ زلازلُ في المغرب، والجزائر، ومصر، والسودان، والأردن، واليمن، والكويت. أما الهزات الخفيفةُ فقد تحدثُ في أيِ مكانٍ من كوكبِ الأرض.

وقد ابتكَرَ العُلماءُ أجهزةً دقيقةً معقّدةً لقياسِ أيِّ اهتزازٍ في قشرة الأرض، وهي تُسمّى راسمات الزلازل (ومقابلُها الأجنبي: سيزموجْراف).

 

وترسُمُ هذه الأجهزةُ الاهتزازاتِ، حتّى لو كانتْ خفيفةً، وباستخدامِها يحدِّدُ العلُماءُ مصادرَ حُدوثِ الزلازلِ ودرجات شدّتها.

ودارسةُ تسجيلات الهزاتِ الأرضيّةِ يستفيدُ منها العلماء أيضاً في استِنتاج مَعلوماتٍ عن طبقات الصخور التي انتشرت فيها أمواجُ تلك الهزات.

وهناك مقاييس مختلفةٌ لتحديدِ شدّةَ الزلازل، ولكنّ أشهرها اثنان، المقياسُ الأولُ وضعَهُ عالمُ الزلازل مِرْكالي عام 1931، وفيه اثنتا عشرة درجة، بحسب مقدار إحساس الناس بالزلزال في الظروف المختلفةِ ومِقدارِ الأضرارِ التي يُحدثُها.

 

أما المقياس الثاني فقد وضعهُ رِشتَرْ عام 1935، وفقاً لدرجةِ قوّةِ الزلزال عندَ مصدر حدوثه، دون الالتفاتِ إلى آثارهِ أو إحساس الناس به؛ وهذا الأساسُ أدَقُّ من الناحية العلمية.

كما أن هذا المقياس هو الذي تسمعُهُ في نشراتِ الأخبار عندَ حدوثِ الزلازل، وكثيراً ما ينطقون اسم العالم «رِخْتَر» (وهو قد تُوفِّيَ عام 1992، وعمرُهُ 92 عاماً).

وتزيدُ كلُّ درجةٍ في مقياسِ رِختر عن الدرجة التي قبلها زيادةً كبيرةً. (وهذا يسمّيه الرياضيونَ تتابُعاً لوغاريتميا). فزلزالٌ من الدرجة (2) وما تحتها لا يكادُ يحسُّ به أحد.

 

في حينَ أنّ الدرجة الرابعةَ تزيدُ عنها نحوَ مئةِ مرة. وزلزالٌ من الدرجة الخامسة قد يكونُ مدَمِّراً. وأعلى رقمٍ سجلهُ مقياس رِختَر كان 8,6.

وقد سجَل التاريخُ عدَداً من الزلازلِ الكُبرى. ففي عام 1349م حدثَ زلزالٌ أطفأَ فنار الإسكندرية الذي ظلَّ مُضئياً قروناً عديدة. (انظر: عجائب الدنيا السبع) وفي عام 1908 هدمَ زلزالٌ معظمَ البيوتِ في مدينة مسِّينا بإيطاليا وقتل 120 ألفاً (وقُدّرتُ قُوّتهُ بدرجة 7,5 بمقياس رختر).

وفي عام 1923 فاجأ الزلزالُ الناس في طوكيو ويوكوهاما باليابان وهم يُعدّون غداءهُم على مواقِدِ الفحم. فانقَلبَتْ المواقِدُ وشَبَّتْ النيرانُ، وقُتِلَ نحو 143 ألفَ شخصٍ (8,3 درجات).

 

وفي عام 1960 حدثَ زلزالٌ في مدينةِ أغادير ببلادِ المغربِ، فدمّرَ المدينةَ وقتلَ نحو 12000 شخص (5,8 درجات) ولكن رُبّما كانَ اسوأَ زِلزالٍ سجّله التّاريخُ هو ما حدثَ في تانجِستان بالصين عام 1976، إذْ إنَهُ قضى على 750 ألف إنسان (8,2 درجات).

وتثيرُ الزلازلُ موجاتٍ هائلةٍ في المحيط (تُسمّى: تْسُونامي) تُدمِّرْ وتُطيحُ بكل ما تصلُ إليه على الشاطئ. وقد حدَثَ مثلُ هذا في جزرِ الفلبين عام 1976، وكان ارتفاعُ الموجِ 30 متراً!

ونحمُدُ الله أنّ معظمَ ما يحدثُ في بلادنا العربيةِ خفيفٌ نسبياً. وقد تعرّضت الكويتُ إلى زلزالٍ في 5 من يوليو 1931، حدثَ شرقَ جزيرة بُوبيان، وكانت قُوّتُهُ 4,8 درجات.

 

ثمّ إلى زلزالٍ آخر في 2 يونيو 1993 في المناقيشِ، كانت قوّتُهُ 4,7 درجة؛ ثمّ إلى زلزالٍ ثالثٍ في 14 ديسمبر 1996 حدثَ شمالَ الخليج، وكانت قوّتهُ 4,5 درجة ثمّ إلى هزةٍ قُوّتُها 3,9 درجةٍ حدثت في المناقيش يوم 18 سبتمبر 1997.

ومنذُ عهدٍ غيرِ بعيدٍ حدثَ في مصرَ زلزالٌ متوسّطُ الشّدّةِ (6 درجات)، وقع في أكتوبر 1992 وأحدث أضرارً محدودة بالمباني والأفراد؛ ثمّ تبعهُ زلزالٌ آخرَ خفيفٌ في أكتوبر 1994 أحدث بعض التّلفِ في المنشآت والمباني.

ثمّ وقع زِلزالٌ ثالثٌ في سيناءَ على الشّاطئ الغربيِّ لخليج العقبة، وذلك في مايو 1998 وكانت قوّتهُ 5,9 درجات، وأحدث بعضَ التلفِ في مباني مدينة نُوَيْبِع.

 

وحين تُصابُ مِنطقةٌ بزلزالٍ، يسارعُ العالمُ كلّهُ إلى نجدتها. فتُرسلُ الحكوماتُ والهيئاتُ الدولية إليها الغذاءَ والدواء والكساءِ والخيامِ، ثم يمدُّونَ أهلها بالمال ليعيدو بناء ما انهدم من مساكنهم.

ويدرس المهندسُون والعلماءُ الوسائل الكفيلةَ بالإقلال من أضرار الزلازلِ. فناطحاتُ السّحابِ العاليةُ، جيُدةُ البناء تهتزُّ مع الزّلزالِ ولكنّها لا تسقُطُ، وذلك بفضلِ هياكلها الفولاذيّةِ المرنة.

وقد أعدت إدارةُ الهَندسةِ والبناءِ، في معهد الكويت للأبحاث العلميةِ، مشروعاً بحثياً لتقييم مخاطر الزلازلِ على المنشآتِ والمباني في الكويتِ.

 

ويُحاولُ العلماءُ التوصُّلَ إلى وسائلَ تُساعدهم على التّنبُّؤِ بحدوثٍ الزلازلِ، قبلَ وُقُوعها، ولو ببضعِ ساعاتٍ تكفي للاسعداد لها.

ومن محاولاتهم في ذلك: دراسةُ التغيراتِ الضئيلةِ التي تطرأُ على مستوياتِ سَطحِ قِشرةِ الأرض، ومجالَيها المغناطّيسيّ والكهربائي، وتطويرُ أجهزةٍ لقياس الإجهادِ الذي يحدثُ في كُتل الصخورِ الضّخمةِ المُنزلِقةِ بِبُطءٍ على سُطوح الصُّدوع النشيطة.

ويُحاوِلُ العلماءُ الاستعانة بالأقمارِ الصناعيّةِ في رصْدِ بعضِ هذه الظواهر التي تعتري كوكب الأرض. وهم يهتمونَ كذلك بدارسة سجلات رصد الهزات الأرضيّةِ المُنْتَشِرَةِ في العالم، والظّواهر التي تسبقُ حدوثَ الزلازل، هو حدوثُ اضطرابٍ في سلوك الأسماك والطيور والحيوانات.

 

وبخاصةٍ تلك التي تعيشُ في شقوقٍ وجحورٍ في الأرض، كالثعابين والقوارض. ويبدو أنَّ هذه الكائناتُ أسرعُ كثيراً من الإنسان في الإحساس بمقدّمات الزلازل.

وقد بُذلَتْ جُهودٌ كثيرةٌ في هذه المجالاتٍ في البلادِ التي تتعرَض كثيراً للزّلازل الشديدة. فاليابانيّون قد أقاموا شبكة من محطاتِ رصدِ الزّلازِلِ على مسافاتٍ بعيدةٍ في المحيطِ حول بلادهم.

ولكن على الرغم من هذه الجهود، لم يتوصّل اليابانيون إلى أساليبٍ مؤكّدةٍ تمكِّنهم من التّنبؤِ بزلزالٍ حدث فعلاً في فبراير عامَ 1974، ولكنّ الخسائر في الأرواح كانت محدودةً بفضلِ ذلك التنبؤ.

 

ولكنْ في عام 1976، وقع في تانجستانِ الزّلزالُ الفظيعُ، الذي أشرنا إليه من قبلُ، بعدَ أن طمأنَ العُلماءُ الناسَ في أعقابِ هزّةٍ سابقة ظنّوا أنها انتهتْ.

وعلى عكسِ ذلك، حدثَ في الولايات المتحدة الأمريكية، أن تنبّأَ أحدث العُلماءِ عام 1980 بوقوعِ زِلزالٍ كبيرٍ، فأثارَ بين الناسِ قلقاً بالغاً، وعطّل السياحة والنشاط الصناعيّ والتّجاريّ، ولكنّ الزلزال المزعوم لم يقع!

 

وسوف تظلُّ الأرضُ تُزَلْزِلُ، وسوفَ يظلُّ العُلماءُ يُحاولون التنبؤَ بالزَّلازلِ وإيجاد وسائل لتوقّيها والتخفيف من آثارها.. حتى النهاية.

حين يحدثُ الزّلزالُ الأعظمُ يوم القيامة، فتبوحُ الأرضُ بأسرارها وأخبارها: قال تعالى(إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا) الزلزالة (1-5).

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى