الرياضيات والهندسة

التصميم الأمثل

2000 الرياضيات والشكل الأمثل

ستيفان هيلدبرانت و انتوني ترومبا

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الرياضيات والهندسة الهندسة

 

لا تفعل الطبيعة أي شيء عبثا، وما تنجزه يمكنها إنجازه بفعل أقل،

ذلك أنها تؤثر البساطة ولا تنزع إلى القيام بأفعال زائدة غير ضرورية.

                                                        (إسحق نيوتن)

 

في القرن الخامس الميلادي، كتب الفيلسوف اليوناني <پروكلس proclus <يقول:" إن الدائرة هي أول الأشكال وأبسطها وأكملها". وفي الحقيقة، فإن التناظر الكامل للدائرة يسوغ هذه المقولة، كما تسوغها خاصة المحيطات المتساوية isoperimetric property الجميلة، وكما وجدت الملكة <ديدو Dido <، فإن الدائرة تحظى، من بين جميع الأشكال المستوية التي لها طول المحيط نفسه، بأعظم مساحة.

وحيث إننا لم نعرض بعد إثباتا لهذه المبرهنة، فسنلقي نظرة على الأسباب المنطقية التي أجراها .j>شتاينر>عام 1836.

 

مسألة المحيطات المتساوية

لنفترض أن لمسألة المحيطات المتساوية حلاً. عندئذ يوجد منحن مغلق C ، من بين جميع المنحنيات المغلقة التي لها طول مفروض، يحد مساحة أعظمية. وما نود إثباته هو أن هذا المنحني ليس سوى دائرة. نلاحظ أولاً أن هذا المنحني محدب  convex؛ أي إن أية قطعة مستقيمة تصل بين نقطتين داخل C تقع كلها داخل المنحني (قارن بين الشكلين a و b في أعلى الصفحة)

 

 ذلك انه إذا لم يتحقق هذا الأمر، فإن المنحني C سيقع في جانب واحد من خط مستقيم L يمر بنقطتين "P و"Q من المنحني، بحيث تكون تلك النقاط من L المحصورة بين "P و "Q خارج المنحني C (انظر الشكل c في الأعلى). وعندئذ، يبين الشكل الأعلى d أن باستطاعتنا رسم منحن  C*يحيط بمساحة أكبر من تلك التي يحدها المنحني C وذلك على الرغم من أن طولي هذين المحنيين متساويان. ولما كان هذا مناقضًا لافتراضنا أن C يحد مساحة أعظمية، فإن منحني الحل يجب أن يكون محدبًا.

بعد ذلك نختار نقطتين R و S على منحن محدب C بحيث تقسم هاتان النقطتان C الى قوسين طولاهما متساويان، هما C' و C'' عندئذ يقسم المستقيم RS القسم الداخلي من C الى قسمين B'  و B'' ، كما هو مبين في الشكل السفلي.

وبما أن المنحني C يحد مساحة أعظمية، فيجب أن يكون لـ B' وB''  المساحة ذاتها، وهذا أمر يمكن التحقق منه على النحو التالي : لنفترض، مثلا، أن مساحة B' أكبر من مساحة B'' عندئذ نرى أنه إذا عكسنا المنطقة B' حول القطعة المستقيمة  RS، فإننا نجد منطقة جديدة، هي صورة B' في المرآة. كما هو مبين في أعلى الصفحة التالية.  وإذ ذاك يكون اتحاد B' مع صورته في المرآة، (خياله المرأوي) شكلاً مساحته أكبر من المساحة التي يحدها C في حين أن لمحيط هذا الشكل طولاً يساوي طول C .

 

 

لكن هذا يناقض افتراضنا بأن المنحني C يحد مساحة أعظمية؛ لذا فلابد أن تكون مساحتاو B' متساويتين.

وللبرهان على أن المنحني C' وC''  هو نصف دائرة، وهنا سنجري المناقشة متبعين مرة أخرى طريقة نقض الفرض.

لهذا، سنفترض مؤقتا أن أحد القوسين – وليكن C' –  ليس نصف دائرة. عندئذ نستنتج، استناداً الى مبرهنة شهيرة للعالم تالس، أن هناك نقطة A على القوسC' بحيث يكون القياس  لزاوية الرأس A في المثلث RAS لا يساوي º90 لنتصور الآن أنه يمكن تحريك الضلعين AR  و AS حول مفصل مثبت في A، بحيث نستطيع تكبير الزاوية في المفصل أو تصغيرها ، وأن الشكلين الهلاليين الملونين في الشكل السفلي متماسكان بثبات بالضلعين AR و AS بحيث يتحركان معهما لدى فتح هذين الضلعين أو إغلاقهما. وهكذا فإنه يمكننا تغيير انفراج المفصل من الزاوية الأصلية  الى الزاوية º90 مكبرين بذلك مساحة المثلث .(1)RAS وإذ ذاك يصبح للشكل الجديد مع هلاليه المتصلين به مساحة أكبر من مساحة الشكل القديم الذي زاويته في A تساوي  ونظرًا إلى أن مساحة الشكل القديم كانت، كما سبق ورأينا، نصف مساحة داخل المنحني  C، فإننا إذا عكسنا الشكل الجديد بالنسبة إلى المستقيم الواصل بين R وS  وضممناه إلى صورته في المرآة (خياله المرأوي)، فلا بد أن نحصل على منطقة لها نفس طول محيط C ولكنها ذات مساحة أكبر. ولما كان هذا. أمراً مستحيلاً، فإن القوس C' يجب أن يكون نصف دائرة. ونجد باتباع الطريقة نفسها أن C'' يجب أن يكون نصف دائرة، ومن ثم فإن C دائرة.

وهكذا نكون قد أثبتنا أن الدائرة  هي الحل الوحيد لمسألة المحيطات المتساوية. وقد اعتبر <شتاينر> أنه تم على هذا النحو إثبات حل هذه المسألة؛ ويروى أن زميله ديريخليه Dirichlet جهد في إقناعه بعدم كمال هذا الحل، إلا أنه لم يفلح في ذلك.

(1)حيث إن مساحة المثلث تساوي نصف حاصل ضرب طولي الضلعين AR و AS في جيب الزاوية  قائمة.            (المترجمان)

وكما سبق ورأينا، فإن وجود حل لمسألة هندسية أمر يحتاج عموماً الى برهان مهما بدت المسألة "معقولة"، إذ قد لا يكون هذا الحل موجوداً في الواقع. بيد أن وجود حل لمسألة المحيطات المتساوية أمر تم إثباته، ومن ثم نجد أنه من بين جميع المنحنيات المغلقة التي أطوال محيطاتها متساوية، فإن المنحني الوحيد الذي يحيط بأكبر مساحة هو الدائرة. هذا، ولن نورد البرهان على وجود الحل نظرا الى كونه إطار هذا الكتاب.

ويمكننا أن نستخلص من خاصة المحيطات المتساوية نتيجة مهمة. ولهذه الغاية نأخذ منحنيا مغلقا اختيارياطول محيطه L ، ولنفترض أنه يحيط بمنطقة مساحتها A ليكن r نصف قطر الدائرة التي طول محيطها  L، أي إن  L=2πr . من المعلوم أن هذه الدائرة تحيط بقرص مساحته πr2. واستنادا إلى خاصة المحيطات المتساوية للدائرة، فإن المساحة A المتعلقة بالمنحني C لا يمكن أن تكون أكبر منπr2  ، وإن الشرط اللازم والكافي كي تكون A مساوية πr2 هو أن يكون C دائرة. ومن ناحية أخرى، لدينا

r2 =   2 =  L2

ومنة ثم نحصل على المتباينة الشهيرة التي تسمى

متباينة المحيطات المتساوية  isoperimetric inequality

A ≤  L2

وهي تربط بين طول محيط أي منحن مستو مغلق وبين المساحة A لمنطقته الداخلية، علماً بأن المساواة لا تتحقق إلا عندما يكون المنحني دائرة.

ويترتب على متباينة المحيطات المتساوية المبرهنة التالية:

من بين جميع الأشكال المستوية التي لها مساحات متساوية، فإن للقرص الدائري أصغر محيط.

إن هذا أمر يمكن تحققه بسهولة، لأن المساحة A لقرص طول محيطه L* تساوي L*2/4π ولو كان هناك شكل مستوٍ له المساحة نفسها. ولكن طول محيطه L أصغر من طول محيط القرص. لكان A>L 2/4π ، وهذا يتناقض مع متباينة المحيطات المتساوية.

وتوفر هذه المبرهنة صيغة أخرى تكافئ خاصة المحيطات المتساوية للدائرة. وهي أيضاً تفسر سبب كون قطرت الزيت في حسائك دائرية وليست مثلثية أو مسدسية. وفي الحقيقة، فإن القوى الجزيئية تولد شكلاً ذا محيط أصغري- أي شكلاً ذا طاقة كامنة أصغرية لكمية مفروضة من الزيت – وهذا الشكل هو إذا قرص. وإذا تصادمت قطرتان طافيتان من الزيت، فسرعان ما تندمج إحداهما بالأخرى مشكلتين معاً قرصاً واحداً أكبر.

هذا وليس من المفاجئ وجود عدة خواص مثلى أخرى للدائرة؛ وعلى سبيل المثال، فمن بين جميع المناطق المستوية التي لها مساحة مفروضة، فإن القرص يمكن أن يتحمل أكبر كومة من الرمل، وقد تكون هذه معلومة لها قيمتها لدى أطفالك أو أحفادك إذا كانوا في سن يقومون فيها ببناء قلاعٍ رمليةٍ.

وتنشأ مسألة شديدة الشبه بهذا في نظرية اللدونة  plasticity، وهي: ما القطع العرضي لعمود مرن تماماً كي يصمد أمام أكبر عزم للفتل  torsional moment(أي أكبر قدر من البرم twisting)؟ وهنا نقول ثانية إن المقطع العرضي يجب أن يكون دائرياً.

وهناك سمة جميلة أخرى للقرص لاحظها الفيزيائي البريطاني >لورد رايلي Rayleigh <، تتعلق بالصوت الموسيقي الذي يولده غشاء، كما يحدث مثلاً لدى قرع الطبل. وكما قد تعلم، فإن بمقدورك تخفيض التواتر(التردد)الرئيسي principal frequency للغشاء بأن تكبر مساحته. لذا فمن المهم أن نحدد ذلك الغشاء، من بين جميع الأغشية المستوية التي لها مساحة واحدة مفروضة. الذي يكون تواتره الرئيسي أخفض ما يمكن؛ أي أن نحدد من بين جميع الطبول التي لمقاطعها العرضية مساحة واحدة مفروضة، ذلك الطبل الذي يكون له أخفض نغم. وقد توصل <رايلي> (عام 1877) تجريبيا إلى التخمين بأن الغشاء الدائري يتمتع بهذه الخاصة الأصغرية، لكن تخمينه هذا تتطلب قرابة نصف قرن من الزمن لإثباته من قبل <فابر> و <كران> (1923/1924).

وبالمثل، فمن بين حميع الصفائح المشدودة بإحكام، التي لها مساحة واحدة مفروضة، فإن أصغر تواتر رئيسي يكون للصفيحة التي لها الشكل القرص الدائري.

ويوفر علم الصوتيات acoustics عدة تطبيقات مثيرة أخرى لحسبان التغيرات، حتى إنه ليمكننا القول بأن نظرية النغمات النقية(الصافية)  theory of pure tones، ليست سوى فرع من حسبان التغيرات.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى