أحداث تاريخية

الأساليب التي اعتمدها العالم “أرشميدس” للدفاع عن مدينته سرقوسة

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني

صبري الدمرداش

KFAS

ارشميدس ومدينته سرقوسة دفاع ارشميدس عن سرقوسة أحداث تاريخية المخطوطات والكتب النادرة

رجلٌ واحدٌ … أمام جيش كامل !!

برع أرشميدس في اختراعاته التجارية كما قدَّمنا، بيد أن آلاته الحربية كانت أكثر إثارة من أدواته السلمية وأكثر دهشة.

فقد حاصر الرومان مدينته ومسقط رأسه سرقوسة ، فطلب الملك هيرو من أرشميدس أن يبتكر أسلحة الدفاع اللازمة ضد هذا الحصار.

وقد أقلع أسطول روماني تحت قيادة مارسيلوس في طلب سرقوسه. وعندئذ قال أرشميدوس لهيرو : " أعتقد أنني أستطيع تدمير ذلك الأسطول! " فسأله هيرو مشدوها : " كيف ؟! " فرد أرشميدس بثقة: "عن طريق المرايا الحارقة" .

وضاع الكلام من هيرو فلم ينبس ببنت كلمة، واكتفى بهز رأسه ، فقد بدا له أن العالم المسكين قد فقد عقله نتيجة البحث والدراسة ! .

ومع ذلك فقد حقق أرشميدس ما كان يدَّعيه . فلم تكد سفن العدو تقترب إلى أن صارت على مرمى سهم من سرقوسة حتى سلَّط عليها أرشميدس مجاميع المرايا العاكسة التي كان قد صنعها خصِّيصاً لذلك الغرض، وكانت هذه المرايا عبارة عن صفائح مقعرة من المعدن ، مصمَّمة بحيث تركز أشعة الشمس الحارقة على سفن الأسطول الزاحف.

 

ولكن سرعان ما تحوَّل الحصار حول سرقوسة إلى تهديد خطير، وهنا طلب هيرو من جديد المعونة من أرشميدس ، وسأله : "هل بإمكانك أن تزحزح سفن العدو من مكانها!" فأجاب آرشميدس : "بل أزحزح الأرض نفسها إن شئت!"

فتساءل هيرو وهو لا يكاد يصدِّق ما يسمع "ما الذي تقصده بالضبط؟!" فأجابه أرشميدس: "كل ما أقصده هو أنني لو وجدت مكانا لقدمي في عالمٍ آخر لاستطعت أن أزحزح الأرض من مكانها وأبعدها عن فلكها" . ثم مضى يشرح نظريته عن الروافع والبكرات، وهما من اكتشافاته الخاصة التي يستطيع بهما أن يحرِّك أكبر ثقل بأيسر قوة!. أنظر شكل رقم (143).

وعندما أعرب هيرو عن شكه في نجاح هذه الخطة ، شرع أرشميدس في وضعها موضع الاختبار. صنع بكرة مركبة، وربط الخطاف الحديدي الموجود بأحد طرفيها في سفينة ضخمة من سفن سرقوسة المحمَّلة بحمولة ثقيلة، وسلَّم الحبل المتصل بالطرف الآخر للبكرة إلى هيرو وقال له : " اجذب الحبل يامولاي، وشاهد ما يحدث" .

وجذب الملك الحبل، وعندئذ انطلقت صيحة الدهشة من بين شفتيه ، ذلك أن المجهود الضعيف الذي بذله بيديه قد رفع السفينة كما لو كان ذلك يتم بسحر، وجذبها خارج الماء وجعلها تتأرجح في الهواء!.

وسرعان ما جاء دور مارسيلوس أيضا ليتعجَّب من "سحر" أرشميدس . فقد وصل هذا القائد الروماني أمام حصون سرقوسة وهو مجهز بأسطول قوامه ستون سفينة مملوءة بكل أنواع الأسلحة، بالإضافة إلى قاعدة بحرية مؤلَّفة من سفن ثمانٍ ضخمة مربوطة معاً .

 

ولكن كل هذا الأسطول الضخم لم يزد عن كونه حفنةً من لعب الأطفال أمام الخطاطيف الحديدية الضخمة المتصلة ببكرات أرشميدس. فقد كانت تلكم " المخالب " الحديدية تنقض على السفن الرومانية انقضاض الطيور الجارحة، ثم ترفعها في الهواء وتقذفها من مؤخرتها في أعماق المياه ! .

وكان أرشميدس بين الحين والحين، ومن قبيل التنويع في استراتيجية الدِّفاع ، يرفع سفن العدو عالياً فوق الأجراف التي كانت تبرز تحت أسوار سرقوسة ، ثم يدور بهذه السفن في الفضاء ويدور، وفي النهاية يقذف بها بكل ما عليها من رجالٍ وعتاد ليحطمَّها فوق الصخور الحادة الأطراف. وياله من منظر مرعب!.

ويقال أن مارسيلوس عندما رأى هذا الدمار الذي ينزل بأسطوله صاح "دعونا نكف عن محاربة شيطان الهندسة هذا ، ذلك الذي يستعمل سفننا كما لو كانت أكواباً يغترف بها الماء من البحر!".

 

وبلغ من خوف الجنود الرومانيين آخر الأمر أنهم كلما رأوا عصى من الخشب أو قطعة من الحبال تبرز قليلا من فوق أسوار سرسوقة يصيحون قائلين : "ها هو شيطان الهندسة ، ها هو أرشميدس! "ويرتدون على أعقابهم هاربين .

وعندما استيقن مارسيلوس من استحالة فتح سرسوقة بالهجوم المباشر صمَّم أن يتغلب عليها عن طريق الحصار،ولكن مهارة أرشميدس أخَّرت استسلام المدينة سنوات ثلاثاً على الرغم من ذلك الحصار . فلما سقطت آخر الأمر، كان سقوطها نتيجة إهمال أهلها .

وقد حدث ذلك ليلة عيد "آرتميز" إلهة القمر عندهم ! وكان سكان المدينة المنهكة قد أسلموا أنفسهم للهو والخمر، وأفرطوا في ذلك كثيراً . وقبيل الفجر ، وعندما كانت أجسامهم مرهقة وحواسهم مخدرة، نجح عدد من الجنود في تسلق الحصون وفتح أبواب المدينة من الداخل ، فلما استيقط أهل سرقوسة في الصباح التالي وجدوا مدينتهم وقد سقطت في يد العدو.

 

ويقال أن مارسيلوس عندما ألقى بنظره إلى أسفل نحو المدينة وهو واقفٌ فوق المرتفعات خارج الأسوار ، بكى كثيراً إشفاقاً عليهم مما ينتظرها من مصيرٍ مؤلم، فقد كان يعرف أن جنوده، بعد أنطال اصطبارهم، لن يستطيع أن يمنعهم من جني ثمار عملهم. والحق أنه كان من بين ضباطه كثيرون ممن يرون أن تدك المدينة حتى تسوَّى بالأرض، وأن تعمل السيوف في رقاب جميع سكانها.

ولكن مارسيلوس عارض بشدة شهوة الانتقام، فقد كان معجباً بشجاعة أهل سرقوسة الذين قاوموه كل تلك المدة ، وعلى الأخص "شيطان الهندسة" ، وقال لرجاله :" لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه حليفاً" .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى