الطب

المضاعفات الحادة لدى السكريين

2013 أنت والسكري

نهيد علي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الطب

هناك ثلاث مضاعفات يمكن أن تحدث لدى السكريين خلال فترة وجيزة، وهي نقص سكر الدم، والحُماض السكري الكيتوني، ومتلازمة فرط السكر وفرط التناضح.

نقص سكر الدم:  يقال أن سكر الدم قد انخفض عندما يتراوح مستواه بين 50 و 60 ميلي غرام/ديسي لتر، وهو ما يعادل 2.7 إلى 3.3 ميلي مول/لتر.

وقد ينتج نقص سكر الدم عن أخذ كميات كبيرة من الإنسولين، أو من أقراص الأدوية الخافضة لسكر الدم وقلة تناول الطعام وممارسة بعض أنماط الرياضة.

ويمكن لنقص سكر الدم أن يحدث في أي وقت من أوقات الليل والنهار، ولكنه أكثر حدوثاً بعد مرور فترة طويلة بدون تناول الطعام، ومن ذلك على سبيل المثال نقص سكر الدم أثناء الضحى، وهو الوقت الذي يصل فيه تركيز وتأثير الإنسولين إلى إقصى قدر ممكن.

كما يحدث نقص سكر الدم في الأسحار (أواخر الليل)، للسبب ذاته، وإذا لم تتناول أي طعام قبل النوم، فقد تتعرض لنقص سكر الدم عند منتصف الليل.

ويمكن تقسيم نقص سكر الدم بشكل عام إلى فئتين استناداً إلى أنماط الأعراض: أعراض تنتج عن تأثير هرمون الأدرينالين أو (الإيبينيفرين) (adrenergic)، وأعراض عصبية مركزية.

وهناك من الأمثلة ما يشير إلى تناقص في زمن استجابة الهرمونات، وهو ما يطيب للأطباء تسميته بزمن الاستجابة لتأثير هرمون الأدرينالين، ولهذا التناقص صلة باعتلال الاعصاب المستقلة أو الذاتية (autonomic)وهو بدوره من المضاعفات الطويلة الأمد أو المتأخرة الظهور للسكري، وفي مثل هذه الحالات، يغييب التدفق المعتاد للإدرينالين، فتغيب عن السكري الأعراض تأثير هرمون الأدرينالين المعتاد، مثل التعرق والرجفان، لا يعتبر نقص سكر الدم خطيراً إلا عندما تظهر الأعراض المتوسطة الشدة أو الشديدة له.

ويؤدي التموج الطفيف في مستوى سكر الدم إلى تنبيه الجملة العصبية الودية (sympathetic)الأمر الذي يحرض على تدفق المزيد من هرموني الإيبينفرين (الأدرينالين)، والنورإيبينفرين (النورأدرينالين)، مما يؤدي لظهور الأعراض التي تنتج عن تأثيراتهما، وهي التعرق وتسرع القلب ورجفان الأيدي والخفقان، والشعور بالجوع وبالعصبية.

 

وفي الحالات الخفيفة من نقص سكر الدم لاتتلقى الخلايا الدماغية الكمية التي تحتاج إليها لأداء وظائفها من الغلوكوز، فتظهر الأعراض التالية:

– دوار خفيف

– صداع

– فترات من النسيان

– تشوش الوعي

– تنميل الشفتين واللسان

– اختلال تنسيق الحركات

– تباطؤ لفظ الكلمات

– سلوك اندفاعي بعيد عن المنطق

– تبدلات عاطفية

– رؤية الأشياء مضاعفة (شَفَع)

– الدوار

ويمكن أن تحدث مجموعة من هذه الأعراض إلى جانب الاضطرابات في فعالية هرموني الأدرينالين والنور أدرينالين، وكل ذلك سببه النقص الطفيف أو المتوسط الشدة في سكر الدم.

أما في النقص الشديد لسكر الدم، فيحدث اختلالاً كبيراً في أداء الجملة العصبية المركزية لوظائفها، فتظهر الاختلاجات، وتزول قابلية التعرف على الاتجاهات، ويصبح المشي صعباً، ثم يغيب الوعي.

وقد تحدث جميع الأعراض التي أشرنا إليها وبشدات مختلفة تعتمد عل الحالة العقلية والبدنية للمصاب، فعلى سبيل المثال قد تعاني من هذه الأعراض إذا نقص مستوى سكر الدم المرتفع لديك عن المستوى الذي كان عليه وليكن 200 ميلي غرام/ديسي لتر ليصل إلى 120 ميلي غرام/ديسي لتر ولاسيما إذا لم تكن تهتم بقياس سكر الدم لديك بانتظام، وبالمقابل فإن من يكون لديه سكر الدم منخفضاً في جميع الأوقات قد لا يشعر بأية أعراض لذلك الانخفاض.

         

الدخول في الحُماض السكري الكيتوني:  قد تكون قد سمعت بالحُماض السكري الكيتوني مرات كثيرة، ولاسيما خلال الصفحات السابقة، وحان الوقت لليحث فيه بشيء من التفصيل.

فالحُماض السكري الكيتوني هو أشد المضاعفات التي يمكن للسكريين أن يواجهونها. والسبب الرئيسي له هو نقص الإنسولين، فالمصاب بالحُماض السكري الكيتوني لا يستطيع أن يستقلب المركبات الدهنية ولا الكربوهيدراتية (السكرية المركبة)، ولا البروتينية، وما أن يبدأ الحُماض السكري الكيتوني حتى تتلاحق أعراضه الرئيسية الثلاثة وهي ازدياد مستوى سكر الدم والتجفاف المترافق مع ضياع الشوارد والحُماض .

ويؤدي اختلال أداء الإنسولين لوظائفه إلى انخفاض وتيرة دخول الغلوكوز إلى الكبد وإلى العضلات لتصل إلى حدها الأدنى، ويحاول الكبد التعويض عن ذلك فيزيد من كمية الغلوكوز الذي يقوم بإنتاجه، مما يؤدي إلى المزيد من ارتفاع مستوى سكر الدم، وعندها يحاول الجسم التخلص من الغلوكوز الفائض بإفراغه مع الماء والشوارد (ولاسيما الصوديوم والبوتاسيوم) عبر البول عن طريق الكليتين.

ويطلق الأطباء على عملية التخلص من الغلوكوز الفائض بإفراغه مع الماء والشوارد (ولاسيما الصوديوم والبوتاسيوم) عبر البول عن طريق الكليتين "إدرار البول التناضحي"، مما يؤدي إلى زيادة كمية البول وتعدد مرات التبول، والتجفاف وفقدان الشوارد، وعندما يقول الأطباء أن مريضهم مصاب بالتجفاف الشديد يكون ذلك المريض قد فقد 6.5 لترات من الماء و 400-500 ميلي مكافئ من الصوديوم ومن الكلور ومن البوتاسيوم خلال فترة زمنية قصيرة.

ويؤدي إدرار البول التناضحي إلى تفكك المركبات الدهنيه وتحللها إلى الغليسيرول وإلى الحموض الدهنية الحرة، وبمرور الوقت يعمل الكبد على تحويل الحموض الدهنية الحرة إلى مركبات كيتونية تدخل إلى مجرى الدم وتعبر من خلال الدورة الدموية، شأنها شأن المركبات الأخرى والجزيئات العضوية، ولكنها تسبب حدوث الحُماض الكيتوني الاستقلابي المنشأ.

وقد عزا العلماء سبب حدوث الحُماض السكري الكيتوني إلى نقص الإنسولين أو الفشل في الاستفادة منه، بسبب الإصابة بأحد الأمراض أو بالعدوى، كما يحدث لدى الإصابة بالسكري قبل اكتشافها.

 

وتتضمن أعراض الحُماض السكري الكيتوني زيادة كمية البول وتعدد مرات التبول وزيادة الرغبة في الأكل واضطراب الإبصار والصداع والضعف.

وقد يشير الانخفاض الواضح في قياس ضغط الدم الانقباضي عند الوقوف بمقدار يتجاوز 20 ميلي متر زئبقي إلى انخفاض ضغط الدم أثتاء القيام، وهي حالى تؤدي إلى نقص الضغط بمحرد الانتقال من وضعية الاستلقاء أو الجلوس إلى وضعية الوقوف أو القيام، وسرعات مايتلو ذلك ضعف النبض، أما عند غير المصابين بالحُماض السكري الكيتوني فتحدث أعراض مقابلة لذلك فيرتفع ضغط الدم لديهم عند وقوفهم من أجل إيصال تدفق الدم وما يحمل من المواد المغذية إلى الدماغ.

ثم إن الحُماض (تغير تفاعل السوائل في الجسم إلى الحموضة) وتراكم المركبات الكيتونية في سياق الحُماض السكري الكيتوني يؤديان إلى أعراض هضمية، مثل قلة الشهية والغثيان والإقياء والآلام البطنية. كما أن زيادة كمية المركبات الكيتونية تؤدي إلى تغير رائحة الهواء الذي يخرج مع التنفس ليصبح مشابهاً لرائحة الفاكهة أو لرائحة الأسيتون.

وقد يترافق الحُماض السكري الكيتوني بفرط التهوية التنفسية، فيصبح التنفس عميقاً ولكن دون صعوبة تذكر. وقد يظهر نمط من التنفس يطلق عليه الأطباء تنفس كوسماول (نسبة لاسم الطبيب الذي أشار إليه للمرة الأولى) ويتسم بتنفس عميق مع بذل الجهد في محاولة للتخفيف من الحُماض ومن تراكم المركبات الكيتونية.

وتختلف التأثيرات على الحالة العقلية أثناء الحُماض السكري الكيتوني اختلافاً كبيراً، فقد يكون بعض المصابين به في كامل الوعي أو في حالة ميل للنوم بل في حالة غيبوبة (سُبَات)، وذلك تبعاً لما هي عليه درجة التناضح في البلاسما الدموية، وهي بدرها تعبير عن مقدار وكفاية السوائل في الجسم.

 

متلازمة فرط السكر وفرط التناضح وغياب المركبات الكيتونية:  يقصد الأطباء بالمتلازمة ترافق مجموعة من الأعراض والعلامات مع بعضها البعض، وفي الحالة التي نحن بصددها فإن الأعراض كما يشير إليها اسم المتلازمة هي: فرط السكر وفرط التناضح وغياب المركبات الكيتونية. وتتميز هذه الحالة بتغير في سوية الوعي أو تضاؤل قوى الحواس من لمس أو إدراك أو تفسير للدلالات التي تشير إليها البيئة المحيطة.

إذ يؤدي الازدياد المتواصل في مستوى السكر في الدم وفي إدرار البول التناضحي إلى ضياع الماء والشوارد، ففي سياق المحاولة للمحافظة على ثبات العملية التناضخية يترك الماء السوائل الموجودة داخل الخلايا ويتجه إلى الفراغات المحيطة بالخلايا، كما أن التجفاف وزيادة كمية الغلوكوز في البول يؤديان إلى ازدياد شديد في كمية الصوديوم، وتراكمه في الدم.

وأكثر الناس إصابة بمتلازمة فرط السكر وفرط التناضح وغياب المركبات الكيتونية هم من أعمار تتراوح بين 50 و70 عاماً، ويتساوى السكريون من النمط 2 وغير السكريين في احتمال الإصابة بمتلازمة فرط السكر وفرط التناضح وغياب المركبات الكيتونية

فقد أشارت الدراسات المتعددة بأن السبب الجذري قد يعود إلى الإصابة بمرض حاد مثل السكتة الدماغية والالتهاب الرئوي، وقد يعود إلى تناول بعض الأدوية التي تؤدي إلى تفاقم الازدياد في مستوى سكر الدم مثل مركبات الثيازيد (المدرة للبول)، والإجراءات التي تتخذ في الغسيل الكلوي.

ويعاني المصابون بمتلازمة فرط السكر وفرط التناضح وغياب المركبات الكيتونية من زيادة كمية البول وتعدد مرات التبول في المراحل الأولى منها، إلا أنه يختلف عن الحُماض السكري الكيتوني من حيث غياب الحُماض وغياب المركبات الكيتونية، هذا إلى جانب وجود مستويات متفاوتة من الإنسولين في متلازمة فرط السكر وفرط التناضح وغياب المركبات الكيتونية، ومن المعرف أن عدم وجود كية كافية من الغنسولين في الحُماض السكري الكيتوني هو الذي يؤدي إلى تفكك ما يختزنه الجسم من الغلوكوز والبروتينات والدهون، ولعل ذلك هو السبب وراء ظهور المركبات الكيتونية وتبدل درجة حموضة الدم في الحُماض السكري الكيتوني.

 

ومن الأمور المتوقعة أن تترافق متلازمة فرط السكر وفرط التناضح وغياب المركبات الكيتونية بازدياد في مستوى سكر الدم وفي إدرار البول التناضحي، وذلك نتيجة المستويات المنخفضة للإنسولين، ورغم ذلك فإنه حتى إذا توافرت مستويات عالية من الإنسولين فإنه يتعذر على الجسم تفكيك الدهون.

وتخلو متلازمة فرط السكر وفرط التناضح وغياب المركبات الكيتونية من الأعراض الهضمية التي تدفع المريض عادة لطلب المشورة الطبية، فيواصل المرضى في معظم الأحيان تدبر أمورهم في زيادة كمية البول وتعدد مرات التبول، وازدياد الرغبة في الأكل، ما لم تظهر عليهم أعراض أو أمراض أو تغيرات في الجملة العصبية، فتتفاقم أوضاعهم، وهكذا يؤدي التأخر في معالجة المصابين بمتلازمة فرط السكر وفرط التناضح وغياب المركبات الكيتونية إلى أن يكون كل من التجفاف والارتفاع في مستوى سكر الدم والتناضح المفرط أكثر شدة مما لدى المصابين بالحُماض السكري الكيتوني.

أما العلامات الدالة على الإصابة بمتلازمة فرط السكر وفرط التناضح وغياب المركبات الكيتونية فهي المظاهر السريرية التالية:

– جفاف الفم ونقص مرونة الجلد

– تسرع القلب والنبض

– انخفاض ضغط الدم

– تجفاف شديد

– علامات عصبية مختلفة الشدة مثل التغير في الحواس والإصابة بالاختلاجات والشلل في أحد نصفي الجسم.

وتتراوح نسبة الوفيات بين المصابين بمتلازمة فرط السكر وفرط التناضح وغياب المركبات الكيتونية بين 10% و 40%، وتعود تلك الوفيات إلى أمراض مزمنة أخرى أو إلى المضاعفات التي سنناقشها في الصفحات التالية.

 

المضاعفات المزمنة:

لماذا يتواصل تدهور الوضع؟

يتعرض السكريون لمضاعفات حادة وأخرى مزمنة، إلى جانب مظاهر تعود إلى جهاز القلب والأوعية، والكليتين، مع حالات أخرى تعيق السكريين عن أداء فعاليات الحياة اليومية لديهم.

ويتزايد في أيامنا هذه أعداد الناس الذين يعانون من مضاعفات السكري، والتي يمكن أن نقسمهم إلى ثلاث فئات هي: امراض الأوعية الكبيرة وأمراض الأوعية الدقيقة واعتلال الأعصاب.

ولقد درس العلماء دراسة مطولة العمليات الجسمية التي تنتهي بهذه المضاعفات، ويعتقد الخبراء أن المستويات غير السوية من غلوكوز الدم تؤدي إلى أمراض الاعتلالات العصبية، والمضاعفات في الأوعية الكبيرة، وعوامل الخطر التي تقود إلى المشاكل الرئيسية الاخرى.

كما يعتقد العلماء أيضاً أن ازدياد ضغط الدم يلعب دوراً هاماً في كل من السكري من النمط 1 والسكري من النمط 2، إلا أن مثل هذه التبدلات لا تحدث إلا بعد مرور سنوات طويلة على وضع التشخيص الأولي

وقد تكون موجودة منذ اللحظات الأولى لتشخيص السكري من النمط 2، ولكنها لاتلاحظ إلا بعد مرور فترة طويلة من الزمن، ولهذا السبب يطلق الأطباء على السكري "القاتل الصامت". ولايزال السكري من النمط 2 يمر بدون تشخيص حتى تظهر الأعراض الخطيرة.

ويغلب أن تصيب المضاعفات الكلوية واضطرابات الأوعية الدقيقة المصابين بالسكري من التمط 1، كما يغلب أن تصيب أمراض الأوعية الكبيرة المصابين بالسكري من النمط 2.

 

مضاعفات الأوعية الكبيرة:  تتعرض الأوعية الدموية المتوسطة والكبيرة لتغيرات تصيب حدرانها، فتظهر عليها اللويحات التي تقلل من كمية الدم التي تمر فيها، فإذا كانت مثل تلك المضاعفات ذات الصلة بالسكري فإنها تلاحظ في وقت باكر.

وهناك ثلاثة أنواع من المضاعفات التي تصيب الأوعية الكبيرة لدى السكريين وهي: الأمراض الوعائية الدماغية (التي تسبب اختلال وظائف الدماغ)، وأمراض الأوعية التاجية (التي تؤثر على القلب)، وأمراض الأوعية المحيطية (بانسداد الأوعية الكبيرة في الذراعين وفي الساقين).

ويشيع حدوث احتشاء عضلة القلب (أو ما يسمى أيضاً بالنوبة القلبية) بين السكريين، وقد ازداد تعرضهم لهذا المرض مع انتشار نمط الحياة الذي يخلو من النشاط الجسمي في أيامنا الحاضرة، وهو يشيع بين الرجال السكريين بمقدار ضعف ما هو عليه لدى غير السكريين، وبين النساء السكريات بمقدار ثلاثة أضعاف ما هو عليه عند غير السكريات.

وما أن يصاب السكري باحتشاء عضلة القلب حتى يزيد احتمال إصابته بالمضاعفات الأخرى، كما يزيد احتمال إصابته بنوبة أخرى.

ومن بين الوقيات التي تنجم عن السكري، تشكل الوفيات التي تعزى إلى أمراض الأوعية التاجية 50-60 بالمئة منها، ومن هنا جاءت أهمية أن نتعرف على أعراض الأمراض الوعائية التاجية وعلى العوامل المرضية الكامنة وراءها والتي تسبب العجز والموت.

وتتسم أمراض الأوعية التاجية لدى السكريين بأن أعراضها غائبة، فلا يشعر السكري بالأعراض التي تدل على نقص تدفق الدم في أوعيته التاجية، وهذا ما يقود إلى "الاحتشاءات الصامتة" التي تصيب العضلة القلبية. ولابد لكشف الأمراض القلبية الوعائية التاجية من إجراء تخطيط كهربية القلب (أو رسم القلب (electrocardiogram))، ودراسة ما يصيب الأعصاب المستقلة أو الذاتية من اعتلال، وهذا ما سنناقشه في الفقرات التالية.

 

ويؤثر السير المتفاقم للتصلب العصيدي( atherosclerosis) (الذي ينتج عن ترسب مواد تشبه في مظهرها عصيدة الطعام) على الأوعية الدموية الدماغية، وقد ينتهي الأمر بها إلى الانسداد الكامل، وقد يترافق التغير في مستوى الانسداد بتشكل الجلطة  (clot)أو الصمة(embolus)، التي تسد الأوعية وتؤدي إلى حدوث نوب عارضة (لا تدوم وقتاً طويلاً) للإقفار (غياب التروية الدموية) وإلى حدوث السكتات الدماغية.

ويعرض السكري المصابين به إلى خطر الإصابة بالأمراض الوعائية الدماغية، والتي قد تنتهي بالموت، فمع ازدياد مستويات السكر في الدم تتضاءل احتمالات الشفاء من السكتة الدماغية إلى حدودها الدنيا، ونظراً للتشابه بين أعراض المرض القلبي الوعائي وبين المضاعفات الحادة للسكري مثل متلازمة فرط السكر وفرط التناضح وغياب المركبات الكيتونية أو مثل نقص سكر الدم، فإن من الواجب إجراء الاختبارات المتكررة لمستوى سكر الدم ومعالجته فور ظهور الأعراض من أجل الوقاية من المزيد من الإصابات.

ومما يزيد من تفاقم الأمور أن أمراض الشرايين المحيطية السادة تؤدي عادة إلى تغيرات تتسم بأنها تصلبية عصيدية في طبيعتها، وتحدث أمراض الشرايين المحيطية السادة أكثر ما تحدث في الأوعية الكبيرة للساقين والفخذين، حيث يلاحظ اختفاء النبض في أوعية الطرفين السفليين، ويشكو المريض من العرج المتقطع، الذي يسبب له الآلام الشديدة في الإليتين والفخذين والساقين أثناء المشي، وما أن يصبح مرض الشرايين المحيطية السادة في الطرفين السفليين شديداً حتى يبدأ التموت أو الغنغرين بالظهور، وقد يضطر الأطباء في بعض الحالات إلى بتر الساق، ومن المعروف أن مرض القدم السكرية ينتج عن اجتماع كل من اعتلال الأعصاب والبطء الشديد في الاندمال مما يثير القلق ويشغل البال.

 

المضاعفات بسبب إصابة الأوعية الدقيقة:  يمكن لمرض الأوعية الدقيقة أن يصيب السكريين جميعهم من أي نمط كانوا، ففي اعتلال الأوعية الدقيقة أو المجهرية يتثخن الغشاء القاعدي للأوعية الشعرية، مما يسبب الإحصار للخلايا لببطانية في الأوعية الشعرية، وفي واقع الأمر فإن هناك استجابات كيميائئية وحيوية تجاه الازدياد في سكر الدم، تؤدي إلى تثخن الغشاء القاعدي، مما يؤدي إلى تأثر كلا من الشبكية العينية والكليتين.

وإذا أردنا الحديث عن اعتلال الشبكية السكري المنشأ فسنجد أنه هو السبب الرئيسي لضعف الرؤية في السكريين في الولايات المتحدة الأمريكية ممن تتراوح أعمارهم بين 20 و 74 عاماً. وهو يصيب كلاً من السكريين من النمط 1 ومن النمط 2، ويعاني واحد من بين أربعة من المرضى الذين تجرى لهم جلسات الغسيل الكلوي من اعتلال الشبكية السكري المنشأ.

ويواجه السكريون مخاطر الإصابة لعدد من المضاعفات التي تؤدي لضعف البصر لديهم، وفي اعتلال الشبكية السكري المنشأ تلاحظ تغيرات تضر بالأوعية الصغيرة الحجم في الشبكية، والشبكية هي الجزء التشريحي من العين الذي يستفبل الصور لينقلها إلى الدماغ

وتمتلئ الشبكية بمختلف أنواع الأوعية الصغيرة، إذ نجد فيها الشرايين الصغيرة والأوردة الصغيرة والوُرًيْدات (الأوردة الدقيقة)، والشُّرَيْنات (الشرايين الدقيقة)، والأوعية الشعرية، ويميز الاطباء في الوقت الراهن ثلاث مراحل في اعتلال الشبكية السكري المنشأ هي: مرحلة اعتلال الشبكية السكري المنشأ غير التكاثري (البدئي)، ومرحلة اعتلال الشبكية السكري المنشأ السابقة للتكاثري، ومرحلة اعتلال الشبكية السكري المنشأ التكاثري.

ويعاني جميع المصابين بالسكري من النمط 1 تقريباً وما يقرب من 60 بالمئة من المصابين بالسكري من النمط 2 من بعض المشاكل في الرؤية عندما تصل فترة إصابتهم بالسكري إلى 20 عاماً، إذ تصاب الأوعية الدقيقة بتغييرات تتضمن النزوف داخل الشبكية، وظهور أمهات الدم الدقيقة الحجم (كيسات دموية دقيقة الحجم تنبثق من الأوعية الدقيقة)، والانسداد في بؤر مركزة من الأوعية الشعرية، وتسرب السوائل العالية التركيز من الأوعية الدقيقة.

ورغم أن معظم المرضى لا يعانون في البدء من ضعف الرؤية فإن الرؤية سرعان ما تتدهور عند حدوث اعتلال الشبكية السكري المنشأ، وتصل النسب المئوية لحدوث اعتلال الشبكية السكري المنشأ غير التكاثري ولحدوث وذمة اللطخة الصفراء (تورم في بقعة العصب العيني) إلى 10 بالمئة من المصابين بالسكري من النمط 1 وبالسكري من النمط 2 ، ويؤدي ذلك إلى تشوه الرؤية وإلى ضياع الرؤية المركزية.

 

وهناك شكل متفاقم من اعتلال الشبكية السكري المنشأ التكاثري البدئي يطلق عليه الأطباء اسم اعتلال الشبكية السكري المنشأ السابق للتكاثري، وهو كما يشير إليه اسمه مرحلة تسبق المرحلة الأكثر خطراً على الرؤية والتي يطلق عليها اسم اعتلال الشبكية السكري المنشأ التكاثري، والتي تحدث فيها تغيرات واسعة النطاق في الأوعية مما ينتج عنه في نهاية المطاف زوال الألياف العصبية، وتشير الإحصائيات إلى أن ما يقرب من 10 و50 بالمئة من المصابين باعتلال الشبكية السكري المنشأ السابق للتكاثري ستتفاقم حالاتهم خلال فترة وجيزة قد لاتزيد عن عام واحد إلى اعتلال الشبكية السكري المنشأ التكاثري.

كما تشير تلك الإحصائيات أيضاً إلى أن وذمة اللطخة الصفراء ترتبط ارتباطاً وثيقاً باعتلال الشبكية السكري المنشأ السابق للتكاثري.

ويعتبر اعتلال الشبكية السكري المنشأ التكاثري من التهديدات الخطيرة التي تترصد بالقدرة على الإبصار، ويمكن التعرف عليه عند ملاحظة نمو أوعية جديدة تنطلق من الشبكية لتنتشر في المادة الزجاجية، وتتسم تلك الأوعية الجديدة بأنها سريعة النزف، فيؤدي النزف في الشبكية والمادة الزجاجية إلى انفصال الشبكية بالتالي إلى فقدان الرؤية.

 

وفي الحالة السوية تكون المادة الزجاجية رائقة فيتمكن الضوء من اختراقها ليصل إلى الشبكية، وما أن يحدث النزف حتى تتعكر المادة الزجاجية، ويتعذر على الضوء اختراقها، وتضيع القدرة على الرؤية. وإلى جانب النزوف التي تحدث في المادة الزجاجية فإن ندبات ضخمة تتلو امتصاص الأوعية للسوائل التي تسربت إلى العين. وينتهي الأمر بعد ذلك إلى الاحتكاك الصريح بين المادة الزجاجية والشبكية الذي يسفر عنه انفصال الشبكية وضياع الرؤية.

قد يترافق اعتلال الشبكية السكري المنشأ بألم طفيف وقد لايترافق بأي شعور بالألم، إلا أن وذمة لطخة العصب البصري تؤدي إلى تشوش الرؤية في المرحلتين الثانية والثالثة من اعتلال الشبكية السكري المنشأ (السابق للتكاثري والتكاثري)، وهذا ما يجعل الكثير من المرضى لا يشعرون بأية أعراض تنبههم إلى الخطر الذي يتهددهم بفقد الرؤية

وقد لا يعاني السكريون وهم يمرون بمرحلة متقدمة من اعتلال الشبكية السكري المنشأ التكاثري وبعض النزوف من أي قدر من فقدان الرؤية، ولكنهم قد يلاحظون عبور "الذباب الطائر" خارج مجال الرؤية لديهم، وقد يتعرضون إلى تغيرات طفيقة في القدرة البصرية.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى