العلوم الإنسانية والإجتماعية

حق توفير الاستقلالية للمرضى العقليين وعلاقته بتقرير الأهلية

1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان

الدكتور يوسف يعقوب السلطان

KFAS

العلوم الإنسانية والإجتماعية البيولوجيا وعلوم الحياة

يستتبع الراي القائل بأن حق الاستقلالية عند الإنسان ينتهك بإدخاله إجباريا للمستشفى للعلاج، ألا يكون هذا الاستقلال قد أضير أو شوه بسبب المرض. 

والاستقلالية هنا لا تشير ببساطة إلى القدرة على التصرف بحرية واختيار تحقيق أهداف معروفة، لأن مثل هذه القدرة والحرية تكون موجودة وباقية في معظم حالات الأمراض العقلية، بل إنها تشير إلى "التروي الفعال"  (ميلر، 1981)، وعمل الاختيارات التأملية المناسبة على أساس وعي واضح ببدائل الفعل والنتائج المترتبة على هذا الفعل، وهو ما لا يتاح دائما للشخص المريض عقليا. 

ونضيف إلى هذا (دواركين Dworkin 1976، وميلر Miller، 1981) عنصر المصداقية أي التصرف بطريقة تتماشى مع اتجاهات الفرد وقيمه ونزعاته وخططه في الحياة (ميلر Miller، 1981، ص 24). 

 

وكذلك بينما نجد أن هذه المسايرة قد تمتد على مدى المرض العقلي إلا أنها لا تكون متوافرة دائما.  وعلى ذلك فإن مناسبة التدخل الأبوي الطبي الذي يفترض أنه يمنع حق الاستقلالية تحتاج إلى تقرير دقيق بالنسبة لكل حالة على حدة. 

ويمكن اعتبار التدخل الأبوي الطبي بطريقة تصورية عاملا مساعدا حينما يفرض علاجا يهدف إلى تحويل شخص معاق عقليا إلى شخص قادر على عمل الاختيار باستقلالية ومصداقية وثقة وعقلانية. 

وبهذا المفهوم قد يتصرف الطبيب المعالج في علاقة علاجية قوية للحفاظ على مصداقية وموثوقية المريض واستقلاليته وعقلانيته حتى في حالة عدم قدرته على احترام رفض المريض للعلاج (كاسيل Cassell 1978).

وفي نفس الوقت، كما سبق أن ذكرنا فإن على الطبيب المعالج، مدفوعا بتاثير الجماعة، أن يبحث عن الوضوح الذي يختفي وراء السلوك المضطرب عند المريض الذي يعالج خارج المستفى لكي يكتشف أن ذلك السلوك خطير يحتم إدخال المريض المستشفى أو علاجه بدون الموافقة الواعية إذا كان المريض من طبقة اقتصادية اجتماعية مدنية أو له وضع ثقافي مختلف.  

 

وعلى سبيل المثال نجد في ولاية مساشوستس في ظل قرار المحكمة العليا الذي صدر سنة 1981 (اركين Arkin، 1984) شخصا فاقدا للأهلية قد يكون له الحق في رفض العلاج الطبي إذا ما قام شخص آخر بتنفيذه ويصبح الحق مطاطا غير ملزم  بسبب هذه المتطلبات في حالة عدم وجود ضرورة طارئة، بسبب إقحام العلاج، وإمكانية حدوث آثار جانبية، قبل التورط القضائي، وكذلك قبل قيام صراع المصالح (بين الأطباء النفسيين وكذلك بين أعضاء الأسرة) الذي يقضي بأن الشخص الآخر يجب أن يكون قاضيا معينا كما ينبغي. 

واقترحت بعض الجماعات التي تؤيد حقوق المرضى وتدعو إلى مساعدة الذات، وبخاصة في المملكة المتحدة وشمال أوروبا أن يتولى أعضاء شبكة اصدقاء المرضى، وجماعات الدفاع عنهم مثل هذا الإجراء. 

ووجهوا وعبروا عن توجيه اهتمام خاص للأسر التي قد تكون صاحبة مصلحة في تفضيل إبقاء المريض محجوزا في أمان بدلا من تركه لحريته واستقلاليته. 

 

وعلى خلاف ذلك، فإن فحص كاتب هذه السطور للعديد من التسهيلات الموجودة بالاتحاد السوفييتي سنة 1990، كشف عن أنه حتى في أكثر الأوساط استنارة، ورغم بداية الإصلاح يوجد عدم إدراك لمفاهيم جهود المساعدة الذاتية والجهود التطوعية، وإصرار على أنه إذا كان لا بد من تخفيف التحكم المهني فإنه ينبغي أن يقتصر الامر فقط على إعطاء الأسرة فرصة أكبر في تولي أمور أقاربهم المرضى.

وهناك عدد من المقترحات تحاول الفصل بين أوجه الحجز في المستشفى وأوجه ومظاهر الإجراءات العلاجية في حالة الحجز الإجباري في المستشفيات. 

فالالتزام بالرعاية الأبوية المقترحة يستلزم أن يكون المريض المعني مصابا باضطرابات عقلية شديدة، وليست لديه أهلية أن يتخذ قرارات معقولا بالنسبة لعلاجه، وأن تكون حالته قابلة للعلاج، وأن يكون هناك احتمال أن يؤذي نفسه أو غيره "سترمبرج Stromberg وستون Stone 1983". 

 

وهذا يناقض التزام قوات الشرطة التي تسمح بالتقويم بينما لا تسمح بالتورط في حجز طويل في مصحة أمراض عقلية إذا لم يكن العلاج متوافرا، ولكن هناك العديد من الجماعات التي تدافع عن المرضى توصي بان يلغى تماما التزام الطبيب النفسي بالقيام بالحجز الوقائي بهدف حماية الجمهور. 

ويؤيد هذا الموقف الكثير من الكتابات التي تؤكد عدم قدرة الطبيب النفسي أن يتنبأ بالأخطار المستقبلية التي قد تأتي من الشخص المريض عقليا الذي لم يسبق له أن تورط في فعل عنيف.

وعلى أي الأحوال فإن الموقف يتعقد كما سبق أن ذكرنا لأن تقدير الأهلية غالبا ما يكون غامضا في الموقف العيادي الإكلينيكي. 

 

ولقد ذكرت دراسة موقف نشرتها الجمعية الأمريكية للطب النفسي "بوني Bonnie، 1982" أن للمرضى الحق في المشاركة في عمليات صنع القرار بالطريقة ذات المعنى التي تنتناسب مع أحوالهم الإكلينيكية. 

ولكن معايير الحكم على هذه الأحوال الإكلينيكية أو العيادية لم يتم ذكرها وتدوينها.  أضف إلى ذلك أنه رغم اعتبار حق رفض العلاج مشتقا من الحق الدستوري في التحرر من أي تدخل غير مشروع في شئون أو جسد أي شخص، فإن مبدأ تقرير المريض لمصيره لم يعتبر حقا إجباريا مشروعا. 

ومن ثم تُرِك الاطباء النفسيون دون إجابة على التساؤل عما إذا التدخل في شئون شخص آخر له مبرره الأخلاقي رغم كون مسموحا به وموافقا عليه بحكم القانون وبموجب الثقافة ومتى يجوز هذا التدخل؟

 

هذا بالإضافة إلى وجوب تقرير ماذا كان مثل هذا التدخل مشروعا على أسس عيادية إكلينيكية باعتباره في مصلحة الشخص، أي بمعنى تحسين أحوال المريض. 

وإذا ما تأكد أنه فعلا في مصلحة الشخص المريض، فهل يمكن أن يكون الأطباء النفسيون معتنقين نظرية الرعاية الأبوية المبنية على المصلحة دون التزام حقيقي باستقلالية المريض "ماكلين Macklin 1983"؟

والأهلية ليست حال توجد كلية أو تنعدم تماما، ولكنها سلسلة متصلة تماما مثل عدم كون العلاج مجرد حدث ولكنه عملية أو إجراءات، كما لا يمكن أن يكون المريض الذي يشخص مقابلا لعدم الأهلية كما أن التشخيص لا يقتضي دائما تدخلا علاجيا عنيفا أو حداً من الحرية.

 

فيجب أن تعترف القرارات الخاصة بالأهلية بان مفهوم الأهلية هو أنها أداة اجتماعية تستجيب لاحتياجات اجتماعية معينة، ولقد اختلف تعريفها على مدى التاريخ وباختلاف القيم والتقنيات المتوافرة سواء من حيث طريقة قياسها أو تعديلها.

وتنوعت هذه التعريفات بناء على متطلبات تصرف المجتمع مع الأفراد.  وهي مختلفة على سبيل المثال بين المجتمع الزراعي والمجتمع الصناعي.

بالإضافة إلى ذلك يزداد ارتباط الأهلية بالمضمون فلم يعد افتراض عدم الاهلية تابع للالتزام المبني على سلوك موقف معين ولكنه يعتمد على القدرة على صنع قرارات متعلقة بمشاكل معينة في إطار مواقف متعددة "بوني Bonnie، 1982" 

 

ولقد اقترح وضع مقياس متدرج للأهلية متطلب معايير محددة بدقة، نظرا لأن النتائج التي قد تترتب على صنع المريض للقرار قد تتضمن أو تجسد مزيدا من الأخطار "درين Drane، 1984". 

ففي آخر درجات عدم الأهلية يقع الأشخاص المضطربون والمحبطون والمتوهمون الذين يرغبون فقط في الموت، والأشخاص المصابون بهوس المملوئين بالخوف والذعر من الاعتداء والاضطهاد، الذين يرون أن المصحات أو المستشفيات ما هي إلا سجون وأماكن فيها غرف للتعذيب تتم معاملة المرضى فيها كسجناء ويرون العلاج الذي يقدم إليهم على سام قاتل.

وهنا نجد أن أي قرار خلاف الامتثال للعلاج يعتبر غير عقلاني أو صادر عن غير أهلية، وفي هذه المواقف يقبل بطريقة روتينية قيام الطبيب باستخدام سلطته لإدخال المرض المستفى إجباريا وإعطائه العلاج. 

 

وغالبا ما يكون الوصول إلى هذه الدرجة من عدم الأهلية داخلا ومشمولا ضمن الظروف الطارئة التي تستثنيها محاكم الولايات المتحدة من شرط الموافقة الواعية.

وتسمح حالة الطوارئ هذه للولاية أن تجرد الشخص من حقوقه لتضمن حماية الآخرين منه أو حمايته من نفسه "اركين Arkin، 1984، ومع ذلك ووفقا للحكم الصادر في ماساشوستس عام 1981 من المحكمة العليا، يعتبر العلاج الإجباري، حتى في هذه الظروف نوعا من الاعتقال وليس العلاج.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى