العلوم الإنسانية والإجتماعية

نسبية أثر اتفاق الإثبات

1995 الحاسوب والقانون

الدكتور محمد المرسي زهرة

KFAS

أثر اتفاق الإثبات الحاسب الالكتروني العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

انتهينا ، فيما سبق ، إلى أن اتفاق الإثبات يُعتبر – من حيث المبدأ – صحيحاً.  إلا أن هذا المبدأ ترد عليه – كما رأينا – قيود عديدة توضح – على وجه الدقة – نطاق إعماله .

لكن مثل هذا المبدأ ، بالرغم من القيود التي تُحد منه ، يحمل بين طياته مخاطر عديدة بالنسبة لمن يتعامل مع المستفيد من الحاسب الإلكتروني ، فبطاقة الائتمان قد تسرق أو تفقد من حاملها ، وقد يستخدمها الغير "غشاً"، وقد يستطيع أحد الأغيار تقليدها بصنع بطاقة مزيفة . 

وبالرغم من أن أمر السحب أو الوفاء ليس صادراً – في حالة استخدام البطاقة من قبل الغير – عن صاحب البطاقة ، إلا أن وجود اتفاق الإثبات يعني – من وجهة نظر الجهة التي أصدرت البطاقة – صحة مثل هذه العمليات، ومسئولية حامل البطاقة عنها . 

ويترتب على ذلك أن حامل البطاقة يتحمل – في كافة الأحوال – مسئولية "الغش" في استخدام البطاقة .  فتوقيع اتفاق الإثبات يعني – هكذا يمكن أن يقال – أن صاحب البطاقة يقبل ويتحمل كافة المخاطر المترتبة على استعمال البطاقة .

 

ويبدو أن بعض أحكام قضاء الموضوع قد أخذ بهذا التفسير بالفعل .  وفي هذا الصدد قررت محكمة مونتريال أن صاحب البطاقة ليس له أن يلوم البنك (مصدر البطاقة) لأنه قد اعتمد أمر الوفاء دون أن يتأكد من شخصية مصدر الأمر بالتليفون؟

ذلك لأنه قد ارتبط مع البنك بعقد تنص شروطه صراحة على أنه في حالة استخدام البطاقة في الشراء بالمراسلة أو التليفون، فإنه يحق للبنك إضافة "الفاتورة" إلى حساب صاحب البطاقة حتى ولو لم توجد "فاتورة" موقعة من الأخير .

والحقيقة – في نظرنا – أن مثل هذا القضاء يتضمن قدراً كبيراً من التعميم يحتاج إلى تدقيق ، فاتفاق الإثبات – كأي عقد آخر – لا ينتج أي اثر إلا بين طرفيه : حامل البطاقة والجهة المصدرة لها . 

ومن ثم ، ليس له أي أثر في مواجهة الغير – كقاعدة – إعمالاً لنسبية اثر العقد .  وفي هذا النطاق فقط ، أي في العلاقة بين طرفي اتفاق الإثبات ، يمكن الكلام عن آثار العقد .

 

لكن القضاء السابق لم يقتصر ، في تحليله لآثار اتفاق الإثبات ، على هذا النطاق ، بل "مد" أثر الإثبات إلى الغير (التاجر) ، وخالف بذلك قاعدة نسبية أثر العقد . 

فالسماح للجهة المصدرة للبطاقة ، كما هو متفق عليه ، بإضافة قيمة الفاتورة إلى حساب حامل البطاقة ، لا يُعفي التاجر من إثبات التعامل الذي تم بينه وبين صاحب البطاقة بوسائل افثبات التي حددها المشرع .  فالتاجر ليس طرفاً في الاتفاق الموقع بين البنك وحامل ابطاقة حتى يمكن القول باستفادته منه.

ويترتب على ذلك أن "إساءة" استخدام البطاقة ، والمخارط التي تنتج من استعمالها من قبيل الغش يجب أن تحسم في ضوء القواعد العامة للمسئولية بعيداً عن اتفاق الإثبات الذي يقتصر اثره على طرفيه فقط (البنك وصاحب البطاقة) .

ويبدو أن القضاء الفرنسي ، في مجمله ، يبحث عن خطأ ارتكبه أحد الطرفين (صاحب البطاقة والجهة المصدرة لها) ويقضي بمسئولية مرتكب الخطأ عن النتائج المترتبة على سرقة أو ضياع البطاقة ، أو تقليدها من قبل الغير . 

ومن هذا القبيل حكم محكمة لله يرساي Versaille الذي أقر مسئولية صاحب البطاقة عن النتائج المترتبة على ضياعها . 

 

ويرجع ذلك لإهماله في ترك البطاقة مع دفتر شيكات في السيارة دون إغلاقها بالمفتاح من ناحية ، وعدم إبلاغ البنك بضياع البطاقة إلا بعد ثلاثة أيام من تاريخ ضياعها من ناحية أخرى . 

فصاحب البطاقة يلتزم – حسب شروط الاستعمال المتفق عليها – بإخطار البنك بسرقة البطاقة أو ضياعها خلال أربع وعشرين ساعة من تاريخ اكتشاف السرقة أو الضياع . 

ومن هذا القبيل أيضاً حكم محكمة باريس الذي انتهى إلى مساءلة صاحب البطاقة عن المبالغ التي تم سحبها بعد سرقة البطاقة بالرغم من أن حامل البطاقة قد قام بإخطار البنك بذلك في الموعد المحدد . 

والخطأ الذي نسبته المحكمة إلى صاحب البطاقة – في هذه الحالة – هو أنه لم يلتزم بما تعهد به من حيث الاحتفاظ برقم البطاقة سراً بعيداً عن الغير ، خصوصاً وأن صاحب البطاقة حينما ابلغ عن سرقة البطاقة ، اقر – في الوقت نفسه – بأن الرقم السري لم يُسرق على خلاف الحقيقة.

 

وعلى العكس من ذلك ، اقرت المحاكم مسئولية البنك عن قيامه بسداد بعض الفواتير بالرغم من قيام حامل البطاقة بإخطاره عن سرقتها في الموعد المحدد . 

وتتلخص وقائع هذه القضية في أن صاحب البطاقة قد فوجئ بان بطاقته قد استخدمت – بعد سرقتها – اثنتان وثلاثون مرة .  وقد صار خلاف بين الطرفين (حامل البطاقة والبنك) بالنسبة للفواتير الصادرة في تاريخ سابق على الإخطار عن سرقة البطاقة ، والمدفوعة من قبل البنك بعد الإخطار . 

وقد دفع البنك مسئوليته عن قيمة هذه الفواتير على أساس أنه ليس عليه أي التزام بالتدقيق في توقيع صاحب البطاقة ، كما أنه كان في وضع لا يُمكنه من القيام بهذا التدقيق حتى على فرض التزامه بذلك .  فالتسوية تتم عن طريق المقاصة "الأوتوماتيكية" بين المعاملات دون تبادل المستندات . 

 

لكن محكمة استئناف باريس رفضت هذا الدفاع ، وأقرت مسئولية البنك على أساس أنه وقد أُخطر بسرقة البطاقة كان يجب عليه التدقيق في توقيع صاحب البطاقة خصوصاً أن مراجعة بسيطة من جانبه كانت كفيلة بكشف "تقليد" التوقيع . 

أما بالنسبة لاستحالة قيام البنك بتدقيق صاحب البطاقة ، فقد أوضحت المحكمة أن على البنك واجب اتخاذ الإجراءات الضرورية للتوفيق بني مقتضيات الإدارة الحديثة وبين مصالح العملاء .      

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى