العلوم الإنسانية والإجتماعية

تعريف وعناصر التوقيع

1995 الحاسوب والقانون

الدكتور محمد المرسي زهرة

KFAS

التوقيع الحاسب الالكتروني التوقيع الالكتروني العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

يُعتبر التوقيع ظاهرة اجتماعية، بل هو ظاهرة ضرورية يحميها القانون.  ومع ذلك ما زالت، في بعض جوانبها، يكتنفها الغموض. 

ولعل ذلك يرجع – في جزء كبير منه – إلى غياب مفهوم واضح ومحدد للتوقيع تشريعياً وقضائياً وفقهياً.

 فالمشرع لم يُعرف المقصود بالتوقيع ، واكتفي الفقه والقضاء بذكر عناصر التوقيع بطريقة غير مباشرة أحياناً ، دون الاهتمام بدرجة كافية لوضع تصور عام للتوقيع .

 

ويستعمل اصطلاح التوقيع بمعنيين : الأول فعل أو عملية التوقيع ذاتها ، أي "واقعة" وضع "التوقيع" على مستند يحتوي معلومات معينة ، والثاني علامة أو إشارة معينة تسمح بتمييز شخص الموقِّع. والمعنى الثاني هو المقصود بالتوقيع في نطاق قانون الإثبات .

ويمكن القول ، مع بعض الفقه، بأن التوقيع ، بالمعنى الثاني ، هو علامة خطية graphisme خاصة ومميّزة ، يضعها الموقِّع ، بأي وسيلة على مستند لإقراره .

 

ومن هذا التعريف يمكن استخلاص عناصر التوقيع الجوهرية :

أولاً : التوقيع علامة خطية وشخصية

فالتوقيع علامة شخصية يمكن ، من خلالها ، تتميز هوية الموقِّع.  وهو بالضرورة ترجمة لكلمة أو لفظ تُميز ، شفاهة ، شخصية الموقّع. وتتكون هذه "العلامة" من أحد الخواص الإسمية للموقّع هي اسمه ولقبه . فالاسم هو "روح" التوقيع . 

ويرجع ذلك ، أساساً ، إلى أن الاسم يستطيع التعبير عن الشخص بطريقة واضحة ومحددة .  والاسم بذلك هو الترجمة الحرفية "للعلامة". 

ولا يُغني عن الاسم أي علامة رمزية ، ولو كان متفقاً عليها ، أو التوقيع بالأحرف الأولى فقط.  فالعلامة الرمزية أو الأحرف الأولى لا تؤكد بدرجة كافية إقرار الموقع للورقة والتزامه بمضمونه .

ويجب في التوقيع – كقاعدة – أن يكون مكتوباً بخط يد الموقِّع .  فالإمضاء هو ، حسب تعبير محكمة النقض المصرية ، " الكتابة المخطوطة بيد من تصدر منه". 

 

ولكن نظراً إلى أن التعليم لم ينتشر بعد ، في كل من مصر والكويت ، إلى درجة تسمح باشتراط أن يكون التوقيع مكتوباً دائماً ، فقد أجاز المشرع الكويتي ، وكذلك نظيره المصري ، أن يكون التوقيع بالإمضاء أو الختم أو البصمة وذلك بقوله في لمادة 13 إثبات : "تعتبر الورقة العرفية صادرة ممن وقعها ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو توقيع…". 

وبذلك يمكن التعويل ، قانوناً ، على الختم وبصمة الإصبع كالإمضاء المكتوب تماماً .  وإن كان يلاحظ أن اعتماد الختم في التوقيع قد يخلق مشاكل عملية خطيرة نظراً لسهولة تقليده. ولذلك يتجه الواقع إلى تطلب البصمة بجانب الختم .

أما في فرنسا ، حيث تكاد تنعدم الأمية ، فالاصل هو ضرورة التوقيع بالإمضاء . ومن ثم لا يجوز التوقيع بالختم أو ببصمة الإصبع . 

ومع ذلك فقد جرى العمل ، بالنسبة للمستندات العامة ، على تفضيل الختم كوسيلة لتصديق وإقرار المعلومات التي يتضمنها السند. حيث يقوم الموظف المختص بوضع ختم الهيئة أو المؤسسة التي يعمل بها . 

 

ومن ثم فتوقيع الموظف ليس هو الذي يُضفي على السند طبيعته الرسمية ، وإنما الختم ذاته .

كما أن القانون رقم 380/66 الصادر في 16 يوليو 1966 قد أجازه على سبيل الاستثناء ، أن يكون التوقيع غيرمكتوب بالنسبة للأوراق التجارية. 

فالمادة 110 تجاري فرنسي ، المعدلة بالقانون السابق الإشارة إليه قد أجازت أن يوقع ساحب الكمبيالة باليد أو بأي وسيلة أخرى غير مكتوبة .  كما أجازت – أيضاً – أن يكون توقيع الشيك ، في حالة تظهيره ، باليد أو بأي وسيلة أخرى .

وقد استندت البنوك على عمومية النص السابق ، وأجازت – في الحدود المشار إليها – أن يكون التوقيع باليد (الإمضاء) أو الختم أو البصمة ، لكن فيما عدا هذه الاستثناءات المقررة بنصوص صريحة ، يبقى الأصل العام قائماً وهو أن التوقيع يجب أن يكون مكتوباً باليد . 

وأي توقيع آخر ، أياً كانت وسيلته ، لا يُضفي على الورقة الموقَّعة حجية في الإثبات ، وتكون الورقة الموقَّعة – في هذا الفرض – كالورقة غير الموقَّعة نهائياً .

 

ثانياً : أن يترك التوقيع اثراً متميزاً يبقى ولا يزول

فالتوقيع – اياً كانت وسيلته – يجب ، حتى يُعتد به ، أن يكون مقروءاً (إذا كان بالإمضاء) ومرئياً .  وهو لن يكون كذلك إلا إذا وُضع – من ناحية – على مستند مادي اياً كانت طبيعته ، ويترك – من ناحية أخرى – أثراً واضحاً يبقى ولا يزول مع الزمن . 

ونظراً لحرص الأفراد على وضوح التوقيع ، فقد جرى العمل على أن يكون التوقيع مستقلاً عن محتوى السند ، وغير متداخل فيه او مختلطاً به .  ولذلك يوضع التوقيع – عادة – في نهاية الكتابة . 

لكن المهم – من الناحية القانونية – أن يكون التوقيع واضحاً ومتميزاً سواء وُضع في نهاية الكتابة أم أعلى الورقة .  ولذلك اعتمدت محكمة النقض الفرنسية التوقيع ، بالرغم من وضعه على "طابع أميري" أعلى الورقة .

 

وإذا كان الدليل الكتابي يتضمن عدة أوراق مستقلة وجب توقيع كل ورقة على حدة .  أما إذا لم يوضع التوقيع إلا ورقة واحدة فقط.

فإن اعتماد التوقيع يتوقف على ما إذا كان مجموع الأوراق يشكل "كًلا" واحداً لا يتجزا يشمله التوقيع ، أما أنها مستقلة ، من حيث الموضوع ، بعضها عن بعض ، ولقاضي الموضوع سلطة تقديرية في هذا الشأن. 

وإن كانت محكمة النقض المصرية قد ذهبت ، في حكم حديث لها، إلى ضرورة التوقيع على كل ورقة ، ولا يكفي توقيع الورقة الاخيرة وحدها .

 

ثالثاً : هل يشترط أن يكون التوقيع مباشراً؟

هل يجوز أن يكون التوقيع بالكربون أم يشترط أن يكون مباشراً على المستند ؟ بعبارة أخرى ، إذا تعددت نسخ المستند الواحد ، ولم توقع كل نسخة على حدة ، بل وضع التوقيع مباشرة على نسخة واحدة وبالكربون على بقية النسخ ؛ فهل تعتبر النسخة الموقعة بالكربون مجرد صورة للمستند الموقع بخط اليد ، أم تعتبر اصلا قائماً بذاته بجانب النسخة الموقعة باليد ؟

ذهبت محكمة النقض المصرية إلى أنه إذا تم التوقيع بالكربون على أكثر من نسخة ، فإن كلاً من النسخ الموقع علهيا بالكربون تعتبر محررات قائمة بذاتها لها حجيتها في الإثبات وليس مجرد صوراً للاصل . 

ونقضت – بذلك – حكم محكمة الاستئناف الذي قضى ، على العكس ، باعتبار النسخة الموقعة بالكربون مجرد صورة منقولة عن الأصل الموقع بخط اليد ليس لها حجية في الإثبات .

 

أما في فرنسا ، فقد اختلف قضاء الموضوع حول هذه المسألة ، فبينما ذهبت محكمة رنْ Rennes إلى اعتبار المحرر الموقع بالكربون "أصلاً" له حجيته في الإثبات على أساس توافر الشرط الجوهري ، والوحيد ، للتوقيع وهو أن يكون ناتجاً عن "حركة" اليد ، ذهبت محكمة استئناف تولوز – على العكس – إلى أن التوقيع بالكربون ليس له اية حجية في الإثبات على أساس أن التوقيع بالكربون لا يُعبر – بوضوح  – عن إرادة الموقع في الالتزام بمضمون السند .

وقد انتصرت محكمة النقض الفرنسية لهذا الاتجاه الأخير ورفضت اعتبار النسخة الموقعة بالكربون اصلاً في حد ذاتها ، واعتبرتها مجرد صورة منقولة عن الاصل.

وقد أيد الفقه الفرنسي هذا القضاء .  فالتوقيع ليس فقط علامة أو إشارة تُميز هوية شخص الموقِّع ، وإنما هو أيضاً تعبير عن إرادة الموقّع لمشاركته في المحرر المثبت للتصرف ، وإقراره لمحتوى المحرر وموافقته عليه ، وبهذا المفهوم للتوقيع ، يبدو التوقيع بالكربون مختلفاً عن التوقيع المباشر . 

 

فالتوقيع بالكربون لا يتضمن إقراراً من الموقِّع لمحتوى السند . إذ قد تختلف النسخة الموقَّعة بالكربون ، في قليل أو كثير ، عن النسخة الموقَّعة باليد والذي يفترض أن الموقع قد اطلع عليها .

فإذا ما توافرت هذه العناصر ، كانت للتوقيع حجيته في الإثبات .  يستوي بعد ذلك وضع التوقيع بعد كتابة الورقة أم قبل كتابتها ، وهو ما يسمى بالتوقيع على بياض .  على فرض أن الورقة قد تمت كتابتها بعد ذلك ، بالرغم من خطورة ذلك بالنسبة للموقِّع . 

كما لا يلزم أن يكون للتوقيع تاريخاً معيناً، أو وجود شهود على صحته .  وإذا تعدد أطراف التصرف ، فلا يلزم أن يوقعوا جميعاً في وقت واحد ، او في مكان واحد ، وإنما يجوز أن يكون التوقيع بالتتابع ، وفي زمان ومكان مختلفين.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى