العلوم الإنسانية والإجتماعية

دراسة “بياجيه” حول تطور مفهوم الزمن لدى طفل ما قبل العمليات

1995 مستويات النمو العقلي

الدكتور محمد مصيلحي الأنصاري

KFAS

بياجيه تطور مفهوم الزمن لدى طفل ما قبل العمليات العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

يتفق أهل العلم وأهل الفلسفة ، على أن لحياة الإنسان بعدين أساسيين هما :

المكان والزمان ، فكما أن هناك أشياء توجد في المكان ، هناك أحداث تتابع في الزمان ، وتتولد فكرة الزمن عند الإنسان من خلال خبراته المباشرة وغير المباشرة عن تتابع الأحداث والظواهر.

ويكشف الإنسان عن أفكاره حول الزمن من استجاباته المختلفة والتي يمكن التعرف من خلالها ، على أن الإنسان وحده من بين كافة المخلوقات هو الذي يملك القدرة الفريدة للتحدث عن الزمن .

 

وكما اتفق الفلاسفة والعلماء على اعتبار الزمن كبعد أساسي في حياة الإنسان ، فإنهم كذلك يتفقون على الإطار الذي تنمو خلاله فكرة الإنسان عن الزمن ، والذي يتصف بعدة خصائص نوجزها في :

– أن الزمن أمر نسبي ، نتعرف عليه احياناً عن طريق أحداث متغيرة ، وأحيانا أخرى عن طريق أشياء لها صفة الثبات فيما يتصل بحياتنا اليومية ، ورغم نسبية الزمن كما نتفهمه من خبراتنا المباشرة ، إلا أنه لا بد من وجود الزمن المطلق أو المعياري أي الذي يبقى مستقلاً عن الأحداث ويمكن أن يستخدم في تقييم تتابعها .

– يتضمن الزمن علاقتين أساسيتين ، علاقة (قبل – بعد) ، علاقة (الماضي – الحاضر – المستقبل) ومن خلال هاتين العلاقتين يرتب الإنسان الأحداث ويعبر عنها .

– يرتبط الزمن ارتباطاً وثيقاً بأفكار التغير والثبات ، وبطبيعة الحال فإنه طالما هناك تغير فلا بد من وجود ما هو ثابت ، لأن إدراك التغير يتوقف على مقارنته بما هو ثابت ، وطالما أن هناك ما هو ثابت وما هو متغير فلا بد من وجود ما يعبر عن هذا التغير وهذا الثبات متمثلاً في الزمن .

 

ولقد شغلت فكرة الزمن عقل الإنسان منذ تأملاته الأولى في الكون وفي كل ما حوله ، كما كان للفلسفة منذ اليونانيين القدامى وحتى الفلاسفة المعاصرين نظرتهم إلى بعد الزمن ، كما حاول العلماء خلال آلاف السنين دراسة ما يتعرض له الإنسان من ظواهر ترتبط بالزمن وإيجاد علاقات بينها.  

ولا يزال العلماء يحاولون جاهدين التوصل إلى أساليب وأجهزة أكثر دقة لفهم وقياس الزمن ، ورغم أهمية متابعة هذا التاريخ الذي يمثل أحدهم أهم جوانب مسار الحضارة الإنسانية ككل.

إلا أننا لسنا بصدد مثل هذه المراجعة لكننا بصدد التوقف عند مفهوم الزمن وكيف ينمو ويتطور طبقاً لنظرية بياجيه الذي كرس حياته لدراسة الظواهر النفسية المختلفة عند الطفل ومن بينها مفهوم الزمن .

درس بياجيه تطور مفهوم الزمن عند الطفل في ضوء دراسته لمراحل النمو العقلي المعرفي وفي توازي معها بحيث ربط بين تطور هذا المفهوم والخصائص المميزة لكل مرحلة من هذه المراحل.

 

وبعد أن انتهى من دراسة المفهوم لدى طفل المرحلة الحسحركية ، تقدم لتتبع تطور مفهوم الزمن لدى طفل مرحلة ما قبل العمليات وأورد ذلك بكثير من التفصيل في كتابة الذي يحمل عنوان : مفهوم الزمن عند الطفل ، والذي ترجم للإنجليزية في عام  1969، ثم أكمله في كتابه عن مفهوم الحركة والسرعة عند الطفل والذي ترجم كذلك في عام 1970 .

والحقيقة أن بياجيه لا ينظر فقط إلى هذين المصدرين المهمين على أنهما مكملان لبعضهما ، بل إن الاصل هو أن بياجيه في معالجته لمفهوم الزمن يربط ربطاً وثيقاً بين المفاهيم الثلاثة ، والزمن والحركة والسرعة ، ويعتبرها في مجموعها تكويناً نفسياً ومنطقياً واحداً يتبع مساراً نمائياً واحداً يكتسبه الطفل بالتدريج من خلال تطور ما لديه من عمليات عقلية وبنى معرفية مختلفة .

ويعتقد بياجه أن طفل ما قبل العمليات يخلط بين تتابع الاحداث زمانياً وتتابعها مكانياً وخاصة في بداية المرحلة اي قبل الخامسة، لأن الطفل عندما يواجه موقفاً ، نطلب منه فيه ، أن يصدر حكماً على التتابعات الزمنية أو الفترات الزمنية لحركة جسمين في وقت واحد.

 

ومع اختلاف سرعة أحد الجسمين عن الآخر ، يقع لاطفل في مثل هذا الموقف في اخطاء ظاهرة لا تخفى على أحد ، إذ انه يستجيب ، كما لو كان كل من الجسمين يتحرك مستقلاً عن الآخر وله زمنه الخاص وسرعته الخاصة ، وهذا ما أطلق عليه بياجيه مصطلح الزمن المحلي او الزمن الخاص.

وهذه الأزمنة الخاصة لا يستطيع الطفل التنسيق بينها ، لكنه لكي يصدر حكماً في مثل هذا الموقف يكون في حاجة إلى الزمن المتجانس الذي يعد وسيطاً مشتركاً يجمع كافة حركات كل من الأجسام المتاحة أماه سواء كانت متزامنة أم غير متزامنة .  (غنيم ، 1974: 390) ، وبصرف النظر عن تساوي سرعة هذه الأجسام أو اختلافها ، وأن يميز بين التتابع الزماني والتتابع المكاني . 

 

أي أن الطفل ينبغي أن يكون في عقله بنىً معرفية تحتوي على زمن متناسق يمثل الحركة والسرعة ويمكن التحقق منه في شتى المواقف ، وهذا ما لا يتوافر له في هذا العمر . 

ولذا فالطفل منذ بداية هذه المرحلة يظل على تقديره لكل من الحركة والسرعة في ضوء نقطة النهاية التي يصل إليها جسم ما في مكان ما . 

وإذا كانت نقطة النهاية هي معيار الحركة عنده ، فإن من ياتي أولاً ، أو السبق والتجاوز والمرور هي معيار السرعة لديه ، وعلى ذلك تظل مفاهيم الحركة والسرعة قاصرة على أن تقدم مساعدة في تكوين مفهوم الزمن الذي يتوقف عليهم طبقاً لما يراه بياجيه (Piaget, 1969, P. 176) ، (روش، 75: 110)، (Copeland, 1984, P. 186) وباختصار يمكن القول بأن المفاهيم الاساسية للزمن والحركة والسرعة تنمو متزامنة ، وبصرف النظر عن درجة هذا التزامن (غنيم، 1974: 361) . 

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى