العلوم الإنسانية والإجتماعية

وجهة نظر بياجيه في مفهوم “العدد” لدى طفل ما قبل العمليات

1995 مستويات النمو العقلي

الدكتور محمد مصيلحي الأنصاري

KFAS

مفهوم العدد بياجيه العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

نتعامل جميعاً بالأرقام ، وهي موجودة من حولنا على اختلاف الزمان والمكان ، وفي مجتمعات تسعى لأن تكون التكنولوجيا سمة من سماتها الرئيسية يصعب أن نجد جانباً أو مجالاً واحداً في الحياة لا يخضع للتمثيل الرمزي أو للتحليل الإحصائي من خلال إستخدام الرموز الرقمية.

وبشكل عام فنحن نعد أن الارقام وحدات مجردة لا نهائية يمكن أن نعتبر بها عن أي موضوع أو مجموعة من الموضوعات حقيقة كانت أم خيالية ، صغيرة كانت أم كبيرة ، كما يمكن أن يكون هذا التعبير عدا ، تقديرا كميا ، ترتيبا ، أوتقيما لخصائص الاشياء باستخدام المصطلحات الكمية.

وكما أن هذه الأرقام تتحدد بناء على البنية الداخلية للنظام العددي الذي تنتمي إليه مثل العدد الأصلي ، العدد الترتيبي ، العدد الصحيح ، العدد المنطقي ، العدد الحقيقي وغيرها ، ولكل من هذه الأنظمة العددية ملامحها ومميزاتها الخاصة وبنيتها الداخلية ذات الخصائص المحددة ، رغم ما تتفق فيه كل هذه الأنظمة من كونها تشتمل على وحدات مجردة ، منفصلة كل منها عن الأخرى .

 

لكن ، ماذا عن الطفل والعدد ، تستغرق علمية إتمام بناء نظام عددي عند الطفل ما بين 7 -8 سنوات ويرجع الفضل إلى بياجية في إيضاح هذه العملية النمائية ، (Voyat,  1982, P. 79) حيث يشير إلى أن مو مفهوم العدد عند الطفل هو نتيجة تركيب بين مجالين من مجالات التفكير ، واستخدام العدد كمجموعة متواكباً مع استخدامه كعلاقة . 

وأن الطفل لا يكون مفهوم العدد بدقة إلا إذا استطاع أن ينجز كلاً من التصنيف والتسلسل معاً ، وأن العدد لا هو معروف للطفل بشكل أولي فطري ، ولا هو ناتج عن الخبرة فقط، بل إنه يتشكل كمفهوم ، خلال بنية نشيطة لدى الطفل تنتج من تفاعل الطفل ذاته مع الأشياء تحت شروط تنظيمها تصنيفاً وترتيباً حتى يتكون مفهوم العدد (Piaget, 1982, P. 79)

ولكي نتفهم وجهة نظر بياجية في مفهوم العدد ، ينبغي علينا بداية أن نحدد ماذا يقصد وماذا لا يقصد بمفهوم العدد .

إنه لم يقصد ولم يكن مهتماً بقدرة الطفل على العد مثلاً كما يتم تعلمها في الصفوف الاولى للمدرسة أو ما إذا كان هذا الطفل يستطيع أن يجمع 2+2 أو أن يطرح 3 من 5، تلك لم تكن المسالة بالنسبة لبياجيه . 

 

والسبب وراء نقص اهتمام بياجية بذلك هو أن هذه الموضوعات مثل الجمع والطرح البسيط وكذلك بعض التداولات الاخرى يمكن أن تتم بالتعليم الأصم وبدون فهم ، فالطفل يستطيع ببساطة ان يتذكر حقائق الجمع والطرح البسيط ، ويفشل في التوصل إلى المفهوم الأساسي الكامن وراءها .

بياجية لا ينكرو أنه من المفيد تذكر حقائق الجمع والطرح لاغراض العد والحساب ، لكنه يؤكد ان هذا التذكر الأصم ليس كافياً لتكوين مفهوم ناضج للعدد ، بل لا بد وأن يكون هذا التذكر مصحوبا ببعض الافكار الاساسية مثل المقابلة ومثل الاحتفاظ – (Brainerd, 1978, P. 155; Kessen 1983, P. 54 – Gins-burg, 1988, p. 139).

أما عن المقابلة واحد لواحد ، فقد تعرضنا لها سلفاً ، ضمن الحديث عن عملية التسلسل ، وهي على كل الأحوال ، تؤدي إلى اعتقاد الطفل بأن أي مجموعتين – بصرف النظر عن عناصر المجموعتين – متماثلتين أو غير متماثلتين في العدد . 

 

وأما عن الاحتفاظ فهو الفكرة الأساسية عند بياجية ، والتي أثارت من البحوث ومن التأييد ومن النقد ما لم يثره أي مفهوم آخر في نظريته ، إن بياجيه يشير إلى أن صغار الأطفال وربما حتى عمر السابعة يفشلون فيها.

وأن فترة من النمو مطلوبة قبل أن يحقق الطفل مستوى العمليات العقلية الضرورية للفهم الدقيق للإحتفاظ وبالتالي لتكوين مفهوم العدد.

وقد حدد بياجية ثلاث مراحل يتم خلالها نمو مفهوم الاحتفاظ (Piaget, 1952, P. 75) نتناولها باختصار فيما يلي :

 

– بالنسبة للمرحلة الأولى ، أجرى بياجيه العديد من التجارب ، نذكر منها التجربة التي عرض فيها على طفل يبلغ من العمر 7 أشهر و 4 سنين ، ست قطع من النقود المعدنية ، وطلب من الطفل أن يخرج من الصندوق مثلها.

وكانت استجابات الطفل معبرة عن نزعة غالبة لديه ، هي أنه يعتقد أن المجموعتين من قطع النقود تكونان متساويتين إذا كان لهما نفس الطول ، وبكلمات بياجية "يركز الطفل على بعد واحد هو طول المجموعة.

ويفشل في التنسيق بين بعدين – الطول والكثافة – في نفس الوقت ، ولهذا فإنه لا يستطيع تكوين مجموعتين متساويتين في العدد إلا إذا كان العدد المطلوب قليلاً جداً ، أو أن يحدث ذلك بالصدفة (Piaget, 1952, p. 76)

 

وعلى نفس النمط تقريباً أجرى بياجيه تجربة أخرى على طفل يبلغ من العمر 4 اشهر و 4 سنوات مستخدماً 13 وردة و 10 قازات (p.45) وتجربة أخرى على طفل يبلغ من العمر 3 أشهر و 5 سنوات باستخدام  6 زجاجات و 6 أغطية (P.50)

وقد أكدت هذه الاختبارات وغيرها كثير نفس النتائج المشار إليها مع الطفل الأول ، وأضاف بياجية في تعليقه عليها ككل ، أنه لاحظ أن الطفل وإن كان يعد ، إلا أن هذا العد لا معنى له ، عند التعامل مع مفهوم الاحتفاظ.

إن حقيقة كونه قد عد 6 زجاجات و 6 أغطية لا تتضمن بالنسبة له أن المجموعتين متساويتان في العدد ، بالنسبة لطفل هذه المرحلة التساوي يتحدد فقط عن طريق التساوي في طول المجموعتين ، والعد ما هو إلا عمل إضافي وغير مرتبط بالمهمة المطلوبة؟ ولا يؤكد التساوي أو عدم التساوي بين المجموعتين .

 

– بالنسبة للمرحلة الثانية ، يشير بياجية إلى أن طفل هذه المرحلة يستطيع أن يكون مجموعتين متساويتين في العدد وبسهولة (Piaget, 1952, P, 79) لكنه وهذه هو الأهم يفشل في الاحتفاظ بثبات عدد هاتين المجموعتين المتساويتين إذا تعرضت إحدى المجموعتين او كلتاهما لإعادة الترتيب.

وبين بياجية من خلال عرضه لتجربة أجراها على طفل يبلغ من العمر 7 أشهر و 5 سنوات ، أن هذا الطفل استخدم أسلوب المقابلة واحداً لواحد.

 

في وجود نموذج أمامه ، ولكن المقابلة لم تكن قائمة على الفهم بل على الإدراك الخطي لوجود عنصر في مقابل عنصر ، وبكلمات بياجية " الطفل في هذه المرحلة يركز على طول المجموعتين أحياناً، ويركز على كثافة المجموعتين في أحيان أخرى.

وهذا ما يعد تقدماً أو تحسيناً في الأداء عن المرحلة السابقة .  لقد وسع الطفل من مجال تركيزه “P.80”، ولكنه يشير أيضاً إلى أنه لا يوجد ثبات في إستخدام أي من البعدين ، الطول والكثافة ، كما لا يوجد أي تنسيق في استخدامهما معاً .

 

بالنسبة للمرحلة الثالثة ، فإنه يسهل وصف نتائج هذه المرحلة ، حيث يستطيع الطفل الآن بناء أو تكوين مجموعات متساوية.

كما يستطيع الاحتفاظ بثبات أعداد كل منها ، رغم ما قد يطرأ من تغييرات في الترتيب المادي لعناصرها (Piaget, 1952, P. 82) وحيث يشير بياجية إلى أن الطفل لا يهتم في هذه المرحلة بوضع كل عنصر من مجموعة في مقابل عنصر من المجموعة الأخرى، لأنه لا يحتاج الآن للاعتماد على الإدراك المكاني بالاقتراب بينهما ، بل إنه يعتمد ببساطة على مجرد عد عناصر المجموعتين . 

 

ربما يستخدم بعض الأطفال هذه الطريقة ، لكن بياجية انتهى – من خلال استخدامه لمنهجه الإكلينيكي – إلى أن بعض الاطفال لا يستخدمون طريقة العد ، بل إنهم يستخدمون المقابلة لكن بشكل أكثر كفاءة عن استخدام صغار الأطفال لهذه المقابلة (Ginsuburg & Opper, 1988, P. 146) ، وقد أجرى بياجية وعدد من الباحثين المساعدين تجارب متنوعة تجاوزت اختبارات الاحتفاظ بضم عناصر المجموعات أو توزيعها.

بل بالإضافة إليها أو الحذف منها ، وأيضاً بتجارب احتفاظ غير قاصرة على مفهوم العدد بل والكميات المتصلة وغير المتصلة ويشير (Brainrd. 1983, P. 59) إلى أن نتائج هذه التجارب تكشف عن نموذج كُلي لاكتساب الاحتفاظ ، حيث يستطيع الأطفال بملاحظتهم وقيامهم بالعد.

والمقارنة بين الأعداد وملاحظاتهم أيضاً أن الحذف والإضافة يؤدي إلى النقص والزيادة ، أي إنهم يعتمدون على فهم التغيرات التي طرأت على المجموعات ليقرروا في ضوئها أحكامهم على ثبات تلك المجموعات .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى