الطب

مرض ديدان البلهارسيا

2004 في بيولوجية الإنسان والتربية الصحية

ضياء الدين محمد مطاوع

KFAS

مرض ديدان البلهارسيا الطب

البلهارسيا مرض طفيلي منتشر يصيب أكثر من مائتي مليون نسمة في أنحاء كثيرة من العالم. 

وتعيش الأطوار البالغة من ديدان البلهارسيا Schistosoma في روافد الأوردة الخاصة بالأجهزة الهضمية والبولية التناسلية. 

وهو من الأمراض المعروفة لدى الكثيرين، ولكنه بحاجة دائمة إلى إلقاء الضوء على السلوكيات ذات الصلة به، ولا سيما السلوكيات الخاصة بالتلويث البيئي من جراء الممارسات غير الصحية.

تتراوح أعمار ديدان البهارسيا بين عشرين وأربعين عاماً (تعيشها في جسم المصاب بها)، وتستمر ديدان البلهارسيا في إتلاف خلايا أنسجة الجسم تدريجياً على مدار أعوام طويلة، مما يؤدي إلى مضاعفات وخيمة يصعب علاجها. 

وهذا يفسر سبب عدم شعور الشخص المصاب بأي أعراض لعدة سنوات، ولكنه يفاجأ بعد فوات الأوان بحدوث أمراض خطيرة بسبب هذا العدو الخفي.

 

ومن الأخطاء الشائعة في تشخيص مرض البلهارسيا اعتماد بعض مختبرات التحاليل (خاصة في الوحدات الريفية) على البحث عن بويضات البلهارسيا في عينات البول والبراز. 

وكثيراً ما تكون النتيجة سلبية، نظراً لاختفاء الديدان في أماكن تشبه الخنادق داخل جُدر الأمعاء الغليظة أو المثانة، حيث تحاط البويضات بنسيج ليفي (يشبه الشرنقة) ولا تطرح مع البول أو البراز. 

هذا بالإضافة إلى توارد أعداد ضخمة من البويضات في تيار الدم الوريدي تجاه الكبد، فيقيم الجهاز المناعي متاريس ليفية حول هذه البويضات القادمة من الأمعاء، مما يعوق خروجها مع البول أو البراز، فتكون نتائج التحاليل سلبية خادعة.

من ثم لا ينبغي الاقتصار في تشخيص الإصابة بالبلهارسيا على نتائج التحليل المجهري للبول والبراز، بل يجب استخدام طرق حديثة أخرى تكون أكثر فعالية في التشخيص.

وتُعد طريقة تحديد نسبة الأجسام المضادة للبلهارسيا (في دم الشخص المشتبه في إصابته) من أفضل هذه الطرق ولكنها (مع الأسف) لا تحدد ما إذا كانت ديدان البلهارسيا سياحية أو ميتة!!! ولكنها تؤكد ما إذا كان المفحوص قد سبق له الإصابة بالبلهارسيا أو لا. 

 

ويعطى هذا النوع من التحاليل نتائج إيجابية (حتى بعد أخذ العلاج المضاد للبلهارسيا)، مما يزيد من صعوبة متابعة الحالات المصابة.

وهكذا يتضح عدم دقة نتائج هذه الوسائل في تأكيد أو نفي وجود البلهارسيا.  ومن هنا كانت أهمية الفحص بالمناظير كوسيلة فعالة في استكشاف أحد أطوار البلهارسيا (البويضات) إما بداخل الأمعاء أو في المثانة. 

وقد ثبتت فعالية المناظير في مرحلة التشخيص، وهي لا تستغرق سوى دقائق معدودة، حيث يتم أخذ عينة من الغشاء المبطن للأمعاء أو المثانة بملقط صغير مثبت في المنظار، ثم يتم فحص العينة مجهرياً.

 

حقائق عن البلهارسيا

1-إذا تبول أو تبرز شخص مصاب بالبلهارسيا في مجرى مائي، فإن البويضات التي تخرج منه تفقس ليخرج مها ما يسمى "الميراسيديوم"، الذي يسبح في الماء فترة تتراوح بين (16 و 32) ساعة، بحثاً عن أنواع معينة من القواقع (البيمفلايا الكسندرينا أو البولينس ترناكانس) ليستقر بداخلها.

يُكون الميراسيديوم كيسا جرثومياً خلال شهر من دخوله القوقعة، ثم تخرج من الأكياء أطوار جديدة تسمى "السركاريا" (الطور المعدى).

وتستمر السركاريا نشطة لمدة (48) ساعة، تموت بعدها إذا لم تُصب إنساناً.  وتستمر انطلاق دفعات متتالية من السركاريا على مدار شهر ونصف الشهر.  وتخترق هذه الأطوار المعدية جلد الإنسان إذا ما تعرض للماء الملوث بها .

ومن المذهل أن الميراسيديوم الواحد ينتج ما يقرب من 250000 (ربع مليون) سركاريا!! أي إن بويضة واحدة من شخص مصاب إذا طرحت مع بوله أو برازه إلى الماء العذب، فيمكنها أن تنتج سركاريا تسبب الإصابة لربع مليون شخص!! علماً بأن براز أو بول المصاب لا يحتوي على بويضة واحدة فحسب، بل عدة مئات أو ألوف بها.

 

2-يظن الكثيرون أن العدوى بالبلهارسيا لا تحدث إلا أثناء الاستحمام في الترع أو مصارف المياه، وهذا ظن غير صحيح.  فالعدوى بالسركاريا لا تحدث في الماء.  وإن ما يحدث في الماء هو استشعار السركاريا باهتزاز الماء بفعل جسم ما، فتتجمع بأعداد كبيرة صوب مركز الاهتزازات المائية، وتثبت نفسها عمودياً (بواسطة ممصاتها الأمامية) على جلد مصدر الاهتزاز (جسم الإنسان). 

وتعجز السركاريا عن اختراق الجلد (بمعاونة بعض الأنزيمات المحللة) في اثناء وجود الشخص في الماء، ولا يحدث الاختراق إلا بعد خروجه من الماء. 

حيث تتبقى قطرات المياه الملوثة عالقة على جلده، فتحاول السركاريا اختراق الجلد براسها المدبب، ولكنها لا تتمكن من ذلك إلا إذا كانت قطرات المياه صغيرة الحجم، كي تتمكن من الارتكاز بذيلها على السطح الداخلي لقطرة الماء، ثم تندفع شيئاً فشيئاً كلما جفت قطرات المياه حتى ينفذ رأسها من الجلد تاركاً الذيل.  ويصاحب دخول رأس السركاريا حدوث حكة جلدية.

 

ومن ثم فالعدوى لا تتم في الماء.  وهذا يفسر سبب إصابة الكثيرين ممن لم يسبق لهم التعرض المباشر للمياه الملوثة بالبلهارسيا، حيث يُعزى ذلك إلى تعرضهم غير المباشر للماء الملوث الذي قد يكون عالقاً بالخضراوات المبللة التي يلامسونها بأيديهم. 

وتُعد عملية التجفيف الجيد والسريع من أيسر سبل التخلص من السركاريا العالقة بقطرات المياه الملوثة، ومن ثم تلافي الإصابة بالبلهارسيا.

ولذا يجب على كل من توجد يضطر للتعامل المباشر مع مياه الترع الملوثة بالبلهارسيا (ولا سيما المزارعون)، أن يقوموا بتجفيف أجسادهم تجفيفاً جيداً فور خروجهم من الماء.  كما يجب أن يفعل ذلك أي شخص تعرض جسده للبلل بماء يشك في تلوثه بالبلهارسيا.

 

3-يتوفر علاج البلهارسيا بالمجان في الوحدات الصحية والمستشفيات والصديليات.  وهو عبارة عن أقراص (البلتراسيد) التي تعطى عن طريق الفم. 

وقد يظن الكثيرون أن جرعة واحدة (من هذه الأقراص) تكفي للقضاء على البلهارسيا، وهذا مفهوم غير صحيح، وقد ساعدت على انتشار هذا الظن بعض وسائل الإعلام.  فقد تزيد الجرعة العلاجية لهذا المرض هي ست مجموعات من الأقراص (أي أربعة وعشرون قرصاً)، تؤخذ بمعدل ثمانية أقراص أسبوعياً.  وما زالت وسائل التشخيص لمتابعة فعالية العلاج غير مجدية، حتى بعد تعاطي جرعات أكبر من ذلك.

وقد يوجد في أجسام بعض المصابين بالبلهارسيا ديدان حية ونشيطة (بالرغم من تناولهم لجرعات علاجية كبيرة تتجاوز أربعمئة قرص). 

ومن الغريب أيضاً أن نجد أن هؤلاء المرضى قد لا يشكون من أي آثار جانبية من هذه الجرعات التي لم يصفها لهم الأطباء، ولكنهم أخذوها من تلقاء أنفسهم.

 

إنها مشكلة محيرة ولغز غامض لكل العاملين في مكافحة انتشار هذا المرض.  وبالرغم من هذا كله نرى اللامبالاة والسلبية والسطحية لدى الكثيرين تجاه هذا المرض اللعين الذي يدمر (بلا هوادة) خلايا الجسم البشري.

إن انتشار العدوى بالبلهارسيا قضية سلوكية أولاً وأخيراً، وهي مشكلة خطرة يجب أن تتضافر الجهود لمواجهتها، فهي ليست مجرد نزول دم مع البول أو البراز فحسب، بل هي أخطر من ذلك بكثير.  والحديث عن مضاعفاتها لا ينتهي، ولا سيما الأضرار الناجمة عنها والمرتبطة بالتدمير الوظيفي الكامل للكبد والطحال والكلى.  فهي تمهد لإصابة الكبد بالتهاب الكبد الفيروسي، والأورام الخبيثة (السرطان).

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى