التاريخ

تأليف كتاب “القانون” للحسين بن سينا

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول

صبري الدمرداش

KFAS

كتاب القانون الحسين بن سينا التاريخ المخطوطات والكتب النادرة

عشر سنوات في الجُرجانية

لم يجد أبو علي مشقَّةً في الوصول إلى الأمير علي بن مأمون أمير خوارزم في قصره بالجُرجانية.

 ورحَّب الأمير بأبي علي وأحسن استقباله وضمَّه إلى مجمعه العلمي الذي كان يضم صفوة العلماء في زمانه من مثل الفيلسوف أبي سهل المسيحي، والطبيب أبي الخير الحسن والرياضيَّين أبي نصر بن العراق وعبدالصمد الحكيم والجغرافي الفلكي أبي الريحان البيروني

وبدا أن الأيام ستطيب لأبي علي بين أساتذة من علماء عظام، هو بيننهم الأصغر عمراً، يتعلم منهم ما لديهم من العلم ويعلمهم ما يعلمه منه. وقرر ألًّا يشتغل بالسياسة مثلما كانت حاله مع أبيه في بُخارى، وأن يعكف على العلم فحسب.

وتوالت السنون متتابعات على أبي علي في الجُرجانية؛ ألَّف خلالها كتباً قيِّمة منها: (الحكمة العروضية) و (الحاصل والمحصول) و (البر والإثم) و (المختصر الأوسط) و (المبدأ والمعاد) و (الأرصاد الكلية) . حقاً إنها كتبٌ قيِّمة في معارف شتى: في الفقه والفلسفة والفلك.

وشارفت سنوات أبي علي في الجُرجانية حدود العشر، وبدأ يؤلِّف كتابه الأشهر في الطب (القانون) ولم يكد ينتهي من جزئه الأول حتى اضطر إلى الرحيل عن الجُرجانية بصحبة صديقه العالم الفيلسوف أبي سهل المسيحي. وكان السبب أطماع السلطان محمود الغزنوي في بلاد الأمير المأموني: خوارزم.

وفي ظلام الليل غادر العالمان الصديقان المدينة، مُتخفِّيين في ثياب الدراويش حتى لا يتعرَّف عليهما أحد من جواسيس السلطان محمود وعيونه.

 

الذاكرة الحديدية!!

وفي الطريق تعرَّض الرفيقان لأخطار شتَّى كان إحداها عاصفةً رمليةً عاتيةً هبَّت عليهما في الصحراء قضت على أبي سهل ونجا أبو علي، فبكى صاحبه وواصل هروبه حتى وصل إلى جُرجان عاصمة الدَّولة الزيارية.

وفي جُرجان نزل أبو علي ضيفاً على الفيلسوف أبي حمد الشِّيرازي الذي قدَّمه إلى الأمير قابوس، فضمَّه إلى مجلس علمائه وأحسن استقباله وأكرم وفادته.

وجاء لزيارته عالم فقيه هو أبو عبيدة الجُرجاني، واستراح كلٌ منهما لصاحبه ومن ثم صارا صديقين حميمين.

واعتاد أبو علي أن يُملي على صديقه أبي عبيدة ما يريد تدوينه من مؤلَّفات حتى يفرغ عقله للتفكير فيما يمليه، ويُحرِّر عقله من أعباء الكتابة.

وكان أبو عبيدة شديد العجب من أمر صاحبه. فهو يُملي ما يُمليه مما يختزنه عقله من علم، ولا يكلف نفسه مشقة الرجوع إلى كتب.

حسبه فقط قبل أن يُملي ما يمليه أن يرجع إلى ملاحظاته في دفاتره، وأن يُحدِّد كتابةً بيده نقاط موضوعه وينظمها في تسلسلٍ متواصل يرتبط فيه اللاحق بالسابق.

وكان أبو علي يُملي ما يُمليه في كتابين احدهما (القانون) الذي كان قد أنجز جُزءه الأول في الجُرجانية، والآخر (الشِّفاء) وهو في علوم الطبيعيات والرياضيات والإلهيات.

وكان من عادة أبي علي ألا يتوقف عن إملائه، من ذاكرته التي لا تخونه، إلَّا حين يقول له صاحبه: بلغنا خمسين صفحة! عندئذٍ يبتسم أبو علي راضياً، فَتُطوى الصُّحف وتُرفَع الأقلام، وتبدأ سهرة السمر مع الإخوان من العلماء بعد منتصف ليل جُرجان.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى