علوم الأرض والجيولوجيا

نبذة تعريفية عن القوى المساهمة في تشكيل سطح الأرض

2000 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الحادي عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

سطح الأرض القوى المساهمة في تشكيل سطح الأرض علوم الأرض والجيولوجيا

إذا تَخّيَّلْنا أَنْفُسَنا طائراً يطيرُ فوقَ سَطْحِ الأَرضِ بدونِ تَوَقُّفِ، فإنَّنا سَنَعْجَبُ من كَثْرَةِ ما نَراهُ من مظاهِرَ مُتَنَوِّعَةٍ: محيطاتٍ عظيمةِ الإتِّساعِ، وجبالٍ شاهِقَةِ الارْتفاعِ، وصحاري واسِعَةٍ مُمْتَدَّةٍ، وأّوْديةٍ مُتَشّعِّبَةٍ، وجَليدٍ يكسُو مساحاتٍ شاسِعَةً. فكيفَ تكوَّنَتْ كلُّ هذه المظاهرُ ولماذا اختلَفَ بعضُها عن بعضٍ؟.

نعودُ إلى بِدايَةِ تكوُّنِ كوكَبِ الأَرْضِ، فَنَرَى أنّها كانَتْ كرةً مُلْتَهِبَةً تدورُ حولَ نفسِها وتَبْرُدُ تدريجيّاً. وفي أثناءِ تَبَرُّدِها تصاعَدَتْ الأَبْخِرَةُ مكوِّنَةً غِلافاً جَوِّيَّاً  محيطاً بالأرضِ.

وفي الوقت نفسِهِ تكوَّنَتْ كَمِّيَّاتٌ هائِلَةٌ من المِياهِ غَطَّتْ الأَماكِنَ المُنْخَفِضَةَ من سَطْحَها الصَّخْرِيِّ المُتَصَلِّبِ. وهكذا أَصْبَحَ سطحُ الأرضِ بارداً ومُؤَلَّفاً من يابِسٍ وماءٍ، بينما ظلَّ باطنُ الأرْضِ حارّاً، وصُخورُه في حالةٍ مُنْصَهِرَةٍ شبهِ سائِلَةٍ.

 

ونتيجةً لنَشاطِ باطِنِ الأرْضِ وعَدَمِ استقرارِهِ، تعرَّضَ سطحُ الأَرْضِ الخَارِجِيُّ لمجموعَةٍ من القُوَى الباطِنِيَّةِ طَوالَ ملايينِ السِّنينَ، أثّرَّتْ على توزيعِ قارَّاتِهِ ومحيطاتِهِ، كما شَكَّلَتْ سطحَهُ بأشكالٍ مُتعدِّدَةٍ.

وبعضُ هذهِ القُوَى سريعٌ وفُجائِيٌّ، كالزَّلازِلِ والبَراكِينِ، وبعضُها الآخَرُ يَحْدُثُ ببطءٍ شديدٍ، ولكنْ لفترةٍ طويلةٍ من الزَّمَنِ، مثل قُوَى الضَّغْطِ وقُوَّةِ الشدِّ التي تُؤَدِّي إلى التواءِ صخورِ سطحِ الأرضِ، أو إلى تَصَدُّعِها وانكِسارِها.

وهناكَ الكثيرُ من أنواعِ الالْتواءاتِ الَتي نَتِجَ عنها أشكالٌ مختلِفَةٌ من معالِمِ سَطْحِ الأَرْضِ البارِزَةِ. ويكفِي أن نَعْلَمَ أنّ معظمَ جبالِ العالمِ العالِيَةِ، مثل الألبِ والهيمالايا، تكوَّنَتْ بفِعْلِ التواءاتِ الصخور منذُ ملايينِ السِّنين.

 

كذلِكَ تَكَوَّنَتْ منخفضاتٌ وجبالٌ أُخْرَى بفعلِ الانْكسارِ، وأشهرُها الأُخْدُودُ الأفريقيُّ العظيمُ، الذي امتلأَ جزءٌ كبيرُ منه بالمَاءِ وهو البَحْرُ الأَحمَرُ، وارتَفَعَتْ على جانِبَيْهِ  الأَرْضُ مكوِّنَةً سلاسِلَ جبال البحْرِ الأحمرِ في الغَرْبِ وجبال الحِجازِ وعَسيرِ في الشَّرْقِ.

ولم يَتوقَّفْ تشكيلُ سطح الأرضِ على القُوَى الباطِنيَّةِ فَقَطْ، وإنَّما ساعَدَها في ذلك قُوَى خارجيَّةٌ، وهي نَوْعانِ: الأوَّلُ يُعرَفُ بالتَّجْوِيَةِ، والثَّانِي يُسَمَّى التَّعْرِيَّةَ.

والتجوية هي عَمَلِيَّةُ تفتيت للصُّخورِ تحدثُ عندما تَتَمَدَّدُ الصخورُ بفعلِ الحرارةِ ثمَ تَنْكَمِشُ بفعلِ البُرودَةِ مدَّةً طويلةً جدّاً من الزَّمن، وتعرف هذه العملية بالتجوية الميكانيكية.

 

من ناحية أخرَى تَتَّحِدُّ غازاتُ الغِلافِ الجوِّيِّ مع صخورِ الأرَضِ فتغيِّرُ من تركيبها الكيميَائِيِّ.

كذلك تقومُ المياهُ الموجودَةُ في الطبيعَةِ أحياناً بإذابَةِ بَعْضِ أنواعِ الصُّخورِ خّاصَّةً الصخورَ الجيرِيَّةَ، فينتجُ عنها بعضُ أشكالِ سَطْحِ الأَرضِ مثل الكهوفِ الجيريَّةِ، وتُعْرَفُ هذه العمليَّة بالتَّجْوِيَةِ الكيميائِيَّةِ.

أمّا التَّعْرِيةُ فهي تشملُ عمليَّةَ نَحْتِ سَطْحِ الأَرضِ، ونَقْلَ المُفَتَّتَاتِ أو الرَّواسِبِ، ثم تَرْسيبهَا. ولا توجد مِنْطَقَةٌ في العالَمِ لا تَخْضَعُ لعمليَّةِ التَّعْرِيَّةِ، ولكنَّ العامِلَ الّذي يقومُ بهذه المُهِمَّةِ يختلفُ من مكانٍ إلى آخرَ.

 

ففي بعض المناطِقِ تقومُ الأنهارُ بهذا الدَّوْرِ، وفي مناطِقَ أخْرَى كالصَّحْراءِ تكونُ الرِّياحُ، وفي المناطِقِ البارِدَةِ يكونُ الجليدُ المُتَحِرِّكُ، وعلى الشواطئ يكونُ البحرُ بأمواجِهِ المُتَلاطِمَةِ وبتيَاراتِهِ ومَدِّهِ وجَزْرِهِ.

وعلى الرَّغْمِ من أنّ الأشكالَ الناتِجَةَ عن عملياتِ التّعرِيّةَ ليسّتْ بحجمِ الأشكالِ الناتِجَةِ عن العوامِلِ الباطنيَّةِ يكونُ أَثَرُها على حياةِ الإنسان ونشاطاتِهِ قويَّاٍ جدّاً. 

فالأودِيّةُ النَّهْرِيَّةُ الّتي يَتّرَكَّزُ حولَها ملايينُ السُّكانِ في جميع أنحاء العالَمِ ناتجةٌ عن التَّعْرِيَةِ، وكذلك الأشكال الرَّمليَّةُ في الصحراءِ، والتِّلالُ والبُحَيْراتُ وأشكالُ شواطئ البحارِ والمحيطاتِ.

 

كذلك تقومُ عواملُ التَّعرِيَةِ بتغييرِ الأشكالِ الّتي صَنَعَتْها العواملُ الباطِنيَّةُ، كالسَّلاسِلِ الجَبَلِيَّةِ، والمَخَارِيطِ البُرْكانِيَّةِ، والهِضابِ، والمُنْخَفَضاتِ.

ولمَّا كانَتْ الصّخورُ كلُّها صخوراً نارِيَّة في أصلِها، فإنَّ عوامِلَ التَّعرِيَةِ، بمُساعَدَةِ عمليّةِ التّجويَةِ، قد نَحَتَتْ هذه الصخورَ ونَقَلَتْها إلى حيثُ أرْسَبَتْها في شكْلِ طَبَقَاتٍ فوق َ بعضِها البعض، حتَّى تماسَكَتْ وكوَّنَتْ نوعاً من الصّخورِ يُسَمَّى الصخورَ الرسوبِيَّةَ.

وإذا تَعَرَّضَتْ الصخورُ النارِيَّةُ أو الصخورُ الرّسوبِيَّةُ لحرارةٍ شديدةٍ أو ضغطٍ قَويٍّ، تغَّيرَتْ هذه الصّخورُ وأنْتَجَتْ نوعاً ثالِثاً يُعْرَفُ بالصَخورِ المُتَحَوِّلَةِ. وهذا الاختلافُ في أنواعِ الصّخورِ كان عامِلاً مساعِداً في تَعَدُّدِ أشكالِ سَطْحِ الأَرْضِ.

 

وكما رأَيْنا، سَطْحُ الأَرِضِ فَوْقَ اليابِسَةِ ليس سطحاً مُسْتَوِياً وإنِّما هُوَ كثيرُ التَمَوُّجِ، ترتفعُ جبالُه حتَّى يصلَ بعضُها إلى آلافِ الأمتارِ، مثل جبل الهيمالايا الّذي تَصِلُ قِمَّتُهُ المُسَّمَاةُ إفَرسْتِ إلى ارتفاعِ حَوَالَيْ تِسِعَةِ آلافِ مِتْرِ، كما تنْخَفِضُ وِدْيَانُه وسهولُهُ إلى ما تَحْتَ مستَوَى سطحِ البحرِ، مثل غَوْرِ الأُرْدُنَ الّذي ينْخَفِضُ عن مستَوَى سطحِ البحرِ بمقدارِ 400 مترٍ .

ولا توجدُ هذه الارتفاعاتُ والانخفاضاتُ علَى سطحِ اليابِس فَقَطْ وإنَّما توجدُ أيضاً في قيعانِ البِحار والمُحيطاتِ.

فهناكَ سلاسِلُ جبليَّةٌ شاهِقَةُ الارْتِفاع فوقَ قِيعَانِ البِحارِ والمُحيطاتِ، يمتَدُّ بعضُها من قاعِ المحيطِ حتَّى يظهرَ فوقَ سَطْحِ الماءِ مكوِّناً الجُزُرَ المعروفَةَ لَنا. كذلك توجدُ في قيعانِ المُحيطاتِ مُنْخَفَضاتٌ عميقَةٌ أشْهَرُها يُسَمَّى خَانِقَ مَارْيانا بالقُرْبِ من اليابانِ يَصِلُ عُمْقُهُ إلى 11 ألف مترٍ.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى