النباتات والزراعة

نبات الفلفا المحسن وراثياً والدعوة لانتهاج سياسات التعايش المشترك

2014 البذور والعلم والصراع

أبي ج . كينشي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

النباتات والزراعة البيولوجيا وعلوم الحياة

تقدّم حالة الفلفا في الولايات المتحدة الأميركية مثالاً عن بعض القضايا التي على المحك في هذه المناقشات.

ففي سنة 2004، سعت شركة مونسانتو (Monsanto Company) المصنّعة للكيمياويات الزراعية والبذور المهندسة وراثياً إلى للحصول على موافقة من أجل إطلاق صنف جديد من نبات الفلفا في الولايات المتحدة الأميركية، تحت مسمّى راوند آب ريدي (Roundup Ready) [الحامل للجين المقاوم للمبيد].

إذ إن هذا النوع الجديد من الفلفا قد تمّ تصميمه وهندسته وراثياً بحيث يمكنه تحمل مبيدات أعشاب من نوع(Roundup)  المصنعة أيضاً في مونسانتو، وبفضل هذه القدرة [التي ستحملها النبتة الجديد] يتمكّن المزارعون من رشّ المبيدات لقتل الأعشاب الضارة المحيطة بها من دون إلحاق الضرر بمحاصيل الفلفا.

إلا أن دائرة التفتيش الصحي المختصة بالحيوان والنبات (Animal and Plant Health Inspection Service: (APHIS)) وهي الوكالة الأميركية المسؤولة عن تحديد أي نوع من المحاصيل المهندسة وراثياً التي هي بحاجة لتعليمات قد قررت أن نبات الفلفا من صنف راوند آب ريدي ليس له أي تأثير يذكر [بيئياً] وممكن أن يكون منتجاً تجارياً من دون الضلوع بالمزيد من الدراسات عنه5. لكن بعض المنتجين لنبتة الفلفا ومجموعة المدافعين عن البيئة عارضوا القرار بقوة.

في أوائل سنة 2006، أدعت جماعة مؤلّفة من المدافعين الذين من بينهم اثنين من منتجي بذرة الفلفا، التحالف الوطني لمزرعة العائلة (The National Family Farm Coalition)، ونادي سيرا (Sierra Club)، ومركز سلامة الأغذية (The Center for Food Safety) وغيرهم من الجماعات دعاة المحافظة على البيئة (Environment Advocacy Groups) بدعوى قضائية ضدّ الوكلات المسؤولة في الولايات المتحدة الأميركية عن اللوائح التي تحكم المحاصيل المهندسة وراثياً.

 

لقد زعم هؤلاء المدّعون أن دائرة التفتيش الصحي المختصة بالحيوان والنبات قد خرقت القانون البيئي الأميركي(US Department of Agriculture: USDA)، لأنها لم تحرّر بياناً خاصاً بالأثر البيئي (Environmental Impact Statement: EIS) قبل تحرير اللوائح الخاصة بتنظيم [إنتاج] بذرة راوند آب ريدي الخاصة بالفلفا، وقد طلب هؤلاء من المحكمة إيقاف الزراعة التجارية لنبات الفلفا المهندسة وراثياً، ريثما تنتهي وزارة الزراعة الأميركية من تقييم الأثر البيئي الذي قد تخلّفه تلك النبتة، شرط أن يتضمّن التقييم تحليلاً لآثارها الاجتماعية والاقتصادية (Center for Food Safety, 2006).

ولأنّ منتجي الألبان العضوية يتوقّعون أنهم سيقومون بشراء محاصيل الفلفا غير المهندسة وراثياً، أو غير الملوثة، أو غير الممزوجة (المخلوطة) (Commingling) ما بين المهندسة وغير المهندسة وراثياً، فعلى الأرجح سيتيح ذلك حدوث عواقب اقتصادية وخيمة على المزارعين، يمكن أن تهدّد صناعة الألبان العضوية ككل (Center for Food Safety, 2011b).

وبالإضافة إلى ذلك، أشار المدعون إلى مشاكل زراعية وبيئية جديدة أخرى، ناتجة من الاستعمال الكثيف للمحاصيل المهندسة وراثياً التي يمكنها أن تتحمل مبيدات الأعشاب، ولا سيّما الزيادة في استخدام مبيدات الأعشاب وتطوير الحشائش المقاومة لمبيدات الأعشاب.

قضت المحكمة الاتحادية في كاليفورنيا بأن هناك حاجة لتقوم وزارة الزراعة الأميركية بدراسة شاملة للآثر البيئي، ومن شأنها دراسة التأثير البيئي في إنتاج أصناف مختلفة من بذور الفلفا غير المهندسة وراثياً من بين الآثار البيئية الأخرى.

كما سمح القرار ببيع بذور الفلفا المنتجة من شركة مونسانتو حتى تنجز دائرة التفتيش الصحي المختصة بالحيوان والنبات عملها لإصدار قرارها الخاص بالأثر البيئي في غضون عام 2010م.

 

واستجابةً لقرار المحكمة الاتحادية قدمت وزارة الزراعة وثيقة نهائية بهذا الخصوص تجاوزت الألفي صفحة، إذ اعتمدت [تلك الوثيقة] خيار زراعة الفلفا المهندسة وراثياً بصورة تجارية من دون أية قيود تُذكر ولو كانت جزئية، إذ كان كل هدفها من هذه الدراسة هو تقليل التلوث البيئي الذي قد تتعرّض إليه حقول زراعة الفلفا غير المهندسة وراثياً (US Department Of Agriculture 2010).

عند صدور بيان الأثر البيئي في كانون الأول/ ديسمبر 2010، والذي كان يأمل في وضع حدٍ للنزاع في المستقبل، اقترح وزير الزراعة فيلساك وضع سياسات "التعايش المشترك" (Coexistence) التي من شأنها أن تسمح بإنتاج كلا النوعين من الفلفا المهندسة وراثياً وغير المهندسة على حدٍّ سواء، ولذلك عقدت وزارة الزراعة الأميركية اجتماعاً لأصحاب المصالح يهدف إلى بدء الحوار حول "التعايش المشترك" ما بين مختلف الأصناف الزراعية المختلفة بواسطة استخدام المحاصيل غير المهندسة والمهندسة وراثياً. فسر فيلساك (Vilsack, 2010) هذا النهج الذي تمنّاه في رسالة مفتوحة: 

"بوصفها وكالة تنّظم اللوائح المبنية على العلم السليم فإن أولويتنا ان تكون قراراتها تستند إلى هذا العلم، والعلم يؤكد بقوة أن الفليفا المهندسة وراثياً آمنة.

ولكن القضايا الزراعية كثيراً ما تكون بالغة التعقيد ونادراً ما تنتهي بحلول بسيطة….. من خلال الاستمرار بإشراك أصحاب المصالح مع بعضهم البعض في محاولة لإيجاد أرضية مشتركة حيث يمكن تحقيق مصالح متوازنة بين جميع الأطراف، فنحن في وزارة الزراعة الأميركية نسعى جاهدين للتوصّل إلى نموذج جديد يقوم على التعايش المشترك والتعاون". 

لقد انتقد كلٌّ من المنتقدين والمدافعين عن الفلفا المهندسة وراثياً كيفية معالجة وزارة الزراعة الأميركية لهذه القضية.

فقد سلطت الضوء إحدى المنظمات المروّجة والمدافعة [لدى المحكمة الاتحادية] التي واصلت ادعاءها القضائي، مركز سلامة الغذاء (Center for Food Safety, 2011a)، على الثغرات العلمية التي استند إليها بيان الأثر البيئي، إذ صرّحت أن التقييم ما زال غير كافٍ.

 

من جهة أخرى، انتقد دعاة التكنولوجيا الحيوية بشدة "سوء النية" (Bad Faith) و"العرقلة" (Obstructionist) في استخدام القانون البيئي الاتحادي لرفض غير معقول لعملية تقييم الأخطار(Conko and Miller, 2010) .

في حين أشار أنصار الفلفا المهندسة وراثياً إلى مشكلة الأعشاب الضارة وإمكانية التحكّم فيها وما لها من آثار تلوث اقتصادية كانت خارج نطاق السلطة التنظيمية. فممثل الولايات المتحدة من أوكلاهوما فرانك لوكاس (Frank Lucas)، رئيس اللجنة الزراعية في الكونغرس (Chair of the House Agriculture Committe)، وبالإضافة إلى عضوي مجلس الشيوخ الأميركي ساكسبي شامبليس (Saxby Chambliss) من ولاية جورجيا وبات روبرتس  (Pat Roberts)من ولاية كنساس قد بعثوا برسالة لفيلساك [وزير الزراعة الأميركي] انتقدوا فيها خطوة انتهاج التعايش المشترك: "ينبغي أن تستند القرارات إلى العلم مع مراعاة عوامل أخرى تعتبر أكثر ملاءمة للسوق.

لقد حاربت حكومتنا بحزم  للحفاظ على سلامة اتخاذ القرارات على أساس علمي في منظمة التجارة العالمية، وهذا النجاح الذي أحرزناه في تلك الهيئة لا ينبغي أن يوضع ببساطة  (House Committee on Agriculture 2011)(6).

لقد تراجع فيلساك في وقت لاحق عن دعمه لفكرة انتهاج سياسات التعايش المشترك، مصرحاً بإن وزارة الزراعة الأميركية تسمح بالزراعة التجارية غير المقيدة للمحصول الذي هو قيد الجدل. فلذلك منذُ أواخر 2011، أصبحت مسألة الفلفا المهندسة وراثياً في تغيّر مستمر [نحو الافضل]، على الرغم من استمرار نقّادها بالدعاوى القضائية لإيقاف تسويقها.

 

إن الجدل حول الفلفا المهندسة وراثياً يسلّط الضوء على أهم الأسئلة المرتبطة بالسماح بانتشار زراعة النباتات المهندسة وراثياً في البيئة: فهل ينبغي على الحكومة اتخاذ تدابير للحفاظ على زراعة المحاصيل غير المهندسة وراثياً؟

فإذا كان لا بدّ من ذلك، فعلى أي أساس ستبنى، وما هو ثمن بناء صناعة التكنولوجيا الحيوية؟ فأي نقاش إضافي يدور حول الجينات الناشزة يدور في نفس المحور، لكنها بأسئلة مختلفة. فمن الذي يمكن أن يكون مسؤولاً في حال تلوّثت المحاصيل بتحوّرها وراثياً، في حين يفترض أن تكون غير محورة وراثياً؟  

وهل يا ترى هناك براءات اختراع على المواد المهندسة وراثياً تمتد إلى نسلها من المحاصيل، حتى وإن كانت قد انتقلت من طريق الرياح بالخطأ من مزرعة إلى مزرعة أخرى؟ 

وماذا إذا انتقلت المواد المهندسة وراثياً عبر الحدود الوطنية إلى مساحات، حيث المحاصيل المعدلة جينياً منظمة بشدة أو حتى تواجه معارضة ثقافية قوية؟

كيف سيتم الرد هذه الأسئلة، فالآراء الموضوعية للوصول إلى أجوبة لتلك الأسئلة سيكون له تأثير كبير في مستقبل الغذاء.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى