التاريخ

مؤلفات كتاب “تذكرة داود”

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول

صبري الدمرداش

KFAS

كتاب تذكرة داود التاريخ المخطوطات والكتب النادرة

بين يدي (التذكرة)…

(تذكرة داود) مؤلَّفٌ ضخم يقع في نحو سبعمائة صفحة من القطع الكبير.

والتذكرة كتابٌ علميٌ قيِّمٌ، حوى العديد من المعارف عن كثير من النباتات الطبية والعقاقير. جمع فيه صاحبه، على الرغم من أنه كان ضريراً، خلاصة ما وصلت إليه المعارف الطبية حتى سنة 976هـ، كما ذكر في مقدمة كتابه.

وما زالت التذكرة تمثل المرجع لكثير من العطارين في معظم المدن العربية. ولعلها أشهر كتاب في هذا المجال. وعلى الرغم من انتشار الصيدليات، وما بها من أدوية وعقاقير حديثة، إلا أن حوانيت العطارة ما زالت صامدة، يطرقها الكثيرون طلباً للتداوي بما يصفه العطارون، وبما يقدمونه من عقاقير، يستعينون في تجهيزها وتركيبها بما ورد في كُتبٍ مثل التذكرة.

 

ويقول الأنطاكي عن كتابه: ورتَّبته حسبما تخيلته على مقدمة وأبوابٍ أربعة وخاتمة.

اما المقدمة: ففي تعداد العلوم المذكورة في هذا الكتاب، وحال الطب معها ومكانته وما ينبغي له ولمتعاطيه، وما يتعلق بذلك من الفوائد.

والباب الأول: في كليات هذا العلم والمدخل إليه.

والباب الثاني: في قوانين الإفراد والتركيب، وأعماله العامة، وما ينبغي أن يكون عليه من الخدمة، في نحو السحق والقلي والغسل والجمع والإفراد والمراتب والدرج وأوصاف المقطع والملين والمفتح، إلى غير ذلك.

والباب الثالث: في المفردات والمركبات، وما يتعلق بها من اسم وما هية ومرتبة ونفع وضرر وقدر وبدل إصلاح، مرتباً على حروف المعجم.

والباب الرابع: في الأمراض، وما يخصها من العلاج وبسط العلوم المذكورة وما يخص العلم من النفع، وما يناسبه من الأمزجة، وما له من المدخل في العلاج.

والخاتمة: في نكت وغرائب ولطائف وعجائب.

 

والتتابع المنطقي في تبويب الكتاب، على الرغم من تأليفه في زمانٍ يسبق زماننا بأكثر من أربعة قرون، ليدل دلالة قاطعة على قدرة المؤلِّف وصفاء ذهنه.

والمنهج العلمي الذي اتبعه الأنطاكي في كتابه يدعو للتقدير والاحترام، فهو يقرِّر في أمانة علمية، ما لجأ إليه من مصادر لتذكرته، فيقول: (فنحن كالمقتبسين من تلك المصابيح ذبالة، والمغترفين من تلك البخور بلالة).

ومنهج العرض التاريخي لمن ألَّف وكتب في موضوع أي كتاب من قبل، يظهر في مقدمة الأنطاكي لكتابه، إذ يقول – على نحو ما أورده كمال الدين حسن البتانوني في مؤلَّفه (أسرار التداوي بالعقار بين العلم الحديث والعطار):

(وأول من ألَّف شمل هذا النمط، وبسط للناس فيه ما انبسط، ديسقوريدس اليوناني في كتابه الموسوم بالمقالات في الحشائش، ولكنه لم يذكر إلا الأقل، حتى إنه أغفل ما كثر تداوله، كالكمون والسقمونيا والغاريقون. ثم جالينوس، وهو غير الطبيب المشهور الذي جمع كثيراً من المفردات، لم يذكر إلَّا المنافع خاصة دون باقي الأحوال، ولم أعلم من الروم مؤلَّفاً غير هؤلاء، ثم انتقلت الصناعة إلى أيدي النصارى.

فأول من هذب المفرَّدات اليونانية ونقلها إلى اللسان السرياني دويدرس البابلي، ولم يزد على ما ذكره شيئا، حتى جاء الفاضل المُعرِّب والكامل المجرِّب، إسحاق بن حنين النيسابوري، فعرَّب اليونانيات والسريانيات، وأضاف إليها مصطلح الأقباط، لأنه أخذ العلم عن حكماء مصر وأنطاكية، واستخرج مضار الأدوية ومصالحها. ثم تلاه ولده حنين. ففصل الأغذية من الأدوية فقط.

ولم أعلم من النصارى من أفراد هذا الفن غير هؤلاء، ثم انتقلت الصناعة إلى الأسلام وأول واضع فيها الكتب من هذا القسم هو الإمام محمد بن زكريا الرَّازي، ثم مولانا الفرد الأكمل، والمتبحر الأفضل الأمثل، الحسين عبدالله بن سينا، رئيس الحكماء، فضلا عن الأطباء.

 

فوضع الكتاب الثاني من القانون. ثم ترادف المصنفون على اختلاف أحوالهم. فوضعوا في هذا الفن كتباً كثيرة: من أجلِّها مفرَّدات ابن الأشعث، وأبي حنيفة، والشريف بن الجزار، والصائغ، وجرجس بن يوحنا، وأمين الدولة ابن التلميذ، وابن البيطار.

وأجل هذه الكتب الكتاب الموسوم بمنهاج البيان، صناعة الطبيب الفاضل يحيى بن جزل رحمه الله تعالى، فقد جمع المهم من قسمي الإفراد والتركيب، في ألطف قالبٍ وأحسن ترتيب. وأظن أن آخر من وضع في هذا الفن الحاذق الفاضل محمد بن علي الصوري).

إن هذا التأريخ للكتابة في الأدوية المفردة والمركَّبة، استوعب جلَّ ما كتب، على الرغم من إيجازه. بل إن الأنطاكي وجَّه النقد لبعض المؤلِّفين خلال عرضه لهذا التاريخ الحافل. وبعد عرضه هذا، يوضح الأنطاكي بعض المثالب.

وينتقد النقص في بعض هذه الكتب، منتهجاً منهجاً علمياً في النقد، الذي يعتمد على المعرفة والتجريب، يقول : (وكلٌ من هؤلاء – يقصد من ألَّف في المفرَّدات والمركَّبات الدوائية- لم يخل كتابه، مع ما فيه من الفوائد، عن إخلال بالجليل من المقاصد، إما ببدل أو إصلاح أو تقدير، أو إطلاق للمنفعة وشرطها التقييد…).

وعلى الرغم من تباعد زماننا عن زمان الأنطاكي، ومع تطور العلوم وتقدم وسائل البحث العلمي، فإن الأنطاكي وضع قوانين لوصف العقاقير والأدوية تمثل الدقة المتناهية في المعرفة بهذه العقاقير، وتفهم أصول العمل بها، والاستفادة منها، وتوضح المنهج العلمي في هذا المجال فيقول الانطاكي عن المفرَّدات الطبية: (اعلم أن كل واحد من هذه المفردات يفتقر إلى قوانين عشرة).

 

ونعرض ما ذكره الأنطاكي من بياناتٍ ينبغي أن تذكر مع كل مفردٍ من المفردات الطبية: وهي ما يلي:

1-ذكر أسمائه بالألسن المختلفة ليعم نفعه.

2-ذكر ماهيته من لون ورائحة وطعم وتكرج وخشونه وملاسة وطول وقصر.

3-ذكر جيده ورديئه ليؤخذ أو يجتنب

4-ذكر درجته في الكيفيات الأربعة، ليتبين الدخول به في التراكيب

5-ذكر منافعه في سائر أعضاء البدن.

6-كيفية التصرف به مفرَّداً أو مع غيره، مغسولاً أولاً، مسحوقاً في الغاية أولاً، إلى غير ذلك.

7-ذكر مضاره

8-ذكر ما يصلحه.

9-ذكر المقدار المأخوذ منه متفرداً أو مركباً، مطبوخاً أو منشفاً، بجرمه أو بعصارته، أوراقاً أو أصولاً، إلى غير ذلك.

10-ذكر ما يقوم مقامه إذا فُقد.

 

وأضاف الأنطاكي أن بعضهم زاد أمرين آخرين: الأول الزمان الذي يقطع فيه الدواء ويدخر، والثاني من أين يجلب الدواء.

وباستعراض هذه القوانين للكتابة عن المفرَّدات الطبية، فإنه مما لا شك فيه أن أي كتاب عن النباتات الطبية يلتزم مؤلِّفه بهذه القواعد، سيكون موسوعة علمية، تفوق قدرة أي عالم واحد على استيعابها.

وعلى الرغم من غياب الإمكانيات المتاحة في عصر الأنطاكي، فإنه تمكن بمفرده من إعداد هذا الكتاب القيِّم. وقد طبع هذا الكتاب في القاهرة تسع مرَّات على الأقل من سنة 1254 حتى سنة 1324 هـ.

 

… كانت أيَّام

تلك التي عاش فيها الأنطاكي وكانت (تذكرته) فيها هي القانون في العلاج وإن شئت الدستور، وهو وإن ضمَّنها عدداً من الوصفات العامة والخاصة تشمل أنواعاً من السفوف والترياق والسعوط والمراهم والمعاجين والدهانات والأشربة والأكحال.

فقد ضمَّنها كذلك وصفات لا تتفق والطب الحديث ولا تُساير الذوق العام، وهذا أمرٌ يمكن اغتفاره له بالنسبة لما أسداه للطب العلاجي من خدمات. ولكن ما وضع التذكرة الآن؟

قلنا إن بعض المرضى لا زالوا يقصدون حوانيت العطارين. وهذا السلوك وإن كان مقبولاً على أيام الشيخ، فإنه يعد في أيامنا عملاً مخالفاً للقانون الذي لا يجيز لغير الصيادلة المرخص لهم مزاولة مهنة الصيدلة، وهو القانون رقم (127) لسنة 1955.

وإذا كان العلم الحديث لا ينكر قيمة الأعشاب التي تُداوي بها التذكرة. فإنه يقدمها للمرضى في صورة أنقى وأفعل وآمن وبجرعات مقنَّنة تحد من الآثار الجانبية لكل ما هو غير مرغوب فيه.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى