الكون بودكاست

كيف يعمل العلم

الكون بودكاست

 كيف يمكن ان نتعرف على الحقائق في هذا الكون ؟ .. هذا السؤال عميق جدا .. و للإجابة عليه اضطرت البشرية ان تستعين بادوات كثيرة على مر تاريخها لمحاولة الوصول الى الأسئلة الجوهرية التي يحتاج الانسان الى إجابات لها .. بمعنى اخر التي تمثل الحقيقة و الواقع الذي يعيش فيه .. وكانت الفلسفة والأديان من اهم الأدوات ان صح التعبير التي استخدمت للوصول و تحقيق هذه الغاية .. و نشأة من بعدها مدارس و مناهج مختلفة كلها تبحث عن نفس الهدف .. الحقيقة.. فتحدث فيها الكثير من الفلاسفة من كل حدب و صوب  واضاف المسلمين كذلك لها و حاول البشر تأسيس مناهج يستعينون بها لنفهم كيف نفهم .. تحت عنوان نظرية المعرفة  .. تعنى باصل المعارف التي ندركها و مدى انطباقها على الواقع و الحقيقة ..  سواء كان ذلك عن طريق حواسنا التي نستطيع استغلالها و استعمالها في التجارب العملية او  بتصوراتنا عن طريق العقل للمفاهيم المجردة من المادة .. ومن بين كل ذلك  .. نشأت أداة في القرون المتأخرة ساعدت على تطور الاكتشافات الطبيعية في هذا الكون بسرعة و حدة و كثافة لا مثيل لها سابقا في تاريخ البشر .. و الأداة هي .. المنهج العلمي ..   و في حلقة اليوم سنتعلم ماهو المنهج العلمي و كيفية نشأته و طريقة عمله.. و هل يمكننا الاعتماد عليه للكشف عن كل الأسئلة التي تتبادر الى ذهن الانسان على اطلاقها .. ام ان هناك حدود لهذه الأداة ..  و قبل كل شيئ انوه بان هذه الحلقة من البودكاست تتآيكم برعاية من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي .. مؤسسة الكويت لديها العديد من البرامج و الكتب العلمية الشيقة و المناسبة لجميع الاعمار و جميع التخصصات .. تابعوهم و اختاروا ما يناسبكم .. و من هذه الإصدارات مجلة sky at night  العريقة و الجميلة في مجال الفلك حيث تم ترجمتها الى اللغة العربية ببراعة و جودة عالية جدا  .. انصح الجميع باقتنائها .. هيا بنا الان نتعرف على العلم و الية عمله التي اعتمدت و طورت خلال هذه السنين للكشف عن اسرار الكون.

منذ خلق الانسان و الى ان اصبح واعيا بما يحيط حوله من طبيعة و الى ان استقرت اموره المعيشية و تطور المجتمعات البشرية و الى يومنا هذا .. تجد ان هناك أسئلة جوهرية يحاول الانسان جاهدا الوصول اليها .. يمكن ان نضمها تحت اطار خمسة أسئلة او تساؤلات .. فالتساؤل الأول عن المادة.. فما هي المادة  ..و ماذا تمثل..  بل من اين جاءت ونشأت ؟ .. التساؤل الثاني يتمحور حول الحياة .. فيتساؤل عن معاناها   .. كيف بدأت و كيف تنتهي وماذا قبلها و ماذا هناك بعدها ؟ .. سؤآل ملح ثالث و هو اين نحن في هذا الكون  .. هل نحن وحيدين ام يوجد غيرنا في هذا الكون  ؟ و سؤال رابع مهم كذلك عن الزمان والقدر .. منذ متى و هذا الخلق و الطبيعة موجودة وهل ستظل موجودة  ؟ و ان كان كذلك الى متى تظل موجودة .. هل هي ابدية سرمدية ام لها نهاية محتومة و مكتوبة ؟ و اخر هذه الأسئلة الوجودية المهمة و التي سننطلق منها في هذه الحلقة .. وهو كيف نعرف كبشر ان الإجابات التي لدينا لكل هذه الأسئلة .. تمثل الواقع و الحقيقة .. كيف لنا ان نتجنب الخطأ في التفكير  و..  هذه الأسئلة يحاول الانسان جاهدا الوصول لاجابات لها .. تارة للاستفادة منها في حياته المادية و تحسينها و تطوريها من خلال تطويع الطبيعة لهذه الهدف ..و تارة أخرى لحاجة في نفسه لاستيعاب و تكوين وعي حول نفسه و الوجود الذي يعيش فيه .. و من هنا نشأت أدوات فكرية لدى الانسان و تطورت مع الوقت و أهمها المنطق و الذي يُعرّف على  انه الأداة التي تعصم العقل من الوقوع في الخطأ .. الذي يعتبر هو أساس لكل المدارس الفكرية والعلوم التجريبية .. اي المنهج العلمي الذي سنصل اليه لاحقا .. فقدرة الانسان على التفكير المنطقي قديمة جدا قبل الانسان الحديث و ربما ترجع الى بداية الانسان في افريقيا .. و لكن اول أفكار منطقية مدونة  في سجلات التاريخ ترجع أصولها الى اليونانيين .. الذين كما يبدو تطورت عندهم المحادثات و المناظرات حول الحقائق الكونية و بالتالي تطور الفكر عندهم .. بداية من فلاسفة قبل ما قبل زمن سقراط و وصولا الى افلاطون و من بعده ارطسو..  الذي بنا أساس المنطق الاستنباطي  او المنطق الاستنتاجي والذي يسمى كذلك بالمنطق الارسطي   …. وهو قوي جدا لتنظيم عملية الفكر للوصول الى الحقائق .. فالمنطق الاستنتاجي قائم على ان نضع مقدمة أولى و نقول مثلا الأرض اكبر من القمر و بعد ذلك نضع مقدمة ثانية و نقول الشمس اكبر من الأرض .. فنصل الى نتيجة ان الشمس اذا اكبر من القمر .. من دون عمل مقاربة بينهم الشمس والقمر  .. وبذلك نرى قوة هذا النوع من التفكير في الوصول الى النتائج  .. ولكن في بعض المرات هذا المنطق لا يأتي بنتائج حقيقية و تكون فيه أخطاء .. مثلا نقول كل الفيلة لديها اربع ارجل و بما ان القطة لديها اربع ارجل اذا القطة هي فيل .. فنرى انه لا يصلح تطبيقه بمجرد دمج جمل او مقدمات في كل مرة .. فلذلك لا يمكن الاعتماد عليه دائما للوصول الى الحقائق.. خصوصا عند الدخول في مقدمات ونتائج اعقد من هذه الجمل البسيطة .. و لذلك نحتاج الى نوع ثاني من المنطق يسمى بالمنطق الاستقرائي .. و هو بشكل مختصر .. تعميم نظرية معينة بناء على مجموعة من العينات التي تم ملاحظتها.. مثال على ذلك .. في كل مرة تقوم بقياس قطعة الحديد بعد تسخينها .. تكون النتيجة تمدد قطعة الحديد وبالتالي ازدياد طولها .. فتقوم بتعميم النتيجة ..وتقول بان كل الحديد عندما يتعرض لحرارة فانه سيتمدد .. فنرى قوة المنطق الاستقرائي بان جعلك تصل الى نتيجة تمدد الحديد بالحرارة دون الحاجة لاختبار كل الحديد في هذا العالم و عمل اتجربة عليه .. وهنى تكمن احد اهم عناصر قوة هذا المنطق .. ولكن كحال المنطق الارسطي .. فهناك مشاكل كذلك في هذا المنطق ولايمكن اخذ نتائجه على محمل القطع الجازم .. وفي المثال التالي يبين احد عيوب المنطق .. اذا قلنا بان كل المهندسين ال٩٩ الذين قابلتهم بحياتك اشخاص ودودين و لطيفين .. فحسب المنطق الاتقرائي ..  انه المهندس رقم ١٠٠ القادم الذي ستقابله سيكون ودود و لطيف.. بناء على تجربتك .. طبعا ما يحتاج تحليل بان النتيجة من هذا المنطق غير مضمونه .. فمن الممكن ان يكون  المهندس المئة شخص فظ غير محترم .. .. ولكن هذه الطريقة و المنطق مهمة جدا في العلوم و المنهج العلمي .. فاذا كان عندك ملاحظات معينة متكررة على ظاهرة ما .. تستطيع تكوين نتيجة  .. و من أوائل و اشهر من استخدم المنطق الاستقرائي في العلوم هو إسحاق نيوتن في نظرية الجاذبية التي صاغها في القرن السابع عشر .. فقد لاحظ مجموعة من الظواهر (مثل المشهور عنه سقوط التفاحة على رآسه وان كان فعلا لم تسقط على رأسه ، ولكن لاحظ حركة الاجسام و نمطها المتكرر ) درسها و صاغ معادلات رياضية لها و عمم النتائج .. فعمم النتيجة بانها قابلة لتفسير حركة الاجرام السماوية و كذلك حركة النجوم في درب التبانة .. و كانت نتائجه صائبة و مطابقة للواقع بشكل لا يصدق .. بل انه توقع ظهور المذنب هالي و هو لو لم يره..  فقط استقرء (أي تنبأ) النتائج بناد على المعطيات التي كانت لديه ..  في الواقع التعميم يحدث بشكل مستمر في العلم .. لانه لا يمكن اختبار نتائج نظريتك في كل الوضعيات الممكنة  .. .. و من كل ذلك نستنتج  ان المنطق بكل انواعه هو أداة لا غنى عنها في تطور كل شيئ مادي و فكري يحيط بالإنسان .. و مع الوقت و تشعب المدارس الفكرية و سعي الانسان للوصول الى الحقائق و التحقق من مطابقتها للواقع .. نشأت عندنا المعرفة او ما يسمى ابستملوجيا (وانصح جميع المستمعين و المهتمين بالفكر و القضايا الفكرية انه يتثقفون في هذه النظرية لاهميتها ) .. .. من اهم هذه المدارس التي حاولت بناء منهج للوصول الى المعرفة .. و هو المنهج العقلي .. الذي ارتكزت  و اعتمدت عليه الفلسفة في العالم الإسلامي  و بالمقابل هناك المنهج التجريبي او الذي نطلق عليه اليوم بالمنهج العلمي .. و بما ان وصلنا عنده هذه المسميات .. من المفيد انه نعرفهم و نعطي امثلة على السريع عليهم .. .. يمكن شوي حلقتنا اليوم و كلامنا تجريدي ناشف بدون كواكب و مجرات كما تعودنا .. و لكن أرى من المهم للمستع العربي المهتم بالعلوم  التجريبية انه يعرف و يطلع على هذه المدارس الفكرية .. فالمنهج العقلي يقسم المعارف الى نوعين .. نوع اول و هي المعلومات البدييهية أي التي لا نحتاج الى دليل لكي نثبتها .. مثلا الكل اكبر من الجزء او مثلا استحالة التقاء النقيضين .. فهي معلومات قائمة بحالها صحيحة بدون أي دليل يمكن ان اقدمه لاثبت صحتها .. اما النوع الثاني من المعلومات تسمى بمعلومات نظرية .. أي نحتاج الى ادلة لكي نثبتها .. مثل موضوع كروية الأرض .. فهي ليست معلومة بديهية يمكن للإنسان ان يدركها بالتفكير ..  بل على الانسان ان يبحث بين الأدلة لكي يثبتها .. هذا بالنسبة للمنهج العقلي .. فنرى هنى بان اصل المعرفة هو العقل .. اما المنهج التجريبي في المقابل و على عكس المنهج العقلي .. فهو المذهب الذي يعتمد بان التجربة هي المصدر الأول لجمييع معارف البشرية .. و ان الانسان بدون التجربة لا يمكن ان يتعرف على الحقائق في هذا الكون .. وكل منهج له ادلته المنطقية و اشكالاته على المنهج الاخر  لمقدرته على الوصول الى الحقائق الكونية و لسنا هنا في مقام التفصيل .. و اسف اذا اخليت بتعريف احد المناهج بسبب  الاختصار  .. و لكن انا اوردت هذه المقدمة  البسيطة و الموجزة لمناهج نظرية المعرفة لكي انطلق منها و بالتحديد من المنهج التجريبي لأنه هو من يتعامل مع العلم الطبيعي  ..فمما لا شك فيه ان المنهج العلمي اليوم و جميع الأبحاث العلمية في العلوم الطبيعية سواء كانت في ميدان الفيزياء او الكيمياء او الاحياء او غيرها من التخصصات في العلوم الطبيعية  .. تعتمد على التجربة .. و بتعبير اليوم على المنهج العلمي .. و بعد قليل نواصل رحلة تبلور المنهج العلمي الذي بين يدينا اليوم كاداة للتقدم في فكر البشر.

عرفنا قبل قليل  بان تكوين المعرفة غير مقتصر على المنهج العلمي .. فالانسان جمع و كون أنواع المعارف بدون حتى وجود لمسمى المنهج العلمي . ولكن المنهج العلمي عندما تبلور..  احدث ما يشبه الثورة في الاكتشافات.. والتي بدورها اثرت على تسارع التكنلوجيا و تحسين جودة حياة الانسان على الأقل في الجانب الإيجابي من التكنلوجيا  …. ولادة هذا المنهج الفعلية صعب قياسها ولكن يمكن ارجاعها الى ثلاث اشخاص عملوا العلامة الفارقة لبلورة هذا المنهج .. أولا جاليليو جالالي و من بعده فرانسيس بيكون و أخيرا الفيسلسوف ديكارت .. و سنتعرف الان على اسهام كل واحد من هؤلاء باختصار .. جاليليو المشهور باختراعة للتلسكوب .. كان من الأشخاص الذين حكمت عليهم الكنيسة آنذاك بالحجر المنزلي حتى مات بسبب أفكاره في التي كان يتبناها حول بنية الكون و موقع الأرض و بالتأكيد موافقته و نشره على نظرية كوبرينكوس حول مركزية الشمس .. و على الرغم من الحجر و مضايقات الكنيسة..  في عام ١٦٣٢ نشر كتاب او كتيب صغير اسماه ايسير يذكر فيه أهمية ان يكون العلماء احرار في أداء أعمالهم و تجاربهم .. حتى يخرحوا بأفضل النتائج التي تمثل الواقع .. ولكن الكنسية عارضته بالفكرة .. لانه من الممكن ان تكون النتائج معاكسة للتفسيرات الكتاب المقدس و تعتبر بالتالي هرطقة و كفر .. فاخذ جاليليو يحاججهم انه بناء على التجربة ثبت بان الأرض تدور حول نفسها و بان بالتجربة و المشاهدات .. كوكب الزهرة و اطواره التي ترصد من الأرض لا تتماشى مع نظام مركزية الأرض .. كل ذلك أدى به الى الحجر المنزلي طوال حياته .. و في اثناء الحجر كتب كتاب مهم لتطور المنهج العلمي .. الذي شرح فيه الية سقوط الاجسام .. و المهم في هذا الكتاب .. ان جاليليو شرح فيها الالية و الطريقةالتجريبية التي اوصلته لما وصل اليه .. من ملاحظة سقوط الاجسام و تسجيل الملاحظات و الحسابات و المهم انه دعى الاخرين لاختبار نتائجه و تأكيدها لانه كان يعتقد انه الطريقة المثلى للتكأكد من صحة النتائج أي تجريبها من اشخاص اخرين .. و هو روح المنهج العلمي اليوم و مصداقيته .. فهذا الذور الذي لعبه جاليلو .. و من بعده بسنوات قليلة ظهر الشخص الثاني المؤثر في بلورة المنهج العلمي و هو فرانسيس بيكن .. الذي اقترح فكرة تطوير الية جديدة للتعامل مع العلم .. و هذه الالية تكون تجريبية أي بعيدا عن الكلام الانشائي و التصورات العقلية .. وان تكون معتمدة على على المعدات للقياس و أخيرا ان تكون الالية مدعومة من الدولة .. فهو بذلك أراد عمل ثورة للتقدم في العلم عن طريق التجارب و ابعاد المنطق الارسطي وكلام السابقين المنقول لهم من فلاسفة اليونان و العرب  من الساحة .. و ذلك لكل من أراد الدخول في الميدان العلمي التجريبي و التعامل مع الفيزياء و الكيميا والاحياء ..  و الغاية من هذه التجارب تكون انتاج أشياء تصب في مصلحة و استخدامات الانسان ..بعد ذلك قام بيكون بتأليف كتاب اسماه اتلاتنس الجديدة .. و فيه شرح كيف يمكن للدولة تأسيس مدرسة مثالية توفر الأجواء والدعم الذي يحتاجه العلماء للنهوض بالعلم .. وفي هذه المدرسة تجتمع المع العقول البشرية و اسماه بيت سالومونز.. حيث قسم العلماء الى ثلاث مجموعات .. مجموعة تسافر و تجوب الأرض لجمع المعلومات ..و مجموعة تقرأ الكتب و تستوحي منها العلوم ..  ومجوعة اخيرة تقوم بالتجارب بناء على المعلومات التي من المجموعتين السابقتين لتوليد معارف اكيدة و صحيحة للبشر .. طبعا هذا تصور بيكون المثالي في كتابه .. والذي لم يتحقق بالضرورة بالشكل الذي تصوره .. ولكنه اعطا دفعة و تشكيل اكبر للمنهج العلمي و للشكل الذي هو عليه اليوم .. و أخيرا نصل الى المؤثر الأخير في تشكيل المنهج العلمي و هو الفيلسوف و الرياضي ريني ديكارت ..  صاحب المقولة الشهيرة انا افكر اذا انا موجود.. وكون ديكارت فيلسوف .. فالبعد الذي اضافه يعتبر من الابعاد المهمة المرتبطة بنظرية المعرفة .. فقد قام ديكارت بالشك في كل المخزون المعرفي الذي كونه طوال حياته لانه لم يجد دليل يمكن ان يستند او يرتكز عليه يستطيع من خلاله معرفة مطابقة هذه المعارف للواقع .. فقام بالشك بكل شيئ .. حتى أسس ما يعرف بمنهج الشك الديكارتي .. و في ابسط صوره هذا المنهج يقول .. لا تقبل أي شيئ حقيقي اذا كان هناك ادنى إمكانية بانه ليس كذلك .. مثال ذلك .. اذا كان لديك كيس فيه برتقال جيد و برتقال متعفن ولكنك لا تعلم بذلك من ايهم الجيد او المتعفن .. فكيف يمكنك فقط الإبقاء على البرتقال الجيد ؟ احد الطرق ان تخرج كل البرتقال من الكيس .. تستبعد كل المتعفن .. و تنتقي الجيد و ترجعه بداخل الكيس .. و بذلك انت ضمنت حقا انه لا يوجد بالكيس سوى البرتقال الجيد .. مثل هذه المقاربة .. يطبقها على الأفكار و المفاهيم و المعتقدات التي تدخل العقل.. فعليك إخراجها و فحصها جيدا و تختار ماذا تقبل او ترفض .. و هذه الفكرة الثورية بعالم الفكر .. كانت من الأركان الرئيسية لتشكل المنهج العلمي .. و هي الشك في كل نتيجة تصل اليك و إقامة الدليل عليها ..

بعد ان سردنا التطور التاريخي لفكرة و منهجية العلم .. نصل الان الى صياغتها بطريقة مبسطة للشكل الذي انتهت عليه.. فالمنهج العلمي اليوم يعمل كالتالي .. يأتي شخص لاحظ ظاهرة طبيعية او مجموعة من الظواهر بنمط متكرر  .. فيقوم هذا الشخص .. بتكوين فرضية .. و يجب ان ننتبه على المسميات .. فحتى الان لا يوجد نظرية .. فقط فرضية .. و هي فكرة لهذا الشخص يعتقد انها تفسر الظاهرة التي رصدها .. و لمعرفة صحة هذه الفكرة .. يقوم الشخص .. بعمل بعض الاختبارات التجريبية .. للوقوف على صحة تجربته .. و بناء على نتائج التجربة .. يقوم الشخص برفض الفكرة او تأييدها و الاخذ بصحة فكرته .. بعد ذلك ننتقل الى مرحلة مفصلية و مهمه في المنهج العلكي ..  فعلى افتراض صحة نتائج الاختبارات التي أجريت حول هذه الظاهرة .. يقوم الشخص بنشر فكرته او فرضيته ليتم مراجعتها من قبل المتخصصين في المجال .. فيقوم هؤلاء العلماء بعملية التأكد من صحة ادعاء هذه الشخص .. فيقومن بشتى المحاولات لتخطيئ هذه الفكرة  .. و هنا يظهر دور فكرة ديكارت بالمنهج الشكي .. فان استطاعوا تبيان خطأ هذه الفرضية سواء من قبل قدرتها على تفسير الظاهرة او من خلال أخطاء رياضية اعتمدت عليها او أي مقدمات او اثبات خاطئ قد تم تقديمه فيه هذه الفرضية .. يتم رفض الفكرة و البحث عن فكرة أخرى لتفسير الظاهرة .. و ان كان بالعكس .. تم اختبار و اخضاع هذه الفكرة لكثير من التجارب و التدقيق من قبل علماء اخرين .. و اثبتت صلابتها الفكرة و قدرتها على تفسير الظاهرة و التنبأ كذلك .. فعندها ترتقي الفكرة لتشكل ما نسميه بالنظرية .. فنرى ان ليس بإمكان أي شخص ان يدعي وصوله لنظرية بدون اخضاعها لما سبق و شرحته و هو المنهج العلمي .. فربما جل ما يكون لديك فكرة او فرضية ولكنها بالتأكيد ليست نظرية بالمعنى العلمي اذا لم تمر بالخطوات و الفلاتر السابقة .. و في الحقيقة بعض العتب يقع على عاتق اللغة العربية او استخدامنا لها في تفسير معنى كلمة النظرية .. فنحن في اللغة العربية عندما نرتجم كلمة theory  فنترجمها الى كلمة نظرية ..  فنجد ان هذه الكلمة قد تستخدم في تفسير اقل قوة و متانة من معناها الإنجليزي .. ربما حتى تكون مرادفة لكلمة فرضية في اللغة العربية  .. وهو ما قد يسبب اشكال للبعض عند المناقشات .. فتقول له النظرية النسبية تقول بان الزمن نسبي .. فاذا كان غير ملم بالنظرية او رافض لنتائجها لاي سبب كان.. فيرد عليك بانها نظرية و ليست حقيقة .. لانه لا يستوعب الفرق و حجم المجهود الذي اوصلها لهذه المكانة الفكرية.. و هي في الواقع اقرب شيء لتفسير الحقيقة في العالم الطبيعي الذي نعيش فيه ..

ولكن قبل قليل كنت أقول بان الذين بنوا وصاغوا المنهج العلمي بشكله الحالي عاشوا في القرن السابع عشر .. فمتى وكيف  تم اختبار نتائج العلماء و تحكيمها في ظل انعدام وسائل التواصل التي نشهدها في عالمنا اليوم .. في الحقيقة عندما نرجع في تاريخ العلوم و نرصد تطوراته .. نلاحظ وجود لحظات فارقة أدت الى تطوره بهذا الشكل .. و من هذه اللحظات هي تشكيل اول تجمع علمي للعلماء و كان ذلك في القرن السابع عشر على عهد إسحاق نيوتن .. و سمي هذا التجمع بالمجتمع الملكي royal socitiey.. ولكن ما هو المهم في التجمع ؟ .. العلامة الفارقة في هذا التجمع كانت إمكانية تبادل اخر التطورات العلمية التي يعمل عليها العلماء بين بعضهم البعض .. فقبل ذلك .. كان كل واحد يعمل بمعزل عن الاخر و لا يعلم أي وصل الاخرون او ما هي حتى المواضيع التي يعملون عليها حتى يتشاركون النتائج .. فاصبحت مع هذا التجمع .. نتائج التجارب قابلة للبحث و التدقيق من قبل علماء اخرين ليحكموها و يضيفون او يعلقون عليها او حتى لرفضها و تبيان العيوب فيها .. و من ذلك الوقت تطورت مثل هذه المجتمعات العلمية و اصبح لها وزن في كل منطقة سواء في أمريكا مثل الاكاديمية الوطنية للعلوم او مثيلاتها في أوروبا و العالم .. و أصبحت هذه الشبكات من المراكز البحثية هي الثقل في تكوين و مراجعة النظريات و بعد ذلك نشرها .. كاخر نظريات وصل اليها العلم .. ليعلم عنها الاقتصاديون و السياسيون و صناع القرار و بالتأكيد المدرسين في الجامعات و في كل مكان .. ليتم توصيله الى الناس .. و بالتالي نرى انه العلم التجريبي حاليا شبكة معقده مترابطة مع بعضها البعض من الصعب جدا التلاعب بنتائجه  لانه بعد فترة سيتم اكتشاف الزيف او الخطأ في النتائج ليتم استبعادها و استبدالها بنظري أخرى سليمة و هذا يعطي ثقل و وزن للنتائج التي مرت بشبكة مراجعات ضخمة قبل ان تعتمد.

والمفترض من النظرية انها تفسر اكبر حجم من الملاحظات.. لنأخذ مثال على ذلك ..  نظريات الحركة لنيوتن و النظرية النسبية لاينشتاين .. فنظرية الحركة لنيوتن كانت و لازالت كافية لتفسير كل أنواع الحركة تقريبا في كوكب الأرض من حركة الاجسام في الطائرات او السيارات او المقذوفات و غيرها و لكن كانت تعجز عن التنبأ بحركة الاجرام التي تسير بالقفرب من مجالات جاذبية كبيرة جدا..  و كان ذلك جليا عندما أراد ان يتنبأ بحركة كوكب عطارد الذي كشف له بعض الخلل في معادلته .. فجاء اينشاتين بنظريته النسبية و استطاع ان يتنبأ بهذه الحركة .. أي حركة كوكب عطارد و غيرها من الاجرام التي تخضع لمجال جاذبي كبير .. و بذلك تكون معادلة اينشتاين فسرت ملاحظات او ظواهر اكبر من نظرية نيوتن و و بالتالي تكون اعم منها ،، وهي التي سوف تسود الأوساط العلمية .. و نلاحظ هنا ان هناك خطأ شائع  متداول عند بعض الناس  بقولهم جاءت نسبية اينشتاين و نسفت علوم و معادلات نيوتن .. بينما الصحيح ان النسبية شملت و عمت ظواهر اكثر من معادلات الحركة لنيوتن .. بعد قليل سنتعرف على طبيعة النظرية العلمية .. هل هي حيادية ام ان هناك بعض الانحيازات يمكن ان تتخللها .. و سنتطرق للحدود التي ستتوقف عندها النظرية العلمية

من اهم خصائص العلم  انه لا يعترف بالديموقراطية بطبيعة الحال .. فالقضية ليست عبارة عما يحبه بعض العلماء او لا يفضله البعض الاخر .. كما استمعنا ..  بل هو تمثيل للواقع الذي نعيشه .. ولكن هل النظرية العلمية .. حيادية .. أي انها لا تنحاز لاي طرف او ايدلوجيا معينة .. لنكن واقعيين و حتى لا يكون الكلام نظري بحت دون الالتفات للواقع  .. المنهج العلمي  هو أداة  للكشف عن الطبيعة.. و هذه الأداة موضوعية و ليست حيادية .. بمعنى انه الخطوات الذي تتخذ لبحث أي موضوع هي نفسها في كل مكان .. ولكنها غير حيادية ١٠٠٪ لانها ببساطة يتم التحكم بها عن طريق الانسان .. فان ضمنت انت المنهج العلمي .. لايمكنك ضمان الانسان .. ولا اقصد بالضرورة هنا اللعب بالبيانات او النتائج .. ولكن اقصد توجيه البحث العلمي .. فالمنهج العلمي ليس بمعزل عن باقي الصراعات الايدلوجية بل يعيش معها ولا يجب ان ننسى بان التقدم العلمي هو تقدم للشعوب على بعضها البعض فيتم استغلاله من قبل السياسين.. فربما يتم توجيه البحث العلمي في اتجاه معين لمصلحة اقتصادية معينه .. صحيح انه سيكون بالنهاية اكتشاف اكبر للطبيعة ولكن الدوافع ليست بالضرورة كذلك .. و هذه إشارة للتفكر فقط و لو اردنا البحث اكثر لطال النقاش في هذه النقطة .. ونصل الان لاخر موضوع لدينا في الحلقة وهي حدود العلم لتكون الصورة اشمل عن العلم ..

 عند صياغة النظريات العلمية هناك بعض القصور الذاتي ان صح التعبير في ذات العملية .. فطريقة عمل العلم مقصورة على نفي الأفكار لا اثباتها.. فانت لا تملك الحقيقة لتحاول اثباتها .. فالحقيقة المطلقة غير متوفره بل هي ما تسعى الى الوصول اليه خطوه بخطوه من خلال الأدوات المعرفية .. ساعطي مثال الان يقرب المعنى الى الاذهان.. .. اليوم في الفيزياء هناك حلم لنظـرية تشمل و تفسر قوانين عالم الكم و في نفس الوقت تضم قوانين عمالقة الكون .. الثقوب السوداء .. هذه النظرية تسمى بنظرية كل شيء  theory of every thing.. لانها تستطيع تفسير و تتنبأ بحركة جميع الأشياء التي عرفناها من صغيرها في العالم الكمومي الى اكبر..الاجرام الكونية ..   و لكن مالذي يضمن لك ان هذه النظرية هي فعلا نظرية كل شيئ و هي مطابقة للواقع .. فربما هناك أشياء في هذا الكون لم نلاحظها و نشهدها حتى الان .. ربما تكون هناك موجودات اكبر من المجرات او جزيئات اصغر من الكواركات لا تستطيع النظرية التي اسميناها كل شيئ من تفسير خصائصهم و بالتالي لم تعد نظرية كل شيء  .. فحلم نظرية جامعة في طياتها لكل شيئ في الكون من الممكن ان يكون مستحيلا .. و ادلل على كلامي بالنقل من فيلسوف العلم الكبير كارل بوبر .. حيث يقول لا نستطيع اثبات النظرية العلمية بانها مطابقة للحقيقة المطلقة .. انما هي اقرب شيئ نعرفه عن الحقيقة المطلقة. هذا قصور ذاتي كما اسميته في طبيعة الأداة العلمية الطبيعية .. و من جانب اخر اذا اردنا وصف الحدود في المنهج العلمي .. فهو مقتصر على الحدود الطبيعية .. بمعنى انه لا يمكن ان تثبت الغيبيات او ما يسمى ماوراء الطبيعة او الميتافيزيقيا بالمنهج العلمي .. فهي كلها أشياء خارج نطاق دراسة المنهج العلمي الذي من أساسه قائم على التجربة .. فلا يمكنك اثبات او انكار وجود الله عز وجل بالأدوات العلمية .. ولا يمكنك فعل ذلك للمعتقدات الموجودة في الأديان مثل الملائكة و الشياطين او وجود الجنة و النار او حتى عالم اخر بعد هذا العالم .. فهي كلها من غير جنس الطبيعة المختص به العلم .. فلذلك تبقى هذه المسائل خارج دائرة العلم تماما و هو ليس فقط غير معني بها .. انما لا تسعفه ادواته على الكشف عن مثل هذه المفاهيم.. و حتى في مسائل العلم نفسها ووسط الأبحاث العلمية نفسها هناك جدل قائم على إمكانية المنهج العلمي بالتقدم في بعض المجالات .. فمثلا نظرية الاوتار و هي نظرية تعتمد على افتراض وجود ١٠ ابعاد في هذا الكون لكي تكون نتائجها صحيحة .. ولكن نحن نعلم بان كل مالدينا الان ٤ ابعاد .. الثلاثة المكانية و البعد الزماني الرابع .. فتبقى هذه النظرية غير قابلة للاختبار او للتجربة و هي من اساسيات المنهج العلمي و التجريبي كما اسلفت .. فنتائجها غير قابلة للقياس … فالى متى ستظل قيد البحث الرياضي بين العلماء و الى متى سنظل نسميها نظرية .. فهذا محل نقاش لدى الفيزيائىين او مثلا الاكوان المتعددة .. مشكلتها مماثلة فهي غير قابلة للقياس لانها غير قابلة للرصد فهي مكون اخر غير مكوننا و لذلك لا يمكن التأكد من وجودها او عدمها فتبقى في اطار الفرضية  .. او مسألة ما قبل بداية الخلق و الانفجار العظيم .. كلها تواجه استشكالات عميقة لاثباتها من خلال المنهج العلمي .. ولكن يبقى هذا المنهج هو من ابدع ما صنع البشر لكشف اسرار الكون و تطويع الطبيعة لخدمتة حياتهم و مصالحهم على سطح الأرض ..

و بما اننا عرفنا ما هو العلم و سريقته و حدوده ..  من المهم جدا ان نعرف مالا ينتمي الى هذا العالم .. فالبنهاية نتائج العلم هي ما ستبني للإنسان و تفيده و لذلك من الضروري التفريق بما هو علمي و ماليس علمي مثل لدينا اليوم و يعرف بالعلوم الزائفة .. pseudoscience   و هي أفكار تأخذ صبغة علمية من حيث المصطلحات في بعض الأحيان و تكون في مختلف مجالات الحياة .. مشكلة هذا النوع من الأفكار و اكرر أفكار وليست علوم .. انها غير محكمة و تكون معتمدة تماما على التجربة الشخصية .. فربما هي فعلا ابتدأت بطريقة المنهج العلمي من رصد لظاهرة و من ثم سؤال و باقي خطوات المنهج العلمي التي ذكرتها قبل قليل ولكن المشكلة الرئيسية و الأبدية لهذه النوع من الأفكار انه لا يتم تحكيم النتائج التي تتوقعها الفرضية .. فلذلك ترى نتائج مختلفة لوصف نفس الظاهرة .. او مثلا النظريات التي تتكلم عن وصول مخلوقات خارجية الى كوكب الأرض .. فهذا النوع من النظريات يحتاج الى دليل علمي حتى يتم تصديقه و لكن جل ما لدى أصحاب هذه النظريات هو الكلام و بعد ذلك مقاطع اليوتيوب و الصور التي من السهل فبركتها باي نوع من برامج التعديل .. و هذه كلها ليست دليل علمي يعتد فيه .. و حتى بعيدا عن العلم لو فكر المعتقدين بهذه النظريات منطقيا لوهلة .. لرؤو من السخف ان تقطع هذه المخلوقات كل هذه المسافات الشاسعة الكونية .. لتعمل مجموعة دوائر في حقل زراعي او لتخطف انسان و ترجعه مرة أخرى .. الى اهله و يخبرنا بتلك القصص ..

بشكل عام اعتقد غطيت اهم الجوانب حول المنهج العلمي .. و كيفية عمل العلم .. ربما بعض النقاط تحتاج الى تفصيل اكثر و تحتمل اكثر من رأي و نقاش .. وكلها مرحب بها و احب ان استمع الى آرائكم و تواصلكم .. و اذا اعجبكم محتوى هذه الحلقة ووجدت التفاعل مع هذا النوع من المواضيع .. ربما اعمل حلقة لاحقا حول نظرية المعرفة.. و هي من اجمل المواضيع الفكرية  .. حلقتنا القادمة ستكون تحت عنوان كيف نعلم ما نعلم .. و فيها بحث علمي حول كيفية تعرفنا على النجوم و الكواكب و نحن لم نغادر الأرض و الكثير الكثير .. فحتى ذلك الحين كونوا بخير والى اللقاء …

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى