العلوم الإنسانية والإجتماعية

كيفية تحسين العلاقات بين مقدمي المساعدة “الأطباء” وطالبيها “المرضى العقليين”

1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان

الدكتور يوسف يعقوب السلطان

KFAS

العلوم الإنسانية والإجتماعية البيولوجيا وعلوم الحياة

بدأت الوسائل التباينية أو اختلاف المستويات بين المريض والطبيب تتوازن مع نمو نفوذ جماعات العون الذاتي والمدافعين عن المرضى في الولايات المتحدة واوروبا والاوقيانوسية "أي استراليا ونيوزيلندا". 

أما في اليابان فقد بدأ إصلاح قانون الصحة العقلية في عام 1989، بما أضافه من إضعاف سلطة المتولين لشئون المستشفيات الخاصة، وسلطة الأسر على أعضائها المرضى. 

وفي الديمقراطيات الصناعية الغربية، على وجه الخصصوص، هناك زيادة مطردة في توفير الأطر أو الأوساط التي يجتمع فيها العون الاجتماعي مع فرص تعزيز الذات وتقرير المصير، وحيث يكون لمستخدمي التسهيلات أنفسهم صوت في الذات وتقرير المصير، وحيث يكون لمستخدمي التسهيلات أنفسهم صوت في الحكم على هذه التسهيلات. 

 

ويحتاج نجاح الحياة في مثل تلك الأطر أو الأوساط استخداما حساسا دقيقا للعقاقير المضادة للذهان "التي غالبا ما يخشاها المريض أو يكرهها"، وينطبق ذلك أيضا على النصح والدعم الاجتماعي، ومن ثم فإن وجود علاقات ثقة متبادلة بين المريض والمجتمع "سواء في داخل الإطار أو خارجه ومع الطبيب المعالج أمر اساسي للغاية. 

ويمثل تحركا يبتعد عن التقاليد التي تجعل المهنيين يتمسكون بالسلطة الكاملة في الوقت الذي يلغي فيه صوت أو رأي المريض.  وفي نفس الوقت إذا كان على المهني أن يؤدي وظيفته بصورة مثلى فإن مذكرة "فيتش Veatch، 1981" حاسمة وهي:

إذا أعطى الشخص العامي سلطة كاملة لتحديد إطار العلاقة، فإن المهني سوف يفقد الشعور بأنه كيان له حق التقرير، وله حق الاختيارات الأخلاقية والقيمة الأخرى.

 

يحتاج حل هذه القضية أن ينظر إلى الطبيب المعالج بصفة دائمة على أنه مدافع عن المريض، حتى مع التزام خاص واضح تجاه المجتمع. 

فالعلاقة بين المريض والطبيب كانت دائما علاقة توكيل، فالطبيب في مستوى أرفع من أن يؤدي عمله مثل أي شخص متعاقد ملتزم بأن يحمي المصالح العامة للشخص الذي أوكل إليه القيام بالرعاية ويطبق هذا الدور التوكيلي ودور الدفاع أيضا مع المعالجين من غير الأطباء. 

وسوف يصبح من الأمور الهامة زيادة قدرة المرضى على الحياة في مواقع أو بيئات تشجع الاستقلالية مع الجماعات غير المهنية التي تساندهم، ويجب المحافظة على ذلك حتى مع وجود راع أو وصى شرعي على الشخص المصاب بالذهان أو أعضاء الاسرة الذين يصرون على أن يتخذوا موقف الوصي. 

 

وغالبا ما يكون للوصي الشرعي أو أفراد الاسرة أغراض قد لا تكون في صالح المريض، الذي ينظر إليه على أنه عبء ومصدر متاعب.

ومن الأمور المعترف بها أن الجهد المبذول للتوفيق بين مبادئ العدالة والاستقلالية والإحسان من جهة وبين العلاج "الذي قد يقاومه المريض أحيانا" بهدف تحقيق رخاء الأفراد الذين يشخصون كمرضى عقليين أو يوصفون بعدم الأهلية القانونية هذا الجهد هدف مثالي. 

ومن الممكن أن العلاقة بين أمثال هؤلاء الأشخاص ومجتمعاتهم ومساعديهم المهنيين لا تناسب أبدا هذا الهدف المثالي المثالي بشكل تام. 

 

ولكن يبدو أن الحل لا يكمن في تحويل القضية إلى الهدف المثالي بشكل تام.  ولكن يبدو أن الحل لا يكمن في تحويل القضية إلى رجال القضاء والمحاكم بل كما جاء في مناقشات الكلية الملكية للأطباء النفسيين، لن تقوم الممارسة الجيدة بموازنة التفاصيل القانونية بدقة وأحكام، ولكن يمكن أن تتحقق بإيجاد إجماع في نطاق المهن والجماهير على ما يكون متوقعا من المهنيين القائمين بالرعاية، من حيث علاقة ذلك بالمريض العاجز "مورفي Murphy، 1988". 

فالمجتمع المفتوح يتطلب التفاوض الذي يأخذ في اعتبار حقوق كل من يساعد ومن يطلب المساعدة في سياق قيم المجتمع، حول كيفية معاملة الناس "ترومي Tromy وبرودي Brody 1978". 

ويكون ذلك صعبا حينما ينتمي أحد الطرفين وهو المساعد أو المعين إلى الصفوة أو إلى طبقة ذات سلطة اجتماعية، وحينما يتقرر التشخيص والعلاج بشكل واضح بناء على السياق والمكانة الاجتماعية والاقتصادية. 

 

ويزداد الأمر صعوبة حينما يكون هناك تنوع اجتماعي وعرقي داخل مجتمعات العالم، الأمر الذي يتزايد مع تسارع موجات الهجرات الدولية والهجرة من الريف للحضر وغيرها من اشكال الهجرات والمهاجرين. 

ففي هذه الظروف يميل الأطباء المعالجون إلى الاعتماد على العلاج بالعقاقير الطبية أكثر من العلاج المعتمد على الاتصال الشخصي. 

ولكن يبدو ايضا أن منظمة الصحة العالمية وهي الأداة الصحية المشتركة بين الحكومات تتحرك حاليا نحو موقف أكثر مرونة وأقل تمسكا بالتشريعات فيما يتعلق بحقوق المرضى النفسيين، وهو موقف يميل إلى التأكيد على العلاقات والالتزامات التعاونية في الجهود العلاجية، بدلا من من تسيير الأمور في صورة مهني يتعامل مع المريض على أنه شيء .

 

ويصف أحد تقارير فرق العمل التي كونتها منظمة الصحة العالمية "1987" "العلاقات الطبية" على انها مزيج غير عادي من العلاقات بين مقربين يحكمون عادة بطريقة خارج القانون، وعلاقة بين أغراب يحكمون غالبا بالقانون، ويحتاج هذا المزيد غير العادي بخاصة إلى الأمانة والكمال والاستقامة.

ولا بد لكل الأشخاص الذين يعانون من إحباطات عاطفية أو أمراض عقلية، مهما كانت حالتهم وتأثرهم وحتى لو اعتبروا مرضى بذهان شديد، أن تتاح لهم الفرصة للاتصال بأشخاص آخرين عطوفين ورحماء.

وقد يكون للعلاقات الحسنة بين مقدمي المساعدة وطالبيها الأثر الكبير في حل بعض الأزمات والمعضلات الفردية التي تترتب على العلاج الإجباري، وتقلل من الميل إلى اللجوء إلى المحاكم لإيجاد الحلول "ماكلين Macklin 1983"

 

ومع زيادة توافر أماكن وتسهيلات الحياة المحكومة والمراقبة بواسطة المستخدمين للعلاج فربما يقل انشغال المهنيين الاخلاقيين والمحامين ولجان المواطنين ذات التوجهات القضائية التشريعية بمسألة دخول المستشفيات والعلاج الإجباري.

وسوف تساعد المشاركة المتزايدة من مجموعات الدعم والعون المحلية في تقليل حدة الفوارق والنفوذ الاجتماعي الذي يعوق الاتصال المباشر بين المساعدين وطالبي المساعدة كما تعمل على إيجاد الموافقة الواعية بصورة حقيقية.

أما عن تعليم الأطباء والمعالجين وتدريبهم، فلا بد ألا يكون الاعتماد فيه كلية على طرق العلاج الطبية والدوائية حينما تكون الشخصيات البشرية هي المعنية، بل لا بد من إضافة الاعتراف بجوهر إنسانية مرضاهم. 

 

ويحتد الحوار بين الأطباء المعالجين والمرضى وبين أصحاب السلطة وطالبي العون، ما يحتد، حسب ماي ذكر هيجل، بين السيد والعبد، نتيجة للرغبة المتبادلة لدى كل طرف أن يعترف به الطرف الآخر على قدم المساواة على أنه إنسان.

ومن الواضح أن مطلب الأشخاص المصابين بأمراض عقلية أن يعاملوا باحترام وعدالة لا يمكن ان تنبني على معايير عقلانية مذبذبة قد تختلف باختلاف الزمان أو السياق، بل يجب أن تعتمد على خصائص تشترك فيها مع سائر العائلة البشرية.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى