شخصيّات

نبذة عن حياة الفيلسوف “سُقراط”

2000 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الحادي عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الفيلسوف سقراط شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

سُقْرَاطُ هو أَحَدُ عظماءِ الفَلْسَفَةِ اليونانيَّةِ الثلاثَةِ: سُقْراط وأَفْلاطُون وأرِسْطو. وُلِدَ في أثينا سنةَ 470 قبْلَ المِيلاد، وبَقِيَ فيها حتَّى أُعْدِمَ بالسُّمِّ وهو في السبعينَ من عُمْرِهِ.

نَشَأ سُقْرَاطُ نَشْأَةً متواضِعَةً، فقد كان أبوه صانِعَ تماثيلَ. وجمع سقراطُ نقيضَيْنِ، مَظْهَرًا قبيحًا مُنَفِّرًا، ومَخْبَرًا رَفيعًا.

 فقد كانَ سقراطُ بدينًا قصيرًا، عيناهُ جاحِظَتان، وأنفُهُ كَبيرٌ، وفمُهُ واسِعٌ، إلا أنَّه كان ذكيًّا، عادلاً محبوبًا من الجَمَاهِيرِ.

 

وكانَ يبدأُ حِوارَهُ دائمًا بقولِه إنه لا يَعْلَم شيئًا عن موضوعِ المُحَاوَرَةِ، وكان في ذلك صادِقًا بَيْنَه وبَيْنَ نفسِه، ولَيْسَ مُدَّعِيًا التَّواضُعَ.

بدأ سقراطُ حياته بصنعِ بعضِ التَّماثيلِ، مثل أبيه، إلا أنَّهُ سَرْعَان ما تَوَقَّفَ عن ذَلِك واحْتَرَفَ الفَلْسَفَةَ متَّبِعًا في ذَلِكَ إدارة الحوارِ مع كلِّ من يقابِلُه، وفي أيِّ مكانِ: في السُّوقِ أو الحمَّامَاتِ أو ميادينِ الرِّياضَةِ.

وكان يبدأُ بإلقاءِ سؤالٍ حَوْلَ الحياةِ والمَوْتِ، مثلا، ثمَّ يستمعُ إلى إجابَةِ من يحاوِرُهُ ثم يصحِّحُ الإجابَةَ، ثم يُتيحُ لمحاوِرِهِ فُرْصَةَ إلقاءِ أَسْئِلَتِه.

 

وقد يَدْفَعُ مُحاوِرَهُ أحيانًا إلى الخَطَأ لِكَيْ يعودَ به مرَّةً أخرَى، عن طريقِ الحِوارِ، إلى الصَّوابِ، أو قد يَتَعمَّدُ هو أنْ يُخْطِئَ ثم يديرَ الحِوارَ ليُظْهِرَ الحقيقةَ بأُسلوبِ الحوارِ أيضًا.

وكان لا يطلبُ أجرًا على هذا الحوارِ، يَعْكِسُ مُعاصِرِيه من السُّفِسْطَائِيِّين الّذينَ كانوا يُعَلِّمُون الناسَ بطريقةٍ مماثلةٍ، ولكنْ بأَجْر.

قال سقراطُ إنَ مَعْرِفَتَنَا تقوم على الإدْراكِ العَقلِيِّ، وليسَ عَلَى مجرَّدِ الإحساس بالأشياءِ.

 

وقد اهتمَّ أساسًا بمعرِفَةِ الإنسانِ لنَفْسِه، واتخذَ شعارًا له قولاً كان مكتوبًا على مَعْبَد «دِلْفِي» وهو: «اعرِفْ نَفْسَكَ بِنَفْسِكَ». أمَّأ المبدأُ الثاني الذي قامَتْ عليهِ فَلْسَفَةُ سُقْرَاطُ فكانَتْ النظريَّةَ الأخلاقِيَّةَ، فقالَ بأنّ الفَضِيلَةَ هِيَ مَعْرِفَةُ الخَيْرِ، فمن يَعْرِفِ الخيرَ لا يَرْتكِبِ الشَّرَّ.

وقد كانَتْ نظريَّةُ سُقراطَ عن المَعْرِفَةِ صائبةً وقابِلَةً للتطبيقِ.

وقد دعَا سقراطُ دائمًا إلى أنَّ الأفكارَ النظريَّة تَسْتَمِدُّ قُوَّتَها من التَّطْبيقِ، وبغيرهِ لا تقومُ لها قائمةٌ. وقد طبَّقَ هو نفسُهُ هذا المبدأَ على نَفْسِهِ، كما أنَّ هذا التطبيقَ استمرَّ مُتَّبَعًا إلى الآن، مُبرْهِنًا على صِحَّةِ نظريَّتِهِ عن المَعْرِفَةِ.

 

أمَّا نظريَّتُهُ الأَخْلاقِيَّةُ، فكانَتْ غيرَ مُكْتَمِلَةٍ. فلا يعنِي مجردُ معرفَتِنَا بالخيرِ أنَّنَا سنتَّبِعُهُ، بَلْ هناكَ عناصِرُ أخرَى تَدْفَعُنا إلى الالتزامِ بالخَيْرِ والفَضيلَةِ، منها عَوَامِلَ وِجْدَانِيَّةٌ ودَوَافعُ اجتماعيَّةٌ، كما أنَّ التزَامَنَا بالخَيْرِ نكتسِبُه بالممارَسةِ والقُدْوَةِ والتَّشْجِيعِ مِمَّنْ حَوْلَنا.

كانَ سُقراطُ جريئًا وواضحَ الفِكْرِ، فكانَ أن سَبَقَ أَهْلَ زمانِهِ وجاءهُم بما لَمْ يستطيعوا استِسَاغَتَهُ من الأَفْكار.

فعِنْدَما لم يَقْتَنِعْ بأنْ يكونَ لعامَّةِ النَّاسِ الحقُّ في إِدارَةِ شُؤونِ الحُكْمِ هاجَمَ الدِّيموقْرَاطِيَّةَ، فكرِهَه من ينادونَ بها، كما أنّه هاجَم الأَرِسْتُقْرَاطِيَّةَ (أي: حكمَ الطبقة العُلْيا) لما قد تؤدِّي إليه من الظُّلْمِ والاسْتِبْدَاد، ولذلك كَرِهَهُ أيضًا الأرستقراطيُّون. بل إن طريقَتهُ في الحوار الْتَبَسَتْ على مُواطِنِيه فَلَمْ يميّزوا بَينَها وبَيْن السَّفْسَطَةَ.

 

ومنْ هُنا واجَهَ سُقْرَاطُ ثلاثَةَ اتِّهَامَاتٍ، قُدِّمَ بسبِبِها للمُحاكَمَةِ وهِي:

– الكُفْرُ بالآلهة المتَّبَعَةِ وَقْتَئِذٍ.

– الدَّعْوَةُ إلى آلهةٍ أخْرَى.

– إفْسادُ الشَّبابِ.

وكانت كلُّ هذهِ الاتِّهاماتِ باطِلَةً.

 

ولهذا كانَتْ محاكَمَةُ سُقْرَاطَ كُلُّها عَجَبًا. هو لَمْ يدافِعْ عن نَفْسِهِ، بل أظْهَرَ الإشْفَاقَ على قُضَاتِهِ، فَقَضَوْا بإدانَتِهِ. ثم لمَّا سُئِلَ عن الجزاءِ الّذي يَرْتَضيهِ لِنَفْسِهِ (وكانَ هذا هو العُرْفَ المتَّبَعَ في المُحَاكَماتِ وَقْتِئذٍ) قالَ إنه أَحَقُّ بأنْ يَأْخُذَ مَكانه عَلَى المِنَصَّةِ!!

فَكَانَ أَنْ حُكِمَ عَلَيهِ بالإعدامِ بِتَجَرُّعِ السُّمِّ. وعِنْدَ تطبيقِ الحُكْمِ عَلَيْه، أَخَذَ الضَّابطُ الذي جاءَ لِيُبْلِغَهُ الحكمَ يعتذرُ إليهِ ويَمْدَحُ نُبْلَهُ وشَجَاعَتَهُ، ثم انْصَرَفَ وهو يبكِي.

ولمّا جاءَهُ أولادُه ونساءُ عائِلَتِهِ ودَّعَهُم وطَلَبَ إليهِمِ الانصرافَ حتَّى لا يبكوا عليه، ثم اغْتَسَل وصلَّى وشَرِبَ جرْعَةَ السُّمِّ.

وكان آخرُ ما قالَه لأَحَدِ أصدِقائه، هو أنْ أوصاه بِرَدِّ دِيكٍ إلى صديق آخَرَ كانَ قَدْ أَخَذَهُ مِنه ثم رَاحَ في غَيْبوبَةٍ. وبَقِيْت بعد سُقْرَاطَ أفكارُهُ وطريقتُهُ في الحِوارِ، تعيشُ بَيْنَ النّاسِ إلى وقتِنا هذا.

 

وأوَّلُ عِبْرَةٍ تكشِفُ لنا عنها حياةُ سقراط هي حِرْصُ المَرْءِ على الإخلاصِ للمبادِئِ والمُثُلِ العُلْيا التي يَعْتَنِقُها.

وهذا واضِحٌ من الجُهْدِ الكبيرِ الّذي بَذَلَه سُقْرَاطُ في سَعْيِهِ لتَنْويرِ الأذْهانِ، وإطْلاعِ النّاسِ على الحقائِقِ، ووُجوبِ التزامِ النّاسِ بالفَضائِلِ.

أمّا العِبْرَةُ الثانِيَةُ فإنها تَكْمُنُ في وُجوبِ السَّعْيِ إلى تَحْصيل العِلْمِ والمَعْرِفَةِ وضَرورَةِ تحويلِ المَعْرِفَةِ الحقيقِيَّةِ إلى سُلوكٍ عَمَلِيٍّ يُفيدُ الإنسانَ في حياتِهِ العامَّةِ.

وأمَّا العِبْرَةُ الثالِثَةُ فهي أهمِّيَّةُ التزامِ المَرْءِ بالنُّظُمِ العامَّةِ المفيدَةِ التي تَضْبِطُ مَسارَ الأمورِ في المُجْتَمَعِ.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى