شخصيّات

نبذة عن حياة العالم “ابنُ رُشْد”

1987 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الأول

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

العالم ابن رشد شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

ابنُ رشد عالمٌ وطبيبٌ ومفكر إسلامي عظيم. اسمهُ محمدُ بنُ أحمد بن رشد وكُنيَتهُ: أبو الوليد. وُلد في قرطبة، من بلاد الأندلس الإسلامية (أسبانيا الآن) سنة 520هـ الموافق 1126م. أحبَّ العلمَ منذ صغره. حتى يُحكى أنه لم ينقطْع عن الدراسةِ إلا ليلةَ عُرْسِة وليلةَ وفاةِ والدِه.

ونبغ ابنُ رشد في علوم كثيرة، وشغل مناصبَ كبيرة، وكان مع ذلك عظيمَ التواضع، كريمَ الأخلاق. كان ابنُ رشد فقيهاً، اي عالما بالشـريعة والدين.

فاشتغل قاضيا للقضاة في قرطبة، أي رئيسا لهم، كأبيه وجده، ولذلك يسميه الناس أحيانا: "ابن رشد، الحفيد". وألَّف ابنُ رشد كتاباً في الفقه سمَّاه: "بدايةُ المجتهد ونهايةُ "المقتصد"،كذلك ألَّف كتاباً آخر عنوانه "منهاجُ الأدلة في علم الأصول" وهو يعني أصولَ الفقه.

 

وكان ابنُ رشد طبيباً ماهراً أيضا، حتى أنه أصبح طبيبَ الأمير. اهتم بدراسة تشريح جسم الإنسان، وكان يقول: من اشتغل بالتشريح ازداد إيماناً بالله تعالى.

وهذا هو دائماً شعورُ العالِم المؤمن. وألَّف ابنُ رشد كتاباً في القواعد العامة في الطب، ولذلك سمَّاه "الكُلِّيات".

وتُرجم كتابُ "الكليات" إلى اللغة اللاتينية، في حياة ابن رشد، وكانت اللاتينيةُ هي لغةَ العلم في أوروبا. وهكذا ظلَّ الأوروبيون زمناً طويلاً يتعلمون الطِبَّ من كتاب "الكليات" لابن رشد، وكتاب "القانون" في الطب لابن سينا.

وأراد ابنُ رشد أن يكمل "الكلِّيات" بكتاب آخر، ولكنه كان مشغولاً جداً، فطلب من صديقه الطبيب المشهور ابن زهر أن يفعل ذلك. فكتب ابنُ زهر كتاب "التيسيرُ في المداواةِ والتدبير". وهذا تعاونٌ جميل بين العلماء.

 

ولكن أهمَّ ما اشتهر به ابنُ رشد هو أنه فيلسوفٌ كبير. والفيلسوف هو المفكر الحكيم. والفلسفة كلمة إغريقية، أي يونانية قديمة، معناها "حُبُّ الحِكْمَة".

وكان الخليفة أبو يعقوب يوسف (من دولة الموحدين) مهتما بالعلم والعلماء. ولاحظ الخليفة أن الترجمات العربيةَ لكتب أرِسْطو، الفيلسوفِ الإغريقي الكبير، صعبةً وغيرَ واضحة.

فطلب من الوزير العالِم ابن طفيل  أن يُبَسِّطها للناس. ولكن ابن طفيل قال للخليفة: أيها الأمير، إني شيخ كبير وسوف أحضر لك خيرَ من يقوم بهذا العمل، وهو محمدُ بن رشد. فوافق الأمير. ما أجمل تشجيعَ الوزير للعالِم الشاب!

 

شرح ابنُ رشد كُتُبَ أرسطو شرحاً دقيقاً واضحاً. وكان يكتب لبعض هذه الكتب ثلاثةَ شروح. واحداً مختصرا، وثانياً مطولا، وثالثاُ متوسطا. وذلك حتى يجدَ كلُّ قارئ ما يناسبه.

وفي هذه الشروح كَتَب ابنُ رشد كثيرا من آرائه الخاصة، كما أنه ألف في الفلسفة كتباً خاصة به، تُرجم كثير من هذه الشروح والكتب من العربية إلى اللغتيْن العبرية واللاتينية.

وهكذا تَعَلَّمَتْ أوروبا الفلسفةَ أيضاً من كُتُب ابن رشد، وغيره من علماء المسلمين. وعرف الأوروبيون آراء ابن رشد باسم "الرُّشْدِيَّة".

ولما كان ابن رشد فيلسوفا إسلاميا، فقد استمدَّ فلسفته من القرآن الكريم والشريعة الإسلامية ولذلك ألَّفَ كتابه "الكشفُ عن مناهِج الأدَّلة في عقائد المِلَّة" (والملة هي الدين).

 

وفي هذا الكتاب يثبت ابن رشد وجودَ الخالق من تفكره في مخلوقاته، ويسمى هذا "دليلَ الاختراع" أي الخَلْق. وكذلك يقدم دليلاً آخر وهو رعايةُ الله لمخلوقاته وحِفْظِه إياها ورحمتُه بها. ويسمى هذا "دليل العناية".

ويقول ابن رشد إن السعادة يجب أن تكون مقترنةً بالفضيلة والعدل. وكان يقول إن المرأة يجب أن تتعلَّم وتقومَ بدورها في نهضة الأمة.

وكان الإمام الغزالي، الذي تُوُفِّي قبل مولد ابن رشد بخمسة عشرَ عاماً، يرى أن فلسفة الإغريق لا تتفق مع الإسلام. ولذلك كتب الغزالي كتابا يهاجم فيه الفلسفةَ وأسماه "تهافتَ الفلاسفة" أي ضعفَ أدِلَّتِهْم.

 

ولكن ابنَ رُشد عرف أن الإمام الكبيرَ قد أخطأ لأنه قرأ معلوماتٍ غيرَ واضحة عن فلسفة أرسطو في كتب الفارابي وابن سينا. رَدَّ ابنُ رشد على الغزالي رَدَّاً علمياً في كتابه "تَهافُتُ تَهَافُتِ الفلاسفة" اي ضعفُ كتاب الغزالي في رأيه.

وهذا مثال ممتاز لبحث العلماء المخلصين عن الحقيقة. وأراد ابنُ رشد أن يُظْهِرَ أنه لا خلاف بين الفلسفة والدين، لأن كلاً منهما يعتمد على العقل فألف كتابه "فَصْلُ المَقَال فيما بين الشريعة والحكمةِ من الاتصال".

ومع ذلك ذهب بعضُ الحاسدين إلى الخليفة وقالوا له إن ابنَ رُشْد يخالف الدين. والخليفة في ذلك الوقت كان أبا يوسف يعقوب، المشهورَ بالمنصور، وهو ابنُ الأمير السابق. غضبَ الخليفةُ وأبعدَ ابنَ رشد. 

وقد أصبح شيخا كبيرا، إلى قرية صغيرة قريبة من قرطبة. وأحرق الجاهلون كثيرا من كتب ابن رشد القيمة. ولكن الخليفة عاد فأدرك خطأه، واعتذر لابن رشد وأكرمه.

 

ومات الخليفةُ المنصور وتوفي ابنُ رشد بعده بقليل عام 595هـ الموافق 1198م، وفي مدينة مراكش، عاصمة الموحدين ببلاد المغرب، وقد نُقِلَ جثمانُ ابن رشد بعد ذلك إلى قرطبة ودفن مع أبيه وجده.

واليومَ يعرف العالَمُ كلُّه ابنَ رشد وعلمَه. ففي باريس عُقِدَتْ ندوةٌ علمية عالمية لإحياء ذكراه في سبتمبر 1976م، ثم عقدت ندوة أخرى في روما في أبريل عام 1977م.

 

وكذلك احتفلت المنظمةُ العربيةُ للتربية والثقافة والعلوم بابن رشد، فأقامت له مؤتمراً في الجزائر في أبريل عام 1978م، ونشرت كتابا عن مؤلفاته. أما كُتبه الكثيرة – التي ذكرنا لك بعضا منها – فتتسابقُ الهيئاتُ العالمية على طباعتها وترجمتها إلى اللغات الانجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والأسبانية.

وقد عَرَفْتَ أن بعضَها كان قد تُرجم إلى العبرية واللاتينية منذ زمن بعيد. وهذا مصداق قوله تعالى(إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) يوسف 90

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى