إسلاميات

أمثلة من القرآن الكريم والسنة النبوية تبين مدى اهتمام الإسلام بـ”البيئة”

2007 في الثقافة والتنوير البيئي

الدكتور ضياءالدين محمد مطاوع

KFAS

أمثلة من القرآن الكريم والسنة النبوية تبين مدى اهتمام الإسلام بالبيئة إسلاميات علوم الأرض والجيولوجيا

إن قضية حماية البيئة والمحافظة عليها هي قضية إنسانية، وبالتالي فهي قضية إسلامية، لأن الإنسان هو موضوعها وهو غايتها ووسيلتها في نفس الوقت. 

وإذا كانت المشكلة فيما مضى هي حماية الإنسان من البيئة الطبيعية وعناصرها فقد أصبحت اليوم حماية البيئة وعناصرها الطبيعية والحيوية من الإنسان ولكن من اجل الإنسان. 

ويكمن العلاج في ترشيد الإنسان والمجتمع أهدافا وخطة وعملا، والتصور المادي القاصر هو سبب البلاء.

 

ومن ثم فالتقدم التكنولوجي لا يجوز أن يتحقق على حساب صحة الإنسان وسعادته وبقائه.  كما لا يجوز أن نضحي بالأجيال القادمة من أجل تحقيق تقدم مادي واقتصادي مشكوك في نتائجه للجيل الإنساني المعاصر. 

والنظرة الإسلامية المتكاملة للإنسان والمتحررة من التمركز على الذات زمانا ومكانا وعرقا هي سبيل الخلاص. 

 

ومن أجل ذلك حرض الإسلام على اتخاذ كل ما من شانه أن يؤدي إلى تحقيق هذه النظرة وجعلها واقعا ملموسا.  لذلك كان لا بد من وضع المبادئ التالية موضع الاعتبار:

1- تحسين المعرفة العلمية والتكنولوجية لمعالجة الأضرار البيئية القائمة وليكن التخطيط التنموي محققا لمصلحة الإنسان بمفهومها الشامل دون أضرار بالطبيعة والبيئة.

2- الأخذ بعين الاعتبار ضرورة المحافظة على البيئة صحيا وجماليا عند دراسة مشاريع التنمية وإقرارها.

3- التنبيه إلى أن الأعمال في بلد لا يجوز أن تؤدي إلى تدهور البيئة وإفسادها في بلد آخر، لأنه لا يجوز تحقيق النفع الخاص عن طريق الإضرار بالآخرين أو بما يؤدي إليه.

 

مما تقدم يتضح أن الإسلام يرحب بكل مسعي محلي وإقليمي ودولي في هذا المجال، ويدعو إلى تضافر الجهود في جميع الميادين لإقامة نظام دولي متوازن لحماية الإنسان وبيئته والمحافظة على حياة صالحة ومزدهرة للأجيال الحاضرة والمقبلة.

وإذا نظرنا إلى البيئة من منظور الإسلام، فإن كثيراً من الأمور ستوضع في نصابها الصحيح وطريقها المستقيم، ومن الإنصاف حين نتحدث عن البيئة ومشكلاتها وسبل حلها أن ننظر في الإسلام وتوجيهاته فنقف عندها موقف المحللين.

ونستبين كيفية معالجته لكل قضية من القضايا البيئية، وكيفية تناوله لها من عدة نواح، سواء من ناحية التشريع أم من ناحية المعاملات "كل نفس بما كسبت رهينة"، ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ (الزلزلة: 7-8).

والمتأمل في القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وأفعال الخلفاء الراشدين والسلف الصالح، يجد الكثير من الامور التي يقف العقل أمامها متسائلا: هل كان المسلمين الأوائل أكثر وعيا منا ببيئتهم وكيفية التعامل معها؟ هل كانوا أكثر تقدما وإدراكا لبيئاتهم؟  أم أنهم عرفوا جوهر الدين فالتزموه؟

 

القرآن الكريم قد أجمل الأمور التي تتعلق بحياة الإنسان ولم يفصلها، مثال ذلك:

أولا: يتحد القرآن الكريم عما نسميه الآن بالحاجات الأساسية للإنسان فيقول الله عز وجل في إجماع مبدع "أن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى، وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى".

 

ثانياً: يتحدث القرآن الكريم عن الماء وماهيته" لنحيي به بلد ميتا ونسقيه مما خلنقا أنعاما وأناسي كثير"، و"نزلنا من السماء ماء طهورا"، ولذا يأثم من يلوثه.

 

ثالثا: يتحدث القرآن عن مصادر الثروة الطبيعية، وبخاصة المعدنية، لما لها من تاثير واضح على ثراء الإنسان، إضافة إلى حفزه للبحث والتنقيب عنها، ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾ (الرعد: 17)، ﴿وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴾ (فاطر: 27).

 

رابعا: حذر من الإفساد عامة فقال عز وجل ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ (الاعراف: 56)، وقال عز وجل" "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون" (الروم: 41).

 

وهذه أمثلة من كتاب الله عز وجل يتضح فيها عناية القرآن الكريم ببيئة الإنسان خليفة الله في الأرض.  أما السنة المطهرة، فإنها تضمنت مالا يعد ولا يحصى من التوجيهات النبوية، التي تبين فكرا متقدما، وأخلاقا سامية نسعى إلى تحصيل جزء منها مثل:

1-غرس الأشجار: روى مسلم في صحيحه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، وما أكل السبع منه فهو له صدقة، وما أكلت الطير فهو له صدقة، ولا يروه أحد إلا كان له صدقة" (صحيح البخاري).

 

2- حماية الحيوانات ومعاملتها: جاء في الترغيب والترهيب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها بغير حق إلا يسأله الله عز وجل عنها" قيل يا رسول الله وما حقها؟ قال: أن يذبحها فيأكلها، ولا يقطع رأسها ويرمي بها"

 

3- الحفاظ على صحة البيئة والصحة العامة: روى أبو داوود عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اتقوا الملاعن الثلاث، قالوا يا رسول الله وما هي؟ قال البراز في الموارد وعلى قارعة الطريق وفي أماكن الظل".

 

هذه قطرة من محيط واسع ممتد من تعاليم السنة المطهرة، سار على نهجها الخلفاء الراشدون ومن خلفهم، فهذا أبو بكر صلى الله عليه وسلم يوصي يزيد بن سفيان حينما بعثه على رأس جيش إلى الشام، تلك الوصية المشهورة والتي احتوت على عشر وصايا، كانت خمس منها في أمر حماية الأشجار والحيوانات في الغزو: "ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا تحرقن نخلا ولا تغرقنه، ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلهُ". 

إنها تعاليم الإسلام الخالدة، التي حق لها أن تعيش في نفوس وعقول أبناء البلاد الغربية التي فتحها المسلمون، والتي استمرت قرابة ألف عام من الزمان.

ومن الجدير بالذكر أننا الآن نطالب بالحماية للأنواع المعرضة للانقراض من الطيور والحيوانات والنباتات، بل والصخور، وإذا نظرنا إلى الإسلام نجده قد أقر هذا وعمل به منذ أربعة عشر قرنا من المان فقد روى أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلمى حمى "النقيع" من أرض المدينة" وقال "لا حمى إلا لله ولرسوله"، غير أن الحماية كانت للمراعي، لما تقره المصلحة العامة للمسلمين.

 

لقد خلق الله عز وجل الكون، وخلق الإنسان، وسخر لخدمته ومنفعته موارد وعناصر ذلك الكون: الماء، والهواء، والحيوان، والنبات والجماد، والسماء، والأرض، والشمس، والقمر، الليل والنهار. 

ولقد هيأ له من العقل والعلم ما يستطيع أن يسبر غوره، ويتلمس ما اشتملت عليه، تلك الموارد والثروات، من آيات واسرار، ومنافع وخيرات، واستعمالها فيما ينفع الخلق وعمارة الكون.  فهل حافظ الإنسان على تلك النعم، وعرف قدرها، وصانها؟

وفي غمرة البحث عن مزيد من الرقي والرفاهية، راح الإنسان يستغل تلك الموارد والثروات بطرق جائرة غير رشيدة، مما أدى إلى إحداث خلل في التوازن الفطري القائم بقدرة الله عز وجل وصنعته وبين نسب ومقادير تواجد الموارد والثروات البيئية. 

وترتب على ذلك التلوث للهواء والماء والتربة، مما أدى إلى انقراض أنواع عديدة من الحيوانات والطيور البرية، والكائنات البحرية، بفعل القنص والصيد الجائر، زد على ذلك هلاك مساحات شاسعة من الغابات والأشجار بفعل أنشطة التلوث المختلفة، أو استئصال الإنسان لها.

 

لقد تفاقمت الأخطار التي تحدث بالبيئة وهي البيت الذي هيأه الله عز وجل للإنسان، وأضحت المشكلات الخاصة بكيفية الحفاظ على مواردها وصيانتها، ودرء خطر التلوث عنها، أو الحد منه، أو السيطرة عليه، من هموم رجال العلوم الطبيعية، ورجال القانون، والسياسة، والاقتصاد، في كل بلدان العالم. 

وهي مشكلات زاد تعقيدها بعد التقدم الصناعي والتكنولوجي، وتهافت الدول جميعها، المتقدم منها والنامي، على تحقيق اكبر واسرع معدل ممكن لنموها الاقتصادي والاجتماعي، مما جعل البيئة، أكثر عرضة، عن ذي قبل، للاستغلال غير الرشيد لمواردها الطبيعية، ولتهدم نظمها الايكولوجية. 

حيث يعرف النظام الايكولوجي Eco-System أو البيئي بأنه قطاع أو مساحة من الطبيعة وما تحتويه من كائنات حية نباتية أو حيوانية وموارد أو عناصر غير حية، وتشكل وسطا تعيش فيه، وفي تفاعل مستمر، مع بعضها، وعلى نحو فطري متوازن.

 

كما عرفته اتفاقية ريودي جانيرو لعام 1992م الخاصة بالتنوع الحيوي بأنه "مجمع حيوي لمجموعات الكائنات العضوية الدقيقة النباتية والحيوانية، يتفاعل مع بيئتها غير الحية باعتبار أنها تمثل وحدة ايكولوجية".

وبفعل تزايد الملوثات من مواد كيميائية وصناعية، ونفايات صلبة وسائلة وغازية. 

ومع هذا الوضع المقلق، والذي ينذر بحالة انتحار جماعي بطيء لكل ما على المعمورة، فقد بات من الضروري العمل على وضع القواعد والتدابير التي تنظم سلوك الأفراد والدول في تعاملهم مع البيئة ومواردها، على نحو يحفظ عليها توازنها الايكولوجي اللازم لبقاء الإنسان والكائنات الأخرى على كوكب الأرض.

لقد واجه الإسلام بمبادئه وتعاليمه المشكلات الخاصة بسلطة الإنسان على ما خلق الله عز وجل وأودع في هذا الكون، وحدد طبيعة تلك السلطة، وهذب سلوك الإنسان وضبطه في تعامله مع الموارد الطبيعية للبيئة، والتي سخرها الله عز وجل لخدمته، وأناط به مهمة الخلافة في الأرض، وتعميرها.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى