الطب

كيفية حدوث الشَّلل في مختلف أعضاء الجسم

2000 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الحادي عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الشَّلل كيفية حدوث الشَّلل الطب

الشَّلَلُ يَعْنِي فَقْدَ القُدْرَةِ على الحَرَكَةِ. وهو بِذَلِكَ قد يصيبُ أيَّ جزءٍ من أجزاءِ جِهازِ الحَرَكَةِ، سواءٌ أَكانَتْ الحَركَةُ تحدثُ بإرادَةِ الإنْسانِ، أَمْ بِغَيْرِ إرادَته (كما في القَنَاةِ الهضميَّةِ).

ولكننا سوفَ نَقْصُرُ كلامَنَا هنا على شَلَل الجهازِ الحَرَكِيِّ الإرادِيِّ. وهذا الجهازُ الحركِيُّ الإرادِيُّ يُنَظِّمُهُ الجِهَازُ العَصَبِيُّ الحَرَكِيُّ.

 

فزوائِدُ من الخلايا العصبيَّةِ المحرِّكَةِ تمتدُّ من قِشْرَةِ الدِّماغِ حتَّى تَصِلَ إلى عَضَلاتِ الأطرافِ الأَرْبَعَةِ والجِذْعِ، وغيرِها من العَضَلاتِ الإرادِيَّةِ، كالعَضلاتِ المُحَرِّكَةِ للمُقْلَتَيْنِ أو الوَجْه.

وتبدأُ مَسيرَةُ الجِهازِ العَصَبِيِّ الحَرَكِيِّ من خلايا في قِشْرَةِ الدِّمَاغِ، في المِنْطَقَةِ المعروفَةِ بالتَّلافيفِ الحَرَكِيَّةِ عَلَى سَطْحِ المُخِّ. ثم تَنْتَشِرُ منها المَحَاورُ العَصَبِيَّةُ إلى مَحَطَّاتٍ مُتَتَابِعَةٍ في الجهازِ العَصَبِيِّ المرْكَزِيِّ (الدماغِ والحَبلِ الشَّوكِيِّ) إلى أَنْ تَصِلَ إلى الخلايا العَصَبِيَّةِ الحَرَكِيَّةِ في المِنْطَقَةِ الأمامِيَّةِ من النُّخاعِ الشَّوْكِيِّ أو ما يُماثِلُه من أجزاءِ جِذْعِ الدِّماغِ.

 

وتَنْقَبِضُ العَضلاتُ الإرادِيَّةُ، أيْ تُحْدِثُ حركةً، عندما يأتيها «أمرٌ» من خَلِيَّةٍ عَصَبِيَّةٍ مُحَرِّكَةٍ.

وتأتي هذه الأوامرُ على مَرْحَلَتَيْن: أولاً من خَلِيَّةٍ عَصَبِيَّةٍ محرِّكَةٍ «عُلْيا»، في مراكزِ الحركَةِ في قشرةِ المخِّ، أو في الحبل الشَّوكيِّ. ثمَّ ثانيًا، مِن خلِيَّةٍ عصبيةٍ محرِّكةٍ «سُفْلَى» توجَدُ في جذعِ الدماغِ، أو في الحبلِ الشَّوْكِيِّ

وهذه الأجزاءُ توجدُ في الجهازِ العصبيِّ المركزيِّ، ولا يوجدُ خارِجَ هذا الجهازِ سوَى الزائِدَةِ العصبيَّة الطويلةِ (المِحْوَرِ) الممتدَّةِ من الخليَّةِ السُّفْلَى إلى العَضَلَةِ. وإصابةُ أيِّ من هاتَيْن الخليتيْن يُحْدِثُ نوعًا مختلِفًا من الشَّلَلِ.

فأمَّا شَلَلُ الخَلِيَّةِ المُحَرِّكَةِ العُلْيَا فيتميَّزُ بِتَقَلُّصِ الأعضاءِ المَشْلُولَةِ لكننا نُلاحِظُ أنَّ العضلاتِ تحتفِظُ بِحَجْمِها فلا يُصيبُها أيُّ ضُمورٍ.

 

وتفقدُ الأعضاءُ المَشْلُولَةُ الحرَكاتِ الإِرادِيَّةِ، في حينِ تحتفِظُ بِبَعْضِ أنواعٍ أُخْرَى من الحركاتِ، مثلِ الحَرَكاتِ الانْعِكَاسِيَّةِ الّتي يُمْكِنُ إحدَاثُها عَنْ طَرِيقِ تنبيهِ أَوتارِ العَضَلاتِ بِطَرْقِها بمِطْرَقَةٍ.

بَلْ عَلَى العَكْسِ، نجدُ أَنَّ هذهِ الحركاتِ الانْعِكاسِيَّةَ تزدادُ شِدَّتُها في حالاتِ شَلَلِ الخَلِيَّةِ المُحَرِّكَةِ العُلْيَا، كما قَدْ نلاحِظُ بعضَ الحركاتِ المُصاحِبَةِ، مثلَ امتدادِ الذِّراعِ إذا تثاءَبَ المريضُ. ومثلُ هذه الحَرَكاتِ لا تَدُلُّ علَى عَوْدَةِ التَّحَكُّمِ الإرَادِيِّ في حَرَكَةِ العُضْوِ المَشْلُولِ.

وأمّا في شَلَلِ الخليَّةِ المُحَرِّكَةِ السُّفْلَى، فنجدُ العضلاتِ المشلولةَ تَفْقِدُ تَوَتُّرَهَا الطبيعِيَّ، وتصبحُ مُرْتخِيَةً، كما أنَّها تُصابُ بالضُّمورِ. وقد تظهرُ في العضلاتِ المشلولةِ أحيانًا حركاتٌ غيرُ إرادِيَّةٍ دقيقةٌ تشبهُ رَفَّةَ جَفْنِ العَيْنِ، كما نجدُ أنه لا يظهرُ بها أيُّ نوعٍ من أنواعِ الحَرَكاتِ.

 

والمِثَالُ الواضِحُ لِشَلَلِ الخلايا المُحَرِّكَةِ العُلْيا هو ما نراهُ في الفَالِجِ الناشِئِ عن إصابَةِ الشَّرايينِ المُغَذِّيَةِ للدِّماغِ، وهوَ مَا يُسَمَّى بالسَّكْتَةِ المُخِّيَّةِ.

وأَوْضَحُها ما يَنْشَأُ عن تَجَلُّطِ الشَّرايينِ المُغَذِّيَةِ للمِنْطَقَةِ المُسَمَّاةِ بالمَحْفَظَةِ الدَّاخِلِيَّةِ. وهذه جزءٌ يوجدُ في داخِلِ المخِّ فيما يَلي القِشْرَةَ، وتَتَجَمَّعُ فيهِ المَسَارَاتُ الحَرَكِيَّةُ والحِسِّيَّةُ والبَصَرِيَّةُ المتحكِّمَةُ في النّصْفِ المُخَالِفِ من الجِسْمِ.

أيْ إنّه إذا أصيبتْ المَحْفَظَةُ الدّاخِلِيَّةُ اليُمْنَى، أصيبَ الشِّقُّ الأَيْسَرُ مِنَ الجسمِ بِشَلَلٍ تَقَلُّصِيٍّ من نوعِ شَلَلِ الخليَّةِ المحرِّكَةِ العُلْيَا، مصحوبًا بِفَقْدِ الحِسِّ على نَفْسِ الجانِبِ المَشْلُولِ من الجسمِ، وقد يصحبُه أيضًا فَقْدُ الإبصارِ في النِّصْفِ الأَيْسَرِ مِنْ مَجَالِ الإبصارِ فلا يستطيعُ المريضُ أنْ يرَى الأشياءَ الّتي تَقَعُ عَلَى يَمِينِه

 

وتُسَمَّى الإصابَةُ في أنْسِجَةِ الدِّماغِ بَعْدَ تَجَلُّطِ الشِّرْيانِ المُغَذِّي بالاحْتِشَاءِ. وهذا النوعُ من الفالِجِ أكْثَرُ أمراضِ الجهازِ العَصَبِيِّ انتشارًا.

أما المِثالُ النَّموذَجِيُّ لشلَلِ الخليَّةِ المحرِّكَةِ السُّفْلَى فهو مَرَضُ شَلَلِ الأَطْفَالِ، الذي يُسَبِّبُهُ فيروسٌ يصيبُ خَلايا الحبلِ الشَّوْكِيِّ المسؤولةِ عَنْ الحَرَكَةِ.

 

شَلَلُ السَّاقَيْن: هذا نوعٌ آخَرُ من الشَّلَلِ كثيرُ الحدوثِ، ويَنْتُجُ عن إصابَةِ الحَبْلِ الشَّوْكِيِّ بآفَةٍ ما، مثل الالتهابِ الفَيْرُوسِيِّ، أو الضَّغْطِ بسَبَبِ الأورامِ.

وهنا تُفْقَدُ الحركةُ في السَّاقيْن معًا وإلى مُسْتَوًى أفُقِيٍّ معيَّنٍ، يمكنُ تحديدُه عن طريقِ فَحْصِ الإحْساسِ. وكثيرًا ما يَصْحَبُ هذا الشَّلَلَ فَقْدُ التَّحَكُّمِ في التَّبَوُّلِ والتَّبَرُّزِ.

 

كذلك يَشْكُو المريضُ عادةً من أَلَمٍ في الظَّهْرِ عِنْدَ مَوْضِعِ إصابَةِ العَمودِ الفَقَارِيِّ، إذا كانَ شَلَلُ الساقيْن ناشِئًا عن إصابَةِ هَذِهِ الفَقَارِ الّتي تَضْغَطُ بدورِها على النُّخَاعِ الشَّوْكِيِّ.

وفي كثيرٍ من هذهِ الحالاتِ تكونُ إصابَةُ الفَقَارِ بِسَبَبِ عَدْوَى بميكروبِ السُّلِّ، فينتجُ عن ذَلِكَ تآكُلٌ في فِقْرَةٍ أو أكثرَ، وتظهرُ حَدَبَةٌ يمكنُ رؤيتُها بالعينِ وتكونُ مؤلِمَةً عِنْدَ الضَّغْطِ عليها.

ويسمَّى هذا المرضُ بمرضِ «بوت» نسْبَةً إلى الطبيبِ الإنجليزيِّ الّذي وصفَهُ حديثًا، إلاَّ أنَّ الحَقَّ يَدْعُونَا إلى نِسْبَتِهِ إلى أبي بكرٍ الرَّازِي الّذي وَصَفَهُ بِدِقَّةٍ في القَرْنِ التَّاسِعِ الميلادِيِّ.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى