الطب

نبذة تعريفية عامة حول مرض “الصُفار” الذي يصيب الإنسان

2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

مرض الصُفار الطب

تَحْتَوِي كُرَاتُ الدَّمِ الحَمْراءِ عَلَى صِبْغِ «الهيموجُلوبين» الّذي يُكْسِبُ الدَّمَ لَوْنَه الأَحْمَرَ.

وعِنْدَما تَشيخُ كُراتُ الدَّمِ الحَمْراءُ يَتَحَلَّلُ ما بِها مِنْ صِبْغٍ إلى مَوَادَّ، مِنْها ما يُعْرَفُ باسْمِ أصْبَاغِ الصَّفْراء.

وهذِهِ أَصْباغٌ شَحيحَةُ الذَّوَبَانِ في الماءِ، تُفْرِزُها الكَبِدُ في السَّائِلِ المَرَارِيِّ، لِتَصِلَ إلَى الأَمْعاءِ ثُمَّ تَخْرُجُ مَعَ البِرازِ.

 

وفي الكبد، تُعَدِّلُ الخَلايَا الكَبِدِيَّةُ من طَبيعَةِ أَصْباغِ الصَّفْراءِ فَتَصيرُ سَهْلَةَ الذَّوَبانِ في المَاء، وبالتَّالي يُمْكِنُ للجِسْمِ أَنْ يَمْتَصَّ بَعْضَها مِنَ الأَمْعَاءِ أو مِن الكَبِدِ بَعْدَ إفْرازِها.

وعِنْدَما تَصِلُ إلَى الكُلْيَتَيْن عَنْ طَريقِ الدَّمِ تَخْرُجُ مَعَ البَوْلِ. وإذَا زَادَتْ كَمِّيَّتُها في البَوْلِ يَتَغَيَّرُ لونُهُ ويصيرُ أَدْكَنَ.

وقَدْ تَرْتَفِعُ نِسْبَةُ أَصْباغِ الصَّفْراءِ في الدَّمِ نَتيجَةُ أَحَدِ الاحْتِمالاتِ الآتِيَةِ: أَنْ يَزْدادَ مُعَدَّلُ تَحَلُّلِ خَلايَا الدَّمِ الحَمْراءِ فلا تَسْتَطيعُ الكَبِدُ إفْرازَ جَميعِ نواتِج التَّحَلُّل بمُجَرَّدِ تَكَوُّنِها، أو أَنْ تَمْرَضَ الكَبِدُ فتَعْجِزُ عَن إفْرازِ الكَمِّيَّاتِ العَادِيَّةِ من أَصْباغِ الصَّفْراءِ، أو أَنْ تَكُونَ القَنَواتُ المَرَارِيَّةُ مَسْدودَةً فلا تَسْمَحُ بخُروجِ السَّائِلِ المَرَارِيِّ بِما فيهِ مِنْ أَصْباغٍ.

 

وفي جميعِ تِلْكَ الأَحْوالِ، يَرْتَفِعُ مَنْسوبُ أَصْباغِ الصَّفْراءِ في الدَّمِ، وتَكْتَسِبُ العَيْنُ لونًا أَصْفَرَ. كذَلِكَ يَظْهَرُ اللَّوْنُ الأصفرُ على الجلْدِ، وبِخاصَّةٍ في ذوي البَشْرةِ البَيْضاءِ.

وتَفْسيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ عِنْدَما تَزيدُ كَمِّيَّةُ الصَّفْراءِ في الدَّمِ عَنْ حَدٍّ مُعَيَّنٍ، يَتَحَوَّلُ بَيَاضُ صُلْبَةِ العَيْنِ إلَى اللَّونِ الأَصْفَرِ.

والحَقيقَةُ أَنَّ لَوْنَ صُلْبَةِ العَيْنِ لَمْ يَتَغَيَّرْ، ولكنَّ هذِه الأَصْباغَ الصَّفْراءَ المَوجودَةَ في الدَّمِ يَظْهَرُ لونُها مِنْ خلالِ غِشَاءِ المُلْتَحِمَةِ الرَّقيقِ، فَتَبْدو صُلْبَةُ العَيْنِ صَفْراءَ.

 

ومِثْلُ هذا يَحْدُثُ في الجلْدِ أيضًا. وفي هذه الحالَةِ نقولُ إِنَّ المَريضَ مُصَابٌ بالصُّفَارِ (أو اليَرَقَانِ). ولَكِنْ ما هِيَ أَسْبابُ زِيادَةِ أَصْباغِ الصَّفْراءِ في الدَّمِ؟

 يُمْكِنُنَا أَنْ نُشَبِّهَ المَوْقِفَ بِحَوْضٍ فيه مَاءٌ، وهُنَاكَ صُنْبورٌ يَصُبُّ الماءَ في الحَوْضِ باسْتِمرارٍ، ولَكِنْ هُناكَ أيضًا بالوعَةٌ يَخْرُجُ مِنْها الماءُ باسْتِمرارِ، بِحَيْثُ يسَاوِي الماءُ الدَّاخِلُ إلَى الحَوْضِ الماءَ الخارِجَ من البالُوعَةِ.

وفي هذهِ الحالَةِ نَرَى الماءَ في الحَوْضِ ثَابِتًا لا يَتَغَيَّرُ مُسْتَوَاهُ كَأَنَّمَا الصُّنْبورُ والبالوعَةُ غَيْرَ مَوْجودَيْن.

 

والآن ماذا يَحْدُثُ لَوْ أَنَّ أَحَدًا زَادَ مِن كَمِّيَّةِ الماءِ الدَّاخِلَةِ مِن الصُّنبورِ؟ وماذا يَحْدُثُ لَوْ حَدَثَ صَدْعٌ في جِدارِ الحَوْضِ؟ وماذَا يَحْدُثُ لَوْ سَدَدْنا البالوعَةَ؟

إنَّ الماءَ سَوْفَ يَفيضُ مِنَ الحَوْضِ ويَغْمُرُ ما حَوْلَه في جَميعِ الحالاتِ. وهذا تَمَامًا ما يَحْدُثُ في الصُّفَارِ. فأصباغُ الصَّفْراءِ ستَزيدُ كَمِّيَّتُها في الدَّمِ سواءٌ زَادَتْ كَمِّيَّةُ ما يتكوَّنُ من أصباغٍ، أو أُصيبَتْ الكَبِدُ بأذًى يَمْنَعُها من إِفْرازِها، أو لَمْ يَتَمَكَّنْ السَّائِلُ المَرَارِيُّ مِنْ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الأَمْعاءِ.

ويَحْدُثُ النَّوْعُ الأَوَّلُ في حالَةِ فَقْرِ الدَّمِ النَّاشِئِ عَنْ تَكَسُّرِ كُرَاتِ الدَّمِ الحَمْراءِ. وفي هذا النَّوْعِ لا يَكْتَسِبُ البَوْلُ لونًا أَدْكَنَ، وتكونُ وَظائِفُ الكَبِدِ طَبيعِيَّةً.

 

وأَسْبَابُ تَكَسُّـرِ كُرَاتِ الدَّمِ كثيرةٌ مِنْها مَثَلاً تَضَخُّمُ الطِّحالِ، أو أَمْراضُ المَنَاعَةِ ضِدَّ الذَّاتِ، أو بِسَبَبِ مُرَكَّبَاتٍ كيميائِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، ومِنْ بَيْنِها بَعْضُ العَقاقيرِ الطِّبِّيَّةِ إذا اسْتُخْدِمَتْ بِغَيْرِ إشْرافٍ طِبِّيٍّ أو أُعْطِيَتْ لأَشْخاصٍ لَدَيْهِم حَساسِيَّةٌ لهذهِ العَقاقيرِ.

أمَّا أَهَمُّ أسْبابِ النَّوعِ الثَّانِي فَهُوَ الْتِهابُ الكَبِدِ النَّاشِئِ عَنْ الفَيروساتِ. ولَكِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَنْشَأَ أيضًا عَنْ بَعْضِ المَوادِّ السَّامَّةِ مثل بَعْضِ أنواعِ المُبيدَاتِ الحَشَـرِيَّةِ وغَيْرِها مِن مَوَادَّ سَامَّةٍ بالنِّسْبَةِ لِلْكَبِدِ.

وفي جَميعِ هذهِ الأَحْوالِ، تَتَلَفُ خَلايا الكَبِدِ وتَعْجِزُ عن أَداءِ وَظائِفِها، ومِنْ بَيْنِ هذهِ الوَظائِفِ إفْرازُ أصْباغِ الصَّفْراءِ في السَّائِلِ المَرَارِيِّ.

 

وعِنْدَما تَتَكَوَّنُ خَلايا كَبِدِيَّةٌ جديدةٌ وتستعيدُ الكَبِدُ قُدْرَتُها عَلَى العَمل، تَتَخَلَّصُ من تِلْكَ الأَصْباغِ ويَخْتَفِي اللَّونُ الأَصْفَرُ من العَيْنَيْنِ.

ومِنْ أَسْبابِ النَّوعِ الثَّالِثِ حَصـَى المَرَارَةِ، والأَورامُ الخبيثَةُ خُصوصًا في رَأْسِ البَنْكِرْيَاسِ (المُعَثْكَلَةِ) أو أَوْرامَ الكَبِدِ.

وفي هذهِ الحالَةِ يَحْدُثُ الصُّفَارُ نتيجةً لانْسدادِ القَنَواتِ المَرَارِيَّةِ ولا يستطيعُ الجسمُ التَّخَلُّصَ من الأَصْباغِ الصَّفْراوِيَّةِ فتزدادُ كَمِّيَّتُها في الدَّمِ.

 

وفي القِسْمِ الأَوَّلِ، تكونُ الأَصْباغُ المُتَكَوِّنَةُ من النَّوعِ الشَّحيحِ الذَّوَبانِ في الماءِ، وبالتَّالِي لا يستطيعُ الجِسْمُ أَنْ يَتَخَلَّص منها في البَوْلِ، ولذَلِكَ لا يَتَغَيَّرُ لَوْنُ البَوْلِ. أمَّا في القِسْمَيْنِ الثَّانِي والثالِثِ، فإنَّ الكَبِدَ يُعَدِّلُ أَصْباغِ الصَّفْراءِ إلَى الصُّورَةِ الّتي تَذُوبُ في الماءِ.

وعِنْدَما يَمْتَصُّ الجِسْمُ هَذِه الأصْباغَ مِنَ الأَمْعاءِ أو من الكَبِدِ بَعْدَ إِفرازِها ضِمْنَ السَّائِلِ المَرَارِيِّ، فإنَّها تَصِلُ إلَى الكُلْيَتَيْن وتَخْرُجُ مَعَ البَوْلِ. وإذا زَادَتْ كَمِّيَّتُها في البَوْلِ، فإنَّ البولِ يَتَغَيَّرُ ويصيرُ بُنِّيًّا أدْكَنَ.

وَوَاضِحٌ مِمَّا تَقَدَّم أنَّ الصُّفَارَ «عَرَضٌ» قَدْ يَحْدُثُ بِسَبَبِ أمراضٍ مُخْتَلِفَةٍ. ولِكَيْ يُعالِجَ الطبيبُ مريضًا يَظْهَرُ بِهِ الصُّفَارُ، فإِنَّه يحتاجُ أَوَّلاً إلَى تحديدِ السَّبَبِ المَرَضِيِّ في ظُهورِهِ. (من النَّوعِ الأَوَّلِ أو الثَّانِي أو الثَّالِثِ).

 

ولِذَلِكَ يَطْلُبُ الطبيبُ مِنْ المُخْتَبَرِ تعيينَ كَمِّيَّةِ الأَصْباغِ الصَّفْراوِيَّةِ في الدَّمِ والبَوْلِ، والإنْزيماتِ المَوْجودَةِ في خَلايا الكَبِدِ أو تلكَ الّتي تُفْرِزُها الكَبِدُ في السَّائِلِ المَرَارِيِّ.

وقد يَسْتَعينُ بالفَحْصِ بالمَوْجاتِ فَوْقَ الصَّوْتِيَّةِ أو بالأَشِعَّةِ السِّينِيَّةِ أو بالرَّنينِ المِغْنَاطِيسِيِّ. وفي حَالاتِ الْتهابِ الكَبِدِ النَّاشِئِ عن الفَيْروساتِ، يَتَعرَّفُ المختبرُ نَوْعَ الفَيْروسِ المُسَبِّبِ للالْتهابِ بالفُحوصِ المناسِبَةِ.

 

ونَظَرًا لِتَعدُّدِ أَسْبابِ الصُّفَارِ، فإنَّ العِلاجِ يَخْتَلِفُ من مَريضٍ إلَى آخَرَ. فَقَدْ يكونُ العلاجُ مَقْصورًا علَى الرَّاحَةِ وتَنَاوُلِ الأَطْعِمَةِ الخَفيفَةِ السَّهْلَةِ الهَضْمِ، كَمَا هي الحالُ في الْتِهابِ الكَبِدِ الفَيْروسِيِّ، أو عَن طريقِ العقاقيرِ والأَدْوِيَةِ سواء أكانَتْ تُؤْخَذُ عن طريقِ الفَمِ أمْ بالحَقْنِ.

وفي حالاتِ حَصَى المَرارَةِ. وفي جميعِ الأحوالِ لابُدَّ من اسْتِشارَةِ الطَّبيبِ المُخْتَصِّ لِكَيْ يُشَخِّصَ المَرَضَ أَوَّلاً، ولاخْتِيارِ العِلاجِ المناسِبِ لِكُلِّ حَالَةٍ.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى