التاريخ

معاناة البحارة مع مرض الإسقربوط

1995 أمراض لها تاريخ

حسن فريد أبو غزالة

KFAS

مرض الإسقربوط معاناة البحارة التاريخ المخطوطات والكتب النادرة

غير أنه من المؤكد أن "كريستوفر كولمبس" الذي  أقلع على ظهر ثلاث سفن، هي "سانتا ماريا ونيتا وبنتا" متجهاً نحو العالم الجديد في عام 1491 ووصوله عام 1492 قد عانى بحارته ولا شك من مرض الأسقربوط، بسبب طول الرحلة في ذلك الوقت. 

مع عدم توفر الخضراوات والفواكه الطازجة، لدرجة إنه اضطر أن يترك بعضاً من بحارته المرضى على أرض إحدى الجزر الصغيرة المجهولة في المحيط الأطلسي، بعد أن بلغ منهم الإعياء والإرهاق مبلغاً لا يستطيعون معه الاستمرار في رحلتهم، ولكونهم أصيبوا بمرض توهموا معه أنهم لا محالة هالكون.

وعندما عاد "كولومبس" من القارة الجديدة، خطر له وهو في طريق عودته أن يمر على الجزيرة التي ترك عليها بحارته، ليزور قبورهم ويضع عليها أكليلاً من الزهور تحية، فإذا به يلقاهم هناك وهم أصحاء معافين، لدرجة أنه أطلق على الجزيرة اسماً برتغالياً هو "كيرا كاو" ومعناها جزيرة الشفاء قناعة منه أن الجزيرة بها سر يشفي من المرض، ولم يكن هذا السر سوى الخضراوات والفواكه الطازجة التي تزخر بها الجزيرة، وما تحويه من فيتامين (ج) كانوا هم بحاجة إليه، لهذا كان مرضهم هو الأسقربوط (داء الحَفَر) الذي لم يكونوا يعرفون عنه شيئاً ولا يعرفون له سبباً.

ولعل الملاح البرتغالي "فاسكودي جاما" كان أول الأوروبيين الذين وصلوا إلى الهند بحراً، ولا شك أن رحلته التي قضاها على سطح البحر فيما بين 1497 إلى 1499 كانت خالية من أي طعام طازج، فقد كان جل اعتمادهم على اللحم المملح، وما يصطادونه من أسماك البحر.

لهذا لا تنهدش لو علمنا أن أبحر ومعه 160 بحاراً ووصل إلى الهند ومعه ستون فقط، بعد ان فقد مائة من رجاله على الطريق صرعى الأسقربوط.

 

ومن الأمثلة التي تضرب للتدليل على بطولة رحلات البحر، وصبر البحارة على معاناتهم من مرض الأسقربوط، هو ما صار بالرحالة البرتغالي "ماجِلان" الذي حاول الدوران حول الأرض عام 1519 لقد رحل يرافقه 270 ملاحاً، يعتلون سطح خمس سفن.

وسار في البحر غرباً إلى أن قتله بعض أفراد القبائل البدائية في الفلبين عام 1521، ولكن الذين أكملوا الرحلة مع رجالة كان عددهم عندما وصلوا إسبانيا عام 1922 أربعة فقط على سطح سفينة واحدة، لأن الأسقربوط قد قتل البقية منهم.

إنهم يقارنون بين رحلة "ماجلان" البرتغالي هذا حول العالم في مطلع القرن السادس عشر مع رحلة "جيمس كوك" في القرن الثامن عشر، عقب اكتشاف سر الليمون الحامض في شفاء مرض الأسقربوط على يد الطبيب الإنجليزي "لند"، لقد طاف "كوك" فيما بين 1768 إلى 1771 حول العالم، ولم يفقد بحاراً واحداً من رجاله، كما لم يمرض أي منهم بالأسقربوط.

ولولا أنهم قتلوه في عام 1779 في جزر "هاواي" لأكمل الرحلة سالماً غانماً، وعاد إلى بلده ولم يصبه أي سوء. 

الغريب لإن الأسقربوط كان يشيع بين البحارة باكثر مما يشيع بين ضباط السفن، وقد اجتهد الكثيرون في تعليل هذه الظاهرة الغريبة، وكانوا يسمونه بالفعل مرض البحارة، فبعضهم قال بتأثير الرطوبة والبرد مما يتعرض له البحارة أكثر مما يتعرض له ضباطهم.

وبعضهم علل المرض بالقذارة والزحام وقال: إن هناك مواد سامة تتولد فتتلف الأجسام وتمرضها.

 

غير أنه مما يروي أن قبيلة من الهنود الحمر من سكان "كندا" كانت تستعمل علاجاً سحرياً هو عبارة عن حساء أغصان الشجر الأخضر واشواكه، كتب عنه بحار فرنسي هو الذي اكتشف نهر "سانت لورنس" 1535 واسمه "جاك كارتيه".

هذا البحار حين توقف على رأس الهضبة التي تقوم عليها اليوم مدينة (مونتريال) الكندية، يتأمل المنظر الرائع، كان على رأس سفينتين تكتشفان الطريق بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادي,  لكنه لم يعثر عليه، وداهمه الشتاء مع السفينتين وتجمد الماء من حولهما. 

وبقيتا في هذا السجن الثلجي ما بين نوفمبر 1535 حتى إبريل سنة 1536 ولكن بحارته في نهاية هذه الفترة من السجن لم يكونوا قادرين على عمل شيء! وكانوا يتساقطون كالثمر الشديد النضج واحداً بعد الآخر… مات خمس وعشرون منهم متهالكين بمرض البحارة. 

مات واحد منهم وعمره 23 سنة فلم يستطيعوا دفنه، لأن الأرض التي كانوا يقفون بالسفينتين قربها كانت ما تزال شديدة القسوة، فتركوه على وجه الأرض ونقص عدد طاقم السفينتين بشكل ذريع لقد كتب "كارتيه" هذا مذكراته فقال: "إن هذا المرض المجهول الذي نحن بصدده بدأ ينتشر بيننا بصورة غريبة لم ترها عين إنسان ولم تسمعها أذن أحد لدرجة أن بعضهم فقدوا قواهم، ولم يستطيعوا أن يقفوا على أرجلهم المتورمة، وقد تقلصت عضلاتهم، وانتشر على جلود سيقان بعض منهم بقع دموية، زحفت إلى الأعلى حتى ركبهم، وغطت أفخاذهم وأكتافهم ورقابهم، والأفواه كانت رائحتها كريهة، وتقيحت اللثة وتساقط لحمها، ولم يبق من رجالي المائة وعشرة سوى عشرة أصحاء، وحتى قيض الله لنا علاجاً شافياً…".

 

حدث ما يشبه المعجزة، أحد الهنود الحمر قدم لنا في أوان من الفخار حساء صنعه من أغصان وقشور وأشواك الصنوبر الشجر الأخضر، والله لو اجتمع كل أطباء "مونبلييه" ومعهم كل عقاقير الاسكندرية، لما أفلحوا كما أفلح هذا العقار العجيب في ستة أيام فقط جميع البحارة الباقين استعادوا عافيتهم، وعادوا إلى نشاطهم السابق في العلم!… هل هي معجزة السماء؟ أم مفعول الدواء… العجيب؟…"

ولعل من أطرف ما يروى أيضاً قصة السفينة التجارية الهولندية، التي أقلعت من أسبانيا عام 1564، وعلى متنها شحنة من البرتقال والليمون تحملها إلى هولندا، وفي الطريق أصاب الأسقربوط رجال السفينة فعانوا من الهزال والضعف وشعروا بجوع شديد، فلم يجدوا سوى حمولة السفينة ليهجموا عليها ويلتهموها، فإذا بالمرض يختفي، وإذا بالقوة والنشاط يدبان من جديد لأن فيتامين (ج) الذي في شحنة الليمون والبرتقال هو حاجتهم. 

لقد كان الإسقربوط هو العدو اللدود والوحش الشرس المفترس لبحارة السفن التي نشطت حركتها في العصور الوسطى، طلباً للتجارة مع الهند ومع العالم الجديد أو ابتغاء اكتشاف أرض جديدة لاستعمارها.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى