الفيزياء

كيفية إدراك البصر للمُبصرات بالانعطاف

2009 البصائر في علم المناظر

كمال الدين الفارسي

KFAS

إدراك البصر للمُبصرات بالانعطاف الفيزياء

(قد ثبت أن السمتين اللذين عليهما تنعطف صورة نقطة إلى أخرى هما السمتان اللذان عليهما تنعطف صورة الثانية إلى الأولى،  فإذا توهم وقوع مخروط شعاع البصر على سطح المخالف ونفوذه في منعطفاً، فاي مبصر يقع داخله فإن صورته تصح ان ترد على السموت التي انتهت غليه إلى سطح المخالف.

ثم تنعطف في الجسم المشف الذي فيه البصر وتجتمع جميعاً عند مركز البصر فيتشكل في البصر صورة، ويحس بها الحاس ويستخرج منها جميع المعاني الجزئية حسب ما يمكنه استخراجها وعلى ذلك يمكن أن تُدرك عدة أبصارٍ مبصراً واحداً بعينه بالانعطاف كإدراك الكواكب.

والمبصر الواحد بالانعطاف قد يدرك بالبصرين معاً واحداً إذا كان خطوط الشعاع المنعطفة إليه المنتهية إلى الخيال على استقامتها متشابهة الوضع عند البصرين كما ذكر في الانعكاس.

ثم نقول قولاً كلياً إن البصر يدرك جميع المبصرات بالانعطاف سواء كان البصر والمثبصر معاً في جسمٍ واحدٍ مُشفٍ أو جسمين مشفين وسواء كان الإدراك بالاستقامة أو بالانعكاس).

 

وهذا الانعطاف هو عند سطح البصر، وذلك لأن القرنية مشفة وأغلظ من الهواء وصور المُبصرات المستقيمة والمنعكسة والمنعطفة ممتدة في أنحائها ومنتهية إلى سطح القرنية فلا بد وأن تنفذ عند الانتهاء إليه في طبقات البصر.

فإن انتهت على الأعمدة نفذت مستقيمة وإلا فمنعطفة، والنافذة على الاستقامة تنعطف من نقط أخر.   

ثم إن مخروط الشعاع المتسع على قدر ثقب العنبية وقد يكون كالنقطة عند الحس إذا وقع على البصر ضوء الشمس، فلا يمكن أن يتسع إلى نصف الفلك الظاهر وإلى أطراف المحاجر فكثير من المبصرات تكون خارج الأعمدة فلا يمكن امتداد صورها إلى البصر على سموت الاعمدة وهي مرتبة فلا ترى إلا بالانعطاف.

 

(قال ابن الهيثم رحمه الله، ثم إن الصور المنعطفة تحس بها الحاسة متميزة، وذلك أن الحاس يحس بالصورة الواردة على الأعمدة والصور المنعطفة إنما ترى على خطوط الخيال فهي ترى على سموت الأعمدة فتكون متميزة).

أقول: وفيه نظر، وذلك أن الصور المنعطفة حينئذ تكون خيالاتها جميعاً مركز البصر فيلزم أن ترى جميعاً في موضعٍ واحد فتكون واحدة غير متميزة، وهي متميزة على ترتيبها.

ولو قيل إنها تتميز لتميز جهات الأشعة الخارجة من مركز البصر إلى نقط الانعطاف أجيب: بأنه محال لأن الأشعة لا تنتهي إليها على استقامتها ولا بالانعطاف لكونها أعمدة والتقدير أن سطحي القرنية يوازيان سطح الجليدية.

 

والحق إن القول بأشعة البصر غير محوج إلى فرضها خارجة عن سطح الجليدية على استقامتها إلا إلى مقعر القرنية، فاما ما وراءه فلا بأس بالانعطاف إذ لا يمنع من تميز النقط ما دام على وجه لا يقتضي تقاطع الأشعة.

وإذن فإن فرض سطح مقعر القرنية من كرة صغيرة مركزها من دون مركز البصر لزم انعطاف مخروط الشعاع عند مجاوزته المقعر سوى السهم ولأن القرنية أغلظ من البيضيّة على ما يناسب الحكمة في الخلقة وإلا لأدركت البيضية بالبصر.

كما يدرك البلور في قرار الماء فمخروط الشعاع يتسع فيها لانعطاف الخطوط نحو العمود، ويكون الانعطاف في الحواشي أكثر في جميع الجوانب، لأن العطفيات تزيد عظماً إلى الحواشي.

 

وهذا فرض قريب الوقوع لأن الروح المصبوب إلى رطوبات العين له قوة الإقلال كما بينه الأطباء وجرم القرنية لين يقبل التمدد فإذا زاحمها الروح ودفعها بقوة أقلها، فحدث فيه تقبيب ضرورة.

وأيضاً فإن فرض محدب القرنية مركزه مركزها وراء مركز كرة تقعيرها في جهة مركز البصر لزم انعطاف ثانٍ لهذه الخطوط في الهواء.

ويتسع لذلك المخروط اتساعاً ثانياً لانعطاف الخطوط إلى خلاف جهة العمودن وهذا الفرض أيضاً قريب على ما نشهد من تقبيب سطوح القرنيات في الأشخاص، ويسبب هذين الانعطافين يمكن ان يتسع هذا المخروط إلى أطراف المحاجر وخطوطها لا تتقاطع أبداً فتتميز به صور النقط الواردة عليها المنتهية بعد الانعطافين إلى سطح الجليدية على سموت الاعمدة.

 

وتكون الصور التي في الحواشي أشد اشتباهاً واعظم منها كالمطاول وتزداد تحققاً على التدريج إلى ما يرد على السهم كما هو مشاهد.  ولهذا البحث تمام في تنقيح المناظر فليراجعه من أراده.

ويمكن أن يقال لا حاجة إلى القول بخروج الأشعة إلى مقعر القرنية بل يكفي في أمر الإبصار أن يفرض مركز تحديب القرنية القريبة من مركز تقعيرها وفي جهة مركز البصر ايضاً فإن ذلك أنسب بما نشاهد من شدة نتوء القرنية في البعض.

وإذ ذاك قصور النقط المبصرة ترد على أقطار التحديب إلى سطح التقعير في مخروط رأسه مركز التحديب فيحصل في سطح التقعير متميزة إذ كل منها يقهر سائر المنعطفات إلى محلها ثم يتسع هذا المخروط بعد نفوذه في تقعير القرنية في جسم البيضية الألطف.

 

وينعطف جميع الخطوط إلا الواصل بين المراكز ويتدرج الانعطاف من السهم إلى الحواشي فإذا انتهى إلى الجليدية حاز جزءاً من سطحها وترتبت فيه جميع الصور الواردة حسب سموتها المترتبة بعد الانعطاف.

فأدركها البصر من السموت المتميزة عند الخارجة من مركز البصر، وإذ ذاك فلا يعرض للصور إلا انعطاف واحد، ويكفي على هذا الوجه تقعير يسير قدر ما يحدثه الإقلال المذكور.

ولا يبعد من لطف الصانع أن يكون التقعير بحيث يوجب اتساع المخروط قدر ما يحوز جميع سطح الجليدية أو معظمه فقط، فيَحصُل لكل مبصر قدر صالح منه ولا يبقى منه شيء عطلاً.

 

وهذا الوجه يعني أيضاً عن فرض مركز الجليدية وسموت الشعاع ثم انفعال البصر على تلك السموت فقط على ما ذكروا بل يكفي فيه مركز البصر والسموت إلى سطح الجليدية.

فليتأمل ذلك وتحرير أمر الخلالة على هذا التقدير أظهر مما ذكر على الوجه السابق والله أعلم، ومن هذا الشكل نتصور ما ذكر أولاً.

هذا والدليل على إدراك صور المُبصرات التي من خارج المخروط منعطفة أنه إذا اعتمد الناظر ميلاً دقيقاً فجعل طرفه عند مؤخر عينه فيما بين جفنيه وسكن بصره فإنه يرى طرف الميل.

 

وكذا إن داخله فيه وألصق طرفه بجانب سوادها أو قريباً منه، وكذا إذا ألصق سبابته بجفنه الأسفل.

ويعمد أن يكون سطحها الأعلى موازياً لسطح البصر عند الحس فإنه يرى سطح سبابته وهذه المواضع كلها خارجة عن المخروط بلا شك وخصوصاً عند ضيق ثقب العنبية.

والدليل على إدراك ما في المخروط منعطفةً، أن يعتمد الناظر ميلاً أو إبرة أو خلالة دقيقة ويقابل حائطاً أبيض نقي البياض، ويستر إحدى عينيه، ويجعل الإبرة مقابلة للعين الأخرى.

 

ويقرب الإبرة إلى بره جداً، ويجعلها مقابلة لوسط بصره، وينظر إلى الحائط، فإنه يرى الإبرة كانها جسم مشف فيه بعض الكثافة، ويجد عرض الإبرة إضعافه ويرى ما وراءها من الحائط.

وإذا كان على المواضع من الحائط نقوش مختلفة فإنه يرى تلك النقوش بتمامها غير مستترة، وليس ذلك من خواص الكثيف، وكمان من حقها أن يستتر أضعاف عرضها من الحائط لكثافتها.

ولأن الميل دقيق عرضه اقل من سطح البصر والصورة التي على الحائط مقطوعة بالميل غير ممكن أن تصل مستقيمة إلى البصر وهي مرتبة فلا شك أنها منعطفة في الجزء الذي لم يستره الميل من سطح البصر.

 

وتحقق هذا المعنى أن الميل لو كان سائراً لجميع الثقب فلا يرى شيئاً من الحائط البتة.

وإذا رفع الناظر الإبرة فلا يبطل ذلك الانعطاف الذي كان قبل لأنه ما كان بسبب الإبرة بل يزيد في الانعطاف ما ينعطف من المواضع التي كانت مستترة بالإبرة وتحققه أن الناظر يرى الموضع بعد رفع الإبرة إدراكاً أبين.

فأما الشفيف الذي يدركه فهو غلط، وذلك لأن الناظر قد علم أن الجسم المشف لا يستر ما وراءه، فظن أن كل مالا يستتر ما وراءه يكون مشفاً، فقد تبين أن جميع ما يرايه البر على الطرق الثلاث فهو يراه بالانعطاف عند سطح البصر فمنها ما يدركه باستقامة وانعطاف أيضاً عندها.

 

ومنها ما يدركه بانعطاف عنده فقط، ولهذا صار ما يقابل وسط البصر أبين مما هو محيط به لأن ما يدركه هناك يدركه بالاستقامة والانعطاف معاً وما يحيط به يدركه بالانعطاف فقط.

هذا على أصله فاما على الفرض المذكور فيلزم أن يكون المدرك على استقامة النقط  التي تكون عند  سهم الشعاع ويكون سائرها مدركة بالانعطاف والتي هي أقرب إلى السهم فابين مما هي أبين. 

فإن قيل: لم كانت الخلالة إذا كانت على بُعد من البصر يحجب ما وراءه بالكلية، وهي إذ ذاك أصغر عند الحس منها إذا كانت على قرب متفاوت ولم يكون هذا الإدراك عندما يكون على قرب من البصر خارج عن الاعتدال.

 

فنقول: لما كان الأجناس بالصور من أجل تاثيهرا في البصر وكمانت الواردة على استقامة أقوى كان تأثير المستقيمة أشد إلا أن الصور المنعطفة تتفاوت قوة وضعفاً.

فمنها ما هي قريبة جداً من المستقيمة، ومنها ما هي ابعد بحسب صغر الانعطاف وعظمه،وهذه الصور أنواع متباينة جداً كما نشاهد مع التامل.

وقد تقرر أن الصور المتباينة إذا اجتمعت في موضع لم يبق واحدة منها على صرافتها بل انكسرت قواها وهيئاتها ويحدث عند ذلك صورة تباين الكل والحادثة قد تصير أضعف من الاقوى منها.

 

وإذا امتد ضوءان مختلفان قوة وضعفاً من بدأ فإن أمد الأقوى اعظم واضمحلال الأضعف في تضاعيف ذلك، والضعف الذي يعرض لهما في جزء جزء من المسافة لا تكون على نسبة واحدة، فإن الضف العارض للضعيف في نصف المسافة أشد من العارض للقوى فكلما بعدا عن المبدأ كان الاختلاف بينهما أشد.

وإذا اجتمعا عند ذلك في محلٍ واحدٍ كان غلبة القوي على الضعيف أظهر فالبصر قد يدرك الصورتين عن قرب فإذا تباعد عنهمافقد لا يحس بإحداهما ويحس بالأخرى.

فإذا قابل البصر المبصر وتشكل بينهما مخروط استقامة وتشكل بين كل نقطة من المبصر وسطح البصر مخروطات أضوائها وينعطف جميعاً في البصر إلا الأعمدة.

 

ومعلومٌ أن صور النقط المنعطفة في الجسم الكري كالبصر إنما تحصل في اجزاء من الجليدية أقرب إلى السهام من نقط الانعطاف وللصور الانعطافية مراتب أقواها التي تلي الصور المستقيمة.

فإذا قرب المُبصر جداً ظهر بعض المنعطفة فيحس بها البصر فتصير صورة النقطة أعظم لأن صورة النقطة إذن تحصل في دائرة من سطح الجليدية مركزها موضع صورتها الواردة على الاستقامة ولأن جميع النقط تكون كذلك فتمتزج الألوان وتتفشى الصورة.

ولأنها تخالف المستقيمة فنكسرها فلا تبقى للصورة المستقيمة القوة على الحجب بالكل فتظهر صورة ما وراءها بالانعطاف.

 

وإنما قلنا يظهر بالانعطاف لأن عرض الخلالة إذا كان بحيث يحجب ثقب العنبية فلا يمكن الإدراك، وهذا الجواب إننما هو على أصله، فأما ما على الفرض المذكور فقد فرغ منه في تنقيح المناظر.

ولما كان المُبصر – كلما يدنو من البصر تتقوى صور نُقَطِه المنعطفة وتصير صورتها المنعطفة أعظم والمستقيمة أضعف لغلبة المنعطفة وقوتها – فيدرك شفيف الصورة أشد ويرى ما وراء أبين.

وهذا المعنى ان البصر يدرك جميع ما يقابله بالانعطاف معنى لم ينقل عن أحد ممن تقدم ابن الهيثم رحمه الله على ما ذكره، وهو كيفية إدراك البصر لجميع المُبصرات على التحقيق.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى