العلوم الإنسانية والإجتماعية

مجموعة من الأمور الحياتية التي تؤدي إلى تفاؤل أو تشاؤم الإنسان

1995 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء السادس

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

التفاؤل التشاؤم العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

كان من عادات العرب قبل الإسلام أنه إذا أراد أحدهم السفر أخذ طائراً وطيَّرَه، فإذا طار ومرَّ من يساره إلى يمينه سماه «السانح»، أي المبارك، وتفاءل به، واعتقد أنه سوف يجلب له الخير في سفره، ومضـى في طريقه فرحاً مسـروراً بالطائر المبارك.

أما إذا طار ومرَّ من يمينه إلى يساره سماه «البارح»، أي غير المبارك، وتشاءم به، وتوقع في سفره شراً، أو رجع عنه وعَدَّ الطائر شؤماً عليه، سوف يجلب له الشر والنحْس.

وكان من شدة اعتقاد العرب في السانح والبارح، إنه إذا كان أحدهم في طريقه إلى السوق للشراء أو البيع، أو لقضاء حاجة له.

ومرَّ طائر، أو ظبْي، أو كلب، أو أي حيوان من يساره إلى يمينه «السانح» عده طائراً أو ظبياً أو كلباً مباركاً، جالباً للخير، وتوقع الكَسْب في التجارة، والتيسير في قضاء حاجته.

 

أما إذا تصاف ومر الطير أو الحيوان من يمينه إلى يساره «البارح» عدَّه شؤماً عليه، جالباً للنحس والشر، ورجع بتجارته متشائماً من كسادها، ومن عدم قضاء حاجته، بسبب هذا الطائر أو الظبي أو الكلب الشؤم.

وهذا يعني أن التفاؤل عكس التشاؤم، لأن التفاؤل يعني السُّنح أو اليُمن، أي توقع الخير والبركة، والنجاح في عمل نقوم به، أو اختبار نؤديه، أو حاجة نطلبها.

أما التشاؤم فيعني البُرْح أو التطيُّر، أي توقع الشر. وعدم البركة، والفشل في العمل أو الاختبار، واليأس من تحقيق الهدف أو قضاء الحاجة.

 

ومن التفاؤل أن يسمع المريضُ شخصاً يقول «يا شافي» أو يسمع التلميذُ وهو في طريقه إلى الامتحان شخصاً يقول «يا فالح»، فيستبشر المريض بالشفاء من المرض، والتلميذ بالنجاح في الامتحان.

وتسمى كلمات «يا شافي» التي سمعها المريض، و«يا فالح» التي سمعها التلميذ: «الفأل» أو (الفال).

فالفأل ضد الشؤم أو الطِّيَرة، وجمعه فؤل، وهو كل كلمة أو فعل أو شخص يستبشر به الإنسان في عمله، أو دراسته، أو تجارته، ويجعله يتوقع النجاح في العمل، والكسب في التجارة.

 

وبعض الناس يتشاءم عندما يسمع صراخ امرأة، أو بكاء طفل، أو نعيق بوم، أو نباح كلب، أو نهيق حمار، أو نعيب غراب، فيقع له في ظنه أنه لن يُشفى من مرضه، ولن يقضيَ حاجِته، أو لن ينجحَ في الامتحان، أو لن تَربحَ تجارته، بسبب ما سمع. ويقول تشاءمتُ أو تطيَّرْت من هذه الأصوات الشؤم.

ومن الناس أيضاً من يتشاءم من الرقمين 13 و31، التي يَعُدُّها بعض الناس أرقام شؤم ونحس، ويتطيرون بها، أي يتوقعون الشـرَّ وعدم قضاء حاجاتهم إذا كان طلبهم يحمل الرقم 13 أو 31.

ومن الناس من يتشاءم من مجيء شخص أو رؤية طائر، فإذا أصابه شر، وقع في ظنه أن ما أصابه بسبب مجيء هذا الشخص أو رؤيته لذلك الطائر، واعتقد أنه رجل شؤم أو طائر نحس.

 

ومن الطيور التي يُتَشَاءم بها البوم والغربان. وهي طيور برية، تعيش في أعشاش على الأشجار في الحقول والأماكن الخَرِبَة.

ويعتقد بعض الناس أن وجودها دليل على قرب خراب المكان، لذا ينزعجون من سماع أصواتها، ويعدونها نذير شؤم وشر بمن يسمعها أو يراها.

والتفاؤل مفيد للإنسان والتشاؤم ضار به، لأن الإنسان عندما يكون متفائلاً، يحس بالفرح والسرور، ويثق في قدراته على النجاح، ويشعر بالرضا والأمل.

وهذه مشاعر طيبة، تُقوِّيه نفسياً وجسمياً، وتحميه من الانحراف والأمراض، أما عندما يتشاءم فيحس بالحسرة والألم، ولا يثق في قدراته، ويشعر باليأس والجزع، وهي مشاعر سيئة، تؤلمه نفسياً، وتُضعفه جسمياً، وتجعله عرضة للأمراض والانحراف.

 

فالدراسات على المرضى أشارت إلى أن أجهزة المناعة في الجسم تزداد قدرتها على مقاومة المرض، إذا تفاءل المريض بالشفاء.

وتضعف إذا تشاءم وتوقع عدم الشفاء من المرض. كما أشارت الدراسات على التلاميذ إلى أن إجابات التلميذ المتفائل بالنجاح في الامتحان أفضل من إجابات التلميذ المتشائم، لإن التفاؤل يُنشِّط العقل، ويقوِّي الدافع للنجاح، ويرفع الطموح.

أما التشاؤم فيعطل التفكير، ويضعف العزم، ويجعل التلميذ يستسلم للفشل والرسوب.

 

لذا دعا الإسلام إلى أن يعيش الإنسان حياته متفائلاً غير متشائم، حتى في الأمور الصعبة عندما يكون مريضاً، أو تمر به أزمة، أو يؤدي امتحاناً.

فعليه إذا مرض أن يذهب للطبيب ويتداوى ويتفاءل بالشفاء، وإذا مرت به أزمة أن يجتهد في حلها، ويتفاءل بأن بعد العسـر يسراً، وأن يدرس بجد واجتهاد ويدخل الامتحان، وهو متفائل بالنجاح، لأن الله لا يُضيع أجر من أحسن عملاً.

وقد حرَّم الإسلام التشاؤم بوجود شخص أو رؤية طير، أو من رقم أو اسم أو فعل، فهذه الأمور ليس لها دخل فيما يحدث للإنسان من خير أو شر.

 

والاعتقادُ فيها خرافة، والعمل بها جهل، لأن نعيق البوم أو نعيب الغراب، أو رقم 13، لا تمنع خيراً عن الإنسان قد قدَّره الله له، ولا تأتي بشر لم يكتبه الله عليه.

فالإنسان العاقل لا يتشاءم بهذه الأشياء، ويثق في قدرة الله، ويؤمن بقضائه وقدره، ولسان حاله يقول(قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة:51).

 

ولنا في رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أُسوة حسنة، فقد كان يحب التفاؤل، ويكره التشاؤم، وكان يعجبه الفأل، أي الكلمة الطيبة.

فَعَن عُرْوَةَ بن عامر – رضي الله عنه – قال: ذَكَرْتُ الطِّيَرَة عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، فقال: أحْسَنُها الفأل، ولا. تَرُدَّ مسلماً.

(أي لا تجعل المسلم يتشاءم ويرجع عن تحقيق هدفه) فإذا وجد أحدُكم ما يكره فليقلْ: اللَّهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات، إلا أنت، ولا حولَ ولا قوَّة إلا بك». حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى