علوم الأرض والجيولوجيا

نبذة تعريفية عن معدن “الجلوكونيت”وبنيته وتركيبه الكيميائي

1998 الموسوعة الجيولوجية الجزء الثاني

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

معدن الجلوكونيت بنية معدن الجلوكونيت تركيب معدن الجلوكونيت الكيميائي علوم الأرض والجيولوجيا

الجلوكونيت هو أحد المعادن الشائعة في الصخور الرسوبية الغنية بالحديد خاصة في رواسب الرمال الخضـراء.

وقد اشتق اسم الجلوكونيت من الكلمة الإغريقية "جلوكوس" وهي تعني أخضـر مزرق، ومن الشائع استخدام مصطلح جلوكونيت في معنيين الأول معدني ويعني المعدن الأخضـر المزرق إلى الأسود المخضـر الذي يعرف بواسطة علماء المعادن بالجلوكونيت.

أما المعنى الثاني فهو شكلي (أو مورفولوجي). ويدل على وجود كريات (حبيبات) صغيرة خضـراء ترابية مستديرة، بعضها مكون من معدن الجلوكونيت والبعض الآخر عبارة عن تصاحب من طبقات مختلطة من معدن الجلوكونيت مع معدن أخرى ذات بنيات مركبة من ثلاث طبقات (ثلاثية الطبقات).

 

ومصطلح الرمل الأخضـر أو التراب الأخضر هو اسم أعطي للرواسب الغنية بالمعدن الأخضـر (الجلوكونيت) أو اسم الصخر للرواسب التي تحتوي على المعدن الأخضـر.

والتركيب الكيميائي هو سيليكات البوتاسيوم والألومنيوم المائية، ويحتوي على أيون الحديدوز والحديديك وبعض المغنسيوم.

يتبلور الجلوكونيت في فصيلة أحادي الميل، ويوجد على هيئة حبيبات أو كريات صغيرة دقيقة التبلور تشكل أحياناً تجمعات بلورية وأحياناً أخرى بلورات منفردة.

 

ولم يشاهد الجلوكونيت أبداً على هيئة بلورات كاملة الأوجه – وغالباً ما توجد حبيباته على هيئة حشوات تملأ أصداف المثقبات (الفورامنيفرا).

لون المعدن أخضـر مصفر إلى أخضر زيتوني داكن. وهو يضفي على الرواسب التي تحويه لوناً مخضـراً ويبدو أن لون الجلوكونيت يعتمد على كمية أيون الحديدوز الداخلة في تركيبه. فزيادة Fe+2 تؤدي إلى تعميق تدريجي لصبغته الخضـراء.

 

والجدير بالذكر أن الجلوكونيت في الرواسب القديمة يحوي كمية من أيون الحديدوز أقل مما في الرواسب الأحدث. ولذلك فإن لونها الأخضـر يبدو شاحباً بالنسبة للون الرواسب الحديثة.

وصلادة المعدن = 2 وله انفصام تام في اتجاه واحد هو اتجاه المحور البلوري الرأس، ووزنه النوعي يتراوح بين 2.22-2.92، ومعامل انكساره = 1.62.

 

البنية والتركيب الكيميائي

والجلوكونيت من معادن الطين يشبه الالليت في التركيب، وكذلك يشبه البيوتيت (ميكا) في خواصه البصـرية والكيميائية وبنيته البلورية، حيث يتبع مجموعة السيليكات الصفائحية (الورقية) والتي سميت كذلك لأن معظم أفرادها ذات هيئة قشـرية أو رقائقية، وتنفصم في اتجاه رئيسـي واحد.

وهي عادة مطاوعة قابلة للثني، ووزنها النوعي منخفض نسبياً وجميع هذه الخصائص تعزى إلى بنيتها المميزة، والتي تتكون من صفيحة مستمرة الامتداد من رباعيات الأوجه السليكانية.

والبنية الأساسية لهذه المعادن تتركب من ارتباط صفيحتين من رباعيات الأوجه على جانبي صفيحة من ثمانيات الأوجه المكونة من المجموعات الكاتيونية (Al3+, Mg+2).

 

وهذه البنية تكون متعادلة كهربياً ولكن أحياناً يحل الألومنيوم محل السيليكون في رباعيات الأوجه، مما يسبب ظهور شحنة سالبة حرة على سطح طبقات البنية وهذا يؤدي إلى ربط كاتيونات أحادية التكافؤ (مثل K+، Na+) بين الطبقات.

وفي حالة الجلوكونيت فإن الألومنيوم يمكنه أن يحل محل 4.2% إلى 14.3% فقط من ذرات الأكسجين في صفائح رباعيات الأوجه، وبذلك فإن الشحنة السالبة التي تتوفر غير كافيه لربط كاتيونات موجبة بحيث تصبح جميع مواقع الكاتيونات مملوءة.

ومع ذلك فإن بعض المواقع قد تملأ عشوائياً وقد تدخل بعض جزيئات الماء بين الطبقات بحيث تتكون معادن غنية بالبوتاسيوم والماء تختلف عن الميكا الحقيقية وتسمى بالميكا المائية أو الإيلليت.

 

كذلك قد يحل محل الألومنيوم في المواقع ثمانية الأوجه نسبة من أيونات الحديديك (Fe+3) والحديدوز (Fe+2) والمغنيسيوم (Mg+2).

مما يسبب نقصاً في الشحنة الموجبة في البنية بأكملها وضرورة إدخال كاتيونات موجبة على الطبقات مثل أيونات البوتاسيوم (K+) والصوديوم (Na+) والكالسيوم (Ca+2) لتعوض هذا النقص في الشحنات وبذلك يصبح القانون الكيميائي للجلوكونيت كما يلي:

ويحتوي الجلوكونيت إلى جانب ذلك على كميات من العناصر الضئيلة النادرة مثل البيريليوم، والكوبلت، والكروم، والنيكل، والفناديوم واليورانيوم وغير ذلك.

 

لقد كانت نشأة الجلوكونيت لغزاً محيراً لزمن طويل ولكن ظهور بعض الحقائق والدلائل سمح بوضع نظريات قابلة للتحقيق عن أصل هذا المعدن ونشأته.

فبسبب تصاحبه الشائع مع البقايا العضوية، اعتقد البعض أن وجود المواد العضوية ضروري لتكوين هذا المعدن.

وبسبب تركيبه الكيميائي وبنيته المشابهة لمعادن الطين فقد تحتم وجود المونتموريلونيت في بيئة بحرية ضحلة (يتراوح عمق الماء بها بين 100م – 300م) مع معدل ترسيب بطيء جداً يسمح للمونتموريلونيت بانتشال أيونات البوتاسيوم من ماء البحر.

 

وقد أدت زيادة نسبة أيون الحديدوز (Fe+2) على أيون الحديديك (Fe+3) في الجلوكونيت وكذلك ثبات هذه النسبة وتماثل المحتوى المغنسيومي ووجود بعض التصاحبات المعدنية الخاصة مثل الكبريتيدات الحديدوزية الرسوبية والبقايا العضوية – أدت إلى الاعتقاد بأنه يتكون في بيئة ليست شديدة الاختزال.

والجلوكونيت معدن ثانوي موضعي النشأة يتكون نتيجة للإحلال أو عمليات النشأة اللاحقة لمعادن الميكا مثل البيوتيت، ومعادن الطين مثل المونتموريلونيت في بيئة بحرية ضحلة وظروف متوسطة الاختزال، بحيث يكون معدل الترسيب بطيئاً جداً ومياه البحر متحركة لتسمح للمواد التي تكون الجلوكونيت بالتحلل الكامل قبل الدفن.

وهو يتكون من الطين الغني بالحديد في بيئة بحرية، تشيع فيها المواد العضوية، ويزداد النشاط البكتيري ويتراوح فيها تركيز أيون الهيدروجين أو الأس الهيدروجيني (pH) من 7 إلى 8 وينخفض فيها جهد التأكسد والاختزال (Eh) إلى -0.20 فولت، بحيث تختزل المركبات الحديدية إلى مركبات حديدوزية.

 

وإذا وجد أيون الكبريت تتكون الكبريتيدات بسهولة، وبتفاعل الطين أو الجزئيات الأخرى الحاملة للألومنيوم مع أيون الحديديك قد تتكون كميات كبيرة من السيليكا الحاملة للحديد مثل الشاموزيت والجلوكونيت.

ومن ناحية أخرى فإن لمعدن المونتموريلونيت القدرة على امتصاص أيونات البوتاسيوم من المياه في البيئة البحرية وهذا يؤدي إلى تكون طبقات معادن الطين المختلطة.

وإدخال البوتاسيوم بين صفائح بنيات المعادن يسبب إجهاداً للشبكة البلورية مما يسهل إحلال الألومنيوم بواسطة أيونات الحديد وتحرك أيونات الألومنيوم خارج طبقة ثمانيات الأوجه، حيث تدخل هذه الأيونات في تكوين جزيئات مونتموريلونيت جديدة على سطح حبيبات المعادن المشبعة بالبوتاسيوم والحديد. وبذلك تستمر عملية النمو بالإضافة والالتحام.

 

ومعظم كميات الحديد والسيليكون المنقولة بواسطة المياه العذبة على هيئة محاليل تترسب كيميائياً في صورة هيدروكسيدات غروية في بيئة ضحلة متوسطة الملوحة، حيث تصبح جاهزة لعلمية تكوين الجلوكونيت.

وتحدد عملية نمو الحبيبات الكروية بواسطة تيارات الماء والتي تميل إلى تحريك كريات الجلوكونيت المتكونة حديثاً من بيئة التكوين إلى مناطق الترسيب والدفن.

وتستمر عملية الترسيب الثانوي والإحلال العام للطبقات الحاملة للماء بإضافة البوتاسيوم مما يقلل من كمية مادة الطبقات المختلطة ويزيد من كمية الجلوكونيت الناضج.

 

ويعتقد أن أيون الحديدوز وليس أيون الحديديك هو الذي يذاب خلال تجوية الصخور. لأن هذا الأخير قليل الذوبان حيث ينتقل أيون الحديدوز مع العيون المائية والأنهار إلى مواضع الترسيب المناسبة في البحر المفتوح.

وهناك تترسب بكميات ضخمة على هيئة سيليكات حديد مائية وشاموزيت وجريناليت وثوربيجيت لتكون رواسب الرمل الأخضر.

ورواسب الرمل الأخضـر عموماً تحتوي على كريات الجلوكونيت، ومعادن طينية بالإضافة إلى مواد أخرى مثل الميكا والكوارتز والبيريت وبعض المعادن الثقلية، وكربونات الكالسيوم، على هيئة مواد لاحمة أو أصداف وكذلك أكاسيد الحديد، وعقيدات الفوسفات والحبيبات البرازية وبقايا هياكل عظيمة لحيوانات فقارية بحرية.

 

وتتراوح أحجام حبيبات الجلوكونيت بين دقيقة إلى خشنة فالحبيبات الناتجة من التحلل تكون عادة خشنة. ومعظم الحبيبات الفتاتية تكون ناعمة مصقولة مستديرة وصغيرة وقد توجد حبيبات جلوكونيت من حجم الطين تملأ الفراغات بين الرواسب خشنة الحبيبات.

وقد يوجد الجلوكونيت على هيئة طبقات صلبة أو حبيبات مشتتة، أو كتل غنية بالجلوكونيت أو على هيئة حشوات (مواد مالئة) في أنابيب الديدان الاحفورية أو في أصداف المثقبات (الفورامنيفرا)، وعلى هيئة كريات فوسفاتية برازية بنية اللون. وغالباً ما توجد الطبقات الغنية بالجلوكونيت متعاقبة مع الطبقات الرملية والطينية والكربوناتية.

والجلوكونيت حديث النشأة يكون أساساً ذا لون أخضـر براق إلى اخضـر داكن ذا فصوص كثيرة أو مستديرة وأنبوبية، والحبيبات غير المنتظمة الدودية أو أنبوبية الشكل الملتحمة ببعضها تكون عادة من أصل ثانوي أو مكاني النشأة.

 

أما الحبيبات جيدة الاستدارة الناعمة الموجودة في بعض التكوينات – فتكون من أصل فتاتي أو من جيل ثان.

والجدير بالذكر أن الجلوكونيت غير ثابت على هيئة معدن فتاتي عند تعرضه للتجوية الهوائية إذ سرعان ما تتأكسد حبيبات المعدن الخضـراء اللامعة إلى تجمعات ليموناتية بنية اللون أو تتغير إلى تجمعات رمادية تشبه الطين وبذلك يمكن القول بأن وجود الجلوكونيت من أهم دلائل البيئة الرسوبية البحرية.

لقد عرف الجلوكونيت في كل من الرواسب القديمة والحديثة. ويوجد في صخور تتراوح أعمارها بين ما قبل الكمبري حتى الحديث ومع ذلك عندما يستعمل مصطلح جلوكونيت (الرمل الأخضـر) فإن ذلك يعني عمراً يتراوح بين الطباشيري والثلاثي (الزمن الثالث).

 

ويشيع وجود الجلوكونيت ضمن تراكمات الحديد الرسوبية المتكونة في العصور التالية لما قبل الكمبري، والمسماة بأحجار الحديد.

ولكنه نادراً ما يوجد فيها بكميات كافية، ما عدا في واحد أو اثنين منها مثل الرمال الخضـراء من الطباشيري العلوي لنيوجيرسي في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن الطباشيري العلوي في نيوزيلاندة.

كما يوجد الجلوكونيت مصاحباً لرواسب خامات المنجنيز في الثلاثي لجنوب روسيا، على طول المنطقة الواقعة خلف الساحل الشمالي للبحر الأسود، مثل نيكوبول وبولستي ولابينسك وشياتورا. 

ومثل هذه الرواسب والتصاحبات معروفة أيضاً في جنوب فلسطين وكذلك في تركيا وبلغاريا وأماكن أخرى على طول الجانب الشمالي من البحر المتوسط، وفي طبقات الطباشيري السفلي من جروت ايلاندت شمال استراليا.

 

وتوجد أيضاً رواسب الرمل الأخضر المحتوية على الجلوكونيت في منطقة انتويرب في بلجيكا، وهامبشير وأسكس وكنت في بريطانيا، وجنوب ليمبورج،  وشرق أوفاريجسيل في هولندا، وكذلك في منطقة زيلناو في بولندة.

وفي روسيا السابقة يشيع وجود الرمل الأخضـر الحامل للجلوكونيت في المناطق الشمالية الغربية من روسيا الأوروبية كما في أوكرانيا ومنطقة الفولجا والمنحدر الشـرقي من جبال الأورال وفي كازخستان.

أما في البلاد العربية فيوجد الجلوكونيت بكميات غير معروفة ضمن رواسب الحديد في الصحراء الغربية بمصـر وضمن رواسب الحديد والمنجنيز في بعض البلاد العربية الأخرى.

 

وبالرغم من الاحتياطي الكبير والانتشار العالمي الواسع للرمل الأخضـر، فإن استعمالات هذا المعدن ظلت محدودة ولم يكن له أهمية تجارية كبيرة أو تطبيق هام، ويعود ذلك أولاً إلى أنه يصعب وجود استعمال تجاري لمادة بمثل هذه الخواص والتركيب الكيميائي.

وثانياً إلى قلة الأبحاث التي اجريت لإيجاد تطبيقات تجارية هامة لهذا المعدن، وأخيراً إلى وجود مواد أخرى أفضل منه يمكن استخدامها بدلاً منه.

ونظراً لمحتوى الجلوكونيت من البوتاسيوم والفوسفات، فقد استخدام الرمل الأخضـر في هيئة سماد لتحسين التربة وتغذية النباتات والمحاصيل الزراعية.

 

ولكن بسبب صعوبة انطلاق أيون البوتاسيوم ووجود بعض المركبات الضارة بالنباتات مثل الكبريتيدات، وتوافر أملاح ذات محتوى بوتاسي أعلى من مصادر معدنية أخرى، وكذلك تصنيع أسمدة مركبة جاهزة ذات قيمة غذائية قابلة للضبط، فقد قل استخدام الرمل الأخضـر للأغراض الزراعية.

ومن أهم استعمالات الجلوكونيت استعماله في معالجة الماء العسـر، حيث عرفت قابلية الجلوكونيت لتبادل الأيونات (الكاتيونات والأنيونات).واستغلت هذه الخاصية لتنقية المياه بإزالة الحديد والمنجنيز والكبريتيدات من الماء.

ولكن هذا الاستعمال لم يعد أيضاً ذا أهمية تذكر حيث حل محله الفينول فورمالدهيد الغروي ثم السترين الغروي إذ أنّ له قدرة أكبر على معالجة الماء العسـر دون أن يتأثر بدرجة حرارة الماء.

 

وهناك استخدامات أخرى للرمل الأخضـر منها حل وتفكيك الجلوكونيت لاستخراج ثلاثة نواتج قابلة للتسويق وهي السيليكا النقية وأكاسيد الحديد والبوتاسيوم، وأيضاً جرش وطحن الرمل الأخضـر لاستخدامه في إنتاج صبغات معدنية وبويات خضـراء وصناعة الزجاج الأخضر وعمل مادة إضافية لاحمة في صناعة الطوب.

كذلك استعمل الجلوكونيت كمنشط كيميائي، وفي امتصاص السوائل الملونة ومياه المجاري وكعامل لصقل وتلميع الزجاج.

 

معظم طبقات الرمل الأخضـر عبارة عن رواسب غير متصلدة (مفككة)، ولذلك استعمل في انتاجية عمليات الاستخراج بواسطة الحفرة المفتوحة، وبعد الاستخراج يغسل الرمل الأخضـر جيداً ويعالج بواسطة مواد كيميائية مثل كبريتات الألمونيوم وسليكات الصوديوم وألومينات الصوديوم.

وفي بعض الأحيان بواسطة الصودا الكاوية وحمض الفوسفور ليناسب أغراضاً خاصة. ومثل هذه المعالجة تؤدي إلى انتاج رمل أخضـر ثابت جداً من الناحية الكيميائية، وذي قدرة كبيرة على تبادل الأيونات لإزالة الحديد والمنجنيز والكبريتيدات من الماء. وبعد المعالجة يوزع الرمل الأخضـر إلى درجات نوعية ويجفف ثم يعبأ في أكياس ويعد للتسويق.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى