العلوم الإنسانية والإجتماعية

قضايا أثارت تحفيز النقاش الأخلاقي بشأن التكنولوجيا الحيوية

2014 البذور والعلم والصراع

أبي ج . كينشي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

العلوم الإنسانية والإجتماعية البيولوجيا وعلوم الحياة

في وقت مبكر من ثمانينات القرن المنصرم، كسب أحد أبرز منتقدي الولايات المتحدة الأميركية في التكنولوجيا الحيوية «جيريمي رفكن» (Jeremy Rifkin) دعوة قضائية ضدّ وكالة حماية البيئة (EPA) لإيقاف الاختبارات الميدانية على الميكروب المصمم من خلال الهندسة الوراثية الذي يمنع تكوّن الصقيع على الفواكه والخضر.

فقد لفتت تلك القضية انتباه الجمهور إلى أوجه القصور [لدى الدولة الأميركية] في عملية المراقبة الناظمة التي كانت وليدة حينذاك.

تبع ذلك سلسلة من الدعاوى القانونية، رفعتها «منظمة رفكن» (Rifkin’s Organization)، المعروفة بـ «مؤسسة التوجّهات الاقتصادية»(Foundation on Economic Trends) لتتحدّى تنمية وتطوير التكنولوجيا الحيوية.

لكن معظم القضايا، على أية حال، خسرها رفكن؛ نتيجة اقترح جازانوف (Jasanoff 1995, 158) أنها ستشهد على محدودية الإجراءات القانونية كمنتدى لتأطير وإجراء التقييم ذي مغزى للتكنولوجيات.

 

وعلى الرغم من أن هذه الدعاوى كانت تهدف إلى خلق نقاش عام واسع النطاق حول الآثار المحتملة للتكنولوجيا الحيوية، فإن المحاكم الأميركية «تركت من دون المساس بـه، ذلك النهج البيروقراطي الكبير المرتكز على المخاطر (Risk-based) كي ينظم التكنولوجيا الحيوية، والذي في النهاية لم يكن مشجّعاً لطرح أسئلة  مفتوحة معنوية وأخلاقية» (مصدر سابق).

على صعيد آخر، هناك على الأقل مثال واحد لدعوى قضائية كانت قد حفّزت النقاش الأخلاقي بشأن التكنولوجيا الحيوية، وقادت إلى حكم تحدّى الاتجاهات السائدة.

ففي عام 1993م رفض مدقّقو براءات الاختراع الكنديون طلب براءة اختراع كلية هارفرد الخاص بالفأرة المهندسة وراثياً، موضحين أن براءة الاختراع تكون للجين فحسب، لا للكائن الحي كله.

إلا أن كلية هارفرد استأنفت قرار المدققين الكنديين، وانتهى الأمر في نهاية المطاف بالدعوى في المحكمة الكندية العليا. 

 

وقد عمل على دعم مفوضية «براءات الاختراع» (Patents Commissioner) كمتدخلين، إحدى عشرة منظمة دينية وبيئية وراعية للحيوان، وكان من ضمنها مجلس الكنائس الكندي والسلام الأخضر الكندية و«المعهد الكندي للقانون والسياسة البيئية» (Candian Institute For Environmental Law and Policy) ومجموعة عمل التآكل والتكنولوجيا والتركيز و«الصندوق الدولي للرفق بالحيوان» (International Fund For Animal Welfare) (Furlanetto 2003).

كما يظهر هذا الحزام من المنظمات التي عملت كمتدخلة في المفوضية، أن المعركة القانونية، التي يطلق عليها اسم «فأرة هارفرد» (Harvard Mouse) أو «أونكوماوس» (Oncomouse) أصبحت نقطة محورية للناقدين من قِبل مجموعة واسعة من وجهات النظر، بدءاً  بجماعات حقوق الحيوان وصولاً إلى المنظمات المسيحية.

وفي نهاية المطاف، أيّدت المحكمة الكندية العليا قرار رفض طلب براءة الاختراع في كانون الأول/ ديسمبر من عام 2002م، معلّلة قرارها بعدم سماح منح براءة الاختراع [لتعديل] أنماط الحياة العليا.

فقد حطّم حكم المحكمة الكندية العليا ما كان متبعاً في الأحكام السابقة في الولايات المتحدة الأميركية واليابان ومكتب براءات الاختراع الأوروبي التي تسمح ببراءات الاختراع الخاص بأنماط الحياة العليا. وعليه، ففي كندا لا تتوفر الحماية للملكية الفكرية للنباتات والبذور، إلا تحت ظلّ قانون حقوق مربّي النباتات الذي يوفّر حقوقاً أقل توسعاً مما هي عليه في براءة الاختراع(9).

ما وراء تلك الأحكام ذاتها هو، أن إحدى النتائج المحتملة للتعبئة القانونية المحيطة بقضايا العلم والتكنولوجيا يمكن أن تكون زيادة التساؤل حول السلطة العلمية، وتمكين المواطنين من تأكيد معارفهم الخبيرة.

 

ولا يمكن التنبؤ بالنتائج التي قد تُسفر عن نضالات الحركة الاجتماعية في ساحة قضائية. وأشارت جازانوف (Jasanoff 1995) وغيرها إلى أن غرفة المحكمة توفر موقعاً مهماً، لما سمّاه هيس (Hess 2007) بالتحديث المعرفي.

ففي الادعاءات القانونية يتم وضع المعرفة العلمية والسلطة المختصة للتدقيق من قِبل الجماهير بمختلف مشاربها. فكما لاحظ العلماء الآخرون، إن استخدام العلم والخبراء كشهود دلالية للمحكمة غالباً ما يكون محفوفاً بالمنافسات ذات مصداقية مثيرة للجدل(Lynch and Cole 2005; Caudill and LaRue 2006).

فقد وجد جازانوف (Jasanoff 1995, 54) أن هناك عملية عدائية فـ «كل العوامل التي تقدم لضمان مصداقية (خبير) شاهد، تكون معرضة كلها للهجوم (لا على العوامل المعرفية فحسب، بل أيضاً على العوامل الاجتماعية مثل السلوكية والشخصية ومصالح المهارة الخطابية البلاغية)».

فهي تشير إلى أن هذا لا ينطوي بالضرورة على تشويه المعرفة العلمية، وإنما يكشف التناقضات الموجودة فعلاً، والخلافات المهنية الموجودة داخل/ وبين التخصّصات العلمية. فتلك العملية العدائية [التي نحن بصددها] تكشف الخبراء للتدقيق من العامة بطريقة لا تحدث عادةً في أماكن أخرى، وبالتالي فعندما يطعن النشطاء بالتكنولوجيا الجديدة داخل قاعة المحكمة، يكون لمثل هذه النضالات تداعيات لا على كيفية تعامل المجتمع مع التكنولوجيا الجديدة فحسب، بل أيضاً لكيفية التعامل مع سلطة المعرفة العلمية أيضاً.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى