الفيزياء

عملية غلي مزيج الماء والأسيتون

2013 الرمل والسيليكون

دنيس ماكوان

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الفيزياء

لنعد الآن إلى مزيج الماء والأسيتون ونسأل كيف يغلي المزيج؟ وعلى الرغم من أن الجوانب الثرموديناميكية قد وُصفت تماماً في رسالة جيبس، دعنا نبدأ مع التجارب التي أجريت في نفس الوقت على غليان الماء المالح، ففي عام 1878، أثبت الأستاذ فرانسوا ماري راولت (François- Marie Raoult)، أستاذ الكيمياء في جامعة غرونوبل (Grenoble)- فرنسا، أن ضغط البخار فوق محلول يحتوي الماء وأملاح متعددة يتناقص بالتناسب مع نسبة السائل، أي الماء، وعكسياً مع الملح.

ويقترن تناقص ضغط البخار فوق المحلول بتفسير فيزيائي بسيط حيث يتعلق الضغط فوق السائل بضرب ميل الجزيئات الوسطي إلى الانبعاث من السائل إلى البخار بعدد جزيئات الماء.

ففي المحلول، تُستبدل بعض جزيئات الماء بمكون ثانٍ ويصبح عند ذلك عدد جزيئات الماء المخزنثة أقل ويتناقص بالنتيجة ضغط بخار الماء فوق المحلول بالتناسب مع نسبة جزيئات الماء فيه.

وفي نفس الوقت، يكون ضغط بخار الملح منخفضاً جداً ويساهم بشكلٍ قليلٍ جداً في ضغط البخار الكلي.

تتناقص درجة حرارة غليان الماء مع الصعود من مستوي سطح البحر إلى قمة جبل إيفرست، لأن الضغط الجوي يتناقص، ونتيجة ذلك، يبلغ ضغط بخار الماء الضغط الجوي عند قمة جبل ايفرست عند درجة حرارة أقل.

ومع ذلك، تتزايد درجة غليان الماء تحت ضغط ثابت مع إضافة الملح لأن ضغط البخار قد تناقص ولأنه ينبغي زيادة درجة الحرارة كي يصبح ضغط البخار فوق السائل مساوٍ للضغط الجوي.

وبخلاف الماء المالح، لا تختلف ضغوط بخار الماء والأسيتون عن بعضها كثيراً (الشكل 6.3). وعند مزج الماء والأسيتون معاً لتشكيل محلول، دعنا نفترض أنه لا يوجد بينهما أفعال متبادلة، وهذا ما يسميه الكيميائيون بالمحلول المثالي.

 

وفي هذه الحالة، يسلك جزء المزيج من الماء سلوك الماء النقي، وبالمثل، يسلك جزء الأسيتون سلوك الأسيتون النقي. وبالانسجام مع ملاحظات راولت حول محاليل الملح، سيكون جزء ضغط البخار الكلي، أي الضغط الجزئي، الناتج عن الماء مساوٍ إلى ضرب ضغط بخار الماء النقي بنسبة جزيئات الماء في المزيج، وبالمثل للضغط الجزئي للأسيتون.

ويسلك عدد من المحاليل هذه الصورة المبسطة للسائل. أما تلك المحاليل التي لا تمتثل، فهي تقارب السلوك المثالي عند التراكيز المنخفضة وثيقة الصلة بتنقية السيليكون.

كي يغلي مزيج الماء والأسيتون، يجب أن يساوي الضغط الكلي للبخار الضغط الجوي، ويساوي الضغط الكلي مجموع الضغط الجزئي لمساهمة كل مكون في السائل. وحيث أن ضغط بخار الأسيتون أعلى من مثيله في الماء، سيساهم الأسيتون بنسبة أكبر من الجزيئات في طور البخار.

وفي نفس الوقت، يكون عدد الجزيئات ثابتاً في كامل النظام، ولبلوغ التوازن عند درجة الغليان، ستتغير نسبة كل مكون في طوري البخار والسائل. وبالمحصلة، يكون البخار أغنى بالمكون ذي ضغط البخار الأعلى ويكون السائل أفقر مما هو منتظر بالاعتماد على التركيب الكيميائي الإجمالي. 

يبين الشكل 7.3 التركيب الكيميائي المحسوب لكل طور بدلالة درجة الحرارة وتحت الضغط الجوي، ويُعطى التركيب الكيميائي للبخار والسائل عند كل درجة حرارة بدلالة التركيب الكلي للمزيج. يمثل المنحنيان التركيب الكيميائي للسائل (المنحني الأسفل) وللبخار (المنحني الأعلى) مع تغير درجة الحرارة من درجة حرارة تبخر الأسيتون النقي إلى درجة حرارة تبخر الماء النقي.

وكما يبين مخطط الأطوار من أجل محلول يحتوي على 50% من الماء وعند الدرجة 350°مطلقة على سبيل المثال، تساوي نسبة الماء في طور البخار 25% وفي الطور السائل 62%. ويكون التركيب الكيميائي للسائل أغنى بالماء من المحلول الأصلي بينما يكون التركيب الكيميائي للبخار أفقر بالماء.

إذا فُصل قسم من البخار وتكثّف، يمكن عندئذ استعماله كمادة أولية لتنقية إضافية، وإذا سُخِن هذا القسم إلى الدرجة 340°مطلقة، فإن البخار الناتج سيحتوي فقط على 10% من الماء و 90% من الأسيتون.

ويمكن تكرار هذه العملية العدد المطلوب من المرات للحصول على نقاوة الأسيتون المرغوبة. بالمقابل، يمكن فصل أقسام السائل المتتالية للحصول على ماء نقي.

 

في التقطير المجزأ، يكون الوعاء على الأرجح مفتوحاً وليس مغلقاً ويتمكن البخار من الانفلات، وتزداد درجة الحرارة مع انزياح التركيب الكيميائي للطور السائل نحو اليمين في الشكل وهذا ما يوافق الصعود على منحني السائل في الشكل 7.3 مع تقدم التقطير.

يُصمَّم العمود مع عدد من الطبقات التي تمتلك درجات حرارة تنخفض تدريجياً مع الصعود إلى أعلى العمود. ونتيجة ذلك، سيتكاثف البخار على الطبقة ويسيل السائل الناتج الأغنى بالماء نحو أسفل العمود وتكون المحصلة الصافية في أن البخار يصبح أغنى بالأسيتون كلما صعد في العمود وأن السائل أسفل العمود يصبح أغنى بالماء.

لتنقية السيليكون، يُصنَّع ثلاثي كلور السيلان الذي يحتوي على كميات صغيرة من الشوائب. ومثل الماء في الأسيتون تماماً، تمتلك أطوار الشوائب ضغوط بخار مختلفة عند أي درجة حرارة معينة.

ومع كون تركيز الشوائب صغير جداً، يعني ذلك أن العملية تبدأ عند تراكيب كيميائية بعيدة جداً نحو اليسار في مخطط الأطوار الموافق. ويبقى المبدأ نفسه في أن الشوائب تبقى في الوراء خلال التقطير إذا كانت تمتلك ضغط بخار أقل منه في ثلاثي كلور السيلان.

تحدث حالة مشابهة عند تجمد وانصهار مزيج المواد ويتشابه مخطط الأطوار الناتج كثيراً مع المخطط المبين أعلاه من أجل الغليان. وفي هذه الحالة، يكون الطور الصلب مستقراً عند درجات الحرارة المنخفضة والطور السائل عند درجات الحرارة المرتفعة.

 

وتلاحظ اختلافات مماثلة بين التركيب الكيميائي للمحلول الصلب والمحلول السائل إذا كان النظام في وضع التوازن. ويمكن أيضاً بنفس الطريقة تحقيق تنقية أحد المكونات أو الآخر، وهذا ما يسمى قياساً بالتبلور المجزأ حيث تتألف تنقية النطاق من مراحل متكررة من التبلور المجزأ.

رأينا في هذا الفصل كيف يمكن تحويل الرمل إلى سيليكون فائق النقاوة تحتاجه صناعة الالكترونيات. وقد تطورت عملية التنقية بواسطة تنقية النطاق أو التقطير المجزأ من تطبيق قوانين الثرموديناميك التي تطورت على مدى عدة قرون منذ بداية دراسة انضغاطية الغازات من قبل روبرت بويل (Robert Boyle) خلال القرن السابع عشر والتقدم نحو دراسة توازن المواد غير المتجانسة من قبل ج. ويلارد جيبس في نهاية القرن التاسع عشر (Gibbs 1961).

وتعتبر قوانين الثرموديناميك الأساسات التي تستند إليها علوم المواد والكيمياء في القرن العشرين وهذا ما يتجسد في تنقية السيليكون المصنّع من الرمل.  

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى