أدوات

التطور التاريخي للسفينة عبر الزمن

2000 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الحادي عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

السفينة التطور التاريخي للسفينة أدوات التكنولوجيا والعلوم التطبيقية

يقول الله تعالى( فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ ۙ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ ۖ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۖ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (27) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (المؤمنين: 27-28).

في البِدايَةِ وَحينَ رَأَى الإِنْسانُ الأَوَّلُ البَحْرَ لَمْ يَسْتَطِع أَنْ يَعُومَ فيهِ أَوْ يَنْزِلَ ليَرى مَدى عُمْقِهِ، بَلْ كَانَ يُلاحِظُ أَنَّ هُناكَ بَعْضَ الأَشْياءِ تَطْفو عَلى السَّطْحِ. 

فَبَدَأَ يَقْطَعُ بَعْضَ الأَشْجَارِ فَوَجَدَ أَنَّ الجّذِعَ يُمْكِنُ أَنْ يَسيرَ في الْيَمِّ لَكِنْ دُونَ أّيِّ اتِّجاهٍ مُعَيَّنٍ، فَاسْتَخْدَمَ يَدَيْهِ ثُمَّ رِجلَيهِ في سَبيلِ تَحْريكِ هَذا الجِذْعِ وتَسْييرِهِ.

 

ثُمَّ قَامَ بِرَبْطِ بَعْضِ الجُذُوعِ بِقُماشَ (كالكَتَّان أو القُطْنِ أو الحِبَال) فَأَصْبَحَ لَدَيْهِ شِبْهُ قارِب. ثُمَّ حاوَلَ أنْ يَسُدَّ الثُّقوبَ فِيماَ بَيْن الجُذُوعِ المَرْبُوطَةِ بِبَعْضِ القُطْنِ أَوْ الخَيْشِ وَهَكَذا اسْتطاعَ بِناءَ أَوَّلِ قارِب.

وحينَ احْتَاجَ الإْنْسانْ الأَوَّلُ للاتِّصالِ مَعَ المَنَاطِقِ البَعيدَةِ بَدَأَ بِصِناعَةِ السُّفُنِ مِنْ الأَخْشابِ المُتَوَفِّرَةِ لَدَيْهِ.

ويُقالُ إنَّ أَوَّل مَنْ تَعَلَّمَ فَنَّ البَحْرِ بينَ  الشَّعوبِ القَدِيمَةِ هُمْ سُكَّانُ شَواطِىءِ الخَليجِ العَرَبِيِّ وشَمالِ أَفْرِيقيا وسُكَّانُ فينيْقيا والمُحيطِ الأَطْلَسِي.

 

والمِصْرِيُّونَ القُدَماءُ هُمْ أَوَّلُ مَنْ رَكِبَ البَحْرَ وكانَتْ سُفُنُ المُلُوكِ والأُمَراءِ والأَعْيانِ تَخْتَلِفُ عَنْ سُفُنِ عامَّةِ النَّاسِ في مِصْرَ القَديمَةِ مِنْ حَيُثُ الشَّكْلُ والزِينَةُ والتَأْثِيثُ.

والسُّفُنُ بِشَكْلِ عَامٍّ مُتَشابِهَةٌ في فِكْرَةِ صِناعَتِها، وإِنْ كانَتْ بَعْضُ الدُّوَلِ حاوَلَتْ تَطْويرَ أَشْكالِ السُّفُنِ لِلْتَلاؤُمِ مَعَ حاجَتها كالسُّفُنِ الصَّغيرَةِ وسُفُنِ القِتَالِ وسُفُنِ الصَّيْدِ وسُفُنِ السَّفَرِ البَعيد وغَيْرِها.

كَما أنَّهُ مُنْذُ البدايَةَ كانَ اسْتِخْدامُ الحِبالِ في رَبْطِ الأَخْشابِ أَو اسْتِعْمالُ (المَسامِيرِ) كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ الخَلِيجِ العَرَبيِّ. كَما اعْتُمِدَ على الشِراع في تَسْييرِ السَّفينَةِ. 

 

وَمَعَ اتِّصال النَّاسِ بِبَعْضِ انْتَقَلَ الشِّراعُ المُثَلَّثُ مِنْ مِنْطَقَةِ الخَلِيجِ العَرَبِيِّ إلى سُفُنِ المُحِيط الهِنْدِيِّ والبَحْرِ المُتَوَسِّطِ وأُورُبَّا.

والسُّفُنُ الخَشَبِيَّة بَقِيَت وَقْتاً طويلاً حَتّى بَدأ الإِنْسَانُ يَعْرِفُ الحَدِيدَ وكَيْفيَّةَ الاسْتِفادَةِ مِنْهُ، فَظَهَرَتِ السُّفُنُ الحَديدِيَّةُ.

وبَعْضُ الدُّوَلِ لم تَكُنْ لَدَيْها أَخْشابٌ لِصِناعَةِ السُّفُنِ فكانَتْ تُضْطَرُّ لاسْتِيرادِ الأَخْشابَ مِنْ دُوَلٍ أُخْرَى، كاسْتِيرادِ الأَخْشابِ مِنَ الهِنْدِ كَما كَانَ يَفْعَلُ أَهْلُ الكُوَيْتِ في السَّابِقِ.

إذْ كَانوا يَسْتَوْرِدُونَ ما تَحْتاجُ إِلَيْهِ صِناعَةُ السُّفُنِ مِثْلَ «الحَلِّ» (وهوَ زَيْتُ السِّمْسِم). 

 

و«الدُوبَارَة» و(هي الرُّقْعَةُ الَّتي تَسُدُّ الثُّقوبَ في الشِّراعِ)، و«الصلّ» (الَّذي يَكونُ دِهانًا لِلْسَّفينَةِ لِيَمْنَعَ تَسَرُّبَ الماءِ إلَيْها ويَحْمي الأَلْواحَ مِنَ الجَفافِ والتَّشَقُّقِ) و«الطَّاري» (وهو القَارُ لِطِلاءِ البيص – أَسْفَلَ السَّفينَةِ).

والسُّفُنُ في دُوَلِ العالَمِ قاطِبَةً تُسْتَعْمَلُ الآنَ لِنَقْلِ البَضائِعِ لأَنَّها أَرْخَصَ الطُّرُقِ لِلنَّقْلِ. كَما أَدَّى ظُهورُ السُّفُنِ الكَبيرَةِ (العِمْلاقَة) لِنَقْلِ النَّفْطِ إلى مَناطِقِ اسْتِهْلاكِهِ، ونَظَراً لِكِبَرِ حَجْمِ هَذِهِ السُّفُنِ فَإِنَّها تَسْتَعْمِلُ السَّيّاراتِ الكَهْربائِيَّةَ لِلْتَّنَقُّلِ عَلى ظهْرِها.

كَذَلِكَ ظَهَرَت في السَّنَواتِ الأَخِيرَةِ، خاصَّةً بَعْدَ الحَرْبَيْنِ العالِمِيَّتَيْنِ، السُّفُنُ الحَرْبِيَّةُ الكَبيرةُ وحامِلاتُ الطَّائراتِ التي يُقَدَّرُ ارْتِفاعُها بِحَوالي سبعةِ طَوابِق.

 

ولِراكِبِي السَّفينَةِ، سَواءٌ في الماضي أو الحاضِرِ، قَوانينُ تُحْكِمُ السَّيْطَرَةَ عَلَيْها ويُنَفِّذُها حَرْفِياً «القبطان» أو «النوخذة». 

فَهُوَ الآمِرُ النّاهي ويُحاوِلُ أَنْ يُطَبِّقَ ما هُوَ مُتَعَارَفٌ عَلَيْهِ أو ما وَرِثَهُ مِنْ قَوانينَ حَتّى يُمْكِنُهُ أَنْ يَصِلَ بالسَّفينَةِ إلى بَرِّ الأَمانِ. وهَذِهِ القَوانينُ أَصْبَحَتْ مُتَعارَفًا عَلَيْها في جَميعِ دُوَلِ العالَمِ.

وقَدْ اهْتَمَّ الكُوَيْتِيُّونَ كَثيراً بالسُّفُنِ فَقَدْ كانَتْ لَهُمْ سُفُنٌ خاصَّةٌ لِلْغَوْصِ عَنِ اللّؤْلؤ مِثْل: البقارة، والشُوعي، والسَنْبوك، والبُوم، والجالبوت، بَيْنَما كَانَتْ سُفُنُ التِّجارَةِ (البَضائِع) مِثْل: أبغلة، بتيل، السنبوك، البوم.

وتَبْقى السُّفُنُ الصغيرَةُ مثل: كتر، ماشوة، هورى، للمُواصَلاتِ دَاخِلَ المِنْطَقَةِ ولِصَيْدِ السَّمَكِ والتَّنَقُّلِ.

 

ومِثْلَما لِلْجِسْمِ أَسْماءٌ (كالوَجْهِ والبَطْنِ والظَّهْرِ واليَدَيْنِ… الخ) كَذَلِكَ للسَّفينَةِ أَجْزاء، مِثْل: السِّكان: الدَّفَّة، باورَة (ثقل لِتَثْبيتِ السفينَة)، بَندُول (لِمَعْرِفَة الاتِّجاه)، بيص (أَسْفَل السَّفينَةِ)، تِرْكيت: (أَحَد أَنْواع الصَّوارِي)، خُنْ (مَلْجَأ سُفْلي)، سَطْحَه (سَطْح السفينَة)… الخ.

وبِانْتِهاءِ عَهْدِ الغَوْصِ تَرَكَ الكُوَيتيُّونَ هَذِهِ المِهْنَةَ وَأَبْقُوا عَلى مِهْنَةِ التِّجارَةَ حَتى يَوْمِنا هَذا واسْتَبْدَلوا السُّفُنَ الخَشَبِيَّةَ بِسُفُنٍ حَدِيديَّةٍ تَسيرُ بالبُخارِ والديزِل.

ومُنْذُ نَشْأَةِ الكُوَيْتِ كَإِمارَةٍ صَغيرَةٍ وهيَ تَقومُ بِصِناعَةِ السُّفُنِ الخَشَبِيَّة، وكانَتْ أَوَّلُ مَعْرَكَةٍ بَحْرِيَّةٍ بَيْنَ أَهْلِ الكُوَيْتِ في عَهْدِ الشيخِ عبدِ اللهِ الأَوَّلِ بنِ صَبَاحٍ الأَوَّلِ وبينَ بَني كعب هي مَعْرَكَة الرَّقَّةِ البحريَّةِ الّتي انْتَصَرَ فيها الكُوَيْتِيّونَ.

 

وقد احْتَفَظَتِ الكُوَيْتُ بأَحَدِ الآثارِ البَحْرِيَّةِ الهامَّةِ وهيَ سَفينَةُ (المُهَلَّب) لِتَذْكيرِ أَهْلِ الكُوَيْتِ بِأَيَّامِ البَحْرِ الجَميلَة.

وأَثْناءَ احْتِلالِ الكُوَيْت قامَ الجَيشُ العِراقيُّ، نِكايَةً بالكُوَيت وأَهْلِها ومُحاوَلَةً لِطَمْسِ تاريخِها البَحريِّ المَجيدِ، بحَرْقِ هذهِ السَّفينَة، فَأَمَرَ صاحِبُ السموِّ أَميرُ البِلادِ الشيخُ جابرِ الأَحمَدُ الصَّباحُ بِإِعادَةِ بِناءِ «المُهَلَّبِ» مَرَّةً أُخْرى، وَهُوَ باقٍ شامِخٌ في مُتْحَفِ الكويتِ الوَطَني في الوَقْتِ الحاضِرِ.

 

وما زالَ الكُوَيتيونَ يَذْكُرونَ البَحْرَ وَأَيَّامَ السَّفَرِ والغَوْصِ والحَياةِ عَلى السَّفينَةِ، ويَذْكُرونَ أَهَمَّ تاريخٍ في حَياتِهِم وهيَ سَنَةُ «الطبعة» (غرق السفن) الَّذي حَدَثَ لِأَهْلِ الكُوَيْتِ في سنة 1288هـ.

والأَمَلُ كَبيرٌ في شَبابِ اليَوْمِ مِنْ أَهْلِ الكُوَيْتِ لِيَذْكُروا بالفَخْرِ والعِرْفانِ أَهْلَ البَحْرِ مِنْ نَواخِذَة ومجدمية وسكونية وبَحَّارَة ونَهامة ومطربين… إلخ، ولا يَنْسُوا أن لِلكُوَيْتِ مَعَ البَحْرِ قِصَصًا طَويلَةً يَجِبُ أَنْ نَذْكُرَها ونَسْتَفيدَ مِنْ عِبَرِها.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى