علم الفلك

طرق حساب معدل تباطؤ الكون والنظريات المسؤولة عنها

1996 نحن والكون

عبد الوهاب سليمان الشراد

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

معدل تباطؤ الكون طرق حساب معدل تباطؤ الكون النظريات المسؤولة عن معدل تباطؤ الكون علم الفلك

وفيما لو حاولنا تحديد ماهية الكون الذي نتواجد فيه ، سنجد أن عالم الكونيات النسبيةRelativistic cosmology فريدمان قد اعتمد على رقمين مهمين لبلوغ تلك النتيجة في تحديد ذلك . ولكي يمكننا وضع نموذج كوني يجب علينا أن ندرك معدل تمدد الكون .

ويعرف الرقم المهم الأول الذي يمثل التمدد ثابت هبل وعادة ما يرمز له Ho ، ولحساب معدل التمدد قام سانداج من مراصد هبل Hale بأبحاث وأرصاد عديدة ودقيقة على الحيودات نحو الأحمر والمسافات التي تفصلنا عن المجرات البعيدة وذلك لسنوات عديدة

وأمكنه بالنهاية بلوغ حساب ثابت هبل ووجد أنه يعادل في 17 كم / ثانية لكل مليون سنة ضوئية ، ويظهر ذلك بما لا يدع مجالا للشك أن أرصادا للسماء تدل على أن للكون تمددا مقداره 17 كم / ثانية لكل مليون سنة ضوئية .

فنجد مثلا أن مجرة تبعد عنا مسافة 100 مليون سنة ضوئية ، يجب أن تتحرك مبتعدة عنا بسرعة 1700 كم / ثانية .

 

أما الرقم الثاني المهم فهو الذي يمثل المعدل الذي يتباطأ به تمدد الكون كنتيجة للجاذبية الذاتية.

ويعرف هذا الرقم  بمعامل التباطؤ Deceleration parameter وعادة ما يرمز له qo  وبإمكاننا تبين معامل التباطؤ من حالة إذا كان الكون فارغا تماما وذو قطع زائد مفتوح جدا فإنه سيكون له معدل تباطؤ يعادل صفرا –qo = صفرا – وبذلك يمكن الإشارة الى أن الكون في تلك الحالة يكون في أقصى ما يمكن بلوغه من انعدام المادة الجاذبية بحيث لا يوجد ما يمكن أن يؤثر في تمدده إطلاقا .

وفي حالة الكون المسطح فإن المادة تتواجد فيه بما يكفي تقريبا لإفلات العناقيد المجرية عن بعضها البعض ، وبذلك سيصبح معدل التباطؤ النصف- qo = 0,05- ، وفي الحالة الأخيرة يكون الكون كريا مغلقا ويفوق معامل تباطؤه النصف، وكلما كان معامل التباطؤ أكبر كلما أسرع الكون بالتوقف عن التمدد لكي يعود مجددا للانكماش.

 

ويمكن من خلال المخططات البيانية لمعدلات تباطؤ مختلفة تبين وإدراك تاريخ بداية الكون عبر تلك المعدلات المختلفة ، ونحن نعلم أننا لو تعرضنا لحجم الكون فإن الأمر سيكون غامضا ومشوشا ، وحتى يصبح ذلك جليا يمكن الإشارة الى المقاييس الكونية بدلا عن حجم الكون في حديثنا التالي.

إن المقاييس الكونية تمثل مسافة شاسعة ما موجدة في الكون ، كأن تكون المسافة الفاصلة بين عنقودين مجريين متباعدين جدا .

 

ويظهر لنا مخطط تاريخ الكون كيف يمكن أن تتغير المسافة الشاسعة بمرور الزمن وقوفا على مقدار معامل التباطؤ.

فإذا كان المعامل مساويا للصفر فإن الكون سيستمر بالتمدد إلى ما لا نهاية ، ولن يحدث له أي تباطؤ مطلقا ، ويجب في تلك الحالة أن يكون عمره نحو 20 بليون سنة.

ولقد تم استنتاج ذلك العمر من معدل التباطؤ الذي له صفر للكون ، أو بمعنى أن معدل التمدد لن يتناقص عن الزمن .

 

 

ولا شك أن عمر الكون لا بد أن يكون أصغر قليلا من 20 بليون نسخة ، فهو ليس فارغا تماما لكي يصبح معدل تباطؤه صفرا ، بل إنه يشتمل على عناقيد مجرية ، وتعمل تلك على إحداث تجاذب متبادل فيما بينها مما يؤدي لبعض التباطؤ ، وذلك بمعنى أن يكون معامل تباطؤه أكبر من الصفر .

وتبعا لما سبق وللعديد من الدراسات فإن تاريخ حدوث الانفجار الكبير يقدر بأقل من20 بليون سنة خلت. 

ويمكن أيضاً استنتاج الحالات المفترضة لمعرفة عمر الكون فحينما يكون مسطحاً qo = 0,5 سيكون عمره نحو 13 بليون سنة .

أما لو كان مغلقا فذلك يدل على أن الانفجار الكبير قد حدث قبل أقل 13 بليون سنة . وأخيرا فلو كان مفتوحا فسيكون عمره بين 13 و20 بليون سنة.

 

وتوجد هناك طرق مختلفة للتنبؤ وقياس معامل التباطؤ ، الذي يمكن التعبير عنه أيضا بكمية مكافئة له ، مثل معدل كثافة الكون أو مقدار تحدبه ، ويبدو واضحا أن أيا من تلك الطريقتين لا يمكن الاعتداد بها بشكل تام .

ونجد أننا بتطبيق هذه النظريات المختلفة يمكن أن نبلغ نتائج متضاربة ، وفيما يلي أسلوب النظريات والطرق التي قادت الى تلك النتائج المتباينة .

تتوقف أحد هذه الطرق للتنبؤ لمقدار معدل كثافة الكون على رصدنا لحركات المجرات والتي يمكن استنتاج المادة التي تحويها ، وحينما نتمكن من قياس ذلك يمكننا معرفة معدل الكثافة إذا ما توزعت كل المادة بشكل متجانس في كل أنحاء الكون.

 

لقد أظهرت الحسابات المرصودة للكون أن الكثافة أقل كثيرا من الكثافة الحرجة ، ويدل ذلك على أنه يتحتم أن يكون شكل الكون مفتوحا وذو قطع زائد ، ويعني ذلك أيضا أنه مستمر في اندفاعه وتمدده الى ما لا نهاية .

وتتطلب طريقة أخرى حساب عمر الكون ، ويمكن بلوغ ذلك بالبحث عن النجوم المعمرة – مثل نجوم العناقيد الكرية – ومحاولة حساب أعمارها .

وقد يكون هناك بديل لهذه الطريقة لتقدير عمر الكون وذلك بقياس الوفرة النسبية للنظائر isotopes النشطة راديويا ، ويمكن عبر هاتين الطريقتين معرفة أن عمر الكون يتراوح ما بين 10-18 بليون سنة .

وهذه النتائج رغم ذلك غير كاملة وغير محدودة ، إذ إنها لا تقدم لنا دلالة على شكل الكون إن كان مغلقا أو مفتوحا (

 

وتقوم نظرية ثالثة على أساس حساب كمية الديوتيريوم ) Deuterium  المتبقية بعد الانفجار الكبير ، وعادة ما يطلق على الديوتيريوم الهيدروجين الثقيل heavy hydrogen ويشكل مرحلة وسطية مهمة في سلسلة التفاعلات النووية الحرارية التي تحول الهيدروجين الى هليوم.

وكما أوردنا سابقاً فإن بعضاً من الهيدروجين الأولي قد تحول إلى هليوم مباشرة بعد الانفجار الكبير ، وعبر سلسلة العمليات التي ساهمت بتحوله الى هليوم وخبو التفاعلات النووية الحرارية

تخلف في الكون بعضاً من الديوتيريوم ، وشكلت كمية الديوتيريوم الأولي عاملاً حساساً ومهماً لتحديد معدل كثافة وعدد الكون البدائي. 

 

ولقد أظهرت القياسات المستقاة من مسح أرصاد الأقمار الصناعية على وفرة الديوتيريوم ، أن هناك مؤشرات قوية على أن معدل الكثافة أدنى كثيراً من الكثافة الحرجة ، ومن الواضح أننا نجد هنا أيضاً مؤشراً آخر على أننا نوجد في كون مفتوح ذي قطع زائد .

وهناك طريقة أخرى يمكن من خلالها قياس تباطؤ الكون بشكل مباشر ، ولعل ذلك يمكن بحساب مقدار الحيود نحو الأحمر والمسافات لأعداد كبيرة من المجرات البعيدة.

ويمكن توضيح تلك العملية برسم الأعمال والنتائج المستقاة ، ولقد أمكن من خلال رصد تلك النتائج وضع مخطط يماثل مخطط هبل ، ولو ظهر لنا في أحد المرات به أن مقدار التباطؤ تكون له فيه عالية فلابد من أن الكون كان يتمدد في الماضي أسرع كثيراً مما يقوم به حالياً

أما لو كان مقدار التباطؤ ضئيلاً فذلك يدل على أنه كان يتمدد بمعدل مماثل لمعدل تمدده حالياً ، وتحتم علينا هذه الاختلافات توسيع مخطط هبل حتى يشتمل على النتائج المصورة للمجرات البعيدة جداً .

 

وكما أسلفنا يجب أن تعطي هذه الطريقة حساباً مباشراً لمعدل التباطؤ. 

ويبدو أنها مثل كل الطرق السابقة تحمل معها الكثير من الشك والغموض لعدم وضوح الأرصاد التي تستقي منها نتائجها ، وذلك ما يدل بشكل واضح التفاوت الحاصل في النتائج المفترضة من الحسابات المرتبطة بذلك .

ومن الطرق المثيرة تلك التي ظهرت في عام 1978 والتي قام بها كلاً من ألان سانداج وجيمس ويستفال J.Westfal وجيروم كريستيان J. kristian من مرصد هبل. 

 

ووجدوا فيها أن قيمة qo = 1,6 ، وهذه القيمة أكبر كثيراً من القيمة الحرجة لكون مسطح – حيثqo  =  0,5 ، – وأثبتوا أننا نقيم في كون مغلق أحدب إيجابياً.

وعلى ذلك يجب أن يكون عمره نحو 12 بليون سنة ، وسوف يستمر بالتمدد حتى يتوقف بعد نحو 60 بليون سنة ، ويتبع توقفه عن التمدد بمرحلة انكماش ، ويتبع ذلك حدوث انفجار كبير آخر للكون وذلك بعد نحو 130 بليون سنة من الآن .

ورغم أن تلك النتائج تعد من أكثر المحاولات دقة لحساب معدل التباطؤ qo مباشرة حتى زمننا الحاضر ، إلا أن سانداج وكريستيان قد حذرا من اعتبار تلك النتائج نهائية لا تقبل الشك.

 

فحينما نرصد مجرة تبعد عنا بليوني سنة ضوئية فإنما تنظر الى الوضع الذي كانت عليه قبل بليوني سنة ، ولا يزال ينقصنا الكثير من البيانات والمعلومات عن الطريقة التي تطورت بها المجرات. 

فلعل المجرات البعيدة قد كانت ألمع في الماضي مما هي عليه الآن ، أو ربما تكون قد خبت

وفي كلا الحالتين تدل تنبؤاتنا على المسافة التي توجد عندها المجرات النائية على احتمال كونها غير دقيقة ، بل قد تكون خاطئة ، ويفترض استنتاج أن qo = 1,6 أن لمعان المجرات الاهليجية لم يتغير عبر الأربعة بلايين سنة الماضية على الأقل .

 

ويحرص الفلكيون عادة على التركيز في أرصادهم للمجرات النائية على المجرات الاهليجية الهائلة الموجودة في عناقيد مجرية غنية.

وتعد تلك المجرات ولا شك من بين ألمع وأبعد المجرات التي يمكن رؤيتها ورصدها ولقد وجدت مجموعة من العلماء مؤخراً أنه يحدث في المجرات الاهليجية التهام مجري galacyk canbalism ونتيجة لوجودها في مراكز العناقيد المجرية ومجالات جاذبيتها الشديدة فإنها تتبع devour المجرات الصغيرة التي قد تقترب أو تمر بجوارها ، وبهذه العملية الشديدة فإنها تنمو وتكبر تدريجياً

ولعل ذلك يفسر لنا سبب كون المجرات الاهليجية الهائلة القابعة في مراكز العناقيد الغنية تبدو دائما بهيئة أكبر من جاراتها ، ولقد دلت الأرصاد على أن الالتهام المجري يغير لمعان المجرات الإهليجية المستخدم في حساب معامل التباطؤ .

 

ويتضح من ذلك أن تفسير معضلة معامل التباطؤ الذي يساهم في إدراك المستقبل النهائي للكون برمته لا يزال بدون إجابة وافية ، ونجد أن الاعتماد على الأرصاد لبلوغ ما نصبوا إليه يعد صعبا جدا ، وذلك يتطلب تركيز جهودنا على المجرات النائية التي يمكن رصدها لكي نستطيع العثور على مؤشر يدل على تباطؤ معدل تمدد الكون .

ولاشك أنه لن يكون باستطاعتنا التأكد دائما عند تلك المسافات الشاسعة عن ماهية الأشياء التي نرصدها.

فالمجرات الاعتيادية تكون قد خبت ولم تعد مرئية تماما ، ولكن يبدو أن المجرات اللامعة تظل وحدها مرئية ، ويلاحظ كذلك أن معظم تلك المجرات هي بلاشك غير اعتيادية .

 

لقد سعد الكثير من الفلكيين كثيرا عندما رصدت أشباه النجوم لأول مرة ، ولقد عملوا على استخدام تلك الأجرام السماوية التي لها حيودات عالية جدا نحو الاحمر كمجسات سماوية ترصد لنا أقصى ما يمكن بلوغه عبر الكون .

ولأن أشباه النجوم تبعد عنا عدة بلايين من السنيين الضوئية فلابد أن الكشف عن تباطؤ تمدد الكون سيغدو أيسر عند تلك المسافات الشاسعة. 

ورغم ذلك يبدو أن الوضع قد انقلب وأصبح أكثر تشابكا، فأشباه النجوم أجرام لها مدى واسع جدا من اللمعان الذاتي ، ورغم أن جميعها لامعة الا أن البعض منها أشد لمعانا من الآخر.

وهذا الوضع يختلف مع المجرات الاعتيادية ، فمجرات منها لنفس النوع – مثل نوع sb الحلزونية – تكون متقاربة كثيرا في لمعانها الذاتي ، ونجد على ذلك لمعان مجرة ما يعد مقياسا مباشرا لبعدها عنا .

 

وعادة ما تكون المجرات اللامعة قريبة منا ، في حين تكون المجرات الأخفت و الأبعد ، ولعل الوضع مختلف من أشباه النجوم ، فلا يوجد مقياس واستنتاج مباشر لعلاقة اللمعان مع المسافة كما هو الوضع مع المجرات .

ولقد استدل عدد من الفلكيين من أرصاد قاموا بها في عادة 1978 على أن شدة بعض خطوط الانبعاث في طيف عدد من أشباه النجوم يمكن اعتبارها مؤشرا مميزا على اللمعان الحقيقي لها ، وذلك يعطينا القدرة على الفصل ما بين أشباه النجوم عالية اللمعان ، وبين تلك منخفضة اللمعان ، وذلك يشبه القدرة على الفصل ما بين المجرات الاهليجية عن الحلزونية .

وبتطبيق الأفكار والملاحظات حول اللمعان الحقيقي لأشباه النجوم سعت مجموعة من الفلكيين من مرصد ليك لقياس معامل التباطؤ ، ولقد أظهرت نتائجهم على أن قيم معامل التباطؤ تفوق القيم التي سبق بلوغها.

 

ويدل ذلك على أن تمدد الكون قد يتوقف في المستقبل البعيد ، وآنذاك ستتراجع الحيودات نحو الأحمر لتصبح حيودات نحو الأزرق Blue shift ويحدث ذلك عندما تبدأ المجرات بالتراجع الى الخلف الى حالة الكثافة اللانهائية. 

وفي تلك الحالة فإن الكون سيسقط برمته بداخل حيز يمثله ثقب أسود ، وتلتحم كل الطاقة والمادة ببعضها وسينشأ في ذلك الحين كون جديد من رفات الكون القديم.

وهكذا سيكون موت الكون بداية لكون آخر جديد ، ولاشك أنه ورغم التفاوت في النتائج إلا أن الأرصاد والأبحاث المتواصلة لابد أن تقربنا يوما من الحقيقة المؤكدة أو القريبة من تاريخ ولادة الكون ، ولاشك أن ذلك هدف لابد من بلوغه .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى