النباتات والزراعة

تعريف عملية “الريّ” وأهميتها للنبات والأسس التي ترتكز عليها

1995 ري وصرف ومعالجة التملح

د.علي عبدالله حسن

KFAS

عملية الريّ النباتات والزراعة الزراعة

نعني به تقديم الماء للمزروعات بأسلوب غير المطر الطبيعي ، أي بوساطة الإنسان للتوصل إلى إنتاجية نباتية مثلى (Optimum) سواء من زاوية الكم أو الكيف .

ويمكننا القول ، بشكل عام وأساسي ، إن الماء ضروري وحياتي بالنسبة للعمليات الفيزيولوجية الرئيسة داخل الجسم النباتي ، مثل التمثيل الضوئي والنتح . 

وهو أيضاً ضروري وحياتي بالنسبة لتحولات الفيزيولوجية التي تحصل داخل الجسم النباتي ، وتؤدي إلى عمليات البناء النباتية وتشكل المحاصيل الزراعية .  وهكذا فلا يمكن تصور وجود نبات بدون توافر الماء .

 

تخضع المزروعات في الظروف الطبيعية ، وخلال الدورة الزراعية للهطول المطري (R) من جهة ، وللبخر النتح (E) من جهة أخرى . 

فعندما يكون الهطول المطري (R) أكبر ، أو مساوياً للبخر – النتح (E) عندها لا تحتاج المزروعات للري . 

أما عندما يصبح التبخر – النتح (E) أكبر من الهطول المطري (R) عندها لا بدَّ من الري للتوصل إلى إنتاجية مثلى (Optimum) .

 

تبعاً لهذا فإن القصد من الري هو جعل النباتات الزراعية تمارس وظائفها الفيزيولوجية بشكل طبيعي ، وعدم تعرضها للإجهاد (Stress) الذي قد يؤثر في الإنتاجية ، من جراء نقص الماء اللازم .

وباختصار فإن الري يعني تعويض الماء المفقود بالبخر والنتح معاً والذي لا يستطيع الهطول المطري تغطيته .

والري ، كوسيلة استصلاحية للأتربة ، يتألف من سلسلة من العمليات التكنولوجية ، التي لا بدّ أن تسبقها دراسات تمهيدية وتصميمية ليصبح بالإمكان تنفيذ الري كمشروع . 

 

لا شك في أن الري هو تقنية قديمة جداً في عمر الحضارة الإنسانية .  والحضارات الكبرى في التاريخ القديم نشأت على ضفاف الأنهار ، حيث كان الماء متوافراً للتوصل بوساطة الري إلى محاصيل عالية نسبياً ، وبالتالي إلى وضعية اقتصادية مستقرة .

ومع تقدم العلم والتكنولوجيا المسايرة للعلم فإن الري جاري هذا التطور أيضاً ، وذلك بقصد زيادة إنتاجية ساعة العمل الإنساني من جهة ، وزيادة المردود الاقتصادي من جهة أخرى .

 

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : ما الأسس التي يرتكز عليها مشروع ري ما؟

للإجابة عن سؤال كهذا لا بدّ من وضع مفهوم حاجة النبات المائية (أو ما يسمى باللغة الإنجليزية الاستعمال الاستهلاكي للنبات) ، أمام ناظرينا ، ذلك أن هذا المفهوم يشمل : البخر ، والهطول المطري والجرعات المائية المقدمة بوساطة الري . 

وأيضاً إعتبارات أخرى مثل الحدود الدنيا والعليا للجرعات المائية لتجنب تعريض النبات والتربة لحالتين حديتين هما : الإجهاد بالنسبة للنبات والخسارة المائية بالنسبة للتربة ، سواء بسبب الانسياب السطحي أو الرشح إلى العمق .

 

وهكذا يصبح من الممكن تحديد الإجابة عن السؤال السابق بالعوامل الثلاثة التالية :

العوامل المناخية ، والعوامل النباتية ، والعوامل البيدولوجية (الترابية)

 

– العوامل المناخية

يحدد العاملان المناخيان البخر (E) والهطول المطري (R) احتياجات النباتات المائية ، أي إن كمية الماء المقدمة كري (I) يمكن التعبير عنها بالعلاقة التالية :

الهطول المطري (R) في المعادلة (1) أعلاه هو قيمة مناخية مقيسة ويعبر عنها عادة بالقيمة الوسطية لعشرة سنين . 

أما البخر فهي ليست قيمة مناخية صرفة ، ذلك لأن البخر المعني هنا هو بخر السطح المكشوف مضافاً إليه النتح النباتي . 

من هنا فإن حساب البخر (الذي لا بدّ أن يكون قابلاً للمقارنة مع قيم مقيسة) سوف يتضمن عاملاً نباتياً ، وأيضاً ، وإلى حد ما ، قد تلعب التربة دوراً في البخر الواقعي ، ذلك لأن بخر سطح التربة يختلف عن بخر سطح مائي مكشوف (سطح الماء المكشوف يمثل البخر الأعظمي) .

 

– العوامل البيدولجية (الترابية)

لقد بينا في المعادلة (1) أن الحاجة المائية للنباتات أو الاستعمال الاستهلاكي المائي للنباتات يمكن حسابها من البخر – النتح مطروحاً منها الهطول المطري . 

لكن كمية ماء الري المطلوبة هذه لا يمكن تقديمها دفعة واحدة ، بل لا بدّ من توزيعها على شكل ريات . 

ويستند حساب كمية الماء اللازمة لكل رية بشكل رئيس على عوامل ترابية . ويمكننا إجمال هذه العوامل بثلاثة مفاهيم رئيسة هي : السعة الحقلية والماء الميت والماء المتاح .

 

السعة الحقلية التي يرمز بها بــ (FC) يمكن تحديدها على أنها كمية الماء التي تحتفظ بها التربة المشبعة بالماء بعد صرف ماء الجاذبية الأرضية . 

ويمكن قياس السعة الحقلية مخبرياً بطريقة صرف العيينات الرابية المشبعة (وغير المضطربة) بتوتر معين .  كما يمكن أخذها من منحنيات pF التربة المعنية في حال كون منحني pF لهذه التربة معلوماً.

ومنحنى pF هذا يمثل اللوغاريتم السالب للتوتر المقدر بالسنتيمتر من العمود المائي على أساس أن pF أحد محاور إحداثيات هذا المنحني .

 

والمحور الآخر لإحداثيات هذا المنحني هو رطوبة التربة مقدرة بالنسبة الحجمية للماء في التربة (Vol%).  واستناداً إلى معطيات منشورة ]في [173, 24) فإن السعة الحقلية (FC) لا تمثل نقطة معينة على هذا المنحنى ، بل هي عبارة عن مجال عليه . 

هذا المجال يمكن أن يتدرج من pF=1,8 وحتى  pF = 2,5.  علماً أن السعة الحقلية تعني كمية الرطوبة الموجودة في التربة تحت نقطة توتر متأرجحة بين (pF = 1,8-2,5) ، وذلك تبعاً لنوع التربة.

لكن عملية وضع خطة تصميمية لمشروع ري ما تستدعي بالمقابل تحديداً ثابتاً لـــ FC .  لهذا فقد تعارف الباحثون ]من [141 على تحديد FC بالنسبة لمشاريع الري على أنها قيمة الرطوبة المقابلة لـــ (pF = 2,5) .

 

أما الماء الميت فيعني تعريفاً : الماء الذي تحتفظ به التربة عندما يبدأ النبات بالذبول ؛ لهذا تسمى هذه النقطة على منحنى وتتضمن نقطة الذبول في حدودها التعريفية أيضاً أن النبات عندما يصل إلى هذه النقطة من الإجهاد المائي فإن التغيرات التي ستطرأ عليه لن تكون قابلة للإعادة (irreversibel) . 

ولقد حددت نقطة الذبول في المجال التعريفي أيضاً على أنها النقطة من التفريغ المائي للتربة التي يبدأ عندها نبات عباد الشمس بالذبول .

 

ولقد حددت معطيات منشورة [173] نقطة الذبول بأنها نقطة التفريغ المائي للتربة عند (pF = 4,2) اي 15 ضغط جوي .   أما الماء الميت (PW ) فهو ماء التربة المقابل لتفريغ مائي عند pF  = 4,2 .

يتم قياس الماء الميت بصرف العيينات الترابية المشبعة بالماء والمضطربة عند ضغط 15 ضغط جوي .  والقيمة الناتجة عن هذا القياس تكون مقدرة بالنسبة المئوية الوزنية للماء في التربة (%) . 

وللحصول على قيمة بالنسبة المئوية الحجمية (Vol. %) تضرب قيمة النسبة الوزنية بالكثافة الظاهرية للتربة أما الماء المتاح فهو تعريفاً (nFC) [173]

 

من ناحية أخرى تؤثر مواصفات التربة الأخرى مثل ، القوام ، والبناء ، والناقلية المائية ، والنفوذية في اختبار طريقة الري ، وايضاً في كثافة الري .  من هنا يمكن اعتماد كثافة ري عالية في الأتربة الخفيفة القوام (الرملية) نظراً لكونها جيدة الناقلية المائية وجيدة النفوذية . 

في حين يتطلب الأمر في الأتربة الثقيلة القوام (الطينية) اعتماد كثافة ري منخفضة تجنباً للأنسياب السطحي بسبب انخفاض الناقلية المائية لمثل هذه الاتربة ورداءة نفوذيتها .

 

– العوامل النباتية

لقد بيّنا فيما تقدم أن حساب الحاجة المائية للنباتات الزراعية يتعلق بشكل مباشر بالبخر – النتح .  والنتح على وجه التحديد هو بخر سطح النبات الأخضر . 

ويختلف النتح من نبات لآخر ، كما أن النوع النباتي الواحد وحتى الصنف الواحد يمكن أن ينتج أكثر إذا توافر له الماء بكميات كبيرة ، وأيضاً إذا توافرت له شروط النمو الأخرى .  وهذا ما يمكن أن نطلق عليه مفهوم استعمال كمالي للماء من قبل النبات . 

وتبعاً لمعطيات منشورة [141] يمكن التعبير عن النتح النباتي بمفهوم عامل النتح .  ويعني عامل النتح كمية الماء اللازمة لإنتاج كيلو غرام واحد من المادة الصلبة لنوع نباتي معين . 

 

وهكذا فإن عامل النتح يختلف من نبات لآخر فهو بالنسبة للفاصولياء من (450-500mm) وللذرة الصفراء (200-400mm) .  ولقصب السكر من [141] (700-1000mm) .

هذا ، إضافة إلى ذلك فإن عمق الجذور النباتية يعد عاملاً محدداً بالنسبة لإمكانية احتفاظ التربة بالماء بين الريات .  ويختلف عمق الجذر من نوع نباتي لآخر   [39].

ويتراوح بالنسبة للخضراوات بين (60cm و 30) وللفصة بين (180cm و 90) وللبصل بين (30, 75cm).

 

وهكذا يبدو واضحاً أن وضع خطة ري يتطلب معطيات كثيرة سواء من الزاوية المناخية أم الترابية أو النباتية .  وهنا لا بدّ من  الإشارة إلى أن القيم التوافرة عادة هي على العموم قيم وسطية ، وبالتالي فلا بدَّ للمصمم من أخذ هذه المعايير في الحسبان عند وضع الخطة . 

كما أن تصميم مشروع وتنفيذه يتطلبان دراية كافية بالأمور التقنية سواء من زاوية التصميم (الأقنية أو الأنابيب أو اختيار منظومة الري المناسبة) ، أو من زاوية التنفيذ وسير العمل في المشروع . 

هذا إضافة إلى الإبقاء على المنظور الاقتصادي في مركز توجه المصمم ، سواء من زوية المردود ، أو من زاوية المحافظة على إنتاجية التربة ، أو من زاوية الاقتصاد في استهلاك الماء .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى