إسلاميات

فضل “الصدقة” والأمور الواجب مراعاتها عند إخراجها

2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الصدقة فضل الصدقة الأمور واجب مراعاتها عند إخراج الصدقة إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة

لا يَخْلُو مُجْتَمَعٌ من ضَعيفٍ يحتاجُ إلَى مُساعَدَةٍ، ومِنْ عاجِزٍ يَحْتاجُ إلَى إقْدارٍ، ومِنْ مَلْهوفٍ يحتاجُ إلَى إغاثَةٍ، ومن فقيرٍ يحتاجُ إلَى إعَانَةٍ. وكلُّ عاقِلٍ يَعْلَمُ أنَّ القَوِيَّ قد يَضْعُفُ، والقَادِرَ قد يَعْجِزُ، والغَنيَّ قد يَفْتَقِرُ، وهكذا…..

والفِطْرَةُ السَّليمَةُ تَتَحرَّكُ بالعَواطِفِ البَشَـرِيَّةِ نَحْوَ مُساعَدَةِ العاجِزِ والضَّعيفِ والمُحتاجِ وإِغاثَةِ المَلْهوفِ.

ولكنَّ الشَّريعَةَ الإسْلامِيَّةَ لم تَتْرُك «حَاجَةَ الإِنْسانِ وكَرَامَتَهُ» لتَقَلُّبَاتِ العَواطِفِ، ولِذَلِكَ قَنَّنَتْ الإعاناتِ المالِيَّةَ وجَعَلَتْها دَرَجاتٍ:

 

فهناكَ مَعوناتٌ واجِبَةٌ في الأَمْوالِ، وهي حَقٌّ للمُحْتاجِ في مالِ القَادِرِ، وهَذِه تسمَّى «زَكاةً».

فإذا تَبَرَّع الإنْسانُ لمُحتاجٍ أو عاجِزٍ أو مَلْهوفٍ بِجُزْءٍ من مالِهِ، تَقَرُّبًا إلى اللهِ تعالَى، سُمِّيَ هَذا التَّبَرُّعُ «صَدَقَةً». وقد عرَّفَها الفُقَهاءُ بأنَّها «تَمْليكٌ في الحياةِ، بِغَيْرِ عِوَضٍ، علَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ إلَى الله تَعالَى».

والصَّدَقَةُ مَشْروطَةٌ بِصِدْقِ النِّيَّةِ وإِخْلاصِها للهِ عزَّ وجَلَّ، فهي لَيْسَتْ بِسبَبِ الصِّلَةِ والمَودَّةِ، وإلاَّ كانَتْ «هِبَةً»، ولَيْسَتْ بِقَصْدِ الإِكْرامِ والمُجامَلَةِ، وإلاَّ كانَتْ «هَدِيَّةً»، فهذهِ وتِلْكَ يجوزُ الرُّجوعُ فيهِما واسْتِرْدادُهُما، أمَّا الصَّدَقَةُ فَهِيَ للهِ وَحْدَهُ، فلا رَجْعَةَ فيها، ولا تُسْتَرَدُّ.

 

ويَجِبُ أنْ تكونَ الصَّدَقَةُ مِنَ المَالِ الجَيِّدِ، لا مِن الرَّديءِ، لِقَوْلِه سُبْحانَهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) (البقرة 267).

ومَعْنَى «ولا تَيَمَّموا الخبيثَ»: لا تَقْصِدُوا ولا تَخُصُّوا المالَ الرديءَ بالإنْفَاقِ، «ولستم بآخذيه إلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيه» أَيْ: لو عُرِضَ عَلَيْكُم هذا المالُ الرديءُ لَمْ تَأْخُذوه إلاَّ عَلَى كُرْهٍ أو حَياءٍ.

كذلك لِقَوْلِه في آيةٍ أُخْرَى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) (آل عمران 92).

 

ويَنْبَغي تَنْزيهُ الصَّدَقَةِ عَنْ أيِّ غَرَضِ دُنْيَوِيٍّ، كضَمانِ وَلاءِ المُتَصَدَّقِ عَلَيْه. كما يَنْبَغي تَنْزيهُها عن المُباهَاةِ والمُراءَاةِ. ولِذَلِكَ كانَتْ صَدَقَةُ السِّرِّ الّتي تُعْطَى في خفاءٍ أَفْضَلَ من صَدَقَةِ العَلانِيَةِ.

قال تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (البقرة 271)، وفي الحديث الشَّريفِ: «صَدَقَةُ السِّـرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ».

 

وأَيُّ إِيذاءٍ لآخِذِ الصَّدَقَةِ، أو افْتِخارٍ عَلَيْه، أو تَعْييرٍ لَهُ، هو إِبْطالٌ لِمَعْنَى الصَّدَقّةِ في الدُّنْيا ولأَجْرِها في الآخِرَةِ، لقولِهِ تعالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (البقرة 264).

 

وهناكَ أُمورٌ أُخْرَى مُهِمَّةٌ في فِقْهِ الصَّدَقَةِ:

1- أَنْ يكونَ المُتَصَدِّقُ من أَهْلِ التَّبَرُّعِ، مُتَّصِفًا بالعَقْلِ والرُّشْدِ، فلا تَصِحُّ الصَّدَقَةُ من مَجْنونٍ أو صَغيرٍ أو سَفيهٍ.

2- الأَوْلَى بالصَّدَقَةِ الأَقْرَبُ فالأَقْرَبُ، كالأَهْلِ والجِيرانِ وسُكَّانِ الحيِّ… وهَكذَا.

3- تُعْطَى الصَّدَقَةُ للمُحْتاجِ مَهْما يَكُنْ دينُهُ، فهو أَخٌ في الإنْسانِيَّةِ، بَلْ قَال صَلَّى الله عليه وسلَّم في الحديثِ المتَّفَقِ عَلَيْه: «في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ»، أيْ في كلِّ حَيٍّ من البَشَـرِ والحَيوانِ.

4- عَلَى الغَنيِّ والقَادر علَى الكَسْبِ التَّعَفُّفُ عَنْ أَخْذِ الصَّدَقَةِ، فإنَّها كما جَاء في الحَديثِ «لا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ، ولا لِذي مِرَّةٍ قَوِيٍّ».

 

ويُعَلِّمُنا الرَّسولُ، عَلَيه أَفْضَلُ الصَّلاةِ وأَزْكَى السَّلامِ، أنَّنا نَسْتطيعُ أَنْ نتوَسَّعَ في فَهْمِنا لِمَعْنَى «الصَّدَقَةِ» لتَشْمَلَ كلَّ ما نتطوَّعُ بِهِ مِنْ أَعْمَالِ الخَيْرِ والبِرِّ، ولا تَقْتَصِرَ على التَّبَرُّعِ بالمالِ.

فالصَّدَقَةُ يمكنُ أنْ تَشْمَلَ: الكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ، ومُقابَلَتَك أَخاك بالبِشْرِ، وإِزاحَةَ ما يُؤْذِي المارَّةَ مِن الطَّريقِ، والعَدْلَ بين اثْنَيْنِ مُخْتَلِفَيْن علَى أمْرٍ من الأُمورِ، وإغاثَةَ المَلْهوفِ، والأَمْرَ بالمَعْروفِ والخَيْرِ، والإمْسَاكَ عن الشَّرِّ، وغَيْرَ ذَلِكَ من أَعْمالِ البِرِّ. هكذَا يَسْتطيعُ كلُّ إنْسانٍ، حتَّى الفقيرُ الّذي لا يَمْلِكُ مالاً، أنْ يَتَصَدَّق.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى