شخصيّات

نبذة عن حياة العالم “بركين”

1999 تاريخ الكيمياء

صلاح محمد يحياوي

KFAS

العالم بركين شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

عرف الصينيون والمصريون القدماء منذ غابر الزمان صبغ النسج بالأصبغة الطبيعية النباتية كالنيلة، والحيوانية كالدودة الحمراء.

وبقي الأمر على هذا المنوال إلى أن جاء الكيميائي البريطاني الشاب ويليام هنري بركين عام 1856م، واكتشف صبغة اصطناعية هي النيلين (الأنيلين) القرمزي أو الموفئين، ثم أخذت تنمو منذئذ في العصور الحديثة تشكيلة ضخمة من الأصبغة الاصطناعية.

وفي عام 1845م أسست الكلية الملكية للكيمياء في لندن، واختير أوغست ويلهلم فون هوفمان ليكون مديراً لها، وهو اختصاصي بالكيمياء العضوية، وهو الذي اكتشف ألدهيد النمل أو الفورم ألدهيد، كان فون هوفمان يقوم وفق طريقة شخصية ببحوث مستفيضة حولطبيعة قطران الفحم الحجري ومشتقاته التي تشتمل على المركب المعروف باسم النيلين او الأنيلين.

وانتسب ويليام بركين، وهو في السابعة عشر من عمره إلى الكلية الملكية للكيمياء ، وكان ذلك عام 1853م، وسرعان ما توسم فيه هوفمان أن يغدو باحثاً لامعاً، فعينه مساعداً مخبرياً، وبدأ بركين في العام التالي بناء على اقتراح من هوفمان برنامج بحث يحاول فيه اصطناع الكينين بدءاً من المنتجات الثانوية لقطران الفحم الحجري.

 

ومع أن تركيب الكينين كان معروفاً عندئذ، إلا أنه بنيته الجزيئية الشديدة التعقيد كانت مجهولة كلياً، وما كان بركين يرمي من اصطناع الكينين في ذلك الوقت، إلى هدف عملي، فحصل في محاولاته لإنتاج الكينين بإخضاع النيلين أو الأنيلين إلى سلسلة من التفاعلات الكيماوية.

حصل بدلاً منه على سائل دبق داكن اللون صعب التصنيف ذي انعكاسات قرمزية، واختبر بركين ما قد يحصل عند إضافة شيء من الغول الإيتلي (الكحول) إلى منتجه فرأى ان لون السائل الدبق سرعان ما غدا أزرق قرمزياً جميلاً.

ولم يتلكأ يركين في استثمار الإمكانات التجارية لاكتشافه، إذ سرعان ما أرسل عينة للتحليل لاختبار إمكانات منتجة صباغاً، وما إن وصلت النتائج حتى طلب براءة اختراع، ولم يحصل عليها بسهولة لأنه كان صغير السن في الثامنة عشرة من عمره، ووقفت عثرة في طريقه خلافات بيروقراطية حول ما إذا كان بإمكان القاصر الذي لم يبلغ الحادية والعشرين من عمره الحصول – من الناحية القانونية – على براءة اختراع.

وفي عام 1857م، أي بعد سنة من حصوله على أول صباغ من الأنيلين ترك بركين الجامعة، وافتتح متجراً مع والده وأخيه توماس لصنع النيلين أو الأنيلين في شركة كيماوية في هارو في مقاطعة ميدل سكس.

 

وأعجب الصباغون الفرنسيون بصباغ بركين، وسرعان ما ازداد إنتاج المصنع، وأطلق بركين على اللون اسم "الموف" وتحول الموفئين إلى "موضة العصر"، وما أن بلغ بركين الثالثة والعشرين حتى غدا رجلاً ثرياً ثراء عظيماً، كما غدا السلطة الأولى في الأصبغة الصنعية، وفتح له نجاحه هذا حقلاً جديداً في البحث التجاري.

وحذا كثير من الكيميائيين حذوه، وبخاصة في فرنسة وألمانية، وأخذوا يبارونه، حتى أن أستاذه العجوز هوفمان انكب على هذا الحقل من البحث فاكتشف صباغاً أحمر بنفسجياً دعاه "ماجنتا MAGENTA" باسم المدينة الإيطالية التي انتصر فيها الفرنسيون على البلدان النمساوية عام 1859م.

وبقي الرأسماليون المحافظون في الصناعة البريطانية يعدون التطبيقات الصناعية للبحث الكيماوي مريبة، لذلك غدت ألمانية مركز البحث الكيماوي العالمي، وبناء على اكتشاف بركين أُسّس كثير من الشركات الألمانية الكبيرة، وانسحب بركين من عالم التجارة وهو في الخامسة والثلاثين من عمره ليتفرغ للبحث العلمي.

 

وبعد سنة من انسحابه اصطنع "الكومارين"، المادة العطرية المعروفة برائحة مميزة هي رائحة الفصفصة – المقطوفة حديثاً، وكان هذا الاكتشاف بداية صناعة العطور الاصطناعية.

ومن جدير ازدهر اكتشاف بركين في القارة الأوروبية، وفي سنة 1906م، وقبل وفاة بركين بعام واحد، وكان ذلك في الذكرى الخمسين لاكتشافه العظيم الأول منح بركين لقب فارس (السير ويليام هنري بركين) .

ومن أبرز اكتشافات بركين الأخرى اصطناعه حمض الطرطر، واكتشافه طريقة لتغيير البنية الذرية لبعض المركبات العضوية، وقد عرفت الطريقة باسم "فعل بركين"، هذا وتشكل الأصبغة الاصطناعية الشائعة التي يبلغ عددها اليوم 3500 صباغاً تكريماً حياً لما اتصف به بركين من علو الهمة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى